` `

الدعاية الإسرائيلية تطاول مسيحيي فلسطين في عيد الميلاد

محمود حسن محمود حسن
روحانيات ودين
26 ديسمبر 2023
الدعاية الإسرائيلية تطاول مسيحيي فلسطين في عيد الميلاد
تشييع ضحايا قصف إسرائيل كنيسة القديس بورفيريوس في غزة (Getty)

شكلت أعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية موضوعًا أساسيًّا للدعاية الإسرائيلية في الأيام الأخيرة، إذ ادعت حسابات إسرائيلية أن أعداد المسيحيين في قطاع غزة تتناقص وأنهم يتعرضون للتمييز والاضطهاد، وأنّ حركة حماس تمنعهم من ممارسة شعائرهم وطقوس أعيادهم في قطاع غزة. 

واستغلت صفحات أخرى الفرصة للترويج للدعاية الرسمية الإسرائيلية، فعلى سبيل المثال، شاركت صفحة إسرائيل بالعربية تغريدات عدة تحتوي رسومًا كاريكاتورية ومنشورات تدعم هذه الحملة الإعلامية، التي ركزت في أحد جوانبها على أنّ إسرائيل تحمي حقوق المسيحيين وحرياتهم، في مقابل بث مزاعم حول معاناة المسيحيين في المناطق الفلسطينية، ولا سيما في قطاع غزة.

ادعاء أن حماس سبب تناقص أعداد المسيحيين في غزة
عدد المسيحيين في إسرائيل

كما شاركت صفحات عديدة منشورات أخرى باللغة الإنجليزية تدعم مزاعم مشابهة، منها منشور شاركه الناشط الإسرائيلي يوسف حداد ردًّا على رسم كارتوني نشرته بيلا حديد تعاطفًا مع أهالي غزة وعلق على الصورة "عندما تنشر بيلا حديد صورة لشجرة عيد الميلاد مكتوب عليها كلمة "فلسطين" تعاطفًا مع سكان غزة، هل تعلم أن المسيحيين في غزة يتعرضون للإبادة والاختفاء، ويعانون التمييز والاضطهاد في ظل حكم حماس؟".

ادعاء يوسف حداد بأن المسيحيين يتعرضون للإبادة في غزة

كما ادعت نائبة رئيس بلدية القدس فلور حسن ناحوم في حوار أجرته مع إذاعة إل بي سي البريطانية بأنه "لا توجد كنائس مسيحية في مدينة غزة".

ادعاء أن لا كنائس في غزة

معلومات مضللة إسرائيلية عن الفلسطينيين المسيحيين

على الرغم من أن المسيحيين في قطاع غزة هم أقلية يبلغ عددهم قرابة 1200 شخص، إلا أنّ في القطاع ثلاثة كنائس رئيسية، وهي كنيسة القديس بورفيريوس والتي تعدّ واحدة من أقدم الكنائس على مستوى العالم، وكنيسة دير اللاتين التي يطلق عليها اسم كنيسة العائلة المقدسة أيضًا، والكنيسة المعمدانية. وهكذا فإن الادعاءات الإسرائيلية بعدم وجود كنائس في قطاغ غزة لا أساس لها من الصحة.

وتكشف المراجعة لأوضاع المسيحيين في قطاع غزة قبل العدوان بأنهم كانوا يمارسون شعائرهم الدينية بانتظام، ويقيمون احتفالاتهم بشكل واضح. وبالعودة لآخر احتفال أقامه المسيحيون راجعنا تقريرًا بثته شبكة الجزيرة في ديسمبر/كانون الأول 2022، أظهر حفلًا كبيرًا نظّمه مسيحيون ومسلمون بشكل مشترك بمناسبة أعياد نهاية العام. 

كما تبيّن تقارير عدّة أخرى إقامة المسيحيين لصلواتهم بشكل طبيعي في الأعياد الأخيرة عام 2022 في قطاع غزة، وهو ما يتناقض مع الادعاءات التي نشرت حول التمييز ضدهم أو تعرضهم لخطر القتل أو منعهم من إقامة شعائرهم، أو دفعهم للهجرة.

