في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الفائت، وخلال لقاء جمعه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قال إيلون ماسك إنّ أكثر ما صدمه في فيلم قصير عُرض عليه أثناء زيارة قادته إلى إسرائيل، وتحديدًا إلى مستوطنات الغلاف التي استهدفتها عملية طوفان الأقصى، في السابع أكتوبر/تشرين الأول الفائت، كان "السعادة البادية على من كانوا يقتلون المدنيين الأبرياء، بمن فيهم الأطفال والرضع والأشخاص العزل عامة". وقال إن إسرائيل عكس حماس تحاول تجنب قتل المدنيين ولا تعبّر عن فرحتها بقتلهم.
لم يُتَح لمسبار الاطلاع على الفيلم القصير للتحقق من المشاهد التي تضمّنها، لكنه وجد أن ملاحظة ماسك مضلّلة وأنّها تتجاهل أدلة كثيرة على استهداف إسرائيل للمدنيين واحتفال مجنّديها ومدنييها بقتل الفلسطينيين.
إسرائيل تتعمّد قتل المدنيين
في 20 نوفمبر الفائت، أعلنت منظمة العفو الدولية أنّها وثّقت حالتين قالت إنّه "يمكن اعتبارهما نموذجًا للممارسات الإسرائيلية في غزة، قتلت فيهما الغارات الإسرائيلية 46 مدنيًا، بينهم 20 طفلاً".
ويشرح تقرير المنظمة أنّ الحادثتين وقعتا في 19 و20 من شهر أكتوبر الفائت، وأن القصف الأول استهدف مبنى كنيسة كانت تأوي مئات المدنيين النازحين، في حين استهدف القصف الثاني منزلًا في مخيّم النصيرات للاجئين، الواقع جنوبي وادي غزة، المنطقة "الآمنة" التي تدعو إسرائيل المدنيين للنزوح إليها منذ 13 أكتوبر.
وخلُص تحقيق منظمة العفو إلى أن الغارتين "إما لم تُفرّقا بين المقاتلين والمدنيين، أو أنّها كانت هجمات مباشرة على مدنيين أو أعيان المدينة"، داعية للتحقيق فيهما باعتبارهما جريمتي حرب.
وقتلت إسرائيل بعد 48 ساعة من لقاء ماسك ونتنياهو طفلين فلسطينيين بالرصاص الحي في مخيّم جنين في الضفة الغربية. وأظهر تسجيل كاميرا مراقبة لحظة قنص قوات الاحتلال الطفلين آدم الغول (8 سنوات) وباسل أبو الوفا (14 سنة). وأكّد مدير مستشفى جنين الذي نُقلت إليه جثتا الضحيتين أنّ إصاباتهما على مستوى الرأس والصدر تؤكّد أنّهما قُتلا عمدًا، في حين أكّد أحد أقرباء الطفل باسل أبو الوفاء أنّه لم يكن على صلة بالمقاومة.
وتجدر الإشارة إلى أنّ إسرائيل استهدفت، منذ السابع أكتوبر الفائت، مستشفيات ومدارس ودور عبادة ومبانٍ سكنية، منها الواقعة في جنوبي القطاع الذي حاصرته بشكل كامل، منذ التاسع أكتوبر. وقطعت عن القطاع إمدادات الكهرباء والغاز والوقود، والماء، والغذاء، والدواء. كما عطّلت دخول أولى شحنات المساعدات إليه، عندما قصفت معبر رفح البرّي الحدودي مع مصر، معرّضة حياة المدنيين للخطر ومتسبّبة في وفاة عشرات الجرحى في المستشفيات التي انقطع عنها التيار الكهربائي.
احتفالات إسرائيلية بقتل الفلسطينيين
وخلافًا لما صرح به ماسك، انتشر، حديثًا، مقطع فيديو يظهر فيه جندي إسرائيلي وهو يهدي تفجير منزل في غزة لابنته بمناسبة عيد ميلادها الثاني.
وأظهر مقطع نشرته منظمة بتسليم الحقوقية الإسرائيلية، احتفال ثلاثة جنود إسرائيليين بتسبب أحدهم في إصابة مدنيّ فلسطينيّ بطلق ناري، في الضفة الغربية.
وفي ديسمبر عام 2017، أصاب قناص إسرائيلي مدنيًا فلسطينيًا غير مسلّح، كان يقف قرب السياج الأمني الفاصل بين غزة ومستوطنات الغلاف بطلقة في رأسه. وأعلن، حينها، الجيش الإسرائيلي عن فتح تحقيق في الحادثة بعد انتشار مقطع فيديو يوثّق العملية وتُسمع فيه ضحكات واحتفالات جنود إسرائيليين بالطلقة القاتلة.
وردًا على الانتقادات التي طاولت إسرائيل بعد انتشار المقطع، قال وزير الدفاع الإسرائيلي، حينها، أفيغدور ليبرمان، إن الجندي مطلق الرصاص "يستحق قلادة".
وكانت إحدى أشهر مشاهد احتفال الإسرائيليين بقتل الفلسطينيين، تلك التي نقلها عام 2014 صحافي دنماركي يُدعى آلان سورنسن، من مستوطنة سديروت تزامنًا مع العدوان الإسرائيلي على غزة، حيث تجمّع عشرات الإسرائيليين وصفقوا لجيش الاحتلال بينما كان يلقي قنابله على الفلسطينيين في غزة.
