مع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، تشهد وسائل التواصل الاجتماعي، وتحديدًا منصة إكس، تفاعلًا واسعًا مع الأحداث المرتبطة بالعدوان وضحاياه.
لاحظ مسبار حسابًا ينشر ادعاءات مضلّلة تروّج للروايات الإسرائيلية باللغة العربية، مستخدمُا اسم "هدى جنات". وعند فحص محتوى الحساب وقائمة الحسابات التي يتابعها، وجد مسبار مجموعة حسابات مجهولة الهوية، تشارك في نشر التضليل وتروّج بدورها للروايات الإٍسرائيلية وتُحرّض على فصائل المقاومة. كما تتهم تلك الحسابات الفلسطينيين في غزة بالتظاهر وتزييف الحقائق في إطار التشكيك في وجود ضحايا مدنيين للقصف الإسرائيلي، ويضاف إلى ذلك العديد من الادعاءات المضللة حول الحرب الإسرائيلية الجارية على قطاع غزة.
يكشف مسبار في هذا التقرير حقيقة حساب هدى جنات وأبرز الحسابات المشاركة في نشر المعلومات المضللة، إلى جانب استعراض نماذج مضلّلة نشرها الحساب حديثًا.
أنشئ حساب هدى جنّات على منصة إكس (تويتر سابقًا) في أكتوبر عام 2020، ويتابعه حتى لحظة كتابة هذا المقال قرابة 36 ألف مستخدم.
بحث مسبار عن هوية صاحبة الحساب وتبيّن أنّها مجهولة، فعند مراجعة حسابات شخصية "هدى جنات" على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، وجد أنّها تُعرف نفسها كصحافية تعمل لدى يومية ذا غارديان البريطانية وكحاصلة على شهادة دكتوراه في الإعلام والفلسفة.
ولم يتمكّن مسبار من التثبُّت من صحة ذلك بشكل مستقل، فلا ذكر لاسمها على موقع ذا غارديان ولا وجود لما يدل على أنها عملت أو تعمل لدى الصحيفة. كما لا تذكر حساباتها معلومات أخرى عنها كالموقع الجغرافي أو المنطقة التي تعيش فيها، أو أيُّ بيانات شخصية تشير إلى هويتها.
هويّات مختلفة لهدى جنات
وزعمت مواقع عربية نقلت كتاباتها قبل سنوات أنها كاتبة سورية، في حين أشارت مواقع أخرى إلى أنّها مغربية.
وتعزّزت شكوك مسبار حول شخصية “هدى جنّات” عندما بحث عن أصل الصورة الشخصية، المستخدمة في بعض حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي نشرتها مواقع عربية على أنّها للمدعوة "هدى جنّات". وأظهر بحث مسبار أنّ الصورة منتشرة منذ سنوات على مُنتديات إلكترونية ضمن مجموعة صور "فتيات باكستانيات جميلات."
هل يوجد صلة بين حساب هدى جنات وحساب إيدي كوهين فعلاً؟
وجّهت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرًا اتهامات عدّة لحساب هدى جنات، بينها أنّ من يديره هو الناشط الإسرائيلي إيدي كوهين.
راجع مسبار تفاعل الحسابين ووجد أنّهما نقلا عن بعضهما منشورات وادعاءات مضلّلة داعمة لإسرائيل خلال حربها الجارية على قطاع غزة. كما لوحظ وجود تفاعل بينهما على المنشورات المناهضة للعرب بشكلٍ عام.
ومن أمثلة تفاعل حساب هدى جنات مع منشورات حساب إيدي كوهين، منشور انتقد فيه كوهين العرب واتهمهم بالإساءة إليه ونعتِ اليهود بالعنصريين، علّقت عليه هدى جنات بإرفاق مقطع فيديو من مقابلة مع شاب تركي أساء فيها للعرب ووصفهم بالحيوانات وعلّقت عليه: "الجواب عند هذا التركي أستاذ كوهين."
