` `

كيف يمكن لصور الخرائط والمصادر المفتوحة كشف توسع المستوطنات في الضفة الغربية؟

فراس دالاتي فراس دالاتي
تكنولوجيا
19 مايو 2024
كيف يمكن لصور الخرائط والمصادر المفتوحة كشف توسع المستوطنات في الضفة الغربية؟
يمكن لصور الأقمار الصناعية أن تتيح رصد التغييرات في منطقة عبر الزمن (إيرث برو)

هذا المقال مترجم بتصرف عن منصة بيلينغ كات للتحقيقات الرقمية

منذ بداية عام 2024، أصدرت الولايات المتحدة سلسلة من العقوبات ضد عدد محدود من المستوطنين الإسرائيليين، بسبب ما وصفته بـ "تعريض السلام والأمن في الضفة الغربية للخطر". ورغم أنّ تأثير العقوبات الفعلي لا يزال محل نقاش، لكنه يمثل تطورًا جديدًا في السياسة الأميركية وسط المحاولات المستمرة لمعالجة توغّل الاستيطان الإسرائيلي واسع النطاق في الضفة الغربية، والذي يعد نشاطًا غير قانوني بموجب القانون الدولي.

تأسست أول مستوطنة إسرائيلية في الضفة الغربية عام 1967، بعد أن استولت إسرائيل على المنطقة بعد النكسة (حرب الأيام الستة). واليوم، يقال إنّ هناك 500 ألف مستوطن إسرائيلي يعيشون في الضفة الغربية في مستوطنات تتراوح من جيوب صغيرة إلى مجتمعات ومناطق حضرية كبيرة ومتطورة. 

ووفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، كان عام 2023 هو العام الأكثر دموية بالنسبة للفلسطينيين في الضفة الغربية منذ أن بدأت الأمم المتحدة التسجيل في عام 2005. وفي آذار/مارس الفائت، خلص مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى أن المنطقة كانت على "حافة الكارثة"، مشيرًا إلى أن "نقل السلطات الإدارية الواسعة المتعلقة بالمستوطنات وإدارة الأراضي من السلطات العسكرية إلى المسؤولين المدنيين الإسرائيليين، المنتخبين والمسؤولين أمام سكان إسرائيل، يمكن أن يسهّل ضم الضفة الغربية".

للبحث في توسع حجم المستوطنات وتطوراتها مع مرور الوقت، يعد تحليل بيانات الأقمار الصناعية أمرًا لا غنى عنه. وفي حين أنه يمكنك الدفع مقابل الحصول على صور عالية الدقة عبر الأقمار الصناعية للحصول على معلومات تفصيلية على أرض الواقع حول التغييرات في الضفة الغربية، فإن أدوات الأقمار الصناعية المجانية يمكن أن تكون مفيدة أيضًا لدراسة التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية. 

وعلى الرغم من أن صور غوغل إيرث للمنطقة كانت في كثير من الأحيان ذات جودة رديئة، مقارنة بالخدمات والمناطق الأخرى، إلا أنه لا يزال من الممكن استخدامها بفعالية بغض النظر عن عيوبها. كما يعد متصفح سينتينل هَب أيضًا، من الخدمات المجانية المفيدة في هذا الصدد. وقد استخدمت بيلينغ كات، منصة تتخصص في التحقيقات الرقمية. كلا الخدمتين في تعاونها الأخير مع منصة سكريبس نيوز للتحقيق في الصراع في غزة والتوترات المتصاعدة في الضفة الغربية.

نقدم في هذا الدليل تفصيلًا لأدوات الأقمار الصناعية المجانية وكيفية استخدامها لمراقبة التوسعات الاستيطانية في الضفة الغربية.

مقدمة لبرنامج غوغل إيرث برو

تمنحك هذه الأداة صورًا عبر الأقمار الصناعية للأرض وتستخدم على نطاق واسع في تحقيقات بيلينغ كات، لأنها توفر أدوات لقياس البيانات الجغرافية وتحليلها وعرضها. ومن أفضل ميزاتها أنها توفر صورًا تاريخية عبر الأقمار الصناعية. إذ يمكنك مقارنة الصور التاريخية والحديثة لعرض التغييرات في استخدام الأراضي وتطوير البنية التحتية مع مرور الوقت. وهذا مفيد للباحثين المهتمين برصد التوسع الحضري والتغيرات البيئية مثل تلك التي تحدث في الضفة الغربية.

