عكس العديد من المشاهير والأثرياء، يُفضّل مارك زوكربيرغ، مالك شركة ميتا (فيسبوك سابقًا) وسابع أغنى رجل في العالم، ارتداء أزياء غير رسمية عند ظهوره في المناسبات العامة وفي مقر الشركة. وقد عُرف عنه في سنوات سابقة ارتداء تصميم ولون القميص ذاتهما طوال الوقت، وينسحب ذلك على سترة زرقاء ليلية ذات أكمام طويلة.
وحين سُئِل في عام 2014 عن السبب، قال زوكربيرغ، حينها، إنّه يحاول قدر الإمكان تقليل عدد القرارات التي يتعيّن عليه اتخاذها في اليوم الواحد. وأوضح أنّه يفضل إنفاق ذلك الجهد العقلي على عمله ضمن شركة ميتا، فيسبوك آنذاك.
ويشرح موقع قناة سي إن بي سي الأميركية، كيف أن هناك سببًا علميًا يدفع أثرياءً، على غرار مارك زوكربيرغ وجون بول دي جوريا إلى ارتداء الزي ذاته مرارًا وتكرارًا. ويقول الموقع إنّ التزام هؤلاء بارتداء زي موحّد هدفه تجنّب ظاهرة الإجهاد العقلي الناجم عن اتخاذ القرارات، والتي تجعل الاختيارات أكثر صعوبة بمضي ساعات اليوم، وتقلُّص مخزون الطاقة المحدود لدى الفرد.
ودفع مظهر زوكربيرغ "المتواضعُ" الكثيرين للاعتقاد بأنّ الملابس التي يرتديها غير مُكلفة، حتى أنّ بعضهم عبّر عن استغرابه لعدم إنفاقه من ثروته على مظهره. فما مدى مطابقة هذا الاعتقاد للواقع؟
ما تكلفة قميص مارك زوكربيرغ الرمادي؟
تصنع قميصَ مارك زوكربيرغ الرمادي، علامة برونيلو كوتشينيلّي، وهو مصمم إيطالي شهير. ورغم تصميمه البسيط، تناهز تكلفة القميص الواحد اليوم 600 دولارٍ أميركي. يُصنع القميص من قطن وحرير عاليي الجودة، ولا يحمل أيَّ شعار يشير إلى مصمّمه أو أيّ شكل من أشكال الكتابة الإبداعية. ويُعرف هذا النوع من الملابس متواضعة المظهر وباهظة الثمن، بأزياء الرفاهية الهادئة أو الثروة الخفيّة.
ما هي الرفاهية الهادئة؟
هي توجّه جديد في عالم الموضة، يميل فيه الأثرياء لارتداء ملابس عالية الجودة وباهظة الأثمان، لا تحمل ما قد يشير إلى مصدرها، كشعارات دور الأزياء والمصممين وأنماط الرسومات المعروفة، وتتميز بقصّات أنيقة وألوان هادئة ومحايدة.
يتبنّى هذا التوجّهُ، الفلسفة التقليلية (Minimalism)، التي تتخذ من مقولة "القليل هو المزيد" شعارًا لها. وقد نالت هذه الفلسفة شعبية كبيرة في السنوات الأخيرة، مع زيادة الوعي البيئي والقلق من تبعات تغيُّر المناخ، كونها مقاربةٌ أكثر مسؤولية من الناحية الإيكولوجية. فهي تُشجّع على اقتناء قطع ملابس بسيطة لا ترتبط بحقبة زمنية معينة، تكون مصنوعة بعناية من مواد عالية الجودة، والاستمرار في ارتدائها طالما هي في حالة جيّدة.
وقد برزت هذه الفلسفة كمقابل لثقافة الموضة السريعة، التي تُشجّع على الإفراط في الاستهلاك، من خلال الإنتاج الضخم منخفض الجودة والتكلفة، الذي يوفّر للمستهلكين ملابسًا زهيدة الأثمان، ينتهي المطاف بمعظمها، في مكبّات القمامة.
وفيما لا يمانع روّاد التوجّه التقليلي اقتناء قطعٍ تشير إلى مصنّعيها، عندما تكون البصمة الإيكولوجية للعلامة المصنعة إيجابية، وعندما يثبت احترامها لمعايير الشفافية ولحقوق العمال، يَعتبر توجّه الرفاهية الهادئة الشعارات على الألبسة نوعًا من الصخب البصري، الذي يمكن تأويله كمحاولة للفت الانتباه ولإبراز المكانة الاجتماعية، وهو ما يعطي انطباعًا مناقضًا عن الشخص في أوساط الأثرياء، لاسيما أن أرقام التصفّح في الولايات تشير إلى أن الأميركيين الأقلُّ دخلاً، هم في الواقع الأكثر اهتمامًا باقتناء ملابس المصممين والعلامات المعروفة.
الأميركيون الأقل دخلاً هم الأكثر اهتمامًا بمظاهر الرخاء الاجتماعي
يشرح، بيتر يوبل، الطبيب وعالم السلوكيات في جامعة ديوك الأميركية، في مقال كتبه لمجلّة فوربس عام 2017، كيف أنّ الظهور بمظهر الأميركيين محدودي الدخل رفاهية بحد ذاتها، يستطيع الأثرياء تحمل تكلفتها الاجتماعية لأنّ مكانتهم داخل المجتمع مؤمّنة ولأنهم أقل عرضة للأحكام القائمة على المظهر. في حين يكون لذلك المظهر عواقبُ على الأميركيين محدودي الدخل، الذين يرزحون تحت ضغط اجتماعي كبير يدفعهم لاقتناء سلع تفوق تكلفتها قدرتهم الشرائية، من أجل خلق انطباع بوفرة الموارد لدى من ينظرون إليهم. ويقول العالِم إنّ هناك علاقة عكسية بين حدّة التفاوت في الدخل وبين ارتفاع الضغط الذي يشعر به هؤلاء، إذ كلما كان الدخل أقل زادت حاجة الفرد لإيهام الآخرين بأنه قد ارتقى في السُّلم الاجتماعي.
كيف ساهم مسلسل Succession في نشر ثقافة الرفاهية الهادئة؟
منذ صدور موسمه الأول عام 2018، لم يكتفِ مسلسل Succession، الذي يروي قصةً تدور أحداثها في وسط للأثرياء، بالترويج لأسلوب الرفاهية الهادئة فحسب، بل تضمن مشاهد تتعامل فيها شخصيات الأثرياء في المسلسل بتعالٍ مع الشخصيات الأحدث عهدًا بالثراء.
فقد ترفعت إحدى شخصيات المسلسل الذي أنتجته منصة HBO عن قبول ساعة Patek Philippe تفوق قيمتها 300 ألف دولار أميركي كهدية، لأنّ مقدّمها تباهى بعلامتها. فيما تعرضت شخصية في الموسم الأحدث من المسلسل لنوع من الازدراء لأنها حضرت إحدى المناسبات حاملة حقيبة تظهر أنها من علامة Burberry تناهز قيمتها 3 آلاف دولار أميركي.
ويُعتقد اليوم أن شعبية المسلسل في الولايات المتحدة وحول العالم قد ساهمت في انتعاش موضة الرفاهية الهادئة في أوساط الأثرياء ومن يسعون للتشبّه بهم.
اقرأ/ي أيضًا
كيف تُهدّد عقوبة نشر الأخبار الكاذبة المبادئ الأساسية للديمقراطية في الجزائر؟
ماذا قال الإعلامي عبد الكريم الزامل عن شراء رونالدو نادي النصر بعد اعتزاله؟