تنتشر في الأوساط الإسرائيلية، وبعض الأوساط الإعلامية الغربية، في الأيام الأخيرة، منشوراتٌ ومقالات صحفية تتّهم حركة حماس بإجهازها على فرص تطبيق حل الدولتين، وبأنها المسؤول الأوحد عن القضاء على أي فرصة للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين بسبب عملية طوفان الأقصى، التي أطلقتها في مستوطنات غلاف غزة، السبت الفائت.
نشر الكاتب والمحلل السياسي مارك لافي، مقالًا في صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية الناطقة بالإنجليزية، بعنوان "حماس قتلت حل الدولتين"، وفيه استهلّ الكاتب بالقول "إن الفظائع التي ارتكبها إرهابيو حماس ضد إسرائيل قد دفنت عملية السلام وحل الدولتين إلى الأبد. وحماس هي المسؤولة عن ذلك. ولكن ليست وحدها".
وتابع الكاتب في مقاله بإلقاء اللوم على الجناح الفلسطيني الآخر، السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، لأن حزبه السياسي، حركة فتح، "لجأ إلى وسائل التواصل الاجتماعي لدعوة شعبه إلى قتل كل مستوطن، وكل إسرائيلي"، بحسب لافي.
وهذا ادعاءٌ لا أساس له من الصحة، إذ نشرت السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية بيانًا وحيدًا بُعيد الإعلان عن عملية طوفان الأقصى قالت فيه إن "صمت المجتمع الدولي على ممارسات الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، هو السبب وراء تفجّر الأوضاع"، مضيفةً أن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي عن أرض دولة فلسطين بعاصمتها القدس الشرقية على خطوط 1967، والاعتراف بحق الشعب في الاستقلال والسيادة، هو ما يوفر الأمن والاستقرار في المنطقة.
ونقلت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، تأكيد محمود عباس في الاجتماع -الذي ضم عددًا من المسؤولين المدنيين والأمنيين- "ضرورة توفير الحماية لأبناء الشعب الفلسطيني، وحقه في الدفاع عن نفسه في مواجهة إرهاب المستوطنين، وقوات الاحتلال الإسرائيلي". دون أن يوجه دعواتٍ لقتل كل مستوطن أو كل إسرائيلي.
بالعودة إلى مقال صحيفة جيروزاليم بوست، ادّعى الكاتب في نهايته أن الرفض المتكرر من قبل الفلسطينيين لمبادرات السلام والاعتراف بالاستقلال من قبل إسرائيل، "كانت النهاية الفعلية لعملية السلام، رغم أن أغلب الغرب لم يقبل هذه النتيجة الواضحة". وأضاف "لقد دمر الرفض الفلسطيني معسكر السلام المعتدل في إسرائيل، بل وأدى إلى انتخاب بنيامين نتنياهو".
كما شارك السيناتور الأميركي المحافظ ليندزي غراهام، تغريدة على موقع إكس قال فيها “أشعر بالفزع من أي شخص يلوم إسرائيل على الوضع المستمر في الشرق الأوسط. إيران وحماس لا تريدان حل الدولتين، بل تريدان حل الدولة الواحدة. إنهم يريدون تدمير الدولة اليهودية. نحن في حرب دينية وأنا أقف مع إسرائيل بلا اعتذار”.
كما انتشرت عبارة على بعض الصفحات الإسرائيلية الكبرى على وسائل التواصل الاجتماعي، تقول إن "حماس لا تريد حل الدولتين، بل تريد الحل النهائي"، في إشارة لتشبيه ما فعلته بما أسمته ألمانيا النازية في ثلاثينيات القرن الماضي بـ "الحل النهائي للمشكلة اليهودية"، الذي نجمت عنه المحرقة.
ماهو مقترح حل الدولتين؟
حل الدولتين هو مقترح أممي يقوم على تراجع العرب عن مطلب تحرير كامل فلسطين، وحل الدولة الواحدة الداعي لإنشاء دولة فلسطين بحيث يكون للسكان العرب واليهود مواطنة وحقوق متساوية في الكيان الموحد.
ويقوم حل الدولتين على أساس دولتين في فلسطين التاريخية تعيشان جنبًا إلى جنب، هما دولة فلسطين، التي تضم الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية، إلى جانب دولة إسرائيل التي تضم الـ78 في المئة المتبقية من الأراضي الفلسطينية.