تعتمد كمية وجودة الصور التاريخية كثيرًا على المنطقة التي يرصدها المستخدم من العالم. أحدث صور الأقمار الصناعية لواشنطن العاصمة على سبيل المثال، تعود إلى مارس 2024، بينما أحدث الصور من القدس أو الضفة الغربية تعود إلى عام 2022، أي قبل اندلاع الحرب الأخيرة على غزة بوقت طويل. لكن على الرغم من الكمية المحدودة من الصور الحديثة، لا يزال برنامج غوغل إيرث برو مفيدًا للباحثين المهتمين برصد المنطقة في المنطقة.

كيفية استخدام غوغل إيرث برو لمراقبة التوسع الحضري في الضفة الغربية

أولًا، سيتعيّن عليك تنزيل غوغل إيرث برو على جهازك من هنا.

في غوغل إيرث برو، أدخل إحداثيات المنطقة التي تريد إلقاء نظرة فاحصة عليها. في الجزء العلوي من شاشتك، من المفترض أن ترى صورة لساعة صغيرة. بمجرد النقر عليها، يجب أن يظهر شريط التمرير على الشاشة. باستخدام شريط التمرير هذا، يمكنك التمرير عبر الصور التاريخية، ويتراوح نطاق هذه المنطقة تحديدًا من عام 2004 كأول صورة واضحة إلى عام 2022 كأحدث صورة. وإذا لم تكن الساعة مرئية، فانتقل إلى علامة التبويب "عرض" في الجزء العلوي من شاشتك وتأكد من تحديد خيار "الصور التاريخية".

خيارات تحديد الوقت والإحداثيات في جوجل إيرث برو
خيارات تحديد الوقت والإحداثيات في جوجل إيرث برو
خاصية عرض “الصور التاريخية” على جوجل إيرث برو
خاصية عرض “الصور التاريخية” على جوجل إيرث برو

يمكن أن يساعد استخدام شريط التمرير هذا لتصفح صور القمر الصناعي التاريخية، في البحث عن التغيير في استخدام الأراضي. ومع ذلك، ضع في اعتبارك أن نطاق صور القمر الصناعي التاريخية يعتمد على الموقع، إذ تحتوي بعض المناطق على صور أحدث من غيرها. ويعتمد هذا أيضًا على كل مستوطنة، فبعضها يحتوي على صور من عام 2021، والبعض الآخر من عام 2022.

خيار آخر: Google Earth Engine Timelapse

يمكن أن تساعد أداة Timelapse أيضًا في اكتشاف التغييرات على الأرض وتحديد أعمال الحفر والتطورات. إذ تسمح لنا بمراقبة الاتجاهات على مدى فترات طويلة من الزمن. كما يمنحك موقع الويب الخاص بالأداة خيار زيارة موقع ما ورؤية مقطع زمني للمنطقة من عام 1984 إلى عام 2024.

المقارنة بين شكل المستوطنة عام 2011 وشكلها مطلع عام 2022 باستخدام صور الأقمار الصناعية - جوجل إيرث برو
المقارنة بين شكل المستوطنة عام 2011 (يسار) وشكلها مطلع عام 2022 (يمين) باستخدام صور الأقمار الصناعية - جوجل إيرث برو

تعطي الأداة نظرة عامة جيدة على المنطقة والتغييرات التي حدثت على مدار العام، ويمكن غالبًا رؤية الهياكل أو الطرق التي تظهر عند النظر إلى مناطق المستوطنات والتوسعات المشتبه بها. الجانب السلبي لاستخدام هذه الأداة هو أن دقة الصور منخفضة، ولا يمكن تنزيل اللقطات المتتابعة بتنسيق GIF أو MP4، لكن يمكن حلّ تلك المشكلة بتسجيل الشاشة عند التصفح.

