منذ اندلاع الحرب على غزة، دأبت وسائل الإعلام ومستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي على نشر صور وفيديوهات تبين فظاعة الجرائم التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، وقد ساهم ذلك في توثيق المجازر المرتكبة والتي راح ضحيتها حتى تاريخ نشر هذا المقال أكثر من 43 ألف فلسطيني، بينهم ما يزيد على 17 ألف طفل. كما ساهم في إنارة الرأي العام الدولي على حرب الإبادة التي تقترفها إسرائيل ضد المدنيين في انتهاك صارخ لكل المواثيق الدولية وقوانين حقوق الإنسان.
تحظى المشاهد التي يتم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، برواج واسع وتثير موجة تعاطف مع ضحايا الحرب سواء الذين لقوا حتفهم أو الذين يعانون من المجاعة أو من انتشار الأوبئة أو من التعذيب.
ولكن، منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، تداول رواد مواقع التواصل مشاهد مضللة نُسبت خطأً إلى معاناة الفلسطينيين في غزة، في حين أنها تكون في أغلب الأحيان التقطت في بلدان أخرى أو بتواريخ قديمة أو لا أساس لها من الصحة.
التضليل عبر مشاهد مؤثرة
إن النشر غير المسؤول والتفاعل السريع مع كل ما ينشر في مواقع التواصل الاجتماعي، يخدم الرواية الإسرائيلية التي تشكك في معاناة الفلسطينيين في غزة وتروج لها عبر حملات إعلامية ممنهجة منها غزة وود وغيرها، والتي سلط مسبار الضوء على خطورتها وأثرها على الفلسطينيين، إذ يساهم الانسياق وراء نشر الادعاءات دون التثبت من صحتها في ضرب مصداقية الأخبار الدقيقة ويعطي الاحتلال فرصة للتشكيك في الجرائم والانتهاكات الصارخة التي ترتكب فعلًا في القطاع.
تداول مستخدمون على مواقع التواصل الاجتماعي، مؤخرًا، مقطع فيديو ادعى ناشروه أنه لرضيع محاصر تحت أنقاض منزله بعد تعرضه للقصف في غزة. لقي هذا المقطع رواجًا كبيرًا وانتشر بعدة لغات على نطاق واسع، لكن بالتحقق تبين أنه مضلل ويعود إلى طفلة سورية تنظر من فتحة تصريف في منزلها.
وفي شهر مارس/آذار الفائت، نُشرت صورة مؤثرة لطفل يعاني من سوء التغذية ادعى ناشروها أنّها من قطاع غزة، إلا أنّ الصورة في حقيقتها تعود لطفل يمني يُعاني من سوء تغذية حاد وشلل دماغي، ونُشرت بداية سنة 2021.
كما انتشر على نطاق واسع مقطع فيديو ادعى ناشروه أنه لطفل فلسطيني أصيب بتشوهات كبيرة بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة، ولكن تبين أنه مضلل ويظهر طفلًا في المغرب يعاني من مرض جفاف الجلد الذي تسبب له في تشوهات على مستوى الوجه.
كيف تخدم المنشورات المضللة حول الحرب على غزة رواية الاحتلال؟
تخدم المشاهد المضللة التي يتداولها مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي، رواية التشكيك الإسرائيلية في معاناة الفلسطينيين التي طالما عملت لإنجاحها، فمنذ اندلاع العدوان على قطاع غزة إثر عملية طوفان الأقصى، عمدت العديد من الحسابات الإسرائيلية، تفنيد الصور والفيديوهات المضللة المنسوبة إلى غزة، وأطلقت حملات دعائية تشكك في مصداقية موت الفلسطينيين استخدمت فيها العديد من أساليب التضليل كاجتزاء المقاطع والتعديل في زوايا التصوير، ونشر المشاهد التمثيلية القديمة التي تحاكي معاناة الفلسطينيين ثم إعادة نشرها مع كواليس تصويرها لإقناع المتلقي بأن ما ينشر حول ما يحدث في غزة ليس إلا مشاهد مفبركة، وتم تعزيز هذه الحملات بوسوم مثل "باليود" و"غزة وود" لاتهام الفلسطينيين بفبركة إصاباتهم ومعاناتهم.
تهدف هذه الحملات المُمنهجة إلى الطعن في مصداقية مشاهد موت وإصابة الفلسطينيين وإقناع المتابعين بأن ما يشاع حول الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحق سكان غزة مفبركة ومبالغ فيها ولا تتعدى كونها مشاهد درامية.
