في 26 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، نشر الحساب الرسمي لجيش الاحتلال الإسرائيلي تسجيلًا صوتيًّا زعم أنّه لمحادثة هاتفية دارت بين ضابط إسرائيلي، يشير الوصف المرفق بالتسجيل إلى أنّه يتبع الفرقة 504 الاستخباراتية، المكلّفة بتجنيد العملاء، وبين مواطن فلسطيني من داخل قطاع غزة، يُفهم من السياق أنّه عميل لديهم.
وفي التسجيل، يطلب الضابط الإسرائيلي بلهجة عربية فلسطينية من المواطن الفلسطيني، الذي يُدعى محمد، مغادرة مكان تواجده والتوجه على الفور إلى خانيونس، حفاظًا على سلامته. ويضيف أنّه يطلب منه التوجه جنوبًا إلى خانيونس لأنه لا يريده أن يعرّض نفسه للخطر، فيجيبه محمد "كلُّ الطرق مغلقة".
يرد الضابط قائلًا "مكان تواجدك الآن غير آمن"، ثم يسأل: "أين أُغلق الطريق؟ من أغلقه؟ حماس؟"، يومئ محمد ويقول شيئًا غير مفهوم، فيسأله الضابط "ما الذي قلته؟"، فيردف محمد: "نعم صحيح."
الضابط مرة أخرى "أين أغلقوا الطريق؟".
محمد "عند شارع صلاح الدين".
الضابط "كيف أغلقوا الطريق؟"
محمد "إنهم يعيدون الناس لبيوتهم لأنهم لا يريدونهم أن يغادروا [المنطقة الواقعة شمال وادي غزة].
الضابط "هل وضعوا سيارات [على الطريق]، ما الذي فعلوه تحديدًا؟ اشرح لي."
محمد "نعم، نعم"
الضابط "كيف تحديدًا؟ اشرح لي." "هل رأيت ذلك بأمِّ عينك؟".
محمد "يعيدون السيارات التي تحاول الخروج".
الضابط "لكن كيف أغلقوا الطريق؟ اشرح لي."
محمد "تجد سيارات مركونة.. (ضجيج غير مفهوم)
الضابط "هم أطلقوا النار؟ هم أطلقوا النار على الناس الذين يريدون المغادرة؟".
محمد "نعم، نعم، نعم".
رواية إسرائيلية إسرائيلية
بحسب الوصف والعنوان المرفقين بالتسجيل فإنّ المكالمة جرت بين شخصين تابعين لجهاز إسرائيلي (المخابرات)، ما يعني أن المعلومات الواردة فيها هي امتدادٌ وجزءٌ من رواية إسرائيل الرسمية وليست تأكيدًا مستقلًا لصحّتها.
ويُلاحظ استخدام برمجية تعديل أصوات للتحفظ على هوية الضابط الإسرائيلي، في حين تم الإبقاء على الصوت الحقيقي لمحمد، الذي يُفترض أنّه الأجدر بالحماية لتواجده داخل مناطق سيطرة الجهة التي يتخابر ضدها. يُناقض هذا الخيار الحرص الذي أظهره الضابط في بداية المكالمة على سلامة العميل المفترض.
مقترحات أجوبة جاهزة
في ردّه على ثلاثة من أصل خمسة أسئلة مختلفة طُرحت عليه، يكتفي محمد بتأكيد مقترحات أجوبة جاهزة قدّمها الضابط للأسئلة التي طرحها:
الضابط "أين أغلق الطريق؟ من أغلقه؟ حماس؟".
محمد "يومئ ويقول شيئًا غير مفهوم".
الضابط "ما الذي قلته؟".
محمد "نعم صحيح".
الضابط “هل وضعوا سيارات [على الطريق]، ما الذي فعلوه تحديدًا لقطع الطريق؟”.
محمد: "نعم، نعم".
الضابط "هم أطلقوا النار؟ هم أطلقوا النار على الناس الذين يريدون المغادرة؟".
محمد: "نعم، نعم، نعم."
اختلاق أقوال لا يمكن سماعها في التسجيل
في مناسبتين قدّم محمد الجواب ذاته عن السؤال ذاته:
الضابط "كيف أغلقوا الطريق؟".
