رافق إعلان منظمة الصحة العالمية حالة طوارئ صحية عالمية بسبب تفشي مرض جدري القردة، انتشار للعديد من الادعاءات الزائفة والمضللة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وكما هو الحال في أي أزمة صحية، أسهمت الادعاءات المضللة في نشر الخوف بين الناس في ظل تعطش المستخدمين للمعلومات الصحيحة، إذ تم تضخيم المرض بصورة مبالغ فيها، وربطه بمؤامرات عالمية وأجندات خفية، ما قد يؤثر سلبًا على جهود مكافحة المرض.
ما هو جدري القردة؟
وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن جدري القردة المعروف اختصارًا بـإمبوكس (Mpox)، هو عدوى فايروسية يمكن أن تنتشر بين الناس وأحيانًا من البيئة إلى الناس عبر الأشياء والأسطح التي يلمسها شخص مصاب بالمرض. وفي الأماكن التي يوجد فيها فايروس جدري القردة بين بعض الحيوانات البرية، كما يمكن أن ينتقل من الحيوانات المصابة إلى الأشخاص المخالطين لها.
يثير هذا المرض الكثير من المخاوف، مؤخرًا، بسبب أعراضه التي قد تكون قاتلة في بعض الأحيان، وأوضحت منظمة الصحة العالمية أن أبرز الأعراض الشائعة لجدري القردة هي الطفح جلدي أو الآفات المخاطية التي يمكن أن تستمر من أسبوعين إلى أربعة أسابيع وتكون مصحوبة بالحمى والصداع وآلام العضلات وآلام الظهر والوهن وتورم الغدد الليمفاوية.
وبحسب المنظمة، يمكن أن يتعرض الأشخاص المصابون بجدري القردة لمرض شديد. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يصاب الجلد بالبكتيريا مما يؤدي إلى خراجات أو تلف خطير في الجلد. وتشمل المضاعفات الأخرى الالتهاب الرئوي وعدوى القرنية مع فقدان البصر؛ والألم أو صعوبة البلع والقيء والإسهال التي تسبب الجفاف الشديد أو سوء التغذية؛ والإنتان (عدوى الدم مع استجابة التهابية واسعة النطاق في الجسم)، أو التهاب الدماغ، والتهاب عضلة القلب، أو التهاب المستقيم أو الأعضاء التناسلية (التهاب الحشفة) أو الممرات البولية (التهاب الإحليل)، أو الموت.
منظمة الصحة العالمية تحذر من المعلومات المضللة المتعلقة بجدري القردة
وللحد من انتشار التضليل حول المرض، نشر حساب منظمة الصحة العالمية على موقع إكس، تنويهًا بأهمية تحصيل المعلومات من مصادر موثوقة مثل الأطباء المختصين أو هيئات الرعاية الصحية المحلية أو موقع منظمة الصحة العالمية. وأشار إلى صفحة أبرز الأسئلة الشائعة حول المرض في الموقع الرسمي للمنظمة، والتي تتمحور حول أعراض المرض والأشخاص المعرضون لخطر الإصابة بالعدوى وإجراءات الوقاية والعلاج، واللقاح، وغير ذلك.
جدري القردة: مؤامرة للتأثير على الانتخابات الرئاسية الأميركية؟
أشارت تقارير إعلامية إلى تداول المحافظين في الولايات المتحدة وسم #DoNotComply (لا تطيعوا) على مواقع التواصل الاجتماعي، بقصد دعوة الناس إلى رفض اللقاحات أو أوامر الحجر الصحي، حال فرضها من قبل الجهات المختصة في الولايات المتحدة، على الرغم من عدم تسجيل أي إصابات بالفايروس هناك حتى الآن.
وبتتبع الوسم على منصة إكس وجد مسبار أنه تم استخدامه مؤخرًا من قبل العديد من المستخدمين الذين تبنوا نظريات المؤامرة وشككوا في أصل المرض وتوقيت الإعلان عن حالة الطوارئ المتعلقة به.
إذ زعم مستخدمون أن التزامن بين إعلان حالة الطوارئ جراء تفشي فايروس جدري القردة والانتخابات الأميركية ليس صدفة، بل أمر مقصود يهدف إلى التشويش على سير العملية الانتخابية,
وفي السياق، شاركت حسابات مشككة بمرض جدري القردة، على موقع إكس، مقطع فيديو يظهر فيه دونالد ترامب، المرشح الرئاسي عن الحزب الجمهوري، وهو يقول "إن الجناح اليساري في الولايات المتحدة يسعى إلى إحياء هستيريا كوفيد-19 بالتحذير من المتحور الجديد، مع اقتراب الانتخابات الرئاسية لعام 2024، لتبرير المزيد من عمليات الإغلاق، والمزيد من الرقابة ... ولكن إلى كل طغاة كوفيد الذين يريدون أن يأخذوا حريتنا، استمعوا إلى هذه الكلمات: لن نطيع".
