منذ بداية حربها على قطاع غزة، عقب عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها حركة حماس وفصائل فلسطينية أخرى، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول عام 2023، أكّدت إسرائيل على لسان مسؤوليها التزامها بالقانون الدولي من حيث استخدام الأسلحة وأهدافها العسكرية.
في السادس من مايو/أيار الجاري، نشرت صحيفة ذا غارديان البريطانية تقريرًا حول غارة إسرائيلية استهدفت يوم 27 مارس/آذار، مركز إسعاف يقع في جنوب لبنان، اعتبرها حقوقيون انتهاكًا للقانون الدولي.
تقرير لصحيفة ذا غارديان يكشف استخدام إسرائيل أسلحة أميركية في غارة جنوب لبنان
قُتل سبعة مسعفين متطوعين، تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عامًا، في الهجوم الذي وقع في 27 مارس على مركز إسعاف تابع لجمعية العون اللبنانية في بلدة الهبارية جنوبي لبنان.
وفقًا لتحليل أجرته صحيفة ذا غارديان للشظايا التي تم العثور عليها في موقع الهجوم، فإنّ إسرائيل استخدمت سلاحًا أميركيًّا في الغارة الجوية. وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش بأن ذلك يمثل انتهاكًا للقانون الدولي.
قامت ذا غارديان بفحص بقايا قنبلة إسرائيلية من طراز MPR تزن 500 رطل وذخيرة هجوم مباشر مشتركة أميركية الصنع (JDAM)، وجدها المسعفون الأوائل في مكان الهجوم، وتم التحقق من صور الشظايا التي أرسلتها الصحيفة من قبل هيومن رايتس ووتش، بمساعدة خبير مستقل في الأسلحة.
ذخيرة JDAMs هي عبارة عن مجموعات توجيه تنتجها شركة الطيران الأميركية بوينغ والتي ترتبط بقنابل "Domb bombs"، حيث تزن في حدود 500-2000 رطل وتحولها إلى صواريخ دقيقة موجهة بنظام تحديد المواقع العالمي (GPS).
تضمنت الشظايا التي تم انتشالها من هجوم الهبارية جزءًا مكتوبًا يحدده على أنه قنبلة “MPR 500”، بالإضافة إلى أجزاء JDAM، التي تربط القنبلة بنظام التوجيه وبقايا محركها.
وقالت هيومن رايتس ووتش، إن تحقيقها الخاص خلص إلى أن الضربة على مركز الرعاية الصحية كانت غير قانونية وينبغي أن يكون لها آثار على المساعدة العسكرية الأميركية لإسرائيل.
وأضافت هيومن راتس ووتش من جانبها "إن تأكيدات إسرائيل بأنها تستخدم الأسلحة الأميركية بشكل قانوني ليست ذات صدقية".
وقال رمزي قيس، الباحث اللبناني في المنظمة، إنه مع استمرار سلوك إسرائيل في غزة ولبنان في انتهاك القانون الدولي، يجب على إدارة بايدن تعليق مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل على الفور.
بعد خمسة أيام من الهجوم على العاملين في مجال الرعاية الصحية في لبنان، قتلت إسرائيل سبعة آخرين من عمال الإغاثة العاملين في المطبخ المركزي العالمي في غزة، وهو هجوم وصفته إسرائيل بأنه "خطأ جسيم".
ويأتي الكشف عن استخدام إسرائيل للأسلحة الأميركية في هجوم غير قانوني، في الوقت الذي من المقرر أن يقدم فيه وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، تقريرًا إلى الكونغرس في الثامن من مايو الجاري، حول ما إذا كان يجد تأكيدات إسرائيلية موثوقة بأن استخدامها للأسلحة الأميركية لا ينتهك القانون الأميركي أو الدولي.
وقال السناتور الديمقراطي كريس فان هولين إنّ الهجوم على الهبارية يجب أن ينعكس في تقرير بلينكن للكونغرس، مضيفًا أن “هذه التقارير مثيرة للقلق العميق ويجب التحقيق فيها بشكل كامل من قبل إدارة بايدن”.
غارة إسرائيلية مفاجئة تتسبب في مقتل 7 مسعفين لبنانيين
جاءت الغارة الجوية دون سابق إنذار بين الساعة 12:30 والساعة الواحدة صباحًا، إذ كان المتطوعون يستعدون للنوبة الليلية، ولم يتم الإبلاغ عن أي عملية عسكرية ستنفذ في المنطقة ذاك اليوم.
وسويت القنبلة التي يبلغ وزنها 500 رطل المبنى المكون من طابقين بالأرض، إذ أدت قوة الانفجار إلى تطاير أربعة من المتطوعين خارج المركز، ومحاصرة ثلاثة آخرين تحت الأنقاض.
وقال الجيش الإسرائيلي إنّ "الطائرات المقاتلة قصفت مجمعًا عسكريًّا في محيط بلدة الهبارية في جنوب لبنان. وتم القضاء على إرهابي ينتمي إلى "الجماعة الإسلامية" التي نفذت هجمات ضد الأراضي الإسرائيلية، بالإضافة إلى إرهابيين آخرين كانوا برفقته".
