الأفكار الواردة في المقال تعبّر عن رأي الكاتب ولا تعبّر عن رأي مسبار بالضرورة.
بالتزامن مع اليوم العالمي للديمقراطية الذي يوافق 15 سبتمبر/أيلول من كل عام، نترجم لكم مقال رأي للباحث في الفلسفة وتاريخ العلوم ومدرّس مبحث الأخلاق في جامعة هارفارد، لي ماكنتاير، استعرض فيه تحدي انتشار المعلومات الضارة وتأثيره على الديمقراطية، واقترح حلولًا للتصدي للإشاعة وتقويضها، إذ شارك ماكنتير في هذا المقال خمسة أفكار من كتابه “عن الإشاعة: كيف ندافع عن الحقيقة ونحمي الديقراطية”.
الفرق بين المعلومات المضللة والمعلومات الضارة
واحدة من أكبر المشاكل التي نواجهها هذه الأيام، هي أن وسائل الإعلام والسياسيين وحتى نحن أنفسنا، نستخدم مصطلح المعلومات المضللة Misinformation بدلًا من المعلومات الضارة (الإشاعة) Disinformation، على الرغم من الفرق الكبير في دلالة المصطلحين.
فالمعلومات المضللة هي خطأ، يحدث عندما يقول شخص ما معلومة يعتقد بصدق أنها صحيحة، لكن يتبين عكس ذلك. أما المعلومات الضارة فهي كذبة، أي أنها خلق أو مشاركة متعمدة لمعلومات مغلوطة، والشخص الذي يشاركها يعلم أنها غير صحيحة، لكنه يفعل ذلك على أي حال لأنه يخدم هدفًا يؤمن به، أو يحقق منفعة مادية بشكل أو بآخر.
المعلومات الضارة هي السبب الرئيسي للإنكار
إن المسبب الرئيسي لإنكار الناس تغير المناخ أو اللقاحات، أو تصديقهم مزاعم ترامب حول الانتخابات الرئاسية عام 2020، هو حملات الإشاعات التي تم ترويجها لحرف الناس عن الحقيقة.
تنضوي تحت هذه الحملات غايات وأهداف تخدم مروجيها. على سبيل المثال، في خمسينيات القرن الفائت، عندما شعرت شركات التبغ بالقلق من دراسة أظهرت صلة بين التدخين وسرطان الرئة، حاربت هذه الدراسة من خلال تعيين استشاري للعلاقات العامة نصحهم بـ"محاربة العلم"، فنشروا بدورهم إعلانات بحجم صفحة كاملة في الصحف الأميركية وأنشأوا منظمة علمية وهمية تسمى معهد التبغ الأميركي، ثم طالبوا الصحفيين والمحررين بتغطية "الجانب الآخر من القصة" حول التبغ، على الرغم من عدم وجود جانب آخر في الحقيقة.
وخلال عامين فقط من بدء هذه الحملة، ظهرت شكوك كبيرة في الرأي العام حول التوافق العلمي بين التدخين والسرطان. وهذا فتح الباب أمام ستين عامًا من إنكار العلم حول مواضيع مثل الأمطار الحمضية وثقب الأوزون والاحتباس الحراري.
استُخدمت هذه الاستراتيجية لاحقًا أثناء جائحة كوفيد-19 عندما انتشرت إشاعات حول احتواء اللقاحات على شرائح تتبُّع، إذ بدأت الإشاعة بنشرها في إحدى وسائل الإعلام الإنجليزية في إبريل/نيسان عام 2020، وبحلول مايو/أيار من العام نفسه، أفادت شبكة CBS News بأن 28% من الجمهور الأميركي يعتقدون في هذه الإشاعة. إن جميع الإشاعات تعمل بنفس الطريقة إذ يتم إنشاؤها بغرض دفع الناس إلى الاعتقاد بأمر لا يعتقدون عادة فيه، ولا تُستخدم فقط لنفي الحقيقة عن العلم، بل أيضًا عن الواقع بشكل عام.