وهو ما تم إقراره في قرار مجلس الأمن 242 بعد حرب 1967 وسيطرة إسرائيل على باقي أراضي فلسطين التاريخية وهضبة الجولان السورية.
اعتمد بعض الفلسطينيين هذه المبادئ في عام 1974، ضمن البرنامج المرحلي للمجلس الوطني الفلسطيني، والذي عارضته بعض الفصائل الفلسطينية وقتها، حيث شكلت ما يعرف بجبهة الرفض. أصبحت فيما بعد مرجعية المفاوضات في اتفاق أوسلو عام 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل.
إسرائيل وتقويضها حل الدولتين لعقود
في الواقع، لم تتوقف إسرائيل عن انتهاك الشرط الأساسي لتنفيذ حل الدولتين منذ إقراره، وهو وقف الاستيطان والاعتراف باستقلال دولة فلسطين ضمن الحدود التي رُسمت عام 1967. إذ عززت سياسة بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية التي احتلتها بعد العام 1967، واستمرت في دعم المستوطنات الموجودة سابقًا، عبر توسيع مساحتها وضم مزيد من الأراضي إليها. وتعتبر هذه المستوطنات وفقًا لقرار مجلس الأمن رقم 448 سنة 1979 الذي نص على عدم مشروعيتها، خرقًا للقانون الدولي، كما تمثل انتهاكًا للفقرة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة التي وقعت عليها.
كانت إسرائيل حتى الأمس القريب، تتقدم بخطوات حذرة في مسألة ضم أجزاء من الضفة الغربية، وذلك بسبب خوفها من القرارات الدولية الرافضة للاستيطان. ورغم أن إسرائيل لم تكن تحترم هذه القرارات في نهاية المطاف، فإن الوضع تغير إلى الأسوأ بعد وصول حكومة يمينية متطرفة تجمع أكبر مؤيدي التوسع الاستيطاني، ما أفضى إلى مصادرة إسرائيل لأكثر من مليون دونم من الأراضي الفلسطينية، والتي أعيد تصنيفها على أنها "أراضي دولة إسرائيلية".
وبنَت إسرائيل، منذ احتلال الضفة الغربية عام 1967، أكثر من 130 مستوطنة وحوالي 140 بؤرة استيطانية، وأضحى يعيش في هذه المستوطنات ما يقارب 700 ألف مستوطن إسرائيلي، من بينهم 230 ألفًا في القدس الشرقية.
وفي الوقت الذي كانت تستعد فيه باربرا ليف، أكبر دبلوماسية أميركية لشؤون الشرق الأوسط، لزيارة إسرائيل في يونيو/حزيران الفائت، كانت الحكومة الإسرائيلية التي وعدت الولايات المتحدة بعدم توسيع مستوطنات الضفة الغربية لمدة 4 أشهر، تتخذ أخطر قرار لها بهدف تسريع النمو الاستيطاني، ففي الثامن عشر من يونيو، صادق الاحتلال على خطة تهدف لتقصير الفترة الزمنية اللازمة لإصدار موافقات البناء في مستوطنات الضفة الغربية، وتمنح الخطة وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموترتيش، الصلاحية الكاملة للموافقة على خطط بناء المستوطنات دون الحاجة إلى انتظار موافقة رئيس الوزراء ووزير الدفاع.
ويعتبر سموتريتش، رئيس حزب الصهيونية الدينية اليميني المتطرف، أحد أهم أركان حكومة نتنياهو الحالية، ويتمتع بصلاحيات واسعة تفوق صلاحياته كوزير مالية فقط، ويحظى بلقب "بطل الاستيطان الإسرائيلي" في أوساطه.
في عام 2017، كتب سموتريتش مقالًا عنونه بـ"خطة الحسم"، والتي أعلن فيها خطته لضم الضفة الغربية والسيطرة عليها، قائلًا إن نموذج الدولتين أوصل إسرائيل إلى طريق مسدود، وإنه لا يوجد مكان في أرض إسرائيل لحركتين قوميتين متناقضتين. ومع صعوده إلى مجلس وزراء حكومة إسرائيل في ديسمبر/كانون الأول الفائت، بناءً على الائتلاف الذي شكّله رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مع الأحزاب الدينية، بات لدى سموتريتش، وغيره من وزراء الحكومة المتطرفين، القدرة على وضع أفكارهم موضع التنفيذ، وجعلها جزءًا من السياسة الرسمية لحكومة الاحتلال الحالية التي نصت وثائق تأسيسها على أن للشعب اليهودي الحق الحصري الذي لا جدال فيه في جميع أجزاء أرض إسرائيل، بما يشمل الضفة الغربية، ويتعارض مع ما نصّ عليه حل الدولتين، الذي تدعي وسائل إعلامية ومتحدثون باسم إسرائيل التمسك به.