في المقابل، قال نائب في البرلمان يمثل الجماعة الإسلامية، وهي حزب لبناني إسلامي يشترك جناحه العسكري، المعروف بـ "قوات الفجر"، في القتال عبر الحدود مع إسرائيل، لـ"هيومن رايتس ووتش" إن الغارة لم تقتل أي مقاتل من الجماعة، ونفى أي ارتباط للجماعة بجهاز الطوارئ والإغاثة التابع لجمعية الإسعاف اللبنانية.
وقال رئيس جهاز الطوارئ والإغاثة، وأقارب وزملاء للقتلى إن الأشخاص السبعة الذين قُتلوا كانوا جميعهم متطوعين، بدؤوا نشاطهم في المركز بعد إنشائه في الهبارية أواخر 2023، وهم التوءمان أحمد وحسين الشعار (18 عامًا) وعبد الرحمن الشعار، وأحمد حمود، ومحمد فاروق عطوي، وعبد الله عطوي، وبهاء أبو قيس، الأكبر سنًا بينهم لم يتجاوز الـ25 عامًا.
مواثيق دولية تمنع توريد أسلحة لإسرائيل في حال خرقها القانون الدولي
بموجب قانون ليهي لعام 1997، يُحظر على وزارتي الدفاع والولايات المتحدة الأميركية تقديم المساعدة لقوات أجنبية، عندما تكون هناك "معلومات موثوقة" تفيد بأنها ارتكبت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
وذكرت ذا غارديان في يناير/كانون الثاني من بداية العام، أن السياسات الداخلية لوزارة الخارجية أنقذت إسرائيل من تطبيق هذا القانون.
وفق الصحيفة البريطانية، قال متحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي إنه على علم بتقارير الهجوم على الهبارية وإنه على اتصال بنظرائه الإسرائيليين للحصول على مزيد من المعلومات، وأن الولايات المتحدة "تعمل باستمرار على ضمان استخدام المواد الدفاعية التي تقدمها الولايات المتحدة بما يتوافق مع القانون المحلي والدولي المعمول به، وقال المتحدث إنه إذا أظهرت النتائج حدوث انتهاكات، فإننا نتخذ الإجراءات اللازمة".
ووفقًا لجوش بول، وهو زميل غير مقيم في منظمة الديمقراطية من أجل العالم العربي الآن (منظمة غير ربحية هدفها الديمقراطية وحقوق الإنسان) ومسؤول سابق في وزارة الخارجية، الذي شارك في عملية نقل الأسلحة، أنه تمت الموافقة على عمليات نقل الأسلحة التي تحتوي على ذخائر مثل JDAMs مع القليل من التدقيق.
مضيفًا أن “وزارة الخارجية وافقت على العديد من عمليات النقل هذه على مدار 48 ساعة”، وقال “إنه لا يوجد أي قلق سياسي بشأن أي ذخائر لإسرائيل بخلاف الفسفور الأبيض والقنابل العنقودية”.
اعتمدت إسرائيل بشكل كبير على إرسال الولايات المتحدة الأميركية لها قنابل مثل "Domb bombs"، ولا سيما قنبلة MK التي يتراوح وزنها بين 500 و2000 رطل، وذخائر JDAMs في عملياتها العسكرية في قطاع غزة ولبنان. بل وفقًا لبول، كانت ذخائر JDAMs، تمثل جزءًا صغيرًا من العناصر الرئيسية التي طلبتها إسرائيل من الولايات المتحدة في الأشهر الستة الفائتة.
أثارت جماعات حقوق الإنسان مخاوف بشأن استخدام إسرائيل "Domb bombs"، وسط تخوفات أيضًا من تواطؤ محتمل للولايات المتحدة بخصوص أي إساءة استعمال للأسلحة التي توردها لإسرائيل، من خلال تحديثها لطرق استخدام الأسلحة لصالحها.
وفي ديسمبر/كانون الأول من عام 2023، دعت منظمة العفو الدولية الولايات المتحدة إلى وقف إرسال الأسلحة إلى إسرائيل بعد أن عثرت على بقايا صواريخ JDAM، في هجومين على قطاع غزة أسفرا عن مقتل أكثر من 43 شخصًا.
ومنذ السابع من أكتوبر، قتلت إسرائيل 16 عاملًا طبيًا فقط في لبنان، من بينهم 10 في يوم واحد في نهاية مارس 2024. وجدير بالذكر أن الموظفين الطبيين يتمتعون بالحماية بموجب القانون الدولي ويعدّ استهدافهم جريمة حرب.
وفي الفترة نفسها، قُتل 380 شخصًا في لبنان، من بينهم 72 مدنيًا، وعلى الجانب الإسرائيلي، قُتل 11 جنديًا وثمانية مدنيين.
اقرأ/ي أيضًا
كيف أثر توظيف إسرائيل للذكاء الاصطناعي على حياة الفلسطينيين وسردياتهم؟