إنكار العلم فتح الباب أمام إنكار الواقع
هل تساءلتم يومًا لماذا كذب دونالد ترامب حول عدد من حضروا تنصيبه وادعى أنهم أكثر ممن حضروا تنصيب أوباما؟ لأنه كان يعدّنا جميعًا لحقبة "ما بعد الحقيقة"، وهي حقبة يتم فيها تسليم الواقع للأغراض السياسية، فبالنسبة لأي حاكم استبدادي، لا يكفي أن تؤمن نسبة من الناس بالإشاعة وتنكر الحقيقة، بل الأهم أن يصبحوا متطرفين حول القضايا الواقعية حتى يرون أي شخص لديه رأي معاكس عدوًا لهم، يكرهونه أو يعتقدون أنهم يستحق العقوبة.
وهذا بالضرورة يسلتزم إنشاء جيش من المنكرين عل استعداد لتصديق أي شيء تخبرهم به، وهو الطريق إلى الاستبداد. وأفضل مثال على ذلك هو ما نجم عن ادعاءات ترامب حول عدم نزاهة الانتخابات الرئاسية عام 2020، من اقتحام مؤيديه مبنى الكابيتول في 6 يناير 2021.
كيف نواجه حملات المعلومات الضارة؟
إن أهم خطوة في مقاومة الإشاعة هي التعرف على العلاقة التي تربط بين خالقي الإشاعة ومضخميها وصولًا إلى المؤمنين بها، إذ إن نقطة تطوّر الإشاعة هنا هي عملية التضخيم.
ولكن قبل ذلك، يجب الاعتراف أولًا بأن هناك مشكلة. هناك جهد مشترك حول العالم للمضي قدمًا في فكرة زائفة مفادها أن مكافحة الإشاعة بمثابة ممارسة الرقابة، ولكن، منذ متى أصبح رفض تضخيم الكذب والمعلومات الضارة التي ينشرها شخص ما انتهاكًا لحرية تعبيره؟
هنا، تتحمل وسائل الإعلام بعض المسؤولية، إذ إن استخدام وسائل الإعلام المستمر لمصطلح المعلومات المضللة Misinformation، يجعل الأمر يبدو وكأن العالم جميعًا يعيش كارثة طبيعية عاجز عن مواجهتها.
فحتى تتجنب وسائل الإعلام اتهامات التحيز السياسي، ترفض تسمية الجهات المسؤولة عن الإشاعة، وتعنون الأخبار وكأن لا ذنب لأحد بانتشار الكذب، بينما إذا تم استخدام مصطلح إشاعة فهذا يعني أنها كذبة أنشئت لغايات محددة مسبقُا، وبالتالي فنحن نعيش حالة حرب لا بدّ من أن يترتب علينا أفعال لمقاومتها.
كيف نحمي الحقيقة والديمقراطية
هناك عدة خطوات عملية يمكننا أن نقوم بها، نحن الناخبين وشعوب العالم، لمواجهة التهديد الذي تشكله الإشاعة على العلم والديمقراطية والحقيقة ولكن أولًا يجب أن نكون متيقظين إلى تهديدها.
إذا لم تعجبك كيفية تغطية قنوات الأخبار التلفزيونية لمشكلة الإشاعة، فاشتكي لهم ولمعلنيهم. وإذا كنت تعتقد أن أعضاء البرلمان الذين صوت لهم لا يقومون بما يكفي لمواجهة شركات التكنولوجيا الكبيرة، فهددهم بأن تصوت ضدهم في الانتخابات القادمة. وإذا كنت غاضبًا من شركات وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وإكس (تويتر سابقًا) لأنها لا تقوم بما يكفي لمواجهة هذه المشكلة، فنظم حملة وقاطع منصتهم.
إضافة إلى ذلك، انشر الوعي حول المسألة على مستوى عائلتك وأصدقائك، إذا استمررنا في تجاهل المشكلة، فقد يؤدي ذلك إلى انهيار الديمقراطية. نحن بحاجة إلى اتخاذ إجراءات، ولكن، للفوز في حرب المعلومات التي نعيشها، يجب أن نكون أولًا على استعداد للاعتراف بأننا في حالة حرب.
اقرأ/ي أيضًا