حصلت منظمة ذا انترسبت، الإثنين 15 إبريل/نيسان، على نسخة من مذكرة سياسات تحريرية مسربة تعود لصحيفة ذا نيويورك تايمز الأميركية، تحث فيها صحفييها على تفادي استخدام مصطلحات وكلمات مثل "الإبادة الجماعية"، "التطهير العرقي"، "الأراضي الفلسطينية المحتلة" أو كلمة "فلسطين"، أثناء تغطيتهم العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، عقب عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين كانون الأول 2023.
وحسب ذا إنترسبت فإن نسخة المذكرة التحريرية المسربة، كانت قد كتبتها بشكل عام محررة معايير ذا نيويورك تايمز "سوزان ويسلينغ" مع محررة المعايير الدولية "فيليب بان" بمساعدة زملاء آخرين، وذكروا أنها تعمل على "توفير قاعدة إرشادية عند استخدامنا بعض المصطلحات، بالإضافة إلى مساعدتنا في مشاكل أخرى قد واجهتنا أثناء تغطيتنا للأزمة في غزة منذ بدئها".
محررين بذا نيويورك تايمز يعترضون على السياسات التحريرية لتغطية الحرب
قالت ذا إنترسبت، إنه في حين يمكن اعتبار المذكرة التحريرية مسوّدة للخطوط العريضة، التي تحافظ على معايير صحافية موضوعية لتغطية الحرب في غزة، إلا أن عددًا من العاملين بالصحيفة أفادوا أن بعض مضامين تلك المسوّدة تظهر تماشيًا في تغطية ذا نيويورك تايمز مع السردية الإسرائيلية".
قال أحد العاملين بالصحيفة (مفضلًا عدم الإفصاح عن هويته خوفًا من تعرضه للمساءلة)، “يبدو الأمر احترافيًا ومنطقيًا إذا لم تكن لديك معرفة بالسياق التاريخي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لكن إذا كانت لديك معرفة سابقة فسيكون من الواضح مدى تبريرها لإسرائيل”.
وأضاف عاملون آخرون أنه عقب عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر، تضاربت الآراء بشدة في الغرفة التحريرية الخاصة بتغطية الحرب في الصحيفة، واعتبر البعض أن ذا نيويورك تايمز انحازت للرواية الإسرائيلية متجاوزة المعايير الصحفية في تغطيتها للحرب على غزة.
أخذت تلك النقاشات الحادة حول معايير السياسات التحريرية لتغطية الحرب، مكانها، في مجموعة على تطبيق واتساب يديرها مكتب القدس، وتعرف باسم "Jerusalem bureau-led WhatsApp group". تضم المجموعة 90 صحفيًّا ومحررًا بالصحيفة، كانوا في جدال دائم حسب تقرير ذا إنترسبت، إلى أن تدخلت المحررة الدولية فيليب بان.
طلبت بان من المحررين بشكل صريح، ألا يستخدموا المجموعة كي يثيروا أية مخاوف لديهم حول التغطية الإعلامية للحرب.
أحد العاملين "أبدى موافقته على وجود معايير محددة للسياسات التحريرية بأوقات الحروب، لكنه أشار بدوره أيضًا، أن هناك معايير تمييزية عند تغطية العنف الإسرائيلي".
مصطلحات وألفاظ يحبذ عدم استخدامها عند تغطية العدوان الإسرائيلي
نقلت ذا إنترسبت، أنه تمت مشاركة هذه الإرشادات العامة لأول مرة مع صحفيي ومحرري ذا نيويورك تايمز في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الفائت، وتم تحديثها بانتظام على مدى الأشهر التالية.
وقد حددت مذكرة التايمز الإرشادات بشأن مجموعة من العبارات والمصطلحات، لأنه حسب الصحيفة “أدت طبيعة الصراع إلى استخدام لغة اتهامات تحريضية من قبل جميع الأطراف”، ولذلك "يجب أن نكون حذرين للغاية بشأن استخدام مثل هذه العبارات، حتى حين نقوم بالاقتباس، فهدفنا هو تقديم معلومات واضحة ودقيقة، واللغة المحرضة يمكن أن تحجب الحقيقة بدلًا من أن توصلها"، كما تقول المذكرة.
