` `

هل تمنع اتفاقيات أوسلو السلطة الفلسطينية من رفع قضايا جنائية ضد إسرائيل؟

فراس دالاتي فراس دالاتي
سياسة
6 سبتمبر 2024
هل تمنع اتفاقيات أوسلو السلطة الفلسطينية من رفع قضايا جنائية ضد إسرائيل؟
اتفاقيات أوسلو لم تنص على منع مقاضاة إسرائيل دوليًا (Getty)

في فجر يوم 28 أغسطس/آب الفائت، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي عن بدء اقتحام مخيم الفارعة في مدينة طوباس، ومخيم جنين، ومخيم نور شمس في مدينة طولكرم شمالي الضفة الغربية المحتلة. وأسفر الاقتحام، وفقًا لبيان وزارة الصحة الفلسطينية في ساعاته الأولى، عن مقتل فلسطينيين اثنين برصاص قوات الاحتلال.

ووفقًا لتقرير صدر عن وزارة الصحة الفلسطينية أمس الخميس الخامس من سبتمبر/أيلول، ارتفعت حصيلة الضحايا جراء الاقتحام الإسرائيلي الجاري إلى 39 فلسطينيًا و145 مصابًا. ما يرفع إجمالي عدد الضحايا في محافظات الضفة الغربية إلى 691 فلسطينيًا، بالإضافة إلى نحو 5700 جريح، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الفائت.

جاء ذلك في ظل التصاعد المستمر لانتهاكات المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية، بحقّ الفلسطينيين والأجانب على حد سواء، إذ قال رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، مؤيد شعبان، إن "قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستعمرين نفذوا 1228 اعتداءً في الضفة الغربية خلال شهر أغسطس الفائت، تنذر بجرائم ترتقي إلى مستوى جرائم الحرب".

وأوضح شعبان في التقرير الشهري للهيئة، الذي جاء تحت عنوان "انتهاكات الاحتلال وإجراءات التوسع الاستعماري"، أن جيش الاحتلال نفذ 1024 اعتداءً، في حين نفذ المستوطنون 204 اعتداءات، وتركز مجمل الاعتداءات في محافظات القدس (204 اعتداء)، ورام الله (137 اعتداء)، ونابلس (135 اعتداء).

في هذا السياق، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديدًا عبر موقع فيسبوك، منشور منسوب لكاتب يُدّعى "فتحي يعقوب"، يقول فيه إن الحكومة البريطانية بعثت برسالة إلى المحكمة الجنائية الدولية، تُنبّه فيها إلى وجود "بند في اتفاقية أوسلو يحظر على السلطة الفلسطينية تقديم أي دعوى جنائية ضد جرائم إنسانية قد يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، حتى لو قُتل نصف الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، وزجّ بالنصف الآخر في السجون والمعتقلات".

منشور يدعي أن اتفاقية أوسلو تحظر على السلطة رفع قضائية جنائية ضد إسرائيل
منشور يدعي أن اتفاقية أوسلو تحظر على السلطة رفع قضائية جنائية ضد إسرائيل

وبحسب المنشور المتداول، فإن هذا البند الذي "لا يعرف به 99.9 في المئة من الشعب الفلسطيني"، والذي "استطاع الفريق الإسرائيلي تمريره لعدم وجود خبراء قانونيين في وفد منظمة التحرير الفلسطينية، يفسّر "عدم تحرك السلطة في اتجاه مقاضاة دولة الاحتلال على ما تقوم به من جرائم في الضفة والقطاع كل ساعة".

هل تمنع اتفاقية أوسلو السلطة الفلسطينية من مقاضاة إسرائيل جنائيًّا؟

اتفاقية أوسلو، والمعروفة رسميًا باسم "إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي"، هي اتفاقية سلام وُقعت بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن بتاريخ 13 سبتمبر 1993، بحضور الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون.

وقد سُمّيت الاتفاقية نسبة إلى مدينة أوسلو النرويجية، إذ عُقدت المحادثات السرّية بين الطرفين عام 1991، والتي أدت لاحقًا إلى توقيع هذا الاتفاق في إطار مؤتمر مدريد.

