` `

تحقيق يكشف حملة تشويه ضخمة تستهدف قطر بمزاعم مضللة في الفضاء الرقمي

فريق تحرير مسبار فريق تحرير مسبار
سياسة
11 يوليو 2024
تحقيق يكشف حملة تشويه ضخمة تستهدف قطر بمزاعم مضللة في الفضاء الرقمي
جاءت الحملة تزامنًا مع جهود قطر في التوسط لوقف إطلاق النار في غزة (Getty)

في السابع من يونيو/حزيران الجاري، نشرت وكالة الأنباء الفرنسية (فرانس برس) تحقيقًا مُعمّقًا من 77 صفحة، أجراه الباحثان مارك أوين جونز وسوهان دسوزا، كشف عن حملة تشويه واسعة النطاق ضد دولة قطر خصوصًا على وسائل التواصل الاجتماعي. جاءت هذه الحملة بالتزامن مع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وجهود الدوحة في الوساطة بين حركة حماس وإسرائيل لوقف إطلاق النار في غزة.

وأوضح الباحثان أن حملة التضليل العالمية ضد قطر بدأت في نهاية عام 2023، وهي الأكبر من نوعها التي تستهدف الدولة. ونُظّمت الحملة من قبل شبكة واسعة قادت تكتيكات مترامية الأطراف، مثل توظيف مواقع مشبوهة تدعو إلى مقاطعة قطر، ولوحات إعلانية في الشوارع تستهدف المسؤولين القطريين، بالإضافة إلى توظيف مجموعات تنشر بانتظام مئات الإعلانات المضللة والافتراءات ضد قطر على منصات التواصل الاجتماعي.

الحملة المضللة ضد قطر وصلت لملايين الأشخاص

بحسب الباحثين فإن الحملة كانت الأكبر ضد قطر، وهاجمت شبكتها الدولة بانتظام وسعت لتعزيز الأجندات الجيوسياسية، واستغلال المشاعر المعادية للهجرة والإسلام، بالإضافة لإثارة المخاوف والمزاعم حول التطرف في الجامعات الغربية. واستهدفت الحملة في الموجة الأولى فرنسا، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة، ولبنان، ثم انتقلت إلى استهداف دول أوروبية أخرى في الموجة الثانية التي بدأت في مايو/أيار 2024، تزامنًا مع الانتخابات الأوروبية.

مررت الشبكة عددًا كبيرًا جدًا من المحتوى المضلل والمعادِ لقطر بلغات متعددة، مثل العربية والإسبانية والفرنسية والإنجليزية، والذي وصل إلى أكثر من 41 مليون مستخدم على منصة “فيسبوك” وحدها. وقدرت تكاليف الإعلانات المضللة بنحو 272,000 دولار أميركي، هذا يعني بحسب التحقيق أنها ربما وصلت إلى 61% من سكان فرنسا. 

كما حصدت الحملة على منصة إكس، عدة ملايين من المشاهدات والانطباعات. وعلى الرغم من إزالة بعض أصول الشبكة على منصة فيسبوك كالصفحات والحسابات الوهمية، إلا أن بعضها لا يزال نشطًا على منصة إكس حتى الآن.

الهدف من الحملة إثارة مشاعر العداء ضد الوسيط القطري

بحسب ما جاء في التحقيق، فإن الحملة تبدو وكأنها مصمّمة لإثارة مشاعر العداء وخلق ردود فعل سلبية ضد قطر، خاصة في الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، وذلك من خلال نشر معلومات ودعاية مضللة. 

الهدف الآخر الظاهر وفقًا للباحث المشارك سوهان دسوزا، هو جعل أي “علاقة مؤسسية مع قطر” خطرة وغير مرغوب فيها. ويضيف بأنه قد يكون ذلك محاولة للتحكم بالتوترات الحالية في الشرق الأوسط من خلال تشويه سمعة قطر كوسيط بين حماس وإسرائيل، وتأجيج المشاعر السلبية تجاهها على المستوى الدولي.

ليست حملة تشويه رقمية فقط، بل شملت تكتيكات حيّة

تكتيك الشبكة في تشويه سمعة قطر كان جزءًا من استراتيجية أوسع، ليس على وسائل التواصل الاجتماعي فقط، بل الفعاليات الحية والأماكن البارزة أيضًا، لتعزيز مدى وتأثير الحملة. 

أحد الجوانب اللافتة في الحملة كان التركيز على التأثير وإشراك شخصيات فاعلة واستهداف أحداث سياسية مهمة لتعزيز رسائل الحملة. وعلى سبيل المثال عُرض إعلان ضد قطر في في أواخر فبراير/شباط 2024، أثناء مؤتمر العمل السياسي المحافظ (CPAC)، وهو الملتقى السنوي للمحافظين الأميركيين، وجاء في مقطع الفيديو دعوات تحريض لفرض عقوبات على قطر، بمزاعم أنها تمثل تهديدًا أمنيًا للولايات المتحدة. وعُرض هذا الإعلان قبل خطاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، مما أكسب الحملة انتباهًا واسعًا وجذب الأنظار إلى رسائلها المعادية لقطر. 