وتضيف للمحررين أن "كلمات مثل مذبحة، مجزرة، غالبًا ما تنقل مشاعر أكثر مما تنقل معلومات، فكر مليًا قبل أن نستخدمها في صحيفتنا".
لكن من جانبها تقول ذا إنترسبت أنه على الرغم من إظهار المذكرة على أنها محاولة لتقييد استخدام لغة تحريضية لوصف القتل "من جانب جميع الأطراف"، إلا أن هذه اللغة استخدمت مرارًا وتكرارًا في تقارير ذا نيويورك تايمز عن حرب غزة لوصف الهجمات التي يشنها الفلسطينيون ضد الإسرائيليين، ولم تستخدم على الأغلب في حالات قتل إسرائيل للفلسطينيين على نطاق واسع.
وتنتقل المنظمة للاستشهاد بتقرير سابق لها نشر في شهر يناير مطلع السنة الجارية، قبل أن تظهر الإرشادات التحريرية الجديدة، حيث بينت أن الصحف الرئيسية استخدمت مصطلحات مثل "مذبحة" و"مجزرة" و"مروعة"، بشكل حصري تقريبًا لوصف الإسرائيليين الذين قُتلوا على يد فلسطينيين، وليس لوصف الفلسطينيين الذين قُتلوا في الهجمات الإسرائيلية. ووجد التقرير أنه حتى 24 نوفمبر، وصفت صحيفة ذا نيويورك تايمز قتل الإسرائيليين بلفظ "المجزرة" في 53 مناسبة، بينما وصفت قتل الفلسطينيين بالمجزرة مرة واحدة فقط.
المذكرة تحث على استخدام لفظ "إرهابيين" لوصف عملية السابع من أكتوبر
وجاء في مذكرة التايمز المسربة "من الدقيق استخدام كلمتي "الإرهاب" و"الإرهابي" في وصف هجمات السابع من أكتوبر، وأضافت "لا ينبغي لنا أن نخجل من هذا الوصف للأحداث أو المهاجمين، خاصة عندما نقدم السياق والتفسير".
كما تحث الإرشادات الصحافيين على "تجنب استخدام كلمة "مقاتلين" عند الإشارة إلى عملية السابع أكتوبر؛ باعتبار أن "المصطلح يوحي بوجود حرب تقليدية وليس هجومًا متعمدًا على المدنيين"، كما دعت إلى "توخي الحذر أيضًا عند استخدام كلمة "مسلحين" التي يتم تفسيرها بطرق مختلفة وقد تكون مربكة للقراء".
تقول المذكرة لصحفيي ذا نيويورك تايمز "لسنا بحاجة إلى تخصيص لفظ واحد أو الإشارة إلى اعتداء السابع من أكتوبر على أنه "هجوم إرهابي" في كل مرة؛ فمن الأفضل استخدام الكلمة عندما تصف الهجمات على المدنيين على وجه التحديد، يجب أن نتحلى بضبط النفس ويمكننا تنويع اللغة باستخدام مصطلحات وأوصاف أخرى دقيقة مثل هجوم، اعتداء، توغّل، أعنف هجوم على إسرائيل منذ عقود، إلخ. وبالمثل، بالإضافة إلى كلمة "إرهابيين"، يمكننا تنويع المصطلحات المستخدمة لوصف مقاتلي حماس الذين نفذوا الهجوم: مهاجمون أو مسلحون.
تقول ذا إنترسبت إن الصحيفة لا تصف هجمات إسرائيل المتكررة على المدنيين الفلسطينيين بأنها "إرهاب"، حتى عندما يتم استهداف المدنيين، وينطبق ذلك أيضًا على اعتداءات إسرائيل على المواقع المدنية المحمية بموجب القانون الدولي، بما في ذلك المستشفيات.