وبسبب انسياق رواد مواقع التواصل الاجتماعي وراء نشر المحتويات الحساسة والقاسية دون التثبت من صحتها باتت هذه المحتويات غير الدقيقة تضفي "مصداقية" على حملات التشكيك الإسرائيلية، إذ استغل حساب غزة وود التداول الواسع لفيديو الطفلة السورية التي تلعب في منزلها والذي تم نشره على أنه لرضيع فلسطيني عالق تحت الأنقاض في غزة لدعم حملة التشكيك التي يقودها، فأعاد نشر الفيديو وأرفقه بمنشور جاء فيه "معظمكم على علم بفيديو الطفل الفلسطيني الذي كان تحت الحطام و الذي هو في الواقع مسروق من قبل الفلسطينيين من بلد آخر لكسب التعاطف”.
وأضاف “من المدهش أن لحظة مرح بين طفل وأبيه يتم استغلالها ومشاركتها حتى بعد التعرف على حقيقة الفيديو”.
كما استخدم الفيديو من قبل حسابات إسرائيلية تسعى للطعن في الرواية الفلسطينية من بينهم حساب "اوريل" الذي نشر الفيديو مرفقًا بتعليق "تعرف على Pallywood prod الحلقة 3049 التي يتم عرضها اليوم على X"، موضحًا أن الفيديو تم تعديل خلفيته الموسيقية وأن الطفل بخير وليس من غزة.
النشر غير المسؤول لكل المحتويات التي يتم تداولها على منصات التواصل الاجتماعي أصبح أرضية خصبة تخدم الرواية الإسرائيلية المشككة في مشاهد الدمار والخراب والإصابات التي تسجل يوميًّا في قطاع غزة ومن شأنه أن يفقد المشاهد الحقيقية مصداقيتها.
ورغم المساعي الإسرائيلية للتضليل على جرائم الحرب التي ترتكب في حق الشعب الفلسطيني فإن الوقوف على حقيقة فيديو الطفلة السورية لا يمكنه دحض معاناة أهالي غزة ولطالما تم تصوير مقاطع فيديو توثق لحظات إنقاذ أطفال عالقين لأيام تحت الركام أو انتشالهم جثث هامدة.
ولئن ينساق البعض بعفوية وراء نشر أخبار مضللة نتيجة قلة وعيه بخطورة نشر الأخبار الزائفة والمضللة فإن بعض الحسابات تدفع نحو الترويج للإشاعات والأخبار غير الدقيقة بهدف ضرب مصداقية الفلسطينيين وخدمة للرواية الإسرائيلية.
بالتوازي مع حرب الإبادة على قطاع غزة تقود الحكومة الإسرائيلية حربًا إلكترونية عبر إغراق مواقع التواصل الاجتماعي بحسابات مزيفة تؤيد وتبرر عدوانها على غزة وتستهدف المشرعين والجمهور الأميركي وقد كشف تحقيق لصحيفة "ذا نيويورك تايمز" أن غاية إسرائيل من حملتها كسب الرأي العام الأميركي والتأثير فيه فتم استخدام الذكاء الاصطناعي ومواقع إخبارية مزيفة لنشر تدوينات وأخبار داعمة لإسرائيل.
إلى جانب خطة التأثير على الرأي العام الأجنبي، تعمل العديد من الحسابات العربية على نشر الأخبار الزائفة والترويج لها لدى الجمهور العربي نذكر من بينها حساب "الدكتور سام" الذي يقود حملة تضليل مستمرة على موقع إكس وقد ضلع بدوره في نشر فيديو الفتاة السورية معلقا "طفل في #غزة عمره سنتين لا يزال عالق تحت الانقاض بعد قصف منزل ذويه ويحتاج معدات ثقيلة لرفع الانقاض، الاهالي يحاولون بكل الوسائل لاخراجه!".
ويهدف النشر المستمر للأخبار الزائفة إلى دعم الرواية الإسرائيلية التي تتبناها منذ اندلاع حربها على غزة وعلى الرغم من اكتشاف ضلوع الحكومة الإسرائيلية في حملات مشابهة إلا أن العديد من الحسابات مازالت تروج لها خدمة لسردية التشكيك.
اقرأ/ي أيضًا
فيديو طفلة تلعب في منزلها بسوريا وليس لطفل عالق تحت الأنقاض في غزة
مدققو المعلومات يكشفون أبعاد حملات التضليل الإسرائيلية في الحرب على غزة