كما ظهر في المؤتمر إعلان لموقع إنترنت جديد يُدعى “Shame on Qatar”، والذي صمم ليروّج لمزاعم مفادها أن الدوحة تمّول “الإرهابيين”، وليدعو إلى مقاطعة المؤسسات المملوكة لقطر مثل متاجر هارودز في لندن، ونادي باريس سان جيرمان الفرنسي لكرة القدم، وفندق نيويورك بلازا.

ورّكزت الحملة أيضًا على عرض إعلانات لموقع إنترنت آخر يدعى “It's in Your Hands”، والذي كان جزءًا من الخطة التي استهدفت الشيخة موزا زوجة أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، والترويج إلى أنها لم تستخدم نفوذها المزعوم على حركة حماس لتأمين إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين، الذين أسرتهم حركة حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وتضمنت الحملة ضد الشيخة موزا إعلانات مصورة عرضت في نيويورك، ومقاطع فيديو مفبركة على الإنترنت، جرى التلاعب بها من خلال تقنية التزييف العميق لجعل الشيخة موزا تبدو كأنها تدعم حماس. 

قامت بتغطية هذه الإعلانات عدة وسائل إعلام مثل نيويورك بوست وجيروزاليم بوست. وتعود ملكية اللوحة الإعلانية التي عرض عليها الإعلان إلى شركة "أوتفرونت ميديا" في نيويورك، وذلك وفقًا لتحليلات مفتوحة المصدر أجراها دسوزا و جونز، فيما لم ترد الشركة على استفسارات وكالة الأنباء الفرنسية حول هوية راعي الإعلان.

الشبكة نظمت حملات صحفية وإعلامية ضد قطر على الإنترنت

لعبت الشبكة دورًا واسعًا في تنسيق هجمات مضللة على مقالات ومعلومات تتعلق بقطر على موسوعة ويكيبيديا، باستخدام حسابات متعددة بعضها قديم ومخترق. بالإضافة إلى ذلك، وظّفت الشبكة الذكاء الاصطناعي بشكلٍ واسع لإنتاج محتوى مولد، خاصة في الموجة الثانية من الحملة. 

شملت أمثلة المحتوى المنشور محاولة إظهار دولة قطر كتهديد عالمي. وتوجيه هجمات شخصية ضد أفراد الأسرة الحاكمة في قطر. كما ركزت الحملة على تصوير المسلمين كمشكلة للعلمانية في فرنسا وكتهديد أمني وثقافي لأوروبا، وربطت بين قطر وتدفق الهجرة إلى أوروبا.

فضلًا عن ذلك، أنشأت الشبكة عريضة إلكترونية على منصة Change.org بواسطة منظمة وهمية، وجمعت أكثر من 7500 توقيع. وروّج لهذه العريضة عبر الإنترنت من قبل بعض المشاهير والمنظمات. وتجدر الإشارة إلى أن منصة "Change" هي موقع إلكتروني غير ربحي يتيح للأفراد إنشاء وتوقيع العرائض الإلكترونية لدعم قضايا اجتماعية وسياسية.

الحملة كانت بمستوى عالٍ من التنسيق وزودت بموارد متقدمة

كشف التحقيق أن الشبكة كانت تُدار باستخدام بنية تحتية معقدة وتكتيكات تقنية متقدمة. وأوضح الباحثان أن الحملات الإلكترونية وغير الإلكترونية تبدو مترابطة من حيث التوزيع المتداخل والتنسيق في مستوى النشر والإعلانات وهيكيلة استضافة مواقع الإنترنت. يُظهر هذا، وفقًا للتحقيق، مدى سهولة تشويه سمعة شخص أو دولة كاملة في عصر المعلومات المضللة، دون الكشف عن الفاعلين الحقيقيين.

استند التحقيق إلى مجموعة واسعة من الأدلة الداعمة، شملت صورًا لإعلانات في الشارع، ومقاطع فيديو، ومنشورات جمعها الباحثان لتحليل وتوثيق العملية، وقاد تتبع الروابط بين حملات التشويه المختلفة الباحثين ووكالة الأنباء الفرنسية إلى سلسلة من الشخصيات المتورطة، بينهم مخترق فيتنامي، ومربية أمريكية مؤثرة، ورجل دين مسيحي، فيما يبدو أنهم جميعًا يمثلون وجهًا يخفي الخيط الذي يقود إلى العقل المدبر للحملة.

حملات مضللة لتشويه سمعة قطر منذ بدء الحرب على غزة

يُذكر أنه منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تعرضت دولة قطر لحملات تشويه مضللة سابقة، باعتبارها لعبت دور الوسيط في المفاوضات الجارية بين إسرائيل وحركة حماس لوقف إطلاق النار في قطاع غزة. ففي 15 فبراير/شباط 2024، انتقدت مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع قرار إغلاق جامعة تكساس إي آند إم في قطر، والذي اعتبرت أنه جاء نتيجة تأثر الجامعة بحملة تضليل واسعة استهدفت المؤسسات التعليمية القطرية.

اقرأ/ي أيضًا

مؤسسة قطر: إغلاق جامعة تكساس إي آند إم كان نتيجة حملة تضليل واسعة

إسرائيل تشن حملة تشويه سمعة ضد صحافيين وصناع محتوى فلسطينيين

اقرأ أيضاً

الأكثر قراءة