نشرت وسائل إعلام ومنافذ أخبار أفريقية ومغربية، بدءًا من 22 يوليو/تموز الفائت، خبرًا عنونته بـ"مركز دولي للأبحاث يستنكر التجنيد الممنهج للأطفال في تندوف".
لكن، وبعد الاطلاع على متن الخبر المتداول، تبيّن أن التسمية الكاملة للمركز المشار إليه هي "المركز الدولي للأبحاث حول الوقاية من تجنيد الأطفال"، ويقع في مدينة الداخلة الموجودة في قسم الصحراء الغربية الخاضع لسيطرة المغرب.
ما هو المركز الدولي للأبحاث حول الوقاية من تجنيد الأطفال؟
تقول وكالة الأنباء المغربية، إن المركز الدولي للأبحاث حول الوقاية من تجنيد الأطفال افتُتح في مارس/آذار 2022، وأن وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، هو من أشرف على افتتاحه رفقة المدير العام للمركز، عبد القادر الفيلالي.
وتضيف الوكالة أن والي جهة الداخلة، والسفير المدير العام للوكالة المغربية للتعاون الدولي، وعدد من المنتخبين والقناصل، والقناصل العامين لبلدان أفريقية في الداخلة قد حضروا الافتتاح، الذي شارك فيه أيضًا وزيرا خارجية غامبيا وجزر القمر، ونائب وزير خارجية الصومال، بالإضافة إلى وزيرة الدولة للتعاون الدولي في غينيا بيساو.
ويهدف المركز، وفق ما ورد على موقعه الإلكتروني الرسمي، إلى دعم جهود الوكالات الأممية والمنظمات الوطنية والدولية، لتطوير أجندة أبحاث مشتركة لمعالجة الهشاشة الكبيرة للأطفال في مناطق النزاع. كما أوضح الموقع الرسمي أن دولة المغرب شريكٌ مؤسس للمركز.
وفي حين لم ينشر الموقع الإلكتروني للمركز وصفحتاه الرسميتان على موقعي فيسبوك ولينكد-إن نص البيان، عثر “مسبار” على صورة له منشورة في وسائل إعلام.
نص البيان المنقول عن المركز الدولي للأبحاث حول الوقاية من تجنيد الأطفال
نشرت وسائل إعلام صورة بيان مكتوب أصدره المركز الدولي للأبحاث حول الوقاية من تجنيد الأطفال في 21 يوليو الفائت. وأدانت مقدمة البيان، المكتوب باللغة الفرنسية، "الانتهاكات والتجنيد الممنهج للأطفال في مخيّم تندوف في الجزائر". وعبّر المركز في نص البيان عن "قلقه العميق من تواصل التجنيد الممنهج للأطفال في مخيّم تندوف"، وقال "إنّه شهد استعراضًا لمئات الأطفال (فتيانًا وفتيات بأزياء عسكرية موحدة)".
وحمّل المركز، الجزائر، المسؤولية القانونية والأخلاقية لـ "الانتهاك الصارخ وتجاهل القانون الدولي الإنساني على أراضيها،" مذكرًا بالتزامها "باحترام وحماية وتجسيد حق الأطفال في الحياة، في الحياة الخاصة وفي حرية الرأي والتجمع السلمي"، كونها طرفًا في الاتفاقية المتعلقة بحقوق الطفل.
كما دعا البيان جميع نشطاء حقوق الإنسان والباحثين والصحافيين لإعمال ضميرهم المهني ونزاهتهم الفكرية، “لكي لا يمارَس أيّ ضغط على الآباء من طرف ميليشيا البوليساريو”.
وأُرفِق البيان بمقطع فيديو من مشهدين، قال المركز إنّهما صُوّرا في ديسمبر/كانون الأول 2022 ويوليو 2023.
ما حقيقة المشهدين اللذين تضمنهما مقطع الفيديو الصادر عن المركز؟
تحقّق مسبار من المشهدين اللذين تضمّنهما مقطع الفيديو الصادر عن "المركز الدولي للأبحاث حول الوقاية من تجنيد الأطفال"، وتبيّن أنّ أوّلهما نُشر للمرة الأولى على موقع تيك توك في 20 يونيو/حزيران الفائت، على حساب كان يسمّي نفسه حينها "مصمم صحراوي"، لاحظ مسبار أنّه عادة ما ينشر مضامين “داعمة" لموقف البوليساريو.
