في كلمته التي أدلى بها خلال مؤتمر "حكاية وطن" في العاصمة الإدارية الجديدة، يوم أمس السبت 30 سبتمبر/أيلول، استعرض الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أبرز الإنجازات التي حققتها الدولة منذ توليه الحكم قبل 10 سنوات، وأشار في سياق حديثه إلى مجاعة الصين التي تسببت في وفاة ملايين الأشخاص من الجوع، ضاربًا بها المثال في التحول لاحقًا إلى دولة عظمى.
قال السيسي "في مجاعة قامت في دولة مات فيها 25 مليون إنسان، وعملوا برنامج ضبط نمو السكان حينها، ثم أطلقوا الإنجاب عام 2017، بعد ما عملوا وساعدوا ونظموا وقدروا يعملوا تنمية وبقت دولة عظمى".
وأضاف "أوعوا تفتكروا لما دولة يموت منها 25 مليون من قلة الأكل، شعبها مقامش يهدها وقاموا يبنوها، ولما قاموا يبنوها بقت دولة عظمى حاليًا". موضحًا "دا الدرس اللي تتعلموه عشان نفهم كيف تبنى الدول"، مشيرًا إلى أن الدول التي قامت ونهضت وأصبحت دول كبيرة مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة وماليزيا والصين جاءت نتيجة التضحيات.
فما دقة تصريحات السيسي عن المجاعة الصينية؟
راجع "مسبار" تصريحات السيسي وتبين أنها غير دقيقة، إذ لم يوضح الرئيس المصري أن المجاعة الصينية جاءت نتيجة الخطة الاقتصادية التي وضعها الحزب الشيوعي الصيني في عام 1958 وعُرفت باسم "القفزة العظيمة إلى الأمام"، والتي أسفرت عن انكماش حاد في الاقتصاد الصيني، وأدت إلى وفاة الملايين بسبب الجوع والقتل والتعذيب والعمل القسري والانتحار بسبب اليأس، كما وصفت بأنها أكبر حملة قتل جماعي في غير أوقات الحرب في تاريخ البشرية.
وبدلًا من تحفيز اقتصاد البلاد، أدت “القفزة العظيمة إلى الأمام”، إلى مجاعة جماعية ضخمة، قتلت الملايين بسبب عدم توفر الطعام، إلى جانب الدمار الاقتصادي الهائل في البلاد.
ما هي خطة القفزة الكبرى إلى الأمام؟
في عام 1958، أعلن مؤسس جمهورية الصين الشعبية، ماو تسي تونغ، الذي حكم البلاد خلال قيادته للحزب الشيوعي الصيني منذ تأسيسه عام 1949، وحتى وفاته عام 1976، خطته للقفزة الكبرى إلى الأمام، والتي وضعها كخطة خمسية لتحسين الرخاء الاقتصادي لجمهورية الصين الشعبية. وابتكر الخطة بعد قيامه بجولة في البلاد وخلص إلى أنه شعر أن الشعب الصيني قادر على فعل أي شيء.
وبشكل عام، تمحورت الخطة حول هدفين أساسيين، الزراعة الجماعية، والتصنيع على نطاق واسع، مع هدفين رئيسيين، زيادة إنتاج الحبوب والصلب.
إلغاء الزراعة الخاصة في الصين
ووفق الخطة التي بدأت في ربيع عام 1959 حتى نهاية عام 1961، ألغيت الزراعة الخاصة في البلاد وأجبر المزارعون الريفيون على العمل في المزارع الجماعية، إذ كان الإنتاج وتخصيص الموارد وتوزيع الغذاء خاضعًا لسيطرة مركزية من قبل الحزب الشيوعي الحاكم. وتم البدء في مشاريع ري واسعة النطاق، مع القليل من المدخلات من المهندسين المدربين، وسرعان ما أُدخلت تقنيات زراعية تجريبية جديدة غير مثبتة في جميع أنحاء البلاد.
وأدت هذه الابتكارات إلى انخفاض غلات المحاصيل بسبب التجارب الفاشلة ومشاريع المياه التي تم إنشاؤها بشكل غير صحيح. كما أدت الحملة الوطنية لإبادة عصافير الدوري، والتي اعتقد ماو (بشكل غير صحيح) أنها آفة رئيسية على محاصيل الحبوب، إلى ظهور أسراب ضخمة من الجراد في غياب الافتراس الطبيعي من قبل عصافير الدوري.
وانخفض إنتاج الحبوب بشكل حاد، ومات مئات الآلاف بسبب العمل القسري في ظروف صعبة والتعرض للعوامل الجوية في مشاريع بناء الري والزراعة الجماعية. وسرعان ما انتشرت المجاعة في جميع أنحاء الريف، مما أدى إلى وفاة ملايين آخرين.
ولجأ الناس إلى أكل لحاء الأشجار والتراب، وفي بعض المناطق إلى أكل لحوم البشر. كما تعرض المزارعون الذين فشلوا في تلبية حصص الحبوب، أو حاولوا الحصول على المزيد من الطعام، أو حاولوا الهروب للتعذيب والقتل مع أفراد أسرهم عن طريق الضرب، والتشويه العلني، والدفن أحياء، والحرق بالماء المغلي، وغيرها من الأساليب.