مقدمة إلى متصفح سينتينل هَب

إذا كنت بحاجة إلى مراقبة مناطق متعددة وواسعة، فإن البديل الأمثل لبرنامج غوغل إيرث برو هو متصفح سينتينل هَب. إذ يعد متصفح سينتينل هَب أداة تعتمد على الويب وتوفر لنا إمكانية الوصول المباشر إلى مجموعة كبيرة من صور الأقمار الصناعية التي تم جمعها بواسطة برنامج كوبرنيكوس التابع لوكالة الفضاء الأوروبية، إذ يمكن استكشاف كميات كبيرة من البيانات ومراقبة التغيرات البيئية والبشرية.

نموذج عن صور الأقمار الصناعية التي يتيحها محرك سينتينل هَب
نموذج عن صور الأقمار الصناعية التي يتيحها محرك سينتينل هَب

على الرغم من أن جودة صور الأقمار الصناعية أقل من جودة الصور التي يقدمها غوغل إيرث برو، إلا أنه يتم التقاطها بشكل أكثر انتظامًا. وبالنسبة لمنطقة الضفة الغربية، يوفر سينتينل هَب لقطة كل خمسة أيام، وهي مفيدة لأولئك الذين يتطلعون إلى تحديد التغييرات بمرور الوقت. ميزة أخرى مفيدة في سينتينل هَب هي إمكانية إنشاء تسلسل زمني لمنطقة معينة تهمك.

كيفية استخدام متصفح سينتينل هَب لمراقبة التوسع الحضري في الضفة

متصفح سينتينل هَب سهل الاستخدام للغاية. ابدأ بتحديد الموضوع ومصدر البيانات. في المثال أعلاه، اخترنا السمة الافتراضية ومصدر بيانات Sentinel-2. لكن لدى سينتينل هَب العديد من السمات المفيدة الأخرى التي يمكن استخدامها لمراقبة التغييرات التي تطرأ على الأرض.

بمجرد تحديد الموضوع ومصدر البيانات وإدخال موقعك، يمكنك رؤية التقويم على الجانب الأيسر، وإذا نقرت عليه، يمكنك معرفة التواريخ التي يتوفر فيها صور أقمار صناعية مُلتقطة. وباستخدام السهمين الأيسر والأيمن بجوار التقويم، يمكنك التمرير عبر اللقطات ومعرفة ما إذا كانت هناك أية تغييرات مهمة قد حدثت في المنطقة.

خاصية تحديد الوقت المحدد لصور الأقمار الصناعية المرجوة عبر محرك سينتينل هَب
بخاصية تحديد الوقت المحدد لصور الأقمار الصناعية المرجوة عبر محرك سينتينل هَب

وإذا كنت تريد إنشاء تسلسل زمني لمنطقة معينة، فهذه هي الخطوات التي يتعين عليك اتخاذها:

عندما تكون منطقة الاهتمام واسعة، يمكن أن يساعدك التسلسل الزمني في اكتشاف التغييرات المحتملة التي قد لا تكتشفها في الصور الثابتة، إذ يمكن تنزيل اللقطات المتتابعة كملف فيديو. ولا يتعين الدفع مقابل استخدام سينتينل هَب، ولكن إذا كنت تريد إنشاء تسلسل زمني، فستحتاج إلى التسجيل للحصول على حساب مجاني.

ونظرًا لكون متصفح سينتينل هَب أداة مجانية، فإن جودة صور الأقمار الصناعية قد تكون منخفضة في بعض الحالات إذا كنت تريد إلقاء نظرة فاحصة على منطقة معينة.

كيفية تحديد المدة والمكان المرغوب لصناعة تسلسل زمني لصور الأقمار الصناعية - سينتينل هَب
كيفية تحديد المدة والمكان المرغوب لصناعة تسلسل زمني لصور الأقمار الصناعية - سينتينل هَب

تحليل صور الأقمار الصناعية

عند فحص بيانات الأقمار الصناعية، من المهم أن يفهم المستخدم ما يبحث عنه. من الأخطاء الشائعة التي يرتكبها المستخدمون الجدد إساءة تفسير الكائنات والعناصر الموجودة في الصور. لفك تشفير صور الأقمار الصناعية بنجاح، يجب فحص العديد من المكونات والأنماط والعناصر الموجودة داخل الصورة بالتفصيل. 

انتبه للتغيرات التي تطرأ على المنطقة، مثل تجريف الأراضي أو المباني أو الطرق. في بعض الأحيان، تكون التغييرات على الأرض واضحة، كما هو الحال في تحقيق بي بي سي الأخير حول تجريف قرية شارما لإفساح المجال أمام مدينة نيوم السعودية. 