ويظهر في المشهد أطفالٌ من الجنسين، تؤطرهم نساء مدنيات يرتدين الزي التقليدي لمنطقة الصحراء الكبرى. وتظهر في خلفيته أعلام صحراوية ولافتة لم يتمكّن مسبار من تحديد ما كُتب عليها. كما يظهر على اليمين واليسار رجلان، يرتدي أحدهما الزي العسكري ويمسك ورقة بيده، في حين يرتدي الآخر زيًّا مدنيًّا وبدا أنّه يقوم بتصوير الحدث. ويهتف الأطفال في الفيديو بشعار استطاع مسبار أن يُميّز منه كلمتي "الانتصار" و"الصحراء". وفي الفيديو أيضًا، يعلو صوت الزغردة، الذي عادة ما تستخدمه النساء للتعبير عن الفرحة والاحتفال. كما تجدر الإشارة إلى عدم ظهور أيّ أسلحة في الفيديو.
وتواصل مسبار مع ناشر المقطع على تيك توك للاستفسار عن أصله، لكنه لم يتلق ردًا حتى لحظة نشر هذا التحقيق.
أمّا المشهد الثاني، الذي ادّعى بيان المركز أنه يعود لشهر ديسمبر 2022، فقد وجد مسبار أن تاريخ نشره أقدم من ذلك، وأن حسابًا ناطقًا بالإسبانية شاركه على موقع فيسبوك منذ 28 فبراير/شباط 2020. وذكر الناشر في وصف المقطع أنَّ من يظهرون فيه هم "أطفالٌ مجنّدون في جبهة البوليساريو".
وأَرفقَ الناشرُ الوصف برابط يُحيلُ إلى موقع إخباري ناطق باللغة الإسبانية، اسمه "Tribuna Digital 7"، نشرت قناته على يوتيوب المشهد أيضًا في 28 فبراير 2020. وجاء في صندوق وصف الفيديو على يوتيوب تذكيرٌ بإعلان حقوق الطفل الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي "يكفل حقوق الطفل في الحماية والتعليم والرعاية الصحية والسكن والتغذية الكافية،" ولم يتضمن الوصف إشارة إلى موقع تصوير المقطع.
ولا يستبعد مسبار أن تكون هناك صلة بين ناشر المقطع على فيسبوك والموقع المتوقّف حاليًا عن العمل وقناته على يوتيوب، وذلك بالنظر إلى تطابق بيانات الاتصال.
وفي المشهد يظهر فتية ببدلات عسكرية متمايزة، مصطفون في خطوط مستقيمة وأيديهم مضمومة إلى صدوهم، ويهتفون بشعار لم يتمكّن مسبار من تمييز كلماته. ويظهر فيه أيضًا رجلٌ بملابس مدنية، يتخلل الصفوف ويوثّق الحدث بكاميرا هاتف محمول.
أمّا على جانبي الطريق، فتظهر سيدات ورجال بملابس تقليدية، بالإضافة إلى عدد من الأطفال بالملابس المدنية، كانوا يراقبون استعراض نظرائهم بالبدلات العسكرية.
وتجدر الإشارة إلى أن تاريخ 28 فبراير 2020 هو أقدم تاريخ توصّل إليه مسبار في بحثه عن أصل المقطع.
توضيحات المركز الدولي للأبحاث والوقاية من تجنيد الأطفال
حاول مسبار التواصل مع المركز الدولي للأبحاث حول الوقاية من تجنيد الأطفال، منذ 26 يوليو الفائت، لكنه تلقّى إشعارًا مفاده أن عنوان البريد الإلكتروني، المأخوذ من الصفحة الرسمية للمركز على فيسبوك، "غير موجود". ولم يتلقَّ مسبار ردًّا على طلبات توضيح بعث بها لمدير المركز، عبد القادر فيلالي، على ليكند-إن وعبر البريد الإلكتروني.
وتمكن مسبار في 20 أغسطس/آب الجاري، من الاتصال بالكاتب العام للمركز، ناجي مولاي الحسن، وتأكّد منه أن نص البيان ومقطع الفيديو، الذي تضمّن المشهدين أعلاه، قد صدرا بالفعل عن المركز. لكن مولاي الحسن بادر بالإشارة إلى أن تاريخ المشهد الأول يعود إلى مايو/أيار 2023، وليس إلى يوليو 2023، مثلما ظهر في المقطع الصادر عن المركز.
وفي ردّه على سؤال مسبار حول كيفية حصول المركز على المشهدين المرفقين بالبيان، قال ناجي إن المركز يعمل مع “منظمات صحراوية تنشط في مجال مكافحة تجنيد الأطفال في تندوف، وأنَّ صلاتهم بالناشطين سمحت لهم بالوصول إلى هذه المواد”.
