في 23 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، نشرت قناة سكاي نيوز مقطع فيديو من مقابلة أجرتها مع الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ. وفي المقطع يُدلي الرئيس بادعاءات مضلّلة وأخرى لا وجود لأدلّة مستقلة تؤكّد صحّتها.
يُفنّد هذا المقال الادعاءات المضلّلة ويستعرض الجوانب التي تجعل ادعاءات أخرى غير قابلة للتحقّق.
يحمل إسحاق هرتسوغ بيده ورقة يقول إنّها "وثيقة عُثر عليها على جسد واحدٍ من أولئك الأشرار الساديين" في إشارة إلى مقاتلي كتائب القسّام، الذين دخلوا في السابع من الشهر الجاري إلى مستوطنات غلاف غزة، وقتلوا 1400 إسرائيليًّا وأسروا العشرات.
ويتابع هرتسوغ: "إنّها وثيقة رسمية تخص القاعدة (تنظيم القاعدة)". ثم يضيف: "إنّنا في مواجهة ضد القاعدة وداعش (تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام) وحماس".
يحمل بعدها وثيقة أخرى، ادّعى أنّها وُجدت ضمن الأولى وأنّ فيها تعليمات حول كيفية إنتاج أسلحة كيمياوية. ويشرح لمراسل سكاي نيوز مشيرًا إلى محتوى الوثيقة “إنّها تتحدث عن افتعال الحرائق وعن مواد كيمياوية متنوعة، تندمج وتنتج أسلحة كيمياوية ببساطة”.
بحث "مسبار" عن أصل الوثيقة الأولى، ووجد أنّها غلاف العدد الخامس من مؤلّف يتكوّن من 30 صفحة، عنوانه "كتائب الفردوس الأعلى"، وأنّ المؤلَّف- بحسب ما ذُكر على الغلاف- هو نشرة دورية أصدرها تنظيم القاعدة.
وخُصّص العدد للاحتفاء بأحد المنتمين للتنظيم، وهو صانع المتفجّرات الكويتي ذو الأصول الباكستانية والفلسطينية، رمزي يوسف، الذي نفّذ عام 1993 تفجيرًا في موقف سيارات تابع لمركز التجارة العالمي في نيويورك، متسبّبًا بمقتل ستة أشخاص وجرح ما يزيد عن ألف شخص.
لكن اللافت هو أنّ المؤلَّف متاحٌ في مصادر مفتوحة على الإنترنت، منذ عام 2010 على الأقل. يدفع ذلك للتشكيك في الرواية الإسرائيلية حول مصدره، وتُعزّز تلك الشكوك عدم الجدوى اللوجستية للمؤلَّف، الذي يسرد السيرة الذاتية لرمزي يوسف وأبرز محطّات مسيرته، إلى جانب عدم احتواء المؤلَّف على الوثيقة الثانية، مثلما زعم هرتسوغ، ممّا يرجح فرضية عدم وجود صلة بين الوثيقتين.
كما تدفع الجهود الدعائية، التي بذلتها إسرائيل منذ السابع أكتوبر الجاري، لتصوير عملية طوفان الأقصى كنسخة إسرائيلية من أحداث الحادي عشر سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، للتساؤل عمّا إذا كان استخدام غلاف المؤلَّف محض محاولة جديدة للربط بين الحدثين والجهتين اللتين تقفان وراءهما.
لماذا تصطلح إسرائيل على طوفان الأقصى مجازًا تسمية أحداث 11 سبتمبر؟
على الرغم من اختلاف دوافع الهجومين وسياقيهما التاريخيين جوهريًّا، تُصرُّ إسرائيل على مقارنة أحداث السابع من أكتوبر 2023، في مستوطنات غلاف غزة، بأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 في نيويورك.
ويمكن قراءة تلك الجهود كمحاولة لاستغلال رمزية هجمات 11 سبتمبر لكسب تأييد الرأي العام وصنّاع القرار في الولايات المتحدة، من خلال استحضار مشاعر الصدمة والغضب التي انتابت الأميركيين إثر الحدث، وتوظيفها لشرعنة خيار الحرب ضد الفلسطينيين، من منطلق "حق الدفاع عن النفس"، ذاته الذي برّرت به الولايات غزوها لأفغانستان في أكتوبر 2001، ثم العراق عام 2003.
كما تسعى إسرائيل من خلال استعارة تسمية "أحداث 11 سبتمبر" لتصوير حماس كمنظّمة إرهابية شبيهة بالقاعدة وداعش، ما يجعلها، تلقائيًّا، عدوًا مشتركًا للغرب لا عدوًا لإسرائيل وحدها، وهو ما يحتّم على الحكومات الغربية الانحياز لصف إسرائيل، والتحالف معها عسكريًّا ضد حماس.
أمّا الوثيقة الثانية، فهي رسم توضيحي لمكونّات قنبلة تُسمّى "المبتكر"، وهي منشورة في مصادر مفتوحة على الإنترنت منذ ثماني سنوات على الأقل. فقد تمّت الإشارة إليها ضمن محاضرة عن أسلحة الدمار الشامل على أنّها أُخدت من موقع إلكتروني تابع لجهاديين، في حين ذكر تقرير نشرته سكاي نيوز، عام 2018، أنّها قنبلة غاز سام من تصميم القاعدة، وأنّ التنظيم كان يُخطّط لتفجيرها في أنفاق ميترو نيويورك.