وفي أحيان أخرى، لا يمكنك أن ترى بوضوح من خلال صور الأقمار الصناعية ما إذا كان المبنى بالفعل عبارة عن مبنى تم تشييده أو ما إذا كان البناء لا يزال قيد التنفيذ. إذا كان الأمر كذلك، فقد يكون من المفيد مراقبة الظلال عن كثب. إذا تم بناء مبنى طويل أو جسم طويل، فسيؤدي ذلك إلى ظهور ظل في لقطة، يمكننا بعد ذلك استخدامه للمساعدة في قياس التطور وحتى الوقت والمسافة.

صور أقمار صناعية تظهر تجريف قرية شارما لإفساح المجال أمام مدينة نيوم السعودية - بي بي سي
صور أقمار صناعية تظهر تجريف قرية شارما لإفساح المجال أمام مدينة نيوم السعودية - بي بي سي

علامة أخرى على التطور يجب البحث عنها هي التغيرات في المناظر الطبيعية أو الغطاء النباتي. عند وضع هذه العناصر في الاعتبار أثناء النظر إلى صور الأقمار الصناعية، يمكن أن تساعدك على رؤية التغييرات في المنطقة الحضرية التي قد تشير إلى توسع المستوطنة. وكلما نظرت إلى صور كهذه، تصبح عينك أكثر تدريبًا على اكتشاف الاختلافات والتغيرات في المناظر الطبيعية، وتصبح أكثر دراية بميزاتها، وقدرة على تمييز العناصر أو الطرق الجديدة.

مصادر مفيدة أخرى لمراقبة مستوطنات الضفة الغربية

هناك العديد من قواعد البيانات الأخرى المجانية والمفتوحة المصدر حول مستوطنات الضفة الغربية، والتي يمكن للباحثين استخدامها أيضًا لتتبع التوسعات الاستيطانية. يوفر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) ملفًا باسم “المستوطنات في الأرض الفلسطينية المحتلة” وتم تعديله آخر مرة في 3 يونيو/حزيران 2021.

تم إنشاء الملف بواسطة مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية ومنظمة السلام الآن، ويمكن للمستخدمين تحميل ملف مخططات المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية. وقد استخدمته بيلينغ كات سابقًا لتتبع توسع المستوطنات.  يوجد الملف كملف .sph، وهو نوع ملف يمكن تحويله إلى لاحقة .kml باستخدام هذا الموقع. وبمجرد الانتهاء من ذلك، يمكن فتح الملف في برنامج غوغل إيرث برو، والذي يسمح برؤية المستوطنات على خريطة الضفة الغربية.

وتتبّع عدد من المنظمات غير الحكومية توسعات المستوطنات في الضفة الغربية، بما في ذلك مجموعة الناشطين "السلام الآن"، التي تشمل مواردها قواعد بيانات وتقارير منتظمة وخرائط تغطي التوسع الاستيطاني. كما أنشؤوا أيضًا تطبيق جوال يمكن استخدامه لرصد المستوطنات.

وفي المناطق التي يصعب الوصول إليها بسبب الحرب والاشتباكات، مثل غزة وطولكرم وجنين في الضفة الغربية، يمكن أن يوفر تحليل صور الأقمار الصناعية معلومات مهمة حول ما يحدث على أرض الواقع. ومع ذلك، فإن تحليل صور الأقمار الصناعية بشكل فعال يتطلب الممارسة. ومن المهم عدم القفز إلى الاستنتاجات بناءً على بيانات الأقمار الصناعية وحدها. فقد يبدو هذا النوع من البيانات مربكًا في البداية، لكنه لا يتطلب تدريبًا متخصصًا أو اشتراكات باهظة الثمن، بل ممارسة فحسب واستخدامًا مستمرًا للعديد من الأدوات والموارد المجانية المتاحة، لأولئك الذين يرغبون في مراقبة الأحداث من الأعلى.

اقرأ/ي أيضًا

كيف يمكن لصور الخرائط والمصادر المفتوحة المساعدة في معرفة الأحياء والمباني المدمرة في غزة؟

إسرائيل تنشر فيديو من عسقلان على أنه من توغلها البري في غزة

الأكثر قراءة