في 14 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، أعلنت هيئة البث البريطانية "بي بي سي" عن إحالة ستة صحافيين من خدمتها العربية إلى التحقيق، وذلك على خلفية منشورات قالت الشبكة إنها "تحتفي" بهجوم حماس على مستوطنات غلاف غزّة، والذي أسفر عن مقتل 1400 إسرائيلي وأسر العشرات.
من هم الصحافيون الذين أحالتهم "بي بي سي" إلى التحقيق؟
يتعلّق الأمر بكلّ من مراسلة الشؤون الدينية، اللبنانية سناء الخوري، ومديرة البرامج اللبنانية ندى عبد الصمد، والمراسلة المصرية سالي نبيل، والصحافي والمنتج المصري محمد شليب، والصحافية في مكتب القاهرة، المصرية سلمى خطّاب، والمراسل والناقد الرياضي عمرو فكري، بالإضافة إلى المساهِمة بالقطعة، آية حسام، التي أوقفت القناة التعاون معها بالفعل.
ما هي المنشورات التي أُحيل بسببها صحافيو بي بي سي إلى التحقيق؟
تُحقّق "بي بي سي" في تغريدة لمحمود شليب، قال فيها "إنّه ليس لدى إسرائيل أي مدني بين الشباب تقريبًا"، تعليقًا على مشهد يحمل فيه مدنيون السلاح إلى جانب أفراد من الشرطة الإسرائيلية.
ويشمل التحقيق إعجاب سالي نبيل بثلاث تغريدات، تُشيد إحداها بالهجوم وتصف أخرى إسرائيل بـ "دولة الاحتلال". أمّا الثالثة فكانت تعليقًا أسفل مقطع فيديو يُظهر جثّثًا ومختطفين تنقلهم سيارة جيب إلى غزة، يفتخر صاحبه بكونه مُصوّر المشهد.
وتنظر "بي بي سي" أيضًا في مقطع فيديو نشرته ندى عبد الصمد، التي تعمل في القناة منذ 27 عامًا. وكتبت الصحافية تعليقًا على المقطع الذي يُظهر إسرائيليين مختبئين داخل حاوية "المستوطنون يختبئون داخل حاوية قصديرية خوفًا من مقاتلي المقاومة الفلسطينية".
أمّا زميلتها سناء الخوري، فقد أُحيلت إلى التحقيق لنشرها تغريدتين قالت في الأولى إنّ "سمعة إسرائيل تبكي في الزاوية"، ونقلت في الثانية خبر احتفالات في جنوب لبنان بعملية طوفان الأقصى.
ما هي البنود التحريرية التي يُشتبه في خرق الصحافيين لها؟
ذكر بيان وزّعته بي بي سي على الصحافة، أنّ إحالة موظّفيها الخمسة إلى التحقيق جاءت بعد الاشتباه في خرقهم بنودها التحريرية المتعلٌّقة بعدم الانحياز. وتعتبر "بي بي سي" "المقدّمين والمراسلين والمبعوثين واجهتها وصوتها، الذي قد يُؤثّر على تصوّر الجمهور لمدى احترامها لمبدأ عدم الانحياز".
ويستند تحقيقها في منشورات الصحافيين الخمسة إلى الفقرات 4.3.10 و4.3.11 و4.3.30 من كُتيب الإرشادات التحريرية الخاص بها، والتي تنص على أنّه من غير اللائق أن يُقدّم طاقم القناة ومقدّموها ومراسلوها العاملون في مجال الأخبار، أو أن يكتبوا آراءً شخصيّةً حول المسائل السياسية المثيرة للجدل في إطار عملهم في "بي بي سي"، أو على مدوناتهم الشخصية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.