الفشل في التخطيط لـ"القفزة الكبرى إلى الأمام"
وأُدخلت مشاريع الدولة واسعة النطاق لزيادة الإنتاج الصناعي في المناطق الحضرية، وبُنيت أفران الصلب في الفناء الخلفي في المزارع وفي الأحياء الحضرية. وكان الهدف مضاعفة إنتاج الصلب في العام الأول من القفزة الكبرى إلى الأمام، وتوقع ماو أن يتجاوز الناتج الصناعي الصيني نظيره البريطاني في غضون 15 عامًا. وأنتجت صناعة الصلب في الفناء الخلفي حديدًا خامًا عديم الفائدة ومنخفض الجودة إلى حد كبير. وصُودرت المعدات المعدنية والأدوات والسلع المنزلية الموجودة وصهرها لتغذية الإنتاج الإضافي.
وبسبب الفشل في التخطيط والتنسيق، وما نتج عن ذلك من نقص في المواد، فإن الزيادة الهائلة في الاستثمار الصناعي وإعادة تخصيص الموارد لم تسفر عن أي زيادة في الناتج الصناعي.
نُقل الملايين من العمال "الفائضين"، أي العمالة الزائدة، من المزارع إلى صناعة الصلب. وكان معظمهم من الرجال وشاركت النساء أيضًا، مما أدى إلى تفكك الأسر وترك القوى العاملة الزراعية القسرية إلى المزارع الجماعية التي تتكون في معظمها من النساء والأطفال وكبار السن.
وأدت الزيادة في عدد سكان الحضر إلى فرض ضغط إضافي على نظام توزيع الغذاء، والطلب على المزارع الجماعية لزيادة إنتاج الحبوب للاستهلاك الحضري. وقام مسؤولو المزارع الجماعية بتزوير أرقام الحصاد، مما أدى إلى شحن الكثير من الحبوب المنتجة إلى المدن حسب الطلب.
كم عدد الأشخاص الذين ماتوا خلال القفزة العظيمة للأمام؟
لا توجد أرقام دقيقة حول عدد الوفيات، وقدر المؤرخون أن عدد القتلى يتراوح بين 30 مليونًا و45 مليون شخصًا ماتوا بسبب الأمراض والمجاعة الناجمة عن محاولة ماو تسي تونغ لتحويل المزارع العائلية الصغيرة إلى مجتمعات حضرية، بينما حثها في الوقت نفسه على الإنتاج الصناعي والابتعاد عن الزراعة.
وتشير عدة أبحاث وتقارير إلى أن التأثير الصافي على اقتصاد الصين ربما كان إيجابيًا في النهاية من خلال وضعه على مسار دائم نحو التحول إلى اقتصاد صناعي مهيمن. وفي السنوات التي أعقبت انتهاء البرنامج، زاد الإنتاج الصناعي والزراعي في الصين بشكل كبير، إلى جانب نشاط الاستثمار والبناء، مؤكدة أن ذلك جاء بعد عواقب اجتماعية وإنسانية خلفتها القفزة الكبرى إلى الأمام، وتسببت في واحدة من أكبر الكوارث التي كان من الممكن تجنبها في التاريخ الحديث.
كيف أصبحت الصين دولة اقتصادية قوية؟
في عام 1978 أي بعد نحو عامين من وفاة الزعيم ماو، وبعد سنوات من سيطرة الدولة على جميع الأصول الإنتاجية، شرعت حكومة الصين في تنفيذ برنامج رئيسي للإصلاح الاقتصادي.
شجعت الدولة تشكيل المؤسسات الريفية والشركات الخاصة، وحررت التجارة الخارجية والاستثمار، وخففت السيطرة على بعض الأسعار، واستثمرت في الإنتاج الصناعي وتعليم القوى العاملة. وبكل المقاييس تقريبًا، نجحت هذه الاستراتيجية بشكل واسع.
الانفتاح على التجارة الخارجية في الصين
وبعد الانفتاح على التجارة الخارجية والاستثمار وتنفيذ إصلاحات السوق الحرة في عام 1979، أصبحت الصين من بين أسرع الاقتصادات نموًا في العالم، إذ بلغ متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي الحقيقي 9.5 في المئة حتى عام 2018، وهي وتيرة وصفت باعتبارها "أسرع توسع مستدام من قبل اقتصاد كبير في التاريخ".
وقد مكّن هذا النمو الصين، في المتوسط، من مضاعفة ناتجها المحلي الإجمالي كل ثماني سنوات وساعد في انتشال ما يقدر بنحو 800 مليون شخص من الفقر. وأصبحت الصين صاحبة أكبر اقتصاد في العالم (على أساس تعادل القوة الشرائية)، وصاحبة أكبر منتج، وتاجر بضائع، وصاحبة احتياطيات من النقد الأجنبي تتجاوز 3 تريليون دولار.