وجاء تداول المشهد في سياق استرجاع تحذيرات ترامب التي صرّح بها في أغسطس/آب عام 2023، حين تحدث عن انتشار متحور جديد من فايروس كوفيد-19، آنذاك، والموجة الأولى التي انتشرت عام 2020.
ومن الجدير بالذكر أن وسم #DoNotComply تم تداوله في عام 2021 على مواقع التواصل الاجتماعي، ووفقًا لتقارير إعلامية فقد كان له دور في ثني العديد من الأشخاص عن تلقي لقاح فايروس كورونا، آنذاك.
ادعاء مضلل بأن جدري القردة مصنّع في المختبر
ومن الشائعات التي تنتشر حول فايروس جدري القدرة، أنه مصنّع في مختبر ولم يتطوّر طبيعيًا، إذ شارك مستخدمون على موقع إكس مقطع فيديو، زعموا أنه يوثق اعتراف الخبراء بأن فايروس جدري القردة المعروف بـ Mpox تم تصنيعه بالكامل في المختبر من قبل باحثين كنديين عام 2017.
ولكن تبين بالتحقق أن مقطع الفيديو يعود إلى عام 2019، وهو مجتزأ من برنامج تابع لمجلة Science & Vie العلمية، تحدثت فيه محررة علمية في المجلة عن تصنيع علماء كنديين سلالة جديدة من فايروس جدري الخيول، الذي كانت منظمة الصحة العالمية قد أعلنت سابقًا عن انقراضه، وأوضحت أن إعادة تصنيع سلالات جديدة من هذا المرض جاء بهدف تمكين العلماء من توفير علاجات للمرض حال ظهوره مرة أخرى.
ولم يُذكر فايروس جدري القردة المنتشر حاليًا في المقابلة، كما أن تقارير منظمة الصحة العالمية تؤكد اكتشاف فايروس جدري القردة في الدنمارك (1958) في القرود المحفوظة للدراسات العلمية، فيما سُجلت أول حالة إصابة بشرية بفايروس الجدري لطفل يبلغ من العمر تسعة أشهر في جمهورية الكونغو الديمقراطية في (1970).
مشاهد مضللة مرتبطة بجدري القردة
وكان مسبار قد تحقق من عدة ادعاءات مضللة انتشرت على مواقع التواصل حول المرض، منها مقطع فيديو ادّعى ناشروه أنه لرجل مصاب بمرض جدري القرود، يتجول بحرية في شوارع فرنسا.
ولكن تحقق مسبار أوضح أن الادعاء مضلل، إذ تبيّن أن الشخص الظاهر في الفيديو مصاب بمرض الورام الليفي العصبي وليس جدري القردة.
كما تداول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي، مقطع فيديو آخر، ادعوا أنه يظهر اختبارات جماعية لجدري القردة في أوماها، نبراسكا، في الولايات المتحدة، إلا أن تحقق مسبار أوضح أن الفيديو يعود إلى حملة انتخابية للمرشح الديمقراطي عن منصب نائب رئيس الولايات المتحدة تيم والز.
وفي السياق، تداول مستخدمون مقطع فيديو ادّعوا أنه لإعلان منظمة الصحة العالمية انتهاء حالة الطوارئ المرتبطة بفايروس جدري القردة، ولكن تبين بالتحقق أنه قديم ويعود إلى مايو/أيار 2023.
كما انتشر مقطع فيديو قال مستخدمون إنه لطبيب بريطاني يعترف أنه يقف أمام المختبر الذي يُصنع فيه وباء جدري القردة، واللقاح الخاص به، ولكن تحقق مسبار أثبت أن الفيديو ساخر وليس حقيقيًا.
مسلسل عائلة سيمسون لم يتنبأ بجدري القردة
وحديثًا، انتشر مقطع فيديو من المسلسل الكرتوني الأميركي، عائلة سيمبسون، وادعى متداولوه أنّه يظهر تنبؤ المسلسل بمرض جدري القردة في إحدى حلقاته التي عُرضت عام 2002.
ولكن تبين بالتحقق أن الادعاء مضلل، وأنّ المشهد المتداول يحتوي على مشاهد عدة تعود لحلقات مختلفة بُثت في تواريخ متباعدة، ظهرت في بعضها شخصيات من المسلسل مصابة بجدري الماء.
اقرأ/ي أيضًا
مسلسل عائلة سمبسون لم يتنبأ بمرض جدري القردة في إحدى حلقاته عام 2002