من هي الجهة التي أبلغت عن منشورات الصحافيين؟
جاء قرار "بي بي سي" بإحالة صحافييها إلى التحقيق استجابة لبلاغٍ تقدّمت به منظّمة كاميرا (CAMERA) لتحرّي الدقة في تغطية أخبار الشرق الأوسط (Committee for Accuracy in Middle East Reporting and Analysis)، والتي قالت على موقعها الإلكتروني إنّ صحافيي "بي بي سي" "أدلوا على مواقع التواصل الاجتماعي بتصريحات تُبرّر قتل المدنيين الإسرائيليين على يد حماس"، متهمة "بي بي سي" بـ "تبييض استهداف المدنيين اليهود في إسرائيل منذ ما قبل التصعيد الأخير".
ما هي منظّمة "كاميرا"؟
تأسست منظّمة كاميرا لتحرّي الدقة في تغطية أخبار الشرق الأوسط في العاصمة الأميركية واشنطن، عام 1982، على يد وينفريد ميزلمان، معلمّة وموظفة خدمات اجتماعية، ردًّا على تغطية صحيفة ذا واشنطن بوست للحرب الإسرائيلية اللبنانية، وما اعتبرته "انحيازًا عامًا للصحيفة ضد إسرائيل". والتحقت بالمنظمة شخصيات بارزة كانت تقيم في واشنطن، بينهما أعضاء في مجلسي النواب والشيوخ وصحافيون وسفراء ورجال دين مسيحيون ويهود.
ونظّمت "كاميرا"، في عام 1989، مؤتمرًا كبيرًا في بوسطن سلّط الضوء على قدرة وسائل الإعلام على توجيه الرأي العام حول سياسات الشرق الأوسط والضرر المحتمل للتغطية المشوهة للأحداث هناك. واستقطب المؤتمر الكثير من الاهتمام، إذ حضرته أكثر من ألف شخصية، وتحدث فيه رؤساء تحرير معروفون وأساتذة من جامعات مرموقة.
وزادت شعبية المنظمة بعد المؤتمر، فانضم إليها رجال قانون وأطباء وبعض أبرز رواد الأعمال في بوستن، من بينهم الشريكان المؤسسان لشركتي تيمبرلاند وستيبلز العملاقتين.
في عام 1991، تنازلت ميزلمان عن إدارة المنظمة لمديرة مكتب بوستن أندريا ليفين. وخلال فترة إدارة ليفين، ارتفع عدد أعضاء المنظمة من ألف إلى أكثر من 20 ألفًا. أمّا اليوم فيتجاوز عدد أعضاءها 60 ألفًا، وتملك مكاتب في واشنطن ونيويورك، وشيكاغو، ولوس أنجليس، إسرائيل.
كيف تُضَيِّقُ "كاميرا" على الخطاب المنتقد لإسرائيل في وسائل الإعلام؟
تراقب "كاميرا" ما تنشره وسائل الإعلام الغربية عن الشرق الأوسط، وعن اليهود وإسرائيل تحديدًا، وتتواصل مع القائمين على تلك الوسائل للإبلاغ عمّا تعتبره تجاوزات مهنية، والمطالبة بتصحيحها.
ويذكر موقع المنظمة أنّها بذلت على مرّ السنوات، جهدًا كبيرًا في "تحسين" تغطية وسائل الإعلام الكبرى لإسرائيل والشرق الأوسط، على غرار "ذا نيويورك تايمز" و"بوستن غلوب" و"لوس أنجليس تايمز" و"إن بيه آر" و"بيه بي إس" و"إيه بي سي نيوز". وتقول المنظمة إنّها حققت "نجاحات كُبرى مع تلك الوسائل"، وأنّه لا تزال هناك حاجة مستمرة للمراقبة والتفاعل.
"كاميرا" تموّل الدعاية لصالح إسرائيل
رغم أنّ "كاميرا" تُقدّم نفسها كطرف مستقل لا يتبع أيّ تيار سياسي أو حزبي، ولا يتخذ أيّ موقف من القضايا المتعلّقة بالعلاقات الإسرائيلية الأميركية وبالصراع العربي الإسرائيلي، إلاّ أنّ أهدافها تصب في خدمة إسرائيل.