أسهمت صلاحيات سموتريتش الحكومية الواسعة في تعزيز الأجندة الاستيطانية في الضفة الغربية، فقد أعطى بصفته وزيرًا للمالية تعليماته للمكاتب الحكومية بالاستعداد لتوطين نصف مليون مستوطن آخر في الضفة، متعهدًا بتوفير ميزانيات ضخمة جديدة تصل إلى مليارات الشواكل لتطوير البنية التحتية لتلك المستوطنات.
بيد أن سلطات سموتريتش لم تقف عند هذا الحد، فقد حصل في فبراير/شباط الفائت، على منصب لا يقل أهمية، حين عُيّن رئيسًا للإدارة المدنية، ليصبح بذلك بمثابة حاكم للضفة الغربية وفقًا للقانون الإسرائيلي، إذ يعني هذا المنصب تغيير هيكل الحكم الرسمي للضفة الغربية من خلال نقل العديد من السلطات الإدارية من القيادة العسكرية لجيش الاحتلال إلى القيادة المدنية التي أصبح يمثلها سموتريتش.
تعد خطوات حكومة نتنياهو نحو الضم هي الأسرع في تاريخ الاحتلال، ففي مارس/آذار الفائت، وافقت الحكومة الإسرائيلية على مشروع قانون يسمح للإسرائيليين بالعودة إلى 4 مستوطنات في الضفة الغربية، وذلك من خلال تعديل قانون فك الارتباط الصادر عام 2005، الذي أمر بإخلاء المستوطنين من هذه المستوطنات ومن قطاع غزة. كما تعد خطة "الإصلاح القضائي" المثيرة للجدل التي نشبت على إثرها مظاهرات واسعة امتدت لأشهر، جزءًا من سلسلة تحركات من شأنها إخضاع الضفة الغربية للسيطرة الكاملة، وهو ما أكده سموتريتش نفسه قائلًا إن إعادة النظر في الهياكل الديمقراطية والقانونية قد يضمن للحكومة ضم الضفة الغربية.
الاستيطان لم يكن حكرًا على حكومة نتنياهو
تنتشر بعض الادعاءات في الأوساط الإسرائيلية المعارضة، يلقي ناشروها باللوم على نتنياهو وحكومته الحالية تحديدًا في تقويض حل الدولتين، بالتواطؤ مع حماس. على سبيل المثال، نقلت صحيفة هآرتس الإسرائيلية المحسوبة على التيار الليبرالي، تصريحات أستاذ التاريخ في جامعة القدس ديميتري شومسكي الذي قال “بفضل ملايين الدولارات القطرية المتدفقة إلى غزة، وبموافقة نتنياهو المتكررة كجزء من سياسة خبيثة متعمدة تهدف إلى دفن حل الدولتين، اكتسبت حماس قدرات عسكرية مفرطة”.
بيد أن توجهات الحكومات اليسارية الليبرالية الإسرائيلية السابقة لم تختلف كثيرًا بشأن مسألة الاستيطان عن نظيرتها اليمينية، فقد سبق أن قدّمت الحكومات التي كان يتزعمها حزب العمل الإسرائيلي المحسوب على التيار اليساري مخططات لضم الضفة الغربية، إذ قدّم يغال ألون، وزير العمل الأسبق،، في أعقاب حرب 1967، خطة لضم مساحات شاسعة من الضفة الغربية، بما في ذلك وادي الأردن ومنطقة القدس الكبرى، ثم جاءت الاستمرارية بعد ذلك بـ10 أعوام في عهد مناحيم بيغن وحزبه الليكود الذي طرح برنامج إسرائيل الكبرى الداعي إلى ضم الضفة، معارضًا التنازلات الدولية في ما أسماه بـ"قلب المنطقة التوراتية".
ورغم موافقة غالبية الأطياف السياسية الإسرائيلية على فكرة إقامة الدولة الفلسطينية بعد اتفاقية أوسلو، شكليًا على الأقل. إلا أن معظم حكومات اليمين الإسرائيلي السابقة المتعاقبة، تابعت في مسيرة الاستيطان خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وإن كان ذلك بشكلٍ أبطأ مما تفعله الحكومة الحالية.