وهذا بدوره جعل الصين شريكًا تجاريًا رئيسيًا للولايات المتحدة. كما أصبحت الصين أكبر شريك تجاري للبضائع للولايات المتحدة، وأكبر مصدر للواردات، وثالث أكبر سوق للصادرات الأميركية.
نمو الاقتصاد الصيني
وفي حين شهدت الصين قبل عام 1978 نموًا سنويًا بلغ 6 في المئة سنويًا (مع بعض الصعود والهبوط على طول الطريق)، شهدت أيضًا بعد عام 1978 متوسط نمو حقيقي يزيد على 9% سنويًا. وفي العديد من سنوات الذروة، نما الاقتصاد بأكثر من 13 في المئة، وتضاعف نصيب الفرد من الدخل إلى أربعة أمثاله تقريبًا، حتى أن الدراسات والأبحاث توقعت أن يصبح الاقتصاد الصيني أضخم من اقتصاد الولايات المتحدة في غضون عشرين عامًا تقريبًا.
مصادر نمو الاقتصاد الصيني
وحول الأسباب التي أدت إلى الأداء الجيد الذي حققته الصين، قام فريق بحثي تابع لصندوق النقد الدولي، بفحص مصادر النمو في تلك الدولة وتوصل إلى نتيجة مهمة، تفيد بأنه على الرغم من أن تراكم رأس المال -النمو في مخزون البلاد من الأصول الرأسمالية، مثل المصانع الجديدة، وآلات التصنيع، وأنظمة الاتصالات- كان مهمًا، وكذلك عدد العمال الصينيين، إلا أن الزيادة الحادة والمستدامة في الإنتاجية (كانت زيادة كفاءة العمال) وهي القوة الدافعة وراء الازدهار الاقتصادي، خلال الفترة 1979-1994، والتي شكلت مكاسب الإنتاجية بأكثر من 42 في المئة من نمو الصين.
وبحلول أوائل التسعينيات، تجاوزت رأس المال باعتباره المصدر الأكثر أهمية لهذا النمو. ويمثل هذا خروجًا عن النظرة التقليدية للتنمية التي يأخذ فيها الاستثمار الرأسمالي زمام المبادرة. وقد نشأت هذه القفزة في الإنتاجية نتيجة للإصلاحات الاقتصادية التي بدأت في عام 1978.
تراجع الاقتصادي المصري
جاءت تصريحات الرئيس السيسي في الوقت الذي يُعاني فيه الاقتصاد المصري ويتعرض إلى ضغوطات شديدة، مع تراجع الجنيه وعدم توفر العملة الأجنبية وارتفاع التضخم في البلاد.
وتشير تقارير، إلى أن أسباب تراجع الاقتصادي في مصر يعود إلى فشل التنمية الصناعية وسياسات التصدير التي أدت إلى خلق عجز تجاري مستمر، وتراجع العملة المحلية وضعف حقوق الملكية والمؤسسات وهيمنة الدولة والجيش على الكثير منها، الأمر الذي أدى إلى إعاقة الاستثمار والمنافسة.
أسباب المشاكل الاقتصادية في مصر
وكثيرًا ما يلقي السيسي باللوم على الاضطرابات التي أعقبت ثورة 25 يناير 2011 والنمو السكاني السريع، في الصراعات الاقتصادية في البلاد. ومنذ عام 2020، أشارت السلطات المصرية إلى الصدمات الخارجية بما في ذلك جائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا.
لكن المحللين يشيرون أيضًا إلى الأخطاء السياسية، بما في ذلك الدفاع المكلف عن الجنيه المصري، والاعتماد الاستثمارات الخارجية المتقلبة، والفشل في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية.
ومنذ مارس/آذار 2022، انخفضت قيمة الجنيه المصري بنحو 50 في المئة مقابل الدولار. وأدى النقص الحاد في العملة الأجنبية إلى كبح الواردات وتسبب في تراكم البضائع في الموانئ، مما أثر بشكل سلبي على الصناعة المحلية.
الانتخابات الرئاسية المصرية
وتنتظر مصر انتخابات رئاسية، من المقرر أن تجري من 10 إلى 12 ديسمبر/كانون الأول الُمقبل داخل البلاد، في حين يصوّت الناخبون في الخارج بدءًا من 1 إلى 3 من الشهر نفسه، وذلك بعدما أعلنت الهيئة العليا للانتخابات.
ودعت الهيئة الراغبين في الترشح لتقديم أوراق ترشحهم المستوفية للشروط القانونية والدستورية اعتبارًا من 5 من أكتوبر/تشرين الأول الجاري. كما أعلنت عن الشروع في جمع التوكيلات للمرشحين المحتملين لخوض الانتخابات المقبلة.
اقرأ/ي أيضًا
الملك سلمان لم يقل لذا نيويورك تايمز إن السيسي أعطى السعودية تيران وصنافير مقابل المساعدات
هل صرّح نجيب ساويرس أن السيسي هو الأحق بالفوز بالانتخابات الرئاسية؟