لكن بحث مسبار أظهر أن المركز لم ينشر المشهدين بشكل حصري، وأن ظهورهما على الإنترنت سبق صدور بيانه. وفي حين لم يتمكّن مسبار من التحقق مما إذا كان المشهد الأول يعود فعلًا لشهر مايو الفائت، مثلما ذكر الكاتب العام للمركز، وجد أن المشهد الثاني قديم، ويعود إلى فبراير 2020 على أقل تقدير، وهو ما ينفي صحة ما قاله المركز الدولي للأبحاث حول الوقاية من تجنيد الأطفال في بيانه، عن أنّه يعود لشهر ديسمبر من العام الفائت.
ولدى سؤال ناجي عن الدراسات أو التقارير أو التحقيقات، التي توصّل المركز من خلالها إلى وجود تجنيد ممنهج للأطفال في مخيّمات تندوف، أفاد بأن المركز على صلة بقُرابة عشرة أشخاص من الصحراء الغربية، لجؤوا إلى المغرب، وقدموا شهادات وصورًا تظهر تجنيدهم في سن صغيرة.
كما أشار إلى أن حداثة المركز (زمنيًا) تفسّر عدم نشره تحقيقات أو دراسات حتى الآن، وأضاف أن المركز أصدر تقريرين من قبل، لكنهما لم يُنشرا. وقال إنه من المزمع أن يُصدر المركزُ تقريرًا تفصيليًا حول آفة تجنيد الأطفال في مختلف دول العالم، خلال الشهرين المقبلين.
ولدى سؤاله عن الجهات التي تموّل المركز وعمّا إذا كانت المغرب يساهم في تمويله، قال إنهم يتلقّون دعمًا من منظمات في كندا والولايات المتحدة الأميركية، دون أن يذكر أسماء تلك المنظمات. واعتذر عن مشاركة معلومات أكثر بهذا الخصوص "كون صفته لا تسمح له بمشاركة هذا النوع من المعلومات"، واقترح أن نتواصل مع رئيس المركز، عبد القادر فيلالي، الذي حاول مسبار التواصل معه بالفعل ولم يتلقَّ منه ردًا.
توضيحات ممثل جبهة البوليساريو
تمكّن مسبار من التواصل مع أُبيّ بشراي البشير، ممثلٌ لجبهة البوليساريو في سويسرا ولدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في جنيف، وسأله عن حقيقة المشهدين اللذين نشرهما المركز الدولي للأبحاث حول الوقاية من تجنيد الأطفال.
ورجّح بشراي البشير أن يكون المشهد الأول لـ "مجموعة كشافة خلال نشاط ترفيهي مدرسي لا صلة له بأي عمل عسكري".
وأضاف لاحقًا أن المشهد الثاني "يعود لاستعراضات أدّاها تلاميذ متوسطة الشهيد بلا أحمد زين بمخيّم ولاية سمارة، أثناء مشاركتهم في الاحتفالات المخلّدة لذكرى إعلان قيام الجمهورية الصحراوية في 27 فبراير 2017."
وأشار بشراي البشير إلى أن هذا النوع من الأنشطة يقام بمبادرات ذاتية من المؤسسات التعليمية والتربوية، وأنه "خلال هذه الاستعراضات، يتوزع أطفال الإعداديات والابتدائيات بين من يستعرض بلباس عسكري ومن يستعرض بألبسة تقليدية".
وتمكّن مسبار من العثور على مقاطع فيديو نشرتها وسائل الإعلام، أظهرت مشاركة تلاميذ مدارس مخيّمات تندوف في استعراضات بأزياء عسكرية، أقيم بعضها داخل المؤسسات التعليمية، احتفالًا بمناسبات وطنية.
وكان الكاتب العام للمركز الدولي للأبحاث حول الوقاية من تجنيد الأطفال، ناجي مولاي الحسن، قد أدلى في مكالمته مع مسبار، بأقوال تطابق ما قاله بشراي البشير حول طبيعة المشهدين، إذ أوضح أن من يظهرون فيهما أطفال يشاركون في "استعراضات عسكرية" احتفالًا بمناسبات وطنية، وقال إن المقطع الأول من احتفالات ذكرى تأسيس جبهة البوليساريو وذكرى اندلاع "الكفاح المسلح" ضد إسبانيا، التي أقيمت في 20 مايو من العام الجاري.