كيف كانت حياة المسيحيين في غزة قبل العدوان الإسرائيلي؟

ذكر تقرير مطول نشرته دويتشه فيله العربية قبل العدوان الإسرائيلي على غزة، بأن كل يوم أحد تكتظ كنيسة الروم الأرثوذوكس التي يجاروها مسجد أثري (كاتب ولاية) في مدينة غزة بالمسيحيين الذين يحضرون القداس الأسبوعي. وفي السياق نفسه أشار عبد اللطيف أبو هاشم مدير المخطوطات والآثار في وزارة الأوقاف الفلسطينية إلى أن تلاصق مسجد "كاتب ولاية" إلى جانب الكنيسة يشير إلى دلالة تاريخية حول التسامح بين المسلمين والمسيحيين في غزة الذي يعود لآلاف السنين.

وقبل العدوان صرح مدير العلاقات العامّة في الكنيسة الأرثوذكسية، كامل عياد بأن المسيحيين والمسلمين يعيشون في قطاع غزة بشكل طبيعي، وأن المجتمع المسيحي يشكل جزءًا لا يتجزأ من هذه البلدة. وقال عياد بأنّ المسيحيين في غزة يشاركون في تحمل عبء الحياة اليومية كغيرهم من المواطنين. سواء خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي أو بعد قدوم السلطة الفلسطينية عام 1994، أو بعد صعود حركة حماس إلى الحكم. كما أكد مطران غزة اليوناني الكسيوس أن حركة حماس وحكومتها حريصة على أمن الكنيسة والمسيحيين في قطاع غزة.

أسباب متنوعة وراء هجرة المسيحيين وتناقص عددهم في قطاع غزة

رغم أن تقلص عدد المسيحيين في فلسطين هو حقيقة إلا أن هنالك ادعاءات مضللة حول أسباب هذا التقلص روّجت لها صفحات إسرائيلية، فربطتها بمزاعم تعرضهم للتمييز والقتل والتضييق. أو معاناتهم بسبب حكم حركة حماس أو غيرها من الفصائل. في الواقع بدت أسباب هجرة المسيحيين وتناقص أعدادهم معقدة ولا تقتصر على قطاع غزة، إذ وضحت دراسة نشرها المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية عام 2020، أن الغالبية العظمى من المسيحيين لم يتعرضوا لمضايقات من الجيران المسلمين أو في المدارس وأماكن العمل. 

ووجدت الدراسة أسبابًا متنوعة وراء هجرة المسيحيين من غزة يعود بعضها لظروف الحصار التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي، وبعضها الآخر يعود للأوضاع الفلسطينية الداخلية وتعثر التوافق الوطني مع استمرار حصار إسرائيل للمناطق الفلسطينية. وحسب الدراسة فإن النسبة الأعظم فكرت في الهجرة لسبب اقتصادي، فيما تقول نسب صغيرة مختلفة أنها تبحث عن فرص للتعليم أو مكان أكثر أمنًا واستقرارًا أو أقل فسادًا أو أكثر حرية.

ادعاء أن إسرائيل ملاذ آمن للمسيحيين

ورغم وجود أسباب داخلية دفعت المسيحيين الفلسطينيين للهجرة إلا أن تصويرها كسبب رئيسي أمر مضلل، فارتفاع وتيرة هجرة المسيحيين يحركه عامل رئيس وهو استمرار سياسات الاحتلال واعتداءات المستوطنين المتكررة على المقدسات بما فيها المسيحية، وصعوبة وصول الفلسطينيين إلى أماكنهم المقدسة، كما نقل تقرير نشرته شبكة الجزيرة وتحدث فيه شهود عيان مسيحيون عن تجربتهم. وذلك على عكس المزاعم بأن إسرائيل توفّر ملاذًا آمنًا للمسيحيين.

