مع سهولة وصول عامّة الناس إلى أدوات الذكاء الاصطناعي وتنوّعها ما بين المجانيّة والمدفوعة، ظهرت حسابات عدة متخصّصة بتوليد الصور عن طريق الذكاء الاصطناعي، كلّ منها يحاول إبراز إبداعاته التوليديّة في مجال معيّن، بنتائج متفاوتة، بحسب الأداة المستخدمة ومهارة كتابة الاستدعاءات (Prompts).
وعلى إثر ذلك، انتشرت على مواقع التواصل آلاف الصور المولّدة بالذكاء الاصطناعي، ما دفع بعض الشركات إلى استخدام هذه الصور بغرض التضليل، لجذب التفاعل إلى صفحاتها وحساباتها أو الترويج لمنتجاتها بادعاءات مضللة أو مبالغ فيها، أو استخدامها لمآرب سياسيّة.
إنّ استخدام الصور المولّدة بالذكاء الاصطناعي في الترويج لنتائج استخدام السلع، يُعدّ تضليلًا للمستهلكين، ويمكن أن ينعكس سلبًا على المستهلكين للمنتج. في الآتي بعض الأمثلة عن التضليل عبر الترويج للسلع باستخدام صور مولدة بالذكاء الاصطناعي.
صور مولدة بالذكاء الاصطناعي للترويج لمنتجات العناية بالشعر
رصد مسبار صفحة تستخدم صورًا للترويج لزيت شعر، مدّعية أنّ هذه الصور نتيجة استخدام الزيت، وأنّه بعد استخدامه لمدة 35 يومًا، وفي بعض المنشورات 45 يومًا، لن يتمكّن المستخدِم من تسريح شعره بسبب الطول والثّقَل الذي يمنحه الزيت!
وعند البحث عن حقيقة بعض الصور التي تروّج من خلالها الصفحة للزيت، تبيّن أنّها مولّدة بالذكاء الاصطناعي، وأنّها مأخوذة من حسابات مختصّة بنشر صور الشعر المولّدة بواسطة الذكاء الاصطناعي.
عثر مسبار على صورتين مستخدمتين في هذا المنشور، منشورتين في حساب Black_hair_77 في موقع انستغرام، ينشر الكثير من صور الشعر. وتظهر تشوّهات واضحة في اليدين وبعض أجزاء الصورة، ما يؤكد أنها مولّدة بالذكاء الاصطناعي.
واللافت أنّ هاتين الصورتين نُشرتا في منشورين مشتركين مع 4 حسابات أخرى. وهي خاصيّة يتيحها موقع انستغرام عند تعاون أكثر من صانع محتوى للترويج للمنشور نفسه.
وعند تفقّد هذه الحسابات، وجد مسبار علامات واضحة على أنّ من بين هذه الحسابات الخمسة التي تنشر منشورات مشتركة، حسابات متخصصة بنشر صور مولّدة بالذكاء الاصطناعي لشعر فتيات بأشكال وألوان مختلفة.
فعلى سبيل المثال حساب Hair__lovr يعرّف نفسه على أنّه حساب لصور الشعر الخيالية، وأنّه حساب للتسلية فقط، ويطلب من الزائرين عدم طلب الاستدعاءات الخاصة بالصور “Prompts”.
وتظهر أيضًا في هذه الحسابات منشورات مشتركة مع حسابات أخرى لتوليد صور الشعر باستخدام الذكاء الاصطناعي.
كما تظهر كلمة “AI art” في شعار longhairfetish567 على الصور التي ينشرها.
وأمّا المنشور الثاني، فيُظهر أيضًا صورة نشرها الحساب نفسه بالتعاون مع الحسابات الأربعة نفسها.
وفيه أيضًا صورتان نشرهما أحد الحسابات الخمسة وهو longhairfetish567، المتخصص بنشر صور الشعر المولدة بالذكاء الاصطناعي، وسبق ذكر أنّ بعض صوره عليها شعار AI ARTS.
وذكر في وصف أحد المنشورين أنّ الصورة مولّدة بالذكاء الاصطناعي.
أمّا المنشور الثالث، فأُخذت صوره من حسابين مختلفين متخصصين بتوليد صور الشعر بواسطة الذكاء الاصطناعي. وتظهر في هذه الصور تشوّهات في أصابع اليد أو أصابع الرجلين أو في عناصر مختلفة من الصورة.
ويُعرّف كل من حساب pelolargoia وحساب hairrfantasy في موقع انستغرام، اللذين أخذت منهما صور المنشور الثالث، عن محتواهما بأنّه مخصص لصور الشعر المولّد بالذكاء الاصطناعي.
ما العمل مع التضليلات المولّدة بالذكاء الاصطناعي؟
تحاول الكثير من الشركات والجهات الدوليّة الخروج بحلول لتقليل مخاطر المحتوى المولَّد بالذكاء الاصطناعي، ففي السادس من فبراير/شباط الفائت، أعلنت شركة ميتا عن إجراءات جديدة لتمييز الصور المولدة بالذكاء الاصطناعي على جميع منصاتها، عن طريق إضافة علامات وصفية إليها، في محاولة منها لتضييق الفجوة بين المحتوى البشري وذلك المولّد اصطناعيًّا.
