أجرى الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء المصري، يوم الثلاثاء الموافق 25 يونيو/حزيران الجاري، مؤتمرًا يشرح فيه أبعاد أزمة انقطاع التيار الكهربائي في مصر، وأنّ الأزمة ستسمر حتى الأسبوع الثالث من شهر يوليو/تموز المقبل، وستضطر الحكومة المصرية إلى زيادة مواعيد خطة تخفيض الأحمال، حتى تصل ثلاث ساعات يوميًا. وأضاف أنّ الحكومة ستخصص 180 مليار دولار لتجاوز الأزمة.
وعقب مؤتمر رئيس الوزراء المصري، نشرت صحيفة اليوم السابع، خبرًا مفاده أن أزمة الكهرباء التي تعاني منها مصر حاليًا، هي أزمة وظاهرة عالمية، وأضافت أن أكبر البلاد المتضررة منها هي روسيا، وأوكرانيا والولايات المتحدة الأميركية. إذ تعاني البلاد المذكورة من أزمة انقطاع في الكهرباء، بسبب موجة الحرارة الشديدة التي تضرب العالم، وأودت أيضًا أسباب الانقطاع إلى تراجع إنتاج النفط في العالم، بحسب الصحيفة.
تحقق مسبار من الادعاءات التي تداولتها صحف مصرية محلية حول أزمة انقطاع الكهرباء في مصر، ووجد أنها تحتوي على أوجه من التضليل، إذ أن البلدان المذكورة في الادعاءات لا تعاني من انقطاع يومي أو متكرر، ولم يتم تناول وجود أزمة فيها عبر وسائل الإعلام المحلية الدولية، فيما لم تذكر الصحيفة التي نشرت الادعاء الأسباب الفعلية لانقطاع الكهرباء في مناطق مختلفة حول العالم؛ ليبدو للقارئ أنَّ الأسباب قد تكون متقاطعة، لكنها في الحقيقة ليست كذلك.
أزمة تدفئة مؤقتة في روسيا بسبب انقطاعات متفرقة في تيار الكهرباء
نشرت صحيفة اليوم السابع المصرية يوم 27 يونيو/حزيران الجاري، مقالًا تقول فيه إنّه تم "تسجيل حوالي 2,500 حالة انقطاع كهربائي في روسيا العام الفائت، وهو ما دفع الحكومة الروسية لرصد حوالي 10 مليارات دولار لتحديث شبكات الكهرباء في السنوات الخمس المقبلة، مع التركيز على المناطق الأكثر عرضة للانقطاع، وتم تشكيل أكثر من 500 فريق طوارئ في مختلف أنحاء البلاد للتعامل السريع مع انقطاعات الكهرباء وإصلاح الأعطال".
بحث فريق مسبار عن الأرقام والبيانات المذكورة في مقالة اليوم السابع، ولم يتوصل للأرقام التي شاركتها الصحيفة من حيث تسجيل حوالي 2,500 حالة انقطاع كهربائي في روسيا عام 2023، ولم تشارك الصحيفة المصادر التي اعتمدتها في الإشارة للمعلومات المنشورة.
وبالبحث وجد فريق مسبار أنّ أكثر من مليوني شخص في روسيا ومناطق من أوكرانيا عانوا من انقطاع في تيار الكهرباء، عقب عاصفة ثلجية سببها اندلاع بركاني، ضرب البلاد في 11 ديسمبر/كانون الأول من العام الفائت، إذ توفي أكثر من 18 شخصًا حول البلاد، وأعلنت وزارة الطاقة الروسية حينها أن حوالي 1.9 مليون شخص يعانون من انقطاع في تيار الكهرباء، بسبب العاصفة، بالإضافة لإعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتخاذ جميع الإجراءات الطارئة اللازمة، لمساعدة المتضررين جراء العاصفة. على العكس من الادعاءات المذكورة في مقالة اليوم السابع المصرية، بأن السبب في انقطاع الكهرباء في روسيا هو الارتفاع الشديد في درجات الحرارة.