تظهر دراسة أخرى لمؤسسة الدراسات الفلسطينية أن إسرائيل هجّرت العديد من المسيحيين منذ عام النكبة في 1948، الذي هجرت فيه 50 ألف مسيحي خلال النكبة وحدها، أي نحو 35% من المسيحيين في ذلك الحين، وصادرت القوات الاسرائيلية 50% من أملاكهم في القدس المحتلة وداخل الخط الأخضر آنذاك. وفي عام 1967 صادرت 30% من باقي أملاكهم. 

في أكتوبر/تشرين الأول 2019، أشار الباحث رمزي بارود إلى أن التناقص المستمر في عدد السكان المسيحيين في فلسطين لا يقتصر على مدينة غزة، وأنه مرتبط بشكل وثيق بالسياسات الإسرائيلية. وأشار بارود إلى تغير تركيبة سكان مدينة بيت لحم، حيث كانت تضم غالبية مسيحية قبل 70 عامًا، إلا أن سياسات الاحتلال وسياسات الفصل العنصري بين المناطق المسيحية، سارعت في تغيير التركيبة السكانية مشيرًا إلى عمليات طرد حدثت للمسيحيين. 

كما أشارت دراسة أجرتها جامعة دار الكلمة في بيت جالا عام 2017، إلى تأثير الاحتلال والسياسات التمييزية على الشعور باليأس والهجرة بين المسيحيين الفلسطينيين. ونفت الدراسة الادعاءات بأن هجرة المسيحيين تعود لتوترات دينية. وأكدت الدراسة أن هنالك استراتيجية لدى إسرائيل في تصوير الصراع على أنه نزاع ديني وداخلي فلسطيني لتبرير سياستها في المنطقة.

ومن ناحية أخرى أشارت دراسة نشرتها مجموعة ديار الفلسطينية، أن السبب الرئيس لتناقص أعداد المسيحيين هو نكبة 1948، ومن بعده تأتي الهجرة وأسبابها بشكل رئيسي هربًا من سياسات الاحتلال والظروف الاقتصادية الصعبة في ظل حصار إسرائيل لقطاع غزة والتضييق على الفلسطينيين في المناطق الأخرى.

وفي موسم الأعياد تحديدًا تُضيّق السلطات الإسرائيلية على الفلسطينيين في قطاع غزة وتمنع العديد منهم من الحصول على التصاريح اللازمة لزيارة المناطق المسيحية المقدسة في فلسطين في بيت لحم والقدس والناصرة، وهو ما يجعل حياة المسيحيين في القطاع صعبة، كما أكد سهيل ترزي المدير العام لجمعية الشبان المسيحية في قطاع غزة.

وفي عام 2018 أُغلقت كنيسة القيامة أشهر كنيسة في البلدة القديمة في القدس، احتجاجًا على إعلان سلطات الاحتلال الإسرائيلي عزمها فرض ضرائب على الكنائس، وإقرار قانون يتيح مصادرة أملاك تتبعها في حال عدم دفع الضرائب، في خطوة اعتبرت عدوانًا على القدس ومقدساتها. 

وقال حينها كيريوس ثيوفيلوس الثالث، بطريرك كنيسة الروم الأرثوذكس، إن هذه الإجراءات محاولة لإضعاف الوجود المسيحي في القدس، وفي إبريل/نيسان 2023 حذّر البطريرك ثيوفيلوس من هجمات غير مسبوقة على الوجود المسيحي من قبل الجماعات الإسرائيلية المتطرفة، كالتي حصلت حينها عندما حطّم مستوطنون صلبانًا وشواهد قبور مسيحية في المقبرة الأنجليكانية والتي تعدّ مقبرة تاريخية في القدس.

