` `

إسرائيل تستغل أنّ بوستر "كل العيون على رفح" مولد بالذكاء الاصطناعي لتشكك بمأساة الفلسطينيين

فراس دالاتي فراس دالاتي
تكنولوجيا
2 يونيو 2024
إسرائيل تستغل أنّ بوستر "كل العيون على رفح" مولد بالذكاء الاصطناعي لتشكك بمأساة الفلسطينيين
نُشرت مئات الصور الحقيقية لتوثيق مأساة ضحايا العدوان على رفح (انستغرام)

انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، وتطبيق انستغرام تحديدًا، خلال الأيام الأخيرة، صورة مولّدة بالذكاء الاصطناعي تُظهر أرضًا صحراوية تحيط بها جبالٌ تكسوها الثلوج، تمتدّ عليها آلاف الخيام وتتوسطها عبارة "كل العيون على رفح" باللغة الإنجليزية، كُتبت من خلال اصطفاف خيامٍ بيضاء. جاءت الصورة كإعلانٍ للتضامن مع الفلسطينيين والتحذير من تفاقم الأزمة الإنسانية في أعقاب تصعيد جيش الاحتلال الإسرائيلي من عملياته العسكرية في مدينة رفح التي تؤوي أكثر من مليون غزّي.

بدأت الحملة في الانتشار عقب تنفيذ الجيش الإسرائيلي غارة شرقي المدينة وسط مخيم للنازحين، أسفرت عن سقوط ما لا يقل عن 45 ضحية واحتراق عشرات الخيام، لتبرّرها إسرائيل بادعاء وجود قياديَّين من حركة حماس وسط النازحين. إلا أن عبارة "كل العيون على رفح" لم تكن جديدة، بل تعود إلى مقابلة أجريت في فبراير/شباط مع ريتشارد بيبركورن، ممثل منظمة الصحة العالمية المشرف على الضفة الغربية وقطاع غزة، والذي استخدم العبارة للتحذير من غزو إسرائيلي للمدينة التي لم تشهد عمليات عسكرية موسعة آنذاك.

ظهرت صورة "كل العيون على رفح" للمرة الأولى في حساب على انستغرام يحمل اسم @chaa.my، وليس لديه سوى عدد يسير من المتابعين، لكنه شارك الصورة عبر حساب آخر باسم @shahv4012، الذي يبدو أنه أقدم على محاولات عدة لتوليد صور عديدة بواسطة الذكاء الاصطناعي عن حرب الإبادة في غزة، كان أبرزها صورة لنتنياهو وهو ملطّخ بالدماء، وصورة لخريطة فلسطين التاريخية شُطب عنها اسم "إسرائيل" واستُعيض عنه باسم "فلسطين"، مع عبارة "لقد حان وقت تصحيح الخريطة".

تعرضت الصورة للكثير من الاحتجاجات كونها مولّدة بالذكاء الاصطناعي، وعلى الرغم من أنّ هناك مئات الصور الحقيقية المنشورة التي تُظهر المأساة في رفح كما هي، إلا أن الإعلام الإسرائيلي وظّف تلك الحقيقة من أجل ترويج لسردية مضادة، تطلق الاتهامات على مشاركي تلك الصورة، وتشكّك بمعاناة الفلسطينيين كونها صورة "ليست حقيقية".

تايمز أوف إسرائيل: الصورة ذات خلفية درامية مشكوك فيها

على سبيل المثال، استغلت الكاتبة الإسرائيلية وباحثة الدكتوراه في جامعة بار إيلان، قسم الفلسفة اليهودية، كاثرينا هيلمان، في مدونة ضمن صحيفة تايمز أوف إسرائيل، نُشرت بتاريخ 30 مايو/أيار الفائت بعنوان "كل العيون على الذكاء الاصطناعي"، وجود صور أخرى مولّدة بالذكاء الاصطناعي أو معدّلة رقميًا نشرها الحساب الأصلي، لاتهام مشاركي الصورة بمعاداة السامية.

تايمز أوف إسرائيل: الصورة ذات خلفية درامية مشكوك فيها
مقال الكاتبة الإسرائيلية كاثرينا هيلمان في مدونة ضمن صحيفة تايمز أوف إسرائيل

إذ كتبت في مدونتها “يجب أن أفترض أن الأشخاص الذين ينشرون صورة ”كل العيون على رفح" إما يدعمون تلك الرسالة (الداعية إلى محو إسرائيل عن الوجود)، أو ببساطة لا يهتمون بأصلها. يقول الناس إنه لا يهم أن يتم إنشاء هذه الرسالة بواسطة الذكاء الاصطناعي، بل إنها تتعلق بالرسالة. ولا يهم أن يكون مبتكر الصورة معاديًا للسامية غاضبًا ويريد القضاء على دولة إسرائيل بأكملها، كما يزعمون، لأن الصورة نفسها ليست مشكلة. ولكن حتى لو كان ذلك صحيحًا، فإن عزل الصورة عن أصلها الإبداعي يفرّغها من أي مفهوم مثل الرحمة أو التعاطف الإنساني".

كما قالت الكاتبة إنّ هذه الحملة جاءت بعد وقت قصير من نشر مقاطع الفيديو أظهرت مصير الشابات الإسرائيليات المختطفات في غزة، لكن معظم الناس ظلوا صامتين بشأن ذلك، بحسب تعبيرها، رغم تداول الخبر على نطاق واسع جدًا في الإعلام الإسرائيلي والعالمي ووسائل التواصل، وفسّرت ذلك بأن "الاضطرار إلى النظر في وجوه البشر الفعليين قد يجعلك مضطرًا إلى مواجهة إنسانيتك". وتختتم مقالها بالقول إنه "بدلًا من ذلك يتأثر الملايين من الناس، بما في ذلك الفنانين والمبدعين، بمثال فاضح لصور الذكاء الاصطناعي ذات الخلفية الدرامية المشكوك فيها".