توضيحات منظمة الكشافة والطفولة الصحراوية
انطلاقًا من تصريحات ممثل البوليساريو حول الفيديو الأول، وللوصول إلى حقيقة المشهدين، بحث مسبار عن جهات كشفية صحراوية، وعثر على صفحة فيسبوك تحمل اسم "منظمة الكشافة والطفولة الصحراوية".
وتواصل مسبار مع صفحة منظمة الكشافة للسؤال عن حقيقة المشهدين، وكان ردها أنّ أوّلهما لـ"استعراضات ضمن لوحات ثقافية واجتماعية وعسكرية".
أمّا المشهد الثاني، فرجّحت أن يكون من استعراض لتلاميذ مدرسة بمناسبة الذكرى الخامسة والأربعين للاحتفالات المخلّدة لذكرى إعلان قيام “الجمهورية العربية الصحراوية”، في مخيّم سمارة في وقت ما قبل جائحة كورونا.
واستنادًا إلى تلك المعلومات حول المشهد الثاني، أجرى مسبار مطابقة للمعالم الجغرافية الظاهرة في مقطع الفيديو مع صورة القمر الصناعي لشارع رئيسي في مخيّم السمارة، ووجد تطابقًا بينهما، تأكّد من خلاله أن المشهد صُوّر بالفعل في مخيم السمارة.
وعند التحقق مما ورد في التصريحات اللاحقة لبشراي البشير، التي قال فيها إن الاستعراض لتلاميذ مدرسة بلا أحمد زين في مخيم السمارة، تبين أن مبنى المدرسة يقع بمحاذاة الشارع الرئيسي، الذي أقيم فيه الاستعراض.
المغرب يدين مشاركة الأطفال في الاستعراضات العسكرية
وكانت الممثلة الدبلوماسية لدولة المغرب في مجلس الأمن، ماجدة موتشو، قد اعتبرت مشاركة الأطفال في الاستعراضات العسكرية انتهاكًا بحقهم، وذلك خلال مشاركتها في جلسة مجلس الأمن حول "كيفية منع الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال في النزاعات المسلحة والرد عليها”، التي عُقدت يوم الخامس من يوليو الفائت.
جاء في مداخلة موتشو، أن اتفاقية حقوق الطفل تشدد على ضرورة ضمان حماية الأطفال المتأثرين بالنزاعات المسلحة، مع ضمان عدم إشراكهم إشراكًا مباشرًا في الحرب.
وتابعت قائلة إن الأطفال بوصفهم فئة غير قادرة على الدفاع عن حقوقها، كثيرًا ما يجدون أنفسهم عالقين في النزاعات والانتهاكات في الوقت الذي يجب أن "ينعموا فيه بالسلم وأن يرتدوا زي المدرسة لا زيّ الجيش، وأن يشاركوا في الحفلات المدرسية لا في الاستعراضات العسكرية". كما شدّدت على أهمية توفير بيئة تسمح لمن جُنّدوا أطفالًا بالتعافي، وأن يعاد دمجهم في مجتمعاتهم، مشيرة إلى أن المسؤولية الأساسية تقع على "عاتق الدول الأعضاء لحماية الأطفال المتواجدين على أراضيها دون أي تمييز".
يُشار أنّه عندما توجّه مسبار بالسؤال إلى ناجي مولاي الحسن، عن سبب تضمين المركز لمشاهد يعلم أنّها من استعراضات خلال مناسبات وطنية في البيان الذي كان موضوعه الأساسي تجنيد الأطفال، أجاب بما يحمل مضمون ما جاء على لسان ممثلة دولة المغرب في مجلس الأمن مؤخرًا، إذ قال “إنّ هذه المشاهد القصد منها التعبير عن الوضع الذي يعيشه الطفل في المخيمات الصحراوية”، مشيرًا إلى أن الأطفال ”يجب أن يرتادوا زي المدرسة وليس الأزياء العسكرية، وأن يكونوا على مقاعد الدراسة وليس ضمن استعراضات عسكرية".
كيف تشكّلت مخيمات اللاجئين الصحراويين في تندوف؟
تُشير إحصائيات للحكومة الجزائرية، نشرتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عام 2015، إلى أن أكثر من 165 ألف لاجئ يقطنون في مخيمات اللاجئين الصحراويين قرب مدينة تندوف، الواقعة جنوب غربي الجزائر.