فقد أطلقت مشاريع عدّة منها ما استهدف المؤسسات التعليمية على غرار مشروع توظيف الطلاب في أميركا الشمالية وأوروبا وإسرائيل وإسبانيا وجنوب أفريقيا وأميركا اللاتينية، الذي يشّجع الطلاب على تلقين زملائهم، من خلال برامج تعليمية، "حقائق" عن الشرق الأوسط، بالإضافة إلى مراقبة ما تنشره الصحف الطلابية عن إسرائيل وعن الشرق الأوسط، وكتابة مقالات لمواجهة التوصيفات المشوِّهة لإسرائيل في الحرم الجامعي.
كما أطلقت عام 1990 مشروع "كاميرا في الحرم الجامعي" (CAMERA on Campus)، الذي يُشجّع على تأسيس مجموعات داعمة لإسرائيل داخل الجامعات. وأنشأت معهد كاميرا للتعليم الذي يركّز على محاربة الدعاية المضادة لإسرائيل والمعادية للسامية، في جميع الأطوار التعليمية التي تسبق الجامعة.
وأسست المنظمة أقسامًا خاصة بالإعلام الصادر باللغتين الإسبانية والعربية، بالإضافة إلى قسم خاصٍ بالمملكة المتحدة، مهمته مراقبة وسائل الإعلام الكبرى في بريطانيا، مثل "ذا غارديان" و"ذي إندبندنت" و"بي بي سي"، التي تصف "كاميرا" تغطيتها لقضايا الشرق الأوسط بـ "الإشكالية".
ويعمل قسم الإعلام العربي في المنظمة مع الأقسام العربية لوسائل الإعلام الغربية مثل "بي بي سي" و"أ ف ب" و"سي إن إن" وغيرها.
تغطية بي بي سي للحرب على غزة في مرمى الانتقادات
تنتقد "كاميرا" منذ بداية أحداث طوفان الأقصى، إصرار "بي بي سي" على عدم وصف حماس بالمنظمة الإرهابية ومقاتليها بالإرهابيين.
وحذّر، أمس الجمعة 20 أكتوبر، الصحافي بسام بونني، المستقيل حديثًا من منصب مراسل خدمة "بي بي سي" العربية في تونس، من نفوذ "كاميرا" ومراكز ومعاهد أخرى تمارس الرقابة على المحتوى الإعلامي، وعلى نشاط الصحافيين على الشبكات الاجتماعية الاجتماعية. وقال بوننّي "إنّ هدف هذه الجهات هو التخويف والتهويل ووضع سقف وتحديد جرعة انتقاد إسرائيل".
وكان بونني قد قدّم استقالته، في 18 أكتوبر الفائت، وقال إنّ قراره اتُخذ استجابة لضميره المهني.
وجاءت استقالة بونني في وقت تتعرض فيه شبكة "بي بي سي" لانتقادات متزايدة، بسبب الانحياز لإسرائيل في تغطيتها لأحداث طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي الذي تلاها.
ففي 14 أكتوبر الفائت، سكب نشطاء مؤيّدون للقضية الفلسطينية طلاء أحمر على مدخل مقرها في لندن. وقالت مجموعة "Palestine Action" التي تبنّت الفعل، إنّ تلك إشارة إلى تواطئ "بي بي سي" مع إسرائيل في جرائمها ضد المدنيين في غزة، متهمة الشبكة بـ "صناعة القبول الجماهيري لجرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل".
وقد تزايدت تلك الاتهامات حين تعرض مستشفى الأهلي المعمداني وسط غزة للقصف، في 17 أكتوبر، بعد يومٍ واحد فقط من نشر "بي بي سي" تقريرًا تساءل عنوانه عما إذا كانت حماس تبني أنفاقًا تحت المستشفيات والمدارس.
هذا واعتذرت "بي بي سي" في وقت سابق على وصفها مظاهرات مساندة للفلسطينيين بمظاهرات "عبر المشاركون فيها عن دعمهم لحماس".
اقرأ/ي أيضًا
ما صحة ادعاء كوهين بأن إسرائيل لم تقصف أي كنيسة في غزة؟
الرواية الإسرائيلية حول مجزرة المستشفى المعمداني: من التبني إلى الإنكار