المطران حسام نعوم وهو يكشف عن تدمير في المقبرة الأنجليكانية التي تعرضت لاعتداء من قبل مستوطنين
المطران حسام نعوم وهو يكشف عن تدمير في المقبرة الأنجليكانية التي تعرضت لاعتداء من قبل مستوطنين

اعتداءات إسرائيلية على المسيحيين تتناقض مع ادعاءات التسامح

فيما تحاول إسرائيل تقديم صورة متسامحة بتعاملها مع المسيحيين كالقول إنّ عدد المسيحين تضاعف تحت حكمها، وإنها تحميهم من الاضطهاد وتوفر لهم الحياة الكريمة والأمان. تكشف التقارير عن تضليل واسع في هذه الرواية، إذ إنّ المسيحيين عاشوا ظروفًا قاسية تحت الاحتلال لسنواتٍ طويلة مثلهم مثل المسلمين. كما أنّ سجل الانتهاكات الإسرائيلي ضد المسيحيين يوثق أعمال عنف واسعة ضدهم، سواء من المؤسسات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية أم من المستوطنين.

الجرائم الإسرائيلية ضد المسيحيين في قطاع غزة

ومن أحدث الانتهاكات الإسرائيلية ضد المسيحيين ما حصل في 19 أكتوبر/تشرين الأول الفائت، حين استهدفت إسرائيل في غارة جوية كنيسة القديس بورفيريوس في قطاع غزة، والتي كان يختبئ فيها نحو 500 فلسطيني مسلم ومسيحي هربًا من الضربات الإسرائيلية. وقتلت إسرائيل في هذه الغارة الجوية ما لا يقل عن 17 مسيحيًّا جرى تشييعهم فيما بعد من قبل مجموعة من المسلمين والمسيحيين.

صورة متعلقة توضيحية

وفي 16 ديسمبر/كانون الأول 2023، قالت البطريركية اللاتينية في القدس في بيان لها، إنّ قنّاصًا من الجيش الإسرائيلي اغتال سيدتين مسيحيتين داخل رعية العائلة المقدسة في غزة، كما نقل البيان إصابة سبعة آخرين بالرصاص أثناء محاولتهم مساعدة المصابين داخل دير الراهبات في غزة. وفي اليوم نفسه استهدف صاروخ أطلق من دبابة إسرائيلية دير راهبات الأم تريزا (مرسلات المحبة)، الذي يأوي أكثر من 54 شخصًا من ذوي الإعاقة، واشتعلت النار في جميع أرجاء مجمع الدير وانهار سقف كنيسة العائلة المقدسة داخل المجمع.

صورة متعلقة توضيحية
صورة متعلقة توضيحية
الصورة نقلًا عن صفحة البطريركية اللاتينية في القدس تظهر تضرر مجمع دير اللاتين في غزة

وقال منسق مجلس الكنائس العالمي في القدس يوسف ضاهر، إنّ معظم المسيحيين قد يغادرون غزة بسبب صعوبة عودتهم لمنازلهم وحياتهم الطبيعية، وهذا يشكل مصدر قلق باعتباره تطهيرًا عرقيًّا للمسيحيين بشكل مباشر.

وتشنّ إسرائيل حربًا واسعة على قطاع غزة راح ضحيتها أكثر من 20 ألف قتيل وأكثر من 54 ألف جريح منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الفائت، حسب آخر أرقام وزارة الصحة الفلسطينية. 

وغابت لهذا العام الأجواء الاحتفالية بمناسبة أعياد الميلاد ورأس السنة عن المدن الفلسطينية بما في ذلك مدينة بيت لحم المحاصرة بالحواجز الإسرائيلية منذُ السابع من أكتوبر، والتي تستعد لإحياء طقوس عيد الميلاد بدون وجود أي مظاهر للزينة تضامنًا مع قطاع غزة. 

اقرأ/ي أيضًا

ما صحة ادعاء كوهين بأن إسرائيل لم تقصف أي كنيسة في غزة؟

كم عدد الكنائس في غزة؟

اقرأ أيضاً

الأكثر قراءة