` `

وسائل إعلام تنتهج التضليل والتعتيم في حادثة استخدام جنود إسرائيليين لفلسطيني كدرع بشري

محمود حسن محمود حسن
سياسة
26 يونيو 2024
وسائل إعلام تنتهج التضليل والتعتيم في حادثة استخدام جنود إسرائيليين لفلسطيني كدرع بشري
الجيش الإسرائيلي يربط فلسطينيًا بسيارة جيب عسكرية أثناء مداهمة في جنين (رويترز)

في 22 يونيو/حزيران الجاري، قامت القوات الإسرائيلية بتقييد شاب فلسطيني جريح ووضعته على مقدمة مركبة عسكرية أثناء مداهمة مدينة جنين شمالي الضفة الغربية المحتلة. وتظهر المشاهد الشاب الفلسطيني، مجاهد رائد عبادي، ملقى ومقيد على غطاء المركبة العسكرية التي كانت تمر في أحد شوارع جنين بجانب سيارات الإسعاف وهو ينزف دون أن تقدم له الإسعافات اللازمة.

أثار هذا المشهد موجة غضب واستنكار، محلي ودولي. إلا أن وسائل إعلام قامت بتغطية الحدث بأساليب مختلفة، كشفت أحيانًا عن حجب متعمد لبعض التفاصيل وصياغة غير متوازنة للخبر وعدم اتساق مع مجريات الاحداث. 

درع بشري في الأخبار العربية وجريح معتقل في الأخبار الإنجليزية

أجرى “مسبار” تحليلًا لتغطية بعض وسائل الإعلام للحادثة. وتبين أن النسخ الناطقة باللغة العربية منها، أشارت إلى احتمالية استخدام الشاب كدرع بشري لحماية القوات الإسرائيلية والمركبات المتنقلة في شوارع جنين. في المقابل، ركزت نفس وسائل الإعلام الناطقة بالإنجليزية على وصف الشاب بالجريح المعتقل دون الإشارة إلى احتمالية استخدامه كدرع بشري. 

على سبيل المثال، لم تذكر شبكة سكاي نيوز الإنجليزية في تقريرها، احتمالية استخدام الشاب كدرع بشري، بينما أشارت نسخة الخبر العربية إلى هذا الاحتمال بشكل واضح.

A close up of a text

Description automatically generated
أشار تقرير سكاي نيوز العربية في 26 يونيو لاحتمالية استخدام الشاب كدرع بشري

وبالمثل، لم تغطِّ شبكة بي بي سي الإنجليزية، شهادة الشاب وحملة الاستنكار الدولية حول الحادثة، كما لم تشر إلى احتمال استخدام الشاب كدرع بشري. إلا أنها ذكرت ذلك في النسخة العربية من الخبر، عندما أضافت اتهام فرانشيسكا ألبانيز، مقررة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، للجيش الإسرائيلي باستخدام الشاب كدرع بشري.

A close up of a text

Description automatically generated
أشار تقرير بي بي سي العربية في 22 يونيو الى اتهام مقررة الأمم المتحدة فرانشيسكا ألبانيز

حجب تفاصيل جوهرية

طريقة ترتيب الخبر مسألة مهمة في التغطية الإعلامية، والتحيّز في تصميم الخبر هو أسلوب شائع، ظهر بشكل واضح خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، وفي تغطية بعض وسائل الإعلام الغربية لحادثة الشاب عبادي لم يتم التطرق لتفاصيل جوهرية في القصة.

على سبيل المثال، بالرغم من أهمية ذكر ردود الفعل الشعبية والدولية على الحادثة، إلا أنه لم يأتِ ذكرها في بعض الأخبار الأجنبية، ولا يمكن تفسير الأمر بأنه يتعلق بعدم الاهتمام فقط لردود الأفعال الدولية. فبينما اقتبست الصحف التي رصدناها في نفس الخبر بعض التفاصيل العامة عن جهة دولية كالأمم المتحدة، إلا أنها لم تبرز ردود الفعل المنتقدة للحادثة من جهات دولية مماثلة. رغم أنها أبرزتها في نسخة الخبر باللغة العربية. 

كما لم تذكر كثير من المواقع الإنجليزية، شهادة الشاب بينما فعلت ذلك في النسخة العربية. كما هو الحال بالنسبة لشهادة أقارب وجيران الشاب وشهود العيان اللذين قال بعضهم إن الجنود الإسرائيليين استخدموا الشاب كدرع بشري بدلًا من السماح له بالحصول على الرعاية الطبية بعد إطلاق النار عليه.