وفي حادث آخر في الرابع من شهر يناير/كانون الثاني من العام الجاري، أعلنت صحف محلية روسية عن اندلاع حريق في مصنع ذخيرة بمدينة قرب العاصمة موسكو، حيث نقلت الصحف أنّ عددًا كبيرًا من البنايات متعددة الطوابق عانت من انخفاض شديد في درجات الحرارة، بسبب انقطاع التيار الكهربائي عنها، مما تركهم دون تدفئة، حتى وصلت درجة الحرارة إلى ما يقارب 27 درجة تحت الصفر. ونقلت صحف يوم 16 من نفس الشهر، أنّ أكثر من 20 ألف شخص في مدينة واحدة فقط أصبحوا يعانون من انقطاع للتيار الكهربائي بسبب انتشار حوادث مماثلة في بلديات مختلفة حول البلاد في روسيا، بسبب تردي البنية التحتية لمدن روسية، حسبما نقلت الصحف.
وفي التاسع من شهر يناير الفائت، نقلت وكالة بلومبيرغ أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد أمر بتأميم شركة أميركية لصنع الذخيرة، حيث اتُهمت بأنها كانت السبب في أزمة انهيار منظومة التدفئة الخاصة بآلاف البيوت، في 10 مناطق مختلفة من مدينة سانت بطرسبرغ، بسبب عطل في غرفة الغلايات الخاصة بالمصنع، في ظل موجة من الصقيع ضربت البلاد حينها.
لا أنباء عن انقطاع يومي للكهرباء في روسيا
ومن جهة أخرى، لم يجد مسبار بيانات تفيد بانقطاع التيار في روسيا بشكل يومي بسبب أزمة كهرباء عالمية، أو بسبب موجة الحرارة الشديدة التي تمر بها بلاد عدة حول العالم. بل نشرت وكالة الأنباء الروسية في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الفائت، أنّ إنتاجية توليد الكهرباء قد ارتفعت في روسيا بنسبة 1.1%، مقارنة بنوفمبر عام 2022، حتى بلغ الإنتاج 105 كيلو وات في الساعة، وفقًا للوكالة الروسية الرسمية للإحصائيات (روستات).
ووفقًا لوكالة الطاقة الدولية (IEA) فتعتبر روسيا ثاني أكبر الدول المنتجة للغاز الطبيعي في العالم، بعد الولايات المتحدة الأميركية، وهي أكبر مصدر للغاز الطبيعي في العالم، حيث أنتجت في عام 2021 ما يقارب 762 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، وصدرت حوالي 210 مليار متر مكعب عبر خطوط الأنابيب، حسب بيانات الوكالة.
أوكرانيا تعاني من انقطاع في تيار الكهرباء بعد هجمات روسية على البنى التحتية للبلاد
منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022، ركزت الأولى على استهداف منشآت الطاقة في أوكرانيا، ففي 27 ديسمبر/كانون الأول من عام 2022، عانت خاركييف من انقطاع التيار الكهربائي، بعد أن استهدفت روسيا محطات توليد الطاقة لديها، في الوقت الذي عانى فيه آلاف الأوكرانيين من أعطال في نظام التدفئة، وسط انخفاض شديد لدرجات الحرارة. وكانت قد سبقتها مدينة خيرسون، إذ انقطع التيار الكهربائي فيها إثر الضربات الروسية على البنية التحتية للمدينة في 15 ديسمبر من نفس العام، ومن جهته أضاف الحاكم الإقليمي لمدينة خيرسون إنّ "القصف العنيف على البنية التحتية الحيوية في منطقة الميناء ترك المدينة بأكملها بدون كهرباء".
أما في الرابع من فبراير العام الفائت، تسببت هجمة روسية على مدينة أوديسا الأوكرانية في انقطاع في التيار الكهربائي.
وانتقالًا للعام الحالي، قصفت روسيا 7 محطات لتوليد الطاقة الحرارية في أوكرانيا، في شهر مارس/آذار الفائت، من خلال هجمات صاروخية مكثفة ألحقت ضررًا واسعًا بقطاع إنتاج الطاقة الكهربائية الأوكراني.
ونشرت صحيفة فاينانشيل تايمز البريطانية في الخامس من يونيو/حزيران الجاري، تقريرًا يفيد بأن أوكرانيا خسرت ما يعادل نصف إنتاجها الكهربائي الذي كان يعد أحد أكبر السعات الإنتاجية للكهرباء في أوروبا، منذ بداية الحرب الروسية على أوكرانيا.
كل هذه المؤشرات، تتعارض مع ما نشرته، صحيفة اليوم السابع عن أنَّ سبب انقطاع الكهرباء في أوكرانيا هو الارتفاع الشديد في درجات الحرارة.