إذ جاءت تحركات مثل التي تزعمها نفتالي بينيت، الذي طالَب فور دخوله المجال السياسي عام 2013 بالضم الإسرائيلي الكامل للمنطقة "ج"، بالمخالفة لاتفاقية أوسلو. ومع وصوله إلى سدة الحكم عام 2021، قاد بينيت حكومته لترسيخ حكم الاحتلال في المنطقة "ج"، ما دفع فادي الهدمي، وزير شؤون القدس الفلسطيني، للتصريح بأن العام الذي قضته حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت كان الأصعب والأخطر على مدينة القدس وسكانها، حيث تمت المصادقة الأولية على بناء 14108 وحدات استيطانية، وهدم 270 مبنى فلسطينيّا.
استيطان باسم “الحدائق الوطنية”
في نهاية سبتمبر/أيلول الفائت، صادقت اللجنة الإسرائيلية اللوائية للتخطيط والبناء في القدس على مخطط جديد لإنشاء حديقة طبيعية حضرية تغطي مساحة تقارب 700 ألف متر مربع من أصل 1.1 مليون متر مربع من أراضي بيت حنينا وحزما وشعفاط، بادّعاء أن هذه الأراضي محميات طبيعية تتبع مستوطنة "بسغات زئيف" التي تعتبر من أكبر التجمعات الاستيطانية شرقي القدس.
وبحسب المخطط ستشمل الحديقة مركزًا للزوار وآخر رياضيًا ومجتمعيًا ومسبحًا وموقفًا للسيارات، واعتبرت بلدية القدس أن المتنزه بمثابة "انتصار عام غير مسبوق ضد تجار العقارات الذين أرادوا بناء مبان شاهقة في المنطقة"، مؤكدة عبر موقعها "أن إنشاء رئة خضراء في قلب بيئة حضرية في القدس تجمع بين النباتات الطبيعية والحيوانات والطيور، تجذب السكان للعيش فيها".
تؤكد البلدية على أهمية الحديقة في حماية الحيوانات والطبيعة، لكنها لا تقول إن من شأنها محاصرة الفلسطينيين ومنع تمددهم جغرافيًا وحرمانهم الوصول إلى أراضيهم، عبر فصل الأحياء الفلسطينية عن بعضها، مستغلة ذلك لمصلحة مشاريع استيطانية مستقبلية، ووضع اليد على الأراضي المفتوحة بالقدس الشرقية.
وهذا ليس نهجًا جديدًا، إذ تمت مصادرة العديد من الأراضي الفلسطينية وتحويلها إلى "حدائق وطنية" بموجب قانون الحدائق الوطنية والمحميات الطبيعية والمواقع الوطنية والنصب التذكارية، الممتد من قانون الانتداب البريطاني الصادر عام 1943 الذي يسمح بمصادرة الأراضي لصالح المنفعة العامة.
على سبيل المثال، أُقيمت مستوطنتي هار شموئيل ونيفي شموئيل على قرابة 500 دونم من قرية النبي صموئيل شمال غربي القدس. إذ حوّلت هذه المستوطنات القرية إلى خلية لـ "الحريديم" المتطرفين الذين حولوا المكان ما بين المسجد والموقع الأثري في القرية إلى كنيس يهودي لزعمهم أن النبي صموئيل هو أحد أنبياء اليهود.
وقعت القرية تحت الاحتلال الإسرائيلي بعد عام 1967، ثم هُدمت منازلها كلها بأمر من غولدا مائير، رئيسة وزراء الاحتلال آنذاك، ليُجلَى سكان القرية إلى منازل تبعد حوالي 100 متر شرقي المسجد والموقع الأثري عام 1971، وعلى أنقاض منازلهم، أنشأت إسرائيل حوالي 1,000 منشأة سكنية.
وفي عام 1995، وبقرار من حكومة رئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين، تم الاستيلاء على 3500 دونم من أراضيها القرية لتكون جزءًا من "حديقة قومية" إسرائيلية. وشمل هذا الاستيلاء أراضي القرية الزراعية وبيوتها، وفي مقدمتها مسجد ومقام النبي صموئيل، والموقع الأثري من حوله.