ويعود إنشاء المخيمات إلى عام 1975، في أعقاب نشوب نزاع مسلح على السيادة في الصحراء الغربية، بين جيش التحرير الشعبي الصحراوي، التابع للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، المعروفة بـ "البوليساريو"، والقوات المسلّحة الملكية المغربية.
واستمرت الحرب إلى غاية عام 1991، عندما اتفق الطرفان، بوساطة من الأمم المتحدة، على وقف إطلاق النار. وكان من المفترض أن يتبع الاتفاق تنظيم استفتاء يُقرّر مصير سكّان الصحراء الغربية، لكن خلافًا حول عدد من يحق لهم التصويت في الاستفتاء حال دون إجرائه إلى يومنا هذا.
الرقابة على حقوق الإنسان داخل مخيمات اللاجئين الصحراويين في تندوف
ليست هناك مراقبة دائمة و/أو دورية لوضعية حقوق الإنسان في مخيمات اللاجئين الصحراويين في تندوف. ففي عام 2013، كان اهتمام الجمعية الصحراوية الوحيدة، الناشطة في مجال حقوق الإنسان داخل المخيمات، مقتصرًا على رصد الانتهاكات المرتكبة داخل أراضي الصحراء الغربية، الخاضعة لسيطرة المغرب.
كما لا تقوم اليوم أي منظمات حقوقية جزائرية مستقلة، بالمراقبة الدورية للوضع الحقوقي في المنطقة. وفي السياق، أكّد سعيد صالحي، نائب رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، لمسبار، عدم إجراء المنظمة خلال سنوات نشاطها الثمانية والثلاثين، تحقيقات ميدانية داخل مخيّمات اللاجئين الصحراويين في تندوف.
طبيعة الوجود الأممي داخل مخيّمات اللاجئين الصحراويين في تندوف
توجد الأمم المتحدة داخل مخيمات تندوف للاجئين الصحراويين، ممثلة ببعثتها الدائمة للاستفتاء في الصحراء الغربية "مينوريسو"، ولا تملك هذه الأخيرة تفويضًا لمراقبة وضعية حقوق الإنسان داخل المخيّمات والإبلاغ عنها.
مخيمات تندوف بين سلطة الجزائر القانونية وسلطة البوليساريو الفعلية
خَلُص تحقيق ميداني أجرته منظمة هيومن رايتس ووتش داخل المخيمات، عام 2013، إلى أنّ الجزائر تتولى بموجب القانون الدولي، وعلى الورق، إدارة مخيمات تندوف للاجئين الصحراويين. غير أن جبهة البوليساريو هي من يُسيّر فعليًا شؤون اللاجئين داخل المخيمات الخمسة، إذ أكّدت المنظمة أنهم يخضعون لدستور وقوانين “الجمهورية الصحراوية”.
وكانت هيومن رايتس ووتش قد زارت المنطقة للمرة الأولى في شهر نوفمبر/تشرين الثاني عام 2007، ونشرت تقييمها لوضعية حقوق الإنسان هناك في تقرير صدر عام 2008. وجاء فيه، نقلًا عن تقرير غير منشور لبعثة المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، أن السلطات الجزائرية أكّدت في اجتماع مع رئيس وفدها، أنه رغم وجود المخيمات على الأراضي الجزائرية، فإن "مسؤولية احترام حقوق الإنسان وغير ذلك من الأمور تقع على عاتق حكومة الجمهورية الصحراوية".
هل تُنتهك حقوق الأطفال داخل مخيمات تندوف؟
لم ترصد هيومن رايتس ووتش أي انتهاكات لحقوق الأطفال لدى زيارتيها لمخيمات تندوف عامي 2007 و2013، واكتفت في توصياتها بالتشديد على ضرورة استحداث آلية تسمح بالمراقبة المنتظمة والميدانية لوضعية حقوق الإنسان في المخيمات وفي الصحراء الغربية والإبلاغ عنها.
ودعت منظمة العفو الدولية، في تقرير نشرته عام 2017، إلى توسيع تفويض بعثة مينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء الغربية وداخل المخيمات، محذرة على لسان هبة مرايف، المسؤولة في المنظمة، من أن عدم القيام بذلك قد يؤدي إلى تأجيج انتهاكات حقوق الإنسان، واستمرار حالات الإفلات من العقاب. وفي مارس/آذار 2017، دعا مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، هو الآخر، إلى توسيع صلاحيات بعثة مينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان.
من جهتها، تؤيّد جبهة البوليساريو تولي بعثة مينورسو مراقبة وضعية حقوق الإنسان داخل مخيمات تندوف، وفي مناطق الصحراء الغربية المتنازع عليها. غير أن المغرب تعارض المقترح، فيما يستمر مجلس الأمن في إحباط مقترحات دوله الأعضاء بهذا الخصوص.