وشارك إيدي كوهين العديد من منشورات هدى جنات الداعمة لإسرائيل.
الترويج للروايات الإسرائيلية خلال العدوان على غزة
يُروّج حساب هدى جنات للروايات الإسرائيلية حول الأنفاق وغيرها خلال العدوان الإسرائيلي على غزة، ويُشارك إيدي كوهين تلك المنشورات.
كما يُشارك حساب هدى جنات الادعاءات أيضًا من حسابات إسرائيلية أخرى.
حسابات إسرائيلية رسمية باللغة العربية تُشارك كتابات هدى جنات منذ سنوات وتذكر أنها كاتبة سورية
لا يقف الأمر عند مشاركة حساب هدى جنات منشورات إسرائيلية خلال العدوان على غزة، بل تُشارك حسابات رسمية إسرائيلية كتاباتها منذ سنوات.
الترويج لتطبيع دول عربية مع إسرائيل
وجّه حساب هدى جنات على منصة إكس في 14 نوفمبر/تشرين الثاني الفائت دعوة للمغاربة للتطبيع مع إسرائيل والوقوف ضد من يرفض ذلك من مواطنيهم.
حسابات تروج للرواية الإٍسرائيلية خلال العدوان الجاري على غزة
وبفحص المنشورات التي يشاركها حساب هدى جنات وقائمة الحسابات التي يتابعها، وجد مسبار أنّ غالبيتها تشارك في حملات التضليل والترويج للرواية الإٍسرائيلية باللغة العربية تزامنًا مع العدوان على قطاع غزة، إذ تتهم الفلسطينيين مثلاً بتمثيل دور الضحية وتزييف موتهم وإصاباته جرّاء القصف الإسرائيلي.
أبرز 5 حسابات يتابعها حساب هدى جنات
نواف مسفر بن هلال
يُعرف نفسه على أنّه كاتب خليجي مُهتم بشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويتابعه أكثر من 25 ألف مستخدم. لكن مسبار لم يعثر على ما يؤكّد صحة هويته ككاتب خليجي كما يدّعي، في حين تنشر بعض المواقع العربية كتاباته على منصة إكس وتكتفي بتعريفه مثلما يعرّف نفسه.
كما تبين مشاركة الحساب في نشر معلومات مضلّلة، سبق أن تحقق مسبار من بعضها، إلى جانب الترويج للدعاية الإسرائيلية واتهام الفلسطينيين في غزة بتزييف موتهم.
ونشر حساب نواف مسفر بن هلال في 10 أكتوبر/تشرين الأول الفائت ادعاءً مفاده أنّ السفيرة الفلسطينية في كندا رقصت نصرةً لفلسطين في الوقت الذي يموت الفلسطينيون في غزة.
وتحقق مسبار من الادعاء حينها ووجد أنّ الفيديو قديم، وأنه من احتفال بـمناسبة لإحياء التراث الفلسطيني، وليس تزامنًا مع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
ويشارك الناشط الإسرائيلي إيدي كوهين منشورات حساب نواف مسفر بن هلال، بينها منشور يسخر من جزائريين يقفون في طابور.
مهدي بلدي
يُعرف نفسه على أنّه صحافي من المغرب، ولا يُعرف عنه الكثير في الحقيقة، إذ لا يوجد ما يُثبت صحة هويته، رغم أن عدد متابعيه تجاوز 18 ألف متابع.
وبمراجعة منشوراته لاحظ مسبار انخراطه في حملة الترويج للرواية الإسرائيلية التي تربط فصائل المقاومة الفلسطينية بالإرهاب وتتهم الفلسطينيين في غزة بتزييف موتهم، ومشاركته ادعاءات ساهمت في نشرها الحسابات ضمن قائمة الحسابات التي يتابعها حساب هدى جنات.