أميركا تخصص 10 مليارات لتفادي مشاكل في البنية التحتية في قطاع الطاقة
ادّعت صحيفة اليوم السابع المصرية في مقالها عن أزمة الكهرباء في مصر، أن الأزمة عالمية وطاولت الولايات المتحدة الأميركية، إذ قالت إنه "بحسب الإحصائيات، نجد أن الولايات المتحدة سجلت حوالي 4,500 حالة انقطاع كهربائي كبير في 2023 بزيادة قدرها %15 عن العام السابق، بينما بلغت مدة الانقطاعات حوالي 4 ساعات في المدن الكبرى لكل مرة، كما شهدت بعض المناطق الريفية انقطاعات تجاوزت 10 ساعات، ووصل عدد المتضررين إلى 60 مليون شخصًا".
لكن حسب تقرير موقع ستاتيستا الألماني للإحصائيات، فإن معدل انقطاع التيار الكهربائي في الولايات المتحدة الأميركية منذ عام 2000 حتى عام 2023 هو 1,759 حالة انقطاع، في 23 عام كاملة، وهي حالات انقطاع التيار الكهربائي التي تضرر منها أكثر من 50 ألف شخص. وهو ما يتنافى مع الأرقام التي ذكرتها الصحيفة المصرية.
وعلى صعيد آخر ذكرت صحيفة اليوم السابع، أنّ الحكومة الأميركية الفدرالية قد خصصت 100 مليار دولار لتحديث شبكات الكهرباء في الخمسة أعوام المقبلة، وبعد البحث وجد مسبار أن هذه المعلومات مضللة، حيث أعلنت وزارة الطاقة الأميركية في 14 نوفمبر العام الفائت، عن تخصيص 3.9 مليار دولار لتطوير شبكة الكهرباء، ضمن برنامج مدته خمس سنوات لتطوير شبكات الكهرباء في أميركا، بميزانية تقدر بـ 10.5 مليارات دولار، لتأمين البنى التحتية لقطاع الطاقة في البلاد، حسب الموقع الرسمي لوزارة الطاقة الأميركية.
ما هي أسباب أزمة الكهرباء والطاقة في مصر؟
ادّعت صحيفة اليوم السابع في مطلع مقالها عن أزمة الكهرباء في مصر، أن أحد الأسباب التي أدت لأزمة انقطاع الكهرباء في العالم، هي التغيرات المناخية، والارتفاع الشديد في درجات الحرارة، بالإضافة للزيادة السكانية حول العالم، ولكن تغافلت الصحيفة عن ذكر أن أزمة انقطاع الكهرباء في مصر لم تبدأ فقط في صيف العام الجاري، إذ تعاني مصر من أزمة انقطاع تيار الكهرباء في معظم أنحاء البلاد، منذ صيف يوليو/تموز عام 2023، بسبب ارتفاع درجات الحرارة والنقص في إمدادات الوقود، والطلب الزائد على استخدام الكهرباء لتبريد البيوت، مما تسبب في حدوث ضغط كبير على شبكات توليد الطاقة في مصر.
وبعد توقف أزمة انقطاع التيار الكهربائي في مصر لفترة وجيزة شهر أغسطس/آب الفائت، أعلنت الحكومة المصرية عن جدول جديد لتخفيف الأحمال في أكتوبر من نفس العام، لتعود الأزمة بعد أن أعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، يوم الثلاثاء الفائت، أنّ مصر تعاني من أزمة في توفير التيار الكهربائي، حيث ستمتد فترة انقطاع الكهرباء إلى 3 ساعات يوميًا في أرجاء البلاد، وستغلق المحال التجارية من الساعة العاشرة مساءً، توفيرًا لاستخدام الكهرباء، ضمن خطة تخفيف الأحمال، وقد أوعز الأسباب إلى “مشكلة تدبير الوقود والموارد الدولارية، وزيادة الاستهلاك بسبب جهود التنمية، إضافة إلى الزيادة السكانية، والارتفاع المفاجئ في درجات الحرارة”.
اقرأ/ي أيضًا
هل صرّح إبراهيم العرجاني بتحصيله آلاف الدولارات من أهالي قطاع غزة لصحيفة نيويورك تايمز؟
ما صحة التصريحات المنسوبة لماجدة هارون بأن السيسي من الطبقة الأقل من متوسطة من اليهود بالجمالية؟