يسرائيل هيوم: الذكاء الاصطناعي يضخم الروايات بشكل مضلل

وفي مثال آخر، قال الكاتب والصحفي الإسرائيلي نيثان مينسبيرغ في مقال بعنوان "كيف أثارت مواجهة السرد المؤيد لحماس هستيريا معادية لليهود على الإنترنت"، نُشر على صحيفة يسرائيل هيوم بتاريخ 29 مايو الفائت، إن مشاركة المستخدمين والمشاهير لصورة "كل العيون على رفح" يعد تضخيمًا للسرد الذي تديره حماس على الإنترنت، ويضر "الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء"، بحسب تعبيره.

يسرائيل هيوم: الذكاء الاصطناعي يضخم الروايات بشكل مضلل
مقال الكاتب والصحفي الإسرائيلي نيثان مينسبيرغ في صحيفة يسرائيل هيوم

ويقول الكاتب في مقاله إنّ دور وسائل التواصل الاجتماعي في تضخيم المعلومات المضللة و"السماح للجهات الفاعلة سيئة النية مثل إيران ووكلائها مثل حماس وجيجي حديد بالتلاعب بالسرد واضح تمامًا". ويضيف "ينتشر الخيال الذي يولده الذكاء الاصطناعي كالنار في الهشيم بينما يتم تجاهل الوجوه البشرية وقصص الضحايا الإسرائيليين. يبدو الأمر كما لو أن العالم مدرسة ثانوية وإسرائيل هي الطفل المتنمر".

وتابع مينسبيرغ القول بأنّ التسرع في الحكم على حادثة رفح قبل معرفة الحقائق أمرٌ مُقلق، إذ يدّعي أن الجيش الإسرائيلي "استخدم ذخائر محدودة تستهدف إرهابيي حماس بعيدًا عن المدنيين. ومن المرجح أن أسلحة حماس التي خزنتها بشكل متهور هي التي تسببت في الحريق المأساوي". لكن التفاصيل الحاسمة تضيع في دورات الغضب، والدور الشرير الذي يلعبه الذكاء الاصطناعي يتجاوز الفهم، فالروبوتات تعمل على تضخيم الروايات، والمحتوى الناتج عن الذكاء الاصطناعي يشكل التصورات بشكل مضلل، ويزيد من حدة التوترات، ويحجب الحقيقة، حسب قوله.

ويخلص الكاتب الإسرائيلي إلى أنّ "هناك احتمال مثير للقلق حيث يمكن للجهات الفاعلة الخبيثة الاستفادة من الذكاء الاصطناعي للتلاعب والخداع على نطاق غير مسبوق"، ويدعو في ختام مقاله إلى التشكيك في الفرضيات و"السعي إلى الصدق الفكري والاتساق الأخلاقي في النظر إلى هذا الصراع".

لماذا استخدام صور "مزيفة" إن كانت الحقيقية كافية؟

تعيد حادثة صورة "كل العيون على رفح" طرح نقاش قديم متجدد حول جدوى وضرر مشاركة صور ومشاهد قديمة أو غير حقيقية، في سياقات حديثة، وكيف يضرّ ذلك الفعل بالقضية الأصلية وإن كان عن حُسن نية، إذ إنَّ استخدام مشاهد من حربٍ أخرى أو مشاهد مولّدة بالذكاء الاصطناعي، قد يؤدي إلى صرف الانتباه عن الفظائع الحقيقية التي تحدث في الحرب الجارية، ويقلل من التعاطف المطلوب مع ضحاياها، التي وثقتها مئات الصور الحقيقية. 

صورة تظهر النزوح المتكرر من رفح بفعل التصعيد الإسرائيلي - وكالة الصحافة الفرنسية (Getty)
صورة تظهر النزوح المتكرر من رفح بفعل التصعيد العسكري الإسرائيلي (Getty)
صورة لسيدة فلسطينية تحتضن جثة ابنة أخيها في غزة فازت بجائزة الصورة الصحفية لعام 2024 - وكالة رويترز (Getty)
صورة لسيدة فلسطينية تحتضن جثة ابنة أخيها في غزة فازت بجائزة الصورة الصحفية لعام 2024 (Getty)

ومن جانبٍ آخر، فإنّ نشر المعلومات المضللة بهذا الشكل سيفقد المتابع القدرة على المعرفة، وهو ما يخدم مصلحة الاحتلال في تمييع القضية والتملّص من المسؤولية وخلط الأوراق. وهو ما تم استغلاله فعليًا في هذه الحرب، سواء من خلال الأمثلة أعلاه التي ركّزت على كون الصورة مولّدة بالذكاء الاصطناعي بدلًا من الحديث عن مجزرة الخيام نفسها، أو من خلال أمثلة سابقة عندما تمَّ استخدام صور الأطفال الغارقين بالطين المولّدة بالذكاء الاصطناعي، من قبل الإعلام الإسرائيلي، للتشكيك بالمعاناة الحقيقية لأطفال غزة.

اقرأ/ي أيضًا

الصورة من مجزرة المغازي في ديسمبر الفائت وليست لضحايا مجزرة رفح الأخيرة

كيف أثر توظيف إسرائيل للذكاء الاصطناعي على حياة الفلسطينيين وسردياتهم؟

اقرأ أيضاً

الأكثر قراءة