يعني ذلك أنّ كلا الوثيقتين اللّتين استعرضهما هرتسوغ موجودتان في مصادر مفتوحة على الإنترنت، وأنّ إسرائيل بحاجة لتقديم أدلّة أكثر لإثبات أنّهما وجدتا بالفعل بحوزة مقاتلين تابعين لحماس.
ويزعم الرئيس الإسرائيلي في اللقاء ذاته أنّ إسرائيل لم تقطع الكهرباء عن قطاع غزة، وأنّ صواريخ حماس هي التي تسبّبت في تخريب البنية التحتية الناقلة للكهرباء إلى داخل القطاع.
غير أنّ تحقيقًا سابقًا لمسبار كشف عدم صحّة تلك الادعاءات، إذ إنّ قطع الكهرباء جاء بموجب حصار شامل فرضه وزير الجيش الإسرائيلي، يوآف غالانت، على قطاع غزة في التاسع من أكتوبر الجاري. وقال غالانت في مقطع فيديو: "أمرت بفرض حصار شامل على غزّة. لا كهرباء، لا غذاء، لا ماء، لا غاز، أغلقنا كل شيء". وأضاف "نحن نحارب حيوانات بشرية ونحن نتصرف على ذلك الأساس".
وأكّد وزير الطاقة، يسرائيل كاتس، ذلك في 11 أكتوبر، عندما نشر على موقع إكس تغريدة قال فيها إنّ إسرائيل قطعت المياه والكهرباء والوقود انتقامًا من غزة، التي أرسلت إليها "آلاف الحيوانات البشرية لتذبح وتقتل وتختطف الرضّع، والنساء وكبار السن".
كما ادّعى هرتسوغ في اللقاء أنّ إسرائيل لا تُزوّد غزة إلا بسبعة في المئة من احتياجاتها من المياه، في إشارة إلى عدم مسؤوليتها عن أزمة انقطاع المياه في القطاع.
لكن مسبار تحقّق من الادعاء ووجد أنه مضلل، إذ إنه وعلى الرغم من أنّ إسرائيل لا تزوّد قطاع غزة إلا بستة في المئة فقط من احتياجاتها من المياه، إلا أن تغطية ما تبقى من تلك الاحتياجات مرهونة باستمرار عمل مضخات استخراج المياه الجوفية، المصدر الرئيس للمياه في قطاع غزة، ومحطات تحلية مياه البحر، وهو ما لم يعد ممكنًا بعد قطع إمدادات الكهرباء والوقود عن القطاع.
وتستقبل غزة 20 مليون لتر مكعب سنويًّا من المياه عالية الجودة، من شركة "مكوروت" الإسرائيلية، منذ أن أصبحت المياه الجوفية المستخرجة من الخزان الجوفي الساحلي للقطاع غير صالحة للاستهلاك البشري، بفعل الاستغلال المفرط في ظل غياب موارد مائية بديلة، ومع ارتفاع عدد السكان وزيادة استهلاكهم للمياه.
وتقول سلطة المياه وجودة البيئة الفلسطينية إنّ الإفراط في استغلال المياه الجوفية لخزان غزة الساحلي، قد تسبب في تجاوز مستويات الكلور والنترات، في المياه المستخرجة من بعض مناطقه، ثمانية أضعاف المستويات التي توصي بها منظمة الصحة العالمية في مياه الشرب، ناهيك عن تسرّب مياه الصرف الصحي غير المعالج ومياه البحر إلى الخزان.
ولمحاولة سد العجز، شُيّدت ثلاث محطات لتحلية مياه البحر: محطة دير البلح ومحطة الجنوب ومحطة غزة، وقد توقّفت آخرها عن العمل يوم الأحد 15 أكتوبر الجاري بسبب نفاد الوقود.
وتابع هرتسوغ كلامه قائلًا إنّ هناك وقودًا لتغطية الحاجات الإنسانية، وإنّه تحت تصرُّف وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" وأنّ إسرائيل تتابع الوضع الإنساني عن كثب وعلى مدار الساعة.
لكن فيليب لازاريني، المفوض العام للوكالة، كان قد صرّح في 22 أكتوبر أنّ مخزون الوقود لدى أونروا سينفد بعد ثلاثة أيام، أي في 25 من الشهر، داعيًّا جميع الأطراف وذوي النفوذ إلى السماح فورًا بدخول إمدادات الوقود إلى قطاع غزة.
ولم تسمح إسرائيل إلى حين كتابة هذا المقال بدخول الوقود إلى قطاع غزة، كما لم تستأنف إمداده بالتيار الكهربائي.
وكان التيار الكهربائي قد انقطع بالفعل عن المستشفى الإندونيسي شمال قطاع غزة، في 23 أكتوبر، بعد نفاد الوقود الضروري لتشغيل مولّدات الكهرباء.
اقرأ/ي أيضًا
انتقائية بعض وسائل الإعلام في نقل تصريحات الإسرائيلية المفرج عنها من حماس
ما حقيقة ادعاء مسؤول في الخارجية الأميركية بأن حماس تسرق المساعدات الإنسانية في غزة؟