قوانين “الجمهورية العربية الصحراوية” حول تجنيد الأطفال
وبعد الاطلاع على دستور “الجمهورية العربية الصحراوية”، الصادر عام 2015، تبيّن أنّ مادته التاسعة والأربعين تقرُّ الخدمة الوطنية الإلزامية لجميع المواطنين "الذين تتوفّر فيهم الشروط القانونية."
وفي حين لم يعثر مسبار على التنظيم الذي يحدد تلك الشروط القانونية بدقّة، وجد أن “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” قد وقّعت، عام 1993، على الميثاق الأفريقي لحقوق ورفاهية الطفل، الذي تُلزم الفقرة الثانية من مادته الثانية والعشرين، الدول الموقّعة عليه باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لضمان "ألّا يشارك أي طفل بدور مباشر في أعمال العنف، والإحجام على وجه الخصوص عن تجنيد أي طفل".
وضعية حقوق الأطفال داخل مخيمات تندوف للاجئين الصحراويين
طالع مسبار نسختي التقرير العالمي، الذي أصدرته منظمة هيومن رايتس ووتش حول وضعية حقوق الإنسان في الجزائر، خلال عامي 2021 و2022، ولم يجد فيهما أي ذكر لانتهاكات طاولت حقوق الأطفال الصحراويين. ولم يوجّه التقريران حول وضعية حقوق الإنسان في الجزائر، أي اتهامات للحكومة الجزائرية بخصوص وضعية اللاجئين الصحراويين في مخيمات تندوف، واكتفيا بالإشارة إلى العراقيل الإدارية، التي يسببها غياب قانون وطني للّجوء في الجزائر.
وقالت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، التي تتولى معالجة طلبات اللجوء في الجزائر، إن الحكومة الجزائرية تُمكّن اللاجئين الصحراويين من الحصول على التعليم والرعاية الصحية المجانية في جميع أنحاء البلاد.
أمّا منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) فقد ذكرت في تقرير نشرته مطلع عام 2022، أن 40 ألف طفل صحراوي يزاولون دراستهم في المخيمات، بفضل شراكة بين الاتحاد الأوروبي والمنظمة.
في حين اكتفت في تقريرها السنوي لعام 2022 عن الجزائر، بالتحذير من تبعات تدهور الوضع الغذائي في مخيمات تندوف على الأطفال، إذ يعتمد اللاجئون الصحراويون هناك على الإعانات الدولية بشكل أساسي، نظرًا لعدم تمتع اللاجئين وطالبي اللجوء في الجزائر بالحق في العمل. ولم يشر التقرير ذاته إلى أي انتهاكات لحقوق الأطفال داخل المخيمات.
من جهة أخرى، لم يتلقَّ مسبار ردًّا على مراسلة بعث بها لمسؤولة الاتصال في مكتب منظمة اليونيسيف في الجزائر، ليلى دعبي، كان قد طلب فيها الحصول على تعليق حول اتهامات تجنيد الأطفال في مخيّمات تندوف.
وفي تقرير أصدرته منظمة ACAPS في يناير 2022، وهي منظمة غير حكومية متخصصة في التحليل المستقل للأوضاع الإنسانية، تبيّن أن نسبة 98% من أطفال مخيمات اللاجئين الصحراويين في تندوف، الذين بلغوا السن القانونية لدخول المدرسة الابتدائية، يزاولون دراستهم في المدارس، وأن نسبة الأميّة داخل المخيمات لا تتعدى الأربعة في المئة.
الصحراء الغربية جوهر خلاف طويل بين الجزائر والمغرب
تعرف العلاقات المغربية الجزائرية توتُّرات متصاعدة منذ قرابة ثلاثين عامًا. ومن بين أهم القضايا التي تختلف عليها الدولتان هي قضية الصحراء الغربية، ففي حين تدعم الجزائر جبهة البوليساريو التي تطالب باستقلال الصحراء الغربية، تعتبر المغرب أن الصحراء الغربية جزءٌ من أراضيها. فيما لا تعترف كل من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، وأدرجتها في قائمة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي منذ عام 1963.
اقرأ/ي أيضًا
ما حقيقة الموقف الأميركي من قضية الصحراء الغربية؟
إمكانيات بنك بريكس المالية لا تفوق إمكانيات البنك العالمي كما صرّح الرئيس الجزائري