رويترز تذكر بعض ردود الفعل الدولية وتشير لتفاصيل أخرى

ذكرت وكالة رويترز في تقرير بتاريخ الرابع والعشرين من يونيو الجاري، أي بعد يوم من نشر التقرير الأول، تفاصيل إضافية عن الموضوع، مثل رد فعل وزارة الخارجية الأميركية على الحادثة التي وصفتها بـ“الصادمة" والدعوة لإجراء تحقيق سريع لمحاسبة المسؤولين عن ذلك. كما تطرق تقرير رويترز الأحدث إلى احتمالية أن يكون للحادثة تفاصيل أخرى، من خلال نقلها لسؤال طرحه مراسل إعلامي في مؤتمر صحفي لوزارة الخارجية الأميركية، جاء فيه "أليس هذا هو الأساس الذي يستخدم فيه الجيش الفلسطينيين كدروع بشرية".

وبالرغم من أن غالبية وسائل الإعلام الأجنبية نقلت تفاصيل الحادثة أول مرة عن وكالة رويترز، إلّا أن بعضها مثل دويتشه فيله الناطقة بالإنجليزية، لم تشر إلى تقرير رويترز الأحدث أو لسؤال الصحفي في مؤتمر وزارة الخارجية الأميركية أو أي تصريح مشابه يشير إلى احتمالية أن تكون الحادثة هي استخدام للشاب كدرع بشري.

A screenshot of a computer

Description automatically generated
تقرير وكالة رويترز يوم 24 يونيو وتظهر فيه إشارة من صحفي لاحتمالية ربط الشاب كدرع بشري
صورة متعلقة توضيحية
دويتشه فيله تنقل بعض التفاصيل من تقرير رويترز الأول ولا تشير لاحقًا لاحتمالية استخدام الشاب كدرع بشري

تباين في صياغة العنوان

تلعب العناوين الإخبارية دورًا مهمًا في تغطية الأحداث، فهي تساهم في تكوين الانطباعات الأولية للأفراد حول القصة، دون قراءة نص التقرير كاملًا.

ولاحظ مسبار أن هناك تباينات ملحوظة في التغطية الإعلامية لحادثة الشاب عبادي بين عناوين الخبر العربية والإنجليزية، مما يعكس الفروقات في كيفية تناول الخبر وتأطيره حسب الجمهور المستهدف. في حالة الجمهور العربي، استخدمت لغة أكثر عاطفية وركزت على شهادة الشاب الفلسطيني وعائلته والانتقادات الحقوقية للحادثة. أما في النسخ الإنجليزية، فكانت العناوين مقتضبة وعامة جدًا، ولا تحتوي انتقادات للفعل الإسرائيلي.

A close up of a screen

Description automatically generated
العنوان في نسخة خبر سكاي نيوز العربية
A screenshot of a computer

Description automatically generated
العنوان في نسخة خبر سكاي نيوز الإنجليزية 

من ناحية أخرى، يمكن أن تعتبر بعض العناوين التي رصدناها في تغطية الخبر مضللة أو تكشف عن تحيّز غير مباشر لبعض وسائل الإعلام، على سبيل المثال عنونت دي دبليو الإنجليزية الخبر كالآتي "الجيش الإسرائيلي يربط رجلًا بسيارة جيب أثناء اعتقاله في الضفة الغربية".

يلاحظ أن صياغة عنوان الخبر بهذا الشكل قد تشوش المتلقي عن حقيقة القصة فلم يذكر بالعنوان أن الشاب الفلسطيني كان جريحًا، كما لا يعكس الصورة الحقيقية لاعتقاله، ولم يذكر أنّ الشاب كان مدنيًا بالإضافة إلى ذلك لم تكن هنالك إشارة في العنوان إلى احتمالية أن الرجل استُخدم كدرع بشري.

A screenshot of a computer

Description automatically generated
عنوان دي دبليو الناطقة باللغة الإنجليزية حول الشاب الفلسطيني الذي وضع على المركبة العسكرية الإسرائيلية

الجيش الإسرائيلي يبرر الحادثة

اعترف الجيش الإسرائيلي بأن جنوده قاموا بتقييد جريح فلسطيني على الغطاء الأمامي لمركبة عسكرية خلال عملية في جنين. ومع ذلك، برر الجيش هذا الحادث بقوله إن الشاب الفلسطيني المصاب "وافق على نقله بهذه الطريقة". وأضاف بيان الجيش أن الجنود تعرضوا لإطلاق نار وردوا عليه، مما أدى إلى إصابة مشتبه به واعتقاله، مشيرًا إلى أن تصرف الجنود انتهك البروتوكول العسكري المعتمد.