محمد "إنهم يعيدون الناس لبيوتهم لأنهم لا يريدونهم أن يغادروا".
الضابط: "كيف ذلك تحديدًا؟ اشرح لي." "هل رأيت ذلك بأمِّ عينك؟".
محمد "يعيدون السيارات التي تحاول الخروج".
لكن الضابط يبدو غير راضٍ عن الإجابة، فيطرح السؤال ذاته مرة ثالثة، فيُسمع ضجيج غير قابلٍ للتمييز من جهة محمد، ويتبعه مقترح إجابة من الضابط في صيغة سؤالين هما "هل أطلقوا النار؟ هم أطلقوا النار على الناس الذين يريدون المغادرة؟"، فيكتفي محمد مرة جديدة بتأكيد مقترح الإجابة: "نعم، نعم، نعم".
واللافت للانتباه هنا هو أنّ ما يمكن تمييزه من إجابة محمد قبل التشويش هو عبارة "تلاڤي ناس صافّة"، والتي تعني "تجد أناسًا قد ركنوا سياراتهم"، في حين أنّ ترجمة التسجيل إلى الإنجليزية تذكر أنّ ما قاله هو "إنهم يطلقون النار على الناس"، وهو التأويل ذاته الذي استند إليه الضابط في طرح سؤاليه الفرعيين.
ترجمة غير دقيقة
ولم تكن تلك المرة الوحيدة التي حُرّفت فيها الترجمة، فقد استبدلت عبارة "شو سوو" والتي تعني "ما الذي فعلوه؟"، في سياق سؤال الضابط عمّا إذا كانت حماس قد أغلقت الطريق بواسطة سيارات، بكلمة "الشرطة"، فتحول المعنى إلى "حماس أغلقت الطريق بواسطة سيارات شرطة".
ادعاءات دون أدلّة قابلة للتحقُّق
وعند محاولة التحقق من صدق الادعاءات الواردة في المكالمة، تبيّن أن شارع صلاح الدين هو شارع رئيسي يربط شمال غزة بجنوبها، وأنّه الشارع الأطول في القطاع، ما يعني أنّه من الصعب، في حال عدم تحديد الموقع بدقة أكبر، تخمين المنطقة التي قُطع فيها الطريق، استنادًا إلى مصادر مفتوحة ومستقلة.
كما نزحت مئات العائلات الفلسطينية بالفعل إلى مخيّم في خانيونس جنوبي القطاع، ما يعني أنّ هناك مسالك تسمح للسكان بالتنقل من شمال ووسط القطاع إلى جنوبه.
مزاعم في خدمة السردية الإسرائيلية
يندرج سيناريو المكالمة في إطار السردية الإسرائيلية التي تزعم بأنّ حماس تجبر سكان غزّة من المدنيين على البقاء في مناطق الشمال والوسط، كي تستخدمهم دروعًا بشرية وكورقة ضغط على المجتمع الدولي، في حين توصيهم إسرائيل بالنزوح إلى المنطقة الواقعة جنوب وادي غزة "الآمنة"، حرصًا منها على سلامتهم.
غير أنّ الواقع يثبت عكس ذلك، فالمنطقة الواقعة جنوب وادي غزة تتعرض للقصف على غرار بقية مناطق القطاع، وقد سقط فيها منذ بدء العدوان مئات الشهداء.
وتسعى إسرائيل من خلال الترويج لهذه السردية للتملُّص من مسؤوليتها عن قصف قافلة سيارات مدنية تُقل نازحين باتجاه جنوب القطاع عبر شارع صلاح الدين، والذي أودى بحياة 70 ضحيّة وأصاب أكثر من 200 بجروح مختلفة.
إسرائيل تواصل تقديم أدلّة هشّة
ليست إسرائيل جهة يمكن الوثوق بما يصدر عنها، فقد دعمت رواياتِها للأحداث المتلاحقة، منذ السابع أكتوبر الجاري، بأدلة كشف مسبار زيف الكثير منها، .
اقرأ/ي أيضًا