ونشر الحساب في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الفائت، ادعاءً مفاده أنّ الأسيرة الإسرائيلية مايا ريغيف تعرضت للاعتداء الجنسي من قبل عناصر حركة حماس، وأنّها ستواصل علاجها في الخارج بعدما عجز الأطباء عن علاجها، وهو ادعاء أثبت مسبار عدم صحته.
ويروج الحساب لتطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل.
ونشر الحساب في 22 نوفمبر منشورًا مرفقًا بإحصائيات للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة لأضرار القصف الإسرائيلي في القطاع وأعداد الضحايا، ولكنه علّق عليه "نتائج حرب حماس على إسرائيل منذ 7 أكتوبر".
كما شارك الحساب في نشر الادعاء الإسرائيلي الذي يشكّك في وجود ضحايا الأطفال في قطاع غزة ويتّهم الفلسطينيين بالتمثيل.
ديفيد ليفي
يتابع ديفي ليفي أكثر من 37 ألف مستخدم، وفيما لا يُعرف عنه الكثير، يعرّف هو نفسه على أنّه مغربي يهودي. ليفي من الحسابات مجهولة الهوية التي تشارك في نشر التضليل تزامنًا مع الحرب الإسرائيلية على غزة، والترويج للدعاية الإسرائيلية.
نشر ديفيد ليفي في الثامن من أكتوبر الفائت، أيّ في اليوم الثاني من عملية طوفان الأقصى، ادعاءً مفاده أنّ المقاومة الفلسطينية اغتصبت الأسيرات الإسرائيليات وعلّق قائلًا "ترويع واغتصاب النساء المدنيات واختطافهن من بيوتهن. عليكم تحمل عواقب أفعالكم".
وسبق لمسبار أن فنّد ادعاءات مشابهة حول تعرض الأسيرات لدى المقاومة الفلسطينية للاغتصاب.
رضوان المنصوري
يُعرف نفسه على أنّه صحفي من المغرب ويتابعه أكثر من 15 ألف متابع، ويشارك حسابه على منصة إكس في الترويج للدعاية الإسرائيلية ونشر التضليل.
لاحظ مسبار أنّ جميع الحسابات تُشارك الادعاءات الإسرائيلية المضلّلة نفسها حول الحرب على غزة. كما يُعبّر حساب رضوان المنصوري عن دعمه لإسرائيل ويقدم مبررات لقتل الفلسطينيين في غزة.
ويُشارك منشورات من حسابي هدى جنات وديفيد ليفي.
أمينة رو مكرون
انضم الحساب لمنصة إكس في فبراير/شباط 2021، وتدّعي صاحبة الحساب أنّها من المغرب لكن بحثًا أجراه مسبار حول الشخصية لم يقد إلى ما يُثبت أنّها شخصية حقيقية وأنّها عربية من المغرب، إذ لا توجد معلومات عن هوية صاحبة الحساب، وهو ما يدعو للتشكيك فيما إذا كان الحساب حقيقيًا أم وهميًا.
وبمراجعة الحساب ومنشوراته، وجد مسبار أنّه يشارك في نشر التضليل والترويج للدعاية الإسرائيلية، بالإضافة إلى مشاركة الادعاءات نفسها التي نشرتها وشاركتها الحسابات البارزة التي تتابعها هدى جنّات.
وعلاوة على ذلك، يُشارك الحساب في حملة تشويه سمعة فصائل المقاومة الفلسطينية وربطها بالإرهاب.
قريش
حساب قريش يتابعه أكثر من تسعة آلاف متابع، يُعبّرُ عن دعمه لإسرائيل ويُشارك ادعاءات مضلّلة بالتزامن مع العدوان الإسرائيلي الجاري على قطاع غزة.
شارك الحساب في الثاني من ديسمبر الجاري، مقطع فيديو ادّعى أنّه من حفل زفاف الناشط الفلسطيني صالح الجعفراوي بعد هروبه إلى قطر، مستغلاً الشهرة التي نالها خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وكان مسبار قد فنّد الادعاء وأوضح أنّ الفيديو قديم وليس من زفاف الناشط صالح الجعفراوي، وأنّه لم يُسافر خلال الحرب الجارية على قطاع غزة.