كما تعمل ميتا أيضًا على إضافة ميزة تسمح للمستخدم بالإشارة إلى أنّ الفيديو أو الصوت الذي شاركه مولَّد بالذكاء الاصطناعي، حتى تظهر علامة عليه. لأنّ الشركات المطوِّرة لتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليديّة، لم تطوّر بعد أدوات تميّز محتوى الفيديو والصوت المولّد بالذكاء الاصطناعي، ولا يمكن حاليًا اكتشافه أو تمييزه. وقد أشار نيك كليغ، رئيس الشؤون العالمية للشركة، في بيان، أنّ الشركة يمكن أن تطبّق عقوبات إذا لم يلتزم المستخدمون بذلك.
وفي أغسطس/آب 2023، كشفت شركة غوغل عن الإصدار التجريبي من أداة SynthID، التي تضيف علامة مائية لا يمكن للعين البشرية ملاحظتها، وتدمجها مباشرة في بكسلات الصورة، مما يسمح للبرامج باكتشافها، حتى بعد التعديلات مثل القص أو إضافة الفلاتر أو تغيير الألوان.
وعلى الرغم من هذه المحاولات، تبقى تكنولوجيا العلامات المائية، غير معصومة من الخطأ، إذ يخشى الخبراء من أنها لن تكون كافية في حد ذاتها، ويؤكّدون على أنّها لا يجب أن تكون الحل الوحيد. وقد أشارت غوغل نفسها إلى أنّ أداتها SynthID "ليست مضمونة ضد التلاعب الشديد بالصور". وهناك أبحاث وآراء علميّة كثيرة تدعم القول بأنّ حلول العلامات المائية غير كافية، عرض بعضها مسبار في تقرير سابق.
وكان مسبار قد جمع في مقال له أبرز مميزات الصور المولدة عن طريق الذكاء الاصطناعي، إلى جانب عدد من النصائح والإرشادات التي تساعد في كشفها، يمكنكم الاطلاع عليه من هنا.
قوانين للحد من مخاطر المحتوى المولَّد بالذكاء الاصطناعي
وفي السياق نفسه، على صعيد الدول، أصدر الرئيس الأميركي جو بايدن أمرًا تنفيذيًّا بشأن الذكاء الاصطناعي، يهدف إلى معالجة بعض مخاطره المتعلقة بالأمن والسلامة، وحماية الخصوصية. يدعو الأمر إلى اتباع مجموعة من المعايير التي تعمل عليها الحكومة الأمريكية، بشأن وضع علامات مائية على المحتوى المولّد بالذكاء الاصطناعي، على نفس مبدأ العلامات المائية التي توضع على الصور الفوتوغرافية أو النقود الورقية، لكي تُساعد المستخدمين على التمييز بين الشيء الحقيقي والشيء المزيف وتحديد المالك.
من جهة أخرى، حثّ الاتحاد الأوروبي شركات التكنولوجيا على تكثيف جهودها في مكافحة المعلومات الزائفة، عن طريق تصنيف المحتوى بإضافة تسميات إلى النصوص والصور والمحتويات الأخرى المولّدة بواسطة الذكاء الاصطناعي، في محاولة لتجنّب مخاطره.
وتحاول أوروبا أن تكون الرائدة في تنظيم الذكاء الاصطناعي، من خلال قانون الذكاء الاصطناعي الخاص بها، الذي وافق عليه البرلمان الأوروبي في شهر مارس/آذار 2024، وقد صوّت أعضاء البرلمان على هذا القانون بأغلبية 523 صوتًا مقابل 46 صوتًا وامتنع 49 عن التصويت، ويتضمن القانون لائحة اتفقت عليها الدول الأعضاء في ديسمبر 2023.
كما دعت الأمم المتحدة إلى تنظيم الذكاء الاصطناعي بسبب مخاطره المحتملة، وذلك في مجلس الأمن التابع لها، إذ عقد جلسة يوم الثلاثاء 17 يوليو/تموز 2023، تناول فيها التهديد الذي يشكله الذكاء الاصطناعي على السلام والاستقرار الدولي. ودعا فيها أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، إلى وجود هيئة رقابة عالمية تشرف على التكنولوجيا الجديدة التي تثير العديد من المخاوف.
وأشار غوتيريش إلى أنه يمكن استخدام هذه التكنولوجيا الجديدة لنشر المعلومات المضللة والقيام بأشياء سلبية أخرى، ودعا إلى وضع قواعد دولية للسيطرة على مخاطر الذكاء الاصطناعي.
ووافق غالبية الدبلوماسيين في الجلسة على فكرة آلية الحوكمة العالمية ومجموعة من القواعد الدولية، لإدارة الذكاء الاصطناعي، ودعا وزير الخارجية البريطاني، جيمس كليفرلي، الذي ترأس الاجتماع وقتئذ، إلى ربط الحوكمة الدولية للذكاء الاصطناعي بالمبادئ التي تدعم الحرية والديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون وحماية حقوق الملكية والخصوصية.
اقرأ/ي أيضًا
كيف نكشف الصور المولدة بالذكاء الاصطناعي؟
الصورة مولّدة بالذكاء الاصطناعي وليست لظهور محمد بن سلمان في حفل راقص