وفي مايو/أيار الفائت، اقترحت حكومة نتنياهو الحالية تعديل قانون الحدائق الوطنية والمحميات الطبيعية والمواقع الوطنية والنصب التذكارية، بهدف فرض تطبيقه على المواقع الأثرية في الضفة الغربية، فقد جاء في الملاحظات التفسيرية للاقتراح أن "أراضي يهودا والسامرة (الاسم التوراتي الذي يستخدمه معظم الإسرائيليين للإشارة إلى الضفة الغربية المحتلة) مليئة بالمواقع التراثية ذات الأهمية الوطنية والتاريخية الكبيرة لتطوير الاستيطان في أرض إسرائيل".
التطبيع لم يردع إسرائيل من مواصلة استيطانها
هناك جانب آخر من الادّعاءات التي نُشرت في الأوساط الإسرائيلية والغربية تفيد بأن حماس، من خلال عملية طوفان الأقصى، أجهضت فرص السلام بين إسرائيل والدول العربية، والتي كان من شأنها أن تؤدي إلى السلام مع الفلسطينيين وربما تطبيق حل الدولتين، لاحقًا. إذ نشرت على سبيل المثال مجلة تايم الأميركية تقريرًا مطولًا بعنوان "لماذا حاولت حماس تخريب فرص السلام العربي الإسرائيلي بهجوم واسع النطاق وغير مبرر؟".
لكن هل كان التطبيع الإسرائيلي مع بعض الدول العربية رادعًا حقًا في وجه الاستيطان؟ إذ عندما كان نتنياهو رئيسًا للحكومة عام 2017، مرّر حزب الليكود الذي يرأسه قرارًا بمتابعة الضم الكامل للضفة الغربية، ورغم أن هذا القرار لم ينفذ بسبب الاعتراضات الدولية التي أبطأت نتنياهو، إلا إنه أعلن في عام 2019 أنه سيعزز التطبيق التدريجي للسيادة الإسرائيلية على الأرض، وذلك بعد تأكده من دعم إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
وفي عام 2020، أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية عزمه على البدء من جانب واحد في ضم الأراضي المحددة للسيادة الإسرائيلية، لكنه سرعان ما تراجع عن هذا القرار لتمهيد الطريق نحو اتفاقيات التطبيع مع عدد من الدول العربية.
اتّضح لاحقًا أن هذا التراجع الإسرائيلي لم يكن نهائيًا ولا استراتيجيًا، بل تكتيكيًا فقط، فقد واصلت حكومة نتنياهو العمل على تطوير العديد من المشاريع الاستيطانية في الضفة الغربية وتوسيعها، ومنها الطريق السريع "55" الذي يمتد من ضواحي مدينة نابلس الفلسطينية في الضفة إلى كفر سابا شمال شرقي تل أبيب، وكغيره من الطرق التي يقيمها الاحتلال، مهّد لمصادرة مساحات كبيرة من أراضي الضفة.
كما أتى ذلك ضمن سياسة مراوغة الرأي العام الدولي، إذ تعلن الحكومة الإسرائيلية في بادئ الأمر عن خطط بناء استيطاني في منطقة حساسة معينة، تثير حفيظة الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية الأخرى، ثم تعلن عن تعليق مشروعها الأول أمام الملأ. لكنها تبدأ في مشاريع استيطانية أخرى في مناطق أخرى متنوعة.
حدث ذلك مع مشروع البناء E1 الرامي لفصل شمال الضفة عن جنوبها، والذي يعتبره المجتمع الدولي عائقًا حقيقيًا أمام حل الدولتين، فحين اعترضت الولايات المتحدة على المشروع التزمت إسرائيل بالتوقف عن إتمامه، لكنها أبلغت واشنطن في الوقت نفسه عن خططها لبناء 4 آلاف وحدة جديدة في مكان آخر.
لذا، فإن القول اليوم بأن حماس قوّضت حل الدولتين من خلال شنّ عملية عسكرية على مستوطنات غلاف غزة ادعاءٌ فيه تعتيم وطمس حقيقة لواقع امتدّ لعقود. تشير الوقائع إلى أن إسرائيل لم تلتزم يومًا بحلّ الدولتين، أيًا كانت حكومتها، وواظبت الامتثال للخطاب المتطرف والميول التوسعية رغم محاولتها عدم إغضاب حلفائها. ضاربةً بعرض الحائط المواثيق الدولية والنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي يعتبر نقل سكان دولة احتلال مدنيين إلى أراضٍ تحتلها جريمة حرب.
اقرأ/ي أيضًا:
بلا أدلة.. البروباغندا الإسرائيلية تحاول الربط بين حماس وداعش
من مظاهر انحياز وسائل الإعلام الغربية لإسرائيل في تغطية الحرب على غزة