شهادة الشاب الفلسطيني

كشف الشاب الفلسطيني في مقابلة أجرتها معه قناة الجزيرة تفاصيل الحادثة، وقال إنه بعد أن أصيب بجروح نزف لمدة ساعتين ومن ثم قام جنود الاحتلال بضربه وتعذيبه وربطه على سيارة "الجيب" كدرع بشري رغم جراحه ودرجة الحرارة العالية على الآلية.

وأضاف الشاب الفلسطيني في شهادته أن القوات الإسرائيلية قامت بفحص اسمه في سجلاتها للمطلوبين، وتبين أنه ليس مطلوبًا ومن بعدها سلمته للإسعاف الفلسطيني، وفيما يناقض الرواية الإسرائيلية، لم يذكر الشاب أنه طلب من القوات الإسرائيلية وضعه على ظهر المركبة لإسعافه، ولم يتبين أنه مطلوب.

ويعاني الشاب حاليًا، من إصابات مختلفة، وتفتت للعظام في كتفه الأيمن وقدميه، بالإضافة لتسلخات في الظهر نتيجة وضعه على غطاء المركبة الذي تعرض إلى درجات حرارة عالية.

إسرائيل استخدمت تاريخيًا الفلسطينيين كدروع بشرية

وفقًا لمنظمة بتسيلم الحقوقية، استخدم الجيش الإسرائيلي تكتيك الدروع البشرية منذ احتلاله للضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة عام 1967. وهنالك حوادث عديدة لاستخدام المدنيين الفلسطينيين كدروع بشرية من قبل القوات الإسرائيلية.

في عام 2009، أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية قرارًا يمنع استخدام الفلسطينيين كدروع بشرية، وذلك بعد تحقيقات وشهادات متعددة عن انتهاكات من هذا النوع، بما في ذلك استخدام الأطفال كدروع أثناء العمليات العسكرية على غزة في الأعوام 2008-2009، حيث وثقت حالات متعددة لاستخدام المدنيين الفلسطينيين كدروع بشرية، إذ أجبروا على البقاء في غرف معينة من منازلهم التي استخدمها الجيش الإسرائيلي كنقاط قناصة. وعلى الرغم من الحظر الرسمي لهذه الممارسات، فإن هناك دلائل قوية على استمرارها من قبل الجيش الإسرائيلي.

في مايو/أيار من العام الفائت، اتهمت منظمات حقوقية فلسطينية القوات الإسرائيلية باستخدام ثلاثة أطفال كدروع بشرية، خلال اقتحامها مخيم طولكرم للاجئين شمالي الضفة الغربية المحتلة. وأكدت منظمة "الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال - فلسطين" أنه منذ عام 2000، استخدم جنود الاحتلال 34 طفلًا كدروع بشرية في الضفة الغربية وقطاع غزة.

واستمرت إسرائيل في استخدام الفلسطينيين كدروع بشرية خلال حربها الحالية على القطاع. ففي شهر مايو من العام الجاري، بثت قناة الجزيرة صورًا من مسيرة إسرائيلية توثق عمليات الجيش الإسرائيلي في حي الشجاعية في قطاع غزة، وأظهرت الصور استخدام جنود الاحتلال فلسطينيًّا كدرع بشري وإرساله داخل إحدى المدارس بحي الشجاعية. 

كما كشفت الجزيرة أيضًا، في تحقيق خاص عن استخدامات موثقة للجيش الإسرائيلي لفلسطينيين كدروع بشرية خلال الحرب الأخيرة على القطاع، كالتي قام بها جنود الاحتلال الإسرائيلي، عندما وضعوا الشاب الفلسطيني راشد البابا على ظهر دبابة ميركافا في حي الزيتون جنوب مدينة غزة، حيث أطلقوا النار والقذائف من الدبابة وهو على متنها. كما أظهرت مقاطع فيديو في مايو الفائت على مواقع التواصل الاجتماعي استخدام الجنود الإسرائيليين رجلًا مسنًا كدرع بشري في مدينة رفح، حيث اصطُحب الرجل داخل شوارع حي الجنينة وسط إطلاق النار والقذائف.

اقرأ/ي أيضًا

انحياز الإعلام الغربي في أسلوب صياغة الأخبار عن الحرب على غزة

من مظاهر انحياز وسائل الإعلام الغربية لإسرائيل في تغطية الحرب على غزة

اقرأ أيضاً

الأكثر قراءة