اتهامات بالاغتصاب دون أدلة
وخلال المقابلة، ادّعى نتنياهو أن امرأة إسرائيلية رُبطت إلى شجرة واغتصبت مرات عدّة، أثناء عملية طوفان الأقصى في مستوطنات الغلاف. لكنّ مسبار بحث عن أصل الادعاء ولم يجد تقاريرًا إعلامية عبرية أو مستقلّة تُشير إليه أو تؤكّد صحّته. في حين عثر على تقرير مطوّل نشرته صحيفة ذا واشنطن بوست الأميركية، في 25 نوفمبر الجاري، يذكر أنّه لم يتضح بعد ما إذا كانت أيُّ امرأة إسرائيلية من ضحايا أحداث السابع أكتوبر قد أبلغت السلطات عن تعرّضها للاغتصاب. ويتّضح بمراجعة التقرير أنّ جميع روايات الاغتصاب المتداولة جُمعت من مصادر ثانوية باستثناء رواية واحدة أدلت بها شاهدة عيان لم تًفصح إسرائيل عن هويتها.
أدلة تُرجّح تورط إسرائيل في قصف النازحين
كرّر بنيامين نتنياهو اتهامات إسرائيل لحركة حماس باستهداف النازحين الفلسطينيين من شمالي غزة إلى جنوبها دون تقديم أيّ أدلّة تثبت ذلك. في حين رجّحت صور القمر الاصطناعي ونوعية الإصابات، التي تعرض لها نازحون قتلوا على طريق الرشيد الساحلي، على سبيل المثال، مسؤولية إسرائيل عن الاعتداء الذي أرداهم أشلاءً، أثناء سيرهم باتجاه الجنوب مطلع شهر نوفمبر الفائت.
عرب إسرائيل… مواطنون من الدرجة الثانية
تباهى نتنياهو أمام ماسك بما أسماه "إزالة التطرف" داخل إسرائيل، موضحًا أنّ عرب إسرائيل المسلمين قد اندمجوا في المجتمع الإسرائيلي، وباتوا يشغلون مناصب عليا في السياسة والقضاء.
لكن تقريرًا نشرته صحيفة لوموند الفرنسية، حديثًا، أشار إلى أنّ فلسطينيي الداخل، وعلى الرغم من أنّهم على الورق مواطنون إسرائيليون، يتعرّضون للتمييز، خصوصًا عند محاولتهم العثور على سكن أو عمل، وهو ما أقرّت به المحكمة العليا الإسرائيلية نفسها عام 2020. كما لا يشغل هؤلاء سوى 8 في المئة من مقاعد البرلمان رغم أنّهم يشكلون 20 في المئة من سكّان إسرائيل.
حيلة المصير المشترك
استخدم نتنياهو في حديثه مع ماسك نمطًا دعائيًا إسرائيليًا مألوفًا، قائمًا على الربط بين مصير إسرائيل ومصير الغرب والولايات المتحدة على وجه التحديد.
وأشار إلى تصريح مسؤول سياسي في حركة حماس مفاده أنّها "ستفعل ذلك مرارًا وتكرارًا" وأضاف نتنياهو "لكنهم لن يفعلوا ذلك ضد إسرائيل فحسب، بل سينتشر بسرعة عبر الشرق الأوسط وسيضع المنطقة كلها في خطر، بعدها سينتقل إلى أوروبا ثم إلى مكان آخر، إلى أميركا، التي يطلقون عليها تسمية الشيطان الأكبر، نحن لسنا سوى الشيطان الأصغر".
ثم أردف قائلًا “إن هذا محور إيراني. إيران وحزب الله والحوثيون وحماس، جميعهم جزء من ذلك المحور الذي يعادي إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، الحضارة الحرة والديمقراطية، والدول العربية الحديثة، جميعنا على جانب واحد وهم على الجانب الآخر”.
وفي سياق انتقاده لمن يتظاهرون دعمًا لفلسطين حول العالم، قال نتنياهو “هم يكرهون إسرائيل، وهم يكرهون إسرائيل لأنهم يكرهون أميركا”.
ويهدف هذا الأسلوب الدعائي إلى إقناع الغرب والولايات المتحدة بمواصلة تقديم الدعم لإسرائيل في حربها على غزة، من خلال تصوير أمن إسرائيل القومي كامتدادٍ للأمن القومي الأميركي والغربي، وتصوير حركة حماس كـ"عدو مشترك تتجاوز أطماعه الحدود الجغرافية لدولة فلسطين".
استعارة الأحداث التاريخية
ووظّف نتنياهو محطات تاريخية مألوفة لدى ماسك والأميركيين في وصفه لأحداث السابع أكتوبر. إذا قال إنّه "كان يساوي نسبيًا 20 مرة ما حدث في 11 سبتمبر في الولايات المتّحدة". وتوصلت الآلة الدعائية الإسرائيلية لذلك الرقم، بمقارنة أعداد الضحايا في البلدين بعدد السكان الإجمالي، على الرغم من أنّ عدد ضحايا أحداث 11 سبتمبر يتجاوز بضعفين ونصف عدد القتلى في عملية طوفان الأقصى في مستوطنات غلاف غزة.
اقرأ/ي أيضًا
تصريحات زائفة لضابط إسرائيلي يزعم أنّ حماس قتلت أطفالًا وعلقتهم على حبال الغسيل
فيديو تفريغ روث الحيوانات أمام ماكدونالدز في فرنسا ليس بسبب دعمها إسرائيل