وفي قسم يحمل عنوان "الإبادة الجماعية وغيرها من العبارات التحريضية"، تم التنصيص على أن "الإبادة الجماعية" لها تعريف محدد في القانون الدولي، وينبغي أن تستخدم بشكل عام فقط في سياق تلك المعايير القانونية.
وفيما يتعلق بمصطلح "التطهير العرقي"، تصفه المذكرة بأنه "مصطلح آخر مشحون بدلالات تاريخية"، و تذهب لتوجّه تعليمات للصحافيين بأنه "إذا كان شخص ما يوجه مثل هذا الاتهام، يجب أن نضغط من أجل الحصول على التفاصيل أو تقديم السياق المناسب".
ذا نيويورك تايمز توعز لموظفيها بعدم استخدام كلمة فلسطين إلا للضرورة
وبحسب التقرير، ففي حالتي وصف "الأراضي المحتلة" و"وضع اللاجئين في غزة"، تتعارض المبادئ التوجيهية التي تتبعها صحيفة التايمز مع المعايير التي وضعتها الأمم المتحدة والقانون الإنساني الدولي.
فيما يتعلق باسم "فلسطين" وهو الاسم المستخدم على نطاق واسع لكل من الإقليم والدولة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، تحتوي المذكرة على تعليمات صريحة وهي أن "لا تستخدم في الجداول الزمنية أو النصوص الاعتيادية أو العناوين الرئيسية، إلا في حالات نادرة جدًا مثل رفع الجمعية العامة للأمم المتحدة فلسطين إلى دولة مراقب غير عضو، أو الإشارة إلى فلسطين التاريخية"، حيث تشبه إرشادات ذا نيويورك التايمز إرشادات أسوشيتد برس.
كما أوعزت المذكرة إلى توجيه الصحافيين لعدم استخدام عبارة "مخيمات اللاجئين" في غزة. وتبرر ذلك بالقول "على الرغم من تسميتها بمخيمات اللاجئين، إلا أن مراكز اللاجئين في غزة هي أحياء متطورة ومكتظة بالسكان تعود إلى حرب 1948، فيمكن الإشارة إليها كأحياء أو مناطق، وإذا كان هناك حاجة إلى مزيد من السياق، اشرح كيف سميت تاريخيًا بمخيمات اللاجئين".
وجدير بالذكر أن الأمم المتحدة تعترف بثمانية مخيمات للاجئين في قطاع غزة، وحتى العام الفائت، قبل بدء الحرب، كانت هذه المناطق تضم أكثر من 600 ألف لاجئ مسجل، وينحدر العديد منهم من أحفاد من فروا إلى غزة بعد طردهم قسرًا من منازلهم في الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948.
وتضيف ذا إنترسبت أنه لطالما كانت الحكومة الإسرائيلية معادية للحقيقة التاريخية التي تقر بوضع الفلسطينيين كلاجئين، لأن ذلك يعني أنهم هُجّروا من أراضٍ لهم الحق في العودة إليها.
وتختم بأن التعليمات الواردة تنص في المذكرة حول استخدام مصطلح "الأراضي المحتلة"، "عندما يكون ذلك ممكنًا، تجنبوا المصطلح وكونوا محددين (مثل غزة والضفة الغربية وغيرها) حيث أن لكل منها وضع مختلف قليلًا".
هذا وتعتبر الأمم المتحدة، ومعها الكثير من دول العالم، غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية أراضٍ فلسطينية محتلة، استولت عليها إسرائيل.
وقال أحد العاملين في التايمز إن التحذير من استخدام مصطلح "الأراضي المحتلة" يحجب حقيقة الصراع، مما يغذي إصرار الولايات المتحدة وإسرائيل على أنه بدأ في السابع من أكتوبر.
اقرأ/ي أيضًا
ذا نيويورك تايمز تعترف بهشاشة رواية مصدر اعتمدت عليه في تحقيقها عن العنف الجنسي في 7 أكتوبر
تحقيق لذا نيويورك تايمز حول العنف الجنسي تحت المساءلة بعد ثبوت دعم إحدى مُعداته لإبادة الفلسطينيين