وظّفت أدوات الإعلام الإسرائيلية العديد من العوامل الإدراكية والاجتماعية والعاطفية في نشر الأخبار المضللة خلال الحرب على غزة. في الآتي بعض من تلك العوامل مع أمثلة من أدوات الإعلام الإسرائيلي في نشر الدعاية المؤيدة للرواية الإسرائيلية، وإيضاح دورها في التأثير في وعي الأفراد وتضليلهم وكسب تعاطفهم وتأييدهم لممارسات القوات الإسرائيلية.
تكرار الادعاءات وتضخيمها حتى يتم تصديقها وتبنيها
خلال الحرب الإسرائيلية الجارية على قطاع غزة، تضمنت حملات الحرب المعلوماتية، تقصّد العرض المتكرر واليومي لروايات معينة عن أحداث هجوم السابع من أكتوبر، بعد إضفاء المزيد من الصدقية على مقولة أنّ إسرائيل تحت تهديد وجودي جسيم، بما يصب في هدف تبرير العدوان المستمر، والحرب التي ذهب ضحيتها ما يزيد عن 35 ألف فلسطيني حتى الآن.
على سبيل المثال، دأب حساب دولة إسرائيل الرسمي في انستغرام، مرارًا على نشر محتوى مرتبط بمحتجزي هجمات السابع من أكتوبر بشكل يومي وبطرائق مختلفة. وبمتابعة وتيرة النشر يبدو أنّ تكرار الرواية بشكل مستمر وممنهج ويومي جاء في سياق الترويج لفكرة أن قضية المخطوفين هي بشكل ما خطر وجودي على إسرائيل، وهي قضية تبرر الحرب على قطاع غزة وتبرّر عدد الضحايا الكبير من المدنيين، على الرغم من عدم وجود أي تناسب بين هجوم السابع من أكتوبر والهجوم المضاد من إسرائيل من ناحية الأضرار البشرية والمادية. وهكذا عملت الدعاية الإسرائيلية على زرع فكرة مفادها بأن هجوم 7 أكتوبر هو خطر وجودي على إسرائيل، وتصويره عن طريق التكرار، بطريقة يظهر فيها أكبر من حجمه بكثير.
توضح الصور أدناه أمثلة على نشر محتوى مرتبط قضية المحتجزين بشكل يومي، وبعضها يشير إلى الأيام التي قضوها في الأسر، بالإضافة لسرد قصصي مطول عن قصة كل مخطوف على حدة.
محاولة كسب التعاطف والتأييد للرواية الإسرائيلية
لقد رافق التكرار اليومي لنشر محتوى مرتبط بقضية المحتجزين من قبل الإعلام الإسرائيلي، تكتيكات عاطفية لاستمالة المتلقي بقصد كسب الرأي العام. إذ عمل الإعلام الإسرائيلي على التركيز على هجوم 7 أكتوبر ونشر عدد كبير من الادعاءات المضللة أو المبالغ فيها، والتي فنّد مسبار مئات منها، يمكن الاطلاع على تحقيقات مسبار في هذا الخصوص عبر الرابط.
الغرض من نشر تلك البروباغدا كان إثارة مشاعر قوية لدى الجمهور بطريقة لا يعود معها قادرًا على كشف ملامح التضليل أو المبالغة، وبالتالي يسهل وقتئذ أن يصدق أي محتوى زائف، دون أن يبذل جهدًا في البحث عن أدلة عليه.
كما عمل الإعلام الإسرائيلي على المقارنة بين أي مجزرة يرتكبها وبين أحداث السابع من أكتوبر، ووضع كلّ الفظائع والجرائم التي ارتكبها في سياق ردّ الفعل على هجوم حماس.
فعلى سبيل المثال نشر الحساب الرسمي لدولة إسرائيل مؤخرًا، صورة على منصة إكس توازن بين مجزرة رفح، وبين ما حدث في السابع من أكتوبر، وذلك بعد انطلاق حملة "كل العيون على رفح" عقب الهجوم الإسرائيلي على المنطقة جنوبي قطاع غزة.
وكان مسبار قد خصص أحد تقاريره لكشف آليات استخدام المجندات الإسرائيليات كوسيلة للاستمالة العاطفية والتغطية على العنف.
خطاب التحريض على الفلسطينيين عبر تجريدهم من إنسانيتهم
يشير الإدراك المجرد من الإنسانية Dehumanized Perception، إلى الإدراك الذي يحد من قدرة الفرد على رؤية الأمور بشكل إنساني من وجهة نظر شخص آخر، و هو شكل من أشكال الإدراك الاجتماعي المشوه. يقتضي الإدراك الاجتماعي بأن يعترف الفرد بالآخر كإنسان يستحق المعاملة الأخلاقية. يساهم ذلك التشويه في تسهيل ارتكاب الأعمال اللاإنسانية مثل التعذيب و القتل، وتقبّل حصول مثل تلك الجرائم.
كمثال على ذلك، استخدمت وسائل إعلام إسرائيلية وغربية لغة تعزز تجريد سكان غزة من إنسانيتهم، بتصوريهم بأنهم جميعًا مقاتلون يهددون إسرائيل، وذلك عن طريق الطمس الممنهج للخط الفاصل بين مقاتلي حماس والمدنيين العزّل.
وقد انعكست هذه اللغة على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ انتشرت دعوات بين إسرائيليين على مواقع التواصل لتدمير قطاع غزة، وتسويته بالأرض. واستُخدمت هذه التعبيرات نحو 18 ألف مرة في منشورات عبر منصة إكس باللغة العبرية في الشهر الأول من الحرب، مقارنة بمتوسط 16 مرة شهريًا قبل الحرب، وفقًا لتقرير نشره موقع فورن بوليسي.
اقرأ/ي أيضًا
بلا أدلة.. البروباغندا الإسرائيلية تحاول الربط بين حماس وداعش
بعد مذكرات الجنائية الدولية: ما خلفية مزاعم ارتكاب مقاتلي حماس اعتداءات جنسية في هجوم 7 أكتوبر؟