ويتهم الحساب الفلسطينيين الذين هُجّروا من أراضيهم قسرًا عام 1948 ببيع أراضيهم حينها.
ويُشارك الحساب منشورات من حساب الناشط الإسرائيلي إيدي كوهين.
كما نشر الادعاء نفسه الذي نشرته بقية الحسابات والذي اتّهم الفلسطينيين في غزة بالتمثيل وتزييف موتهم.
أخبار مضلّلة نشرها حساب هدى جنات
تحقق "مسبار" من ادعاءات مضللة عدّة روج لها حساب هدى جنات، وتحديدًا المرتبطة منها بالعدوان الإسرائيلي الجاري على قطاع غزة.
وكانت أبرز الادعاءات المضلّلة التي نشرها الحساب حديثًا، مقطع فيديو تظهر فيه جثة متصلبة لرضيع فلسطيني في غزة زعم أنها دمية. وهو ادعاء نشرته الحسابات سالفة الذكر في الوقت نفسه، ما يشير إلى أنها تعمل بشكل منسق وتروج للتضليل بالأسلوب ذاته.
وتظهر في مقطع الفيديو جثة حقيقية متصلبة لرضيع فلسطيني، إذ تواصل مسبار مع مصوّر المقطع الأصلي، وهو مصوّر فلسطيني من غزة يُدعى عمر الديراوي، وأكّد له أنّ المشهد لجثة رضيع لا يتجاوز عمره خمسة أشهر. مشيرًا إلى أنّ اسم الرضيع هو محمد هاني الزهار، وأنّه قضى خلال قصف إسرائيلي على قرية المغراقة عقب انتهاء الهدنة.
ونشر الحساب صورًا أشخاص جرّدوا من ملابسهم وعُصبت أعينهم، وادعى أنّها تُظهر استسلام 130 مقاتلاً في صفوف حماس بعد خروجهم من الأنفاق.
وفنّد مسبار الادعاء موضحًا أنّ الصور لا تُظهر اعتقال عناصر حماس بعد خروجهم من الأنفاق، وإنّما مدنيين اعتقلهم الجيش الإسرائيلي، وكان من بينهم صحافيون اعتقلوا شمالي القطاع.
ونشر الحساب مقطع فيديو آخر ادّعى أنّه يظهر طفلة تتظاهر بأنها مصابة خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع وأنها استخدمت مواد تجميل لتزييف إصابتها.
لكن مسبار تحقّق من الادعاء وأثبت أنّه مضلّل، إذ إنّ مقطع الفيديو يعود لطفلة فلسطينية أُصيبت خلال العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة وليس لطفلة تدعي الإصابة.
وتواصل مسبار مع أحمد أبو الروس، المصور الذي وثّق المشهد، والذي أخبر مسبار أنّ من تظهر في الفيديو هي طفلة تُدعى زينة فروانة من غزة، وأنّها نزحت في وقت سابق من وسط القطاع، قبل أن تصاب أثناء تواجدها بجوار منزل قصفته قوات الاحتلال.
وأوضح أبو الروس أنّ الفيديو صوّر داخل مستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح، أثناء تقديم العلاج للطفلة. كما أرسل صورة خاصة لمسبار أظهرت حجم إصابة زينة جراء القصف الإسرائيلي.
وبالبحث أكثر تبين أن حسابات هدى جنات تنشر ادعاءات مضلّلة منذ سنوات، إذ رصد مسبار أيضًا ادعاءات نشرها الحساب في ديسمبر 2022 وفي مايو/أيار 2023.
اقرأ/ي أيضًا
تضليل وإخفاء للحقائق: ادعاءات كاذبة روج لها سفير الولايات المتحدة في مجلس الأمن
يدعي بأنّه رجل دين مسلم ويروّج للدعاية الإسرائيلية، من هو "إمام السلام"؟