تتألف اتفاقية أوسلو من 17 بندًا، تبدأ بإعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الفلسطيني، وتنتهي بتسوية المنازعات والتعاون الإسرائيلي-الفلسطيني في البرامج الإقليمية. والتزمت منظمة التحرير الفلسطينية، عبر رئيسها آنذاك ياسر عرفات، بالاعتراف بحق دولة إسرائيل في العيش بسلام وأمن، والسعي إلى حل جميع القضايا الجوهرية المتعلقة بالوضع الدائم من خلال المفاوضات.

في المقابل، قررت حكومة إسرائيل، برئاسة رئيس الوزراء آنذاك إسحق رابين، الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي للشعب الفلسطيني وبدء المفاوضات معها.

راجع "مسبار" النسختين الإنجليزية والعربية لاتفاقية أوسلو الأولى، المنشورتين على الموقع الرسمي للأمم المتحدة، ولم يجد أيّ بند يمنع السلطة الفلسطينية من اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية في حالة ارتكاب إسرائيل انتهاكات.

وتتناول المادة 15 من الاتفاقية، التي تتعلق بحل النزاعات، الآلية التي يجب اتباعها في حال نشوء خلافات تتعلق بتطبيق أو تفسير إعلان المبادئ أو أي اتفاقات مرتبطة بالفترة الانتقالية. 

تنص الاتفاقية على أن "حل النزاعات سيتم عبر التفاوض من خلال لجنة الارتباط المشتركة الفلسطينية-الإسرائيلية"، التي سيتم تشكيلها. كما تشير الفقرة الثانية من المادة إلى أن "النزاعات التي لا يمكن تسويتها عبر المفاوضات التي يمكن حلها من خلال آلية توفيق يتفق عليها الطرفان". وتضيف الاتفاقية أنه "في حال عدم التوصل إلى حل بالتوفيق، يمكن للطرفين اللجوء إلى التحكيم في النزاعات المتعلقة بالفترة الانتقالية".

بنود المادة  15 من اتفاقية أوسلو
بنود المادة 15 من اتفاقية أوسلو

عقب توقيع اتفاقية أوسلو الأولى، تبعتها مجموعة من الاتفاقيات والبروتوكولات اللاحقة لتفصيل وتنفيذ ما ورد فيها، ومن بين هذه الاتفاقيات اتفاق غزة-أريحا وبروتوكول باريس الاقتصادي.

لاحقًا، تم توقيع اتفاقية أوسلو 2 رسميًا في واشنطن في 28 سبتمبر 1995. تُعدّ هذه الاتفاقية مفصلة، إذ تتألف من عدة أقسام موزعة على عدة فصول رئيسة، وتحتوي على 31 مادة تغطي مجموعة واسعة من الموضوعات، مثل إعادة انتشار القوات، الترتيبات الأمنية، إجراء الانتخابات، الحقوق المدنية، والتعاون الاقتصادي، إلى جانب ترتيبات متعلقة بالحكم الذاتي الفلسطيني.

من أبرز بنود الاتفاقية، الانسحاب التدريجي للقوات العسكرية الإسرائيلية، نقل الصلاحيات إلى السلطة الفلسطينية، وتحديد هيكلية السلطة، بالإضافة إلى ترتيبات تتعلق بالنظام العام والأمن.

وبمراجعة مسبار لبنود هذه الاتفاقية أيضًا، سواء في نسختها الإنجليزية أو العربية المنشورتين على الموقع الرسمي للأمم المتحدة، لم يعثر على البند المشار له في الادعاء، والذي يمنع السلطة الفلسطينية من اتخاذ إجراءات قانونية، أو اللجوء إلى المحاكم الدولية في حال حدوث انتهاكات إسرائيلية.

وتنص المادة رقم 15، المتعلقة بمنع الأعمال العدائية، على أنه "يحق للطرفين اتخاذ جميع التدابير اللازمة لمنع أعمال الإرهاب والجريمة والأعمال العدائية الموجهة ضد كل منهما أو ضد الأفراد الخاضعين لسلطة الطرف الآخر أو ضد ممتلكاتهم، وكذلك اتخاذ الإجراءات القانونية ضد المخالفين".

المادة 15 من اتفقاية أوسلو 2 المتعلق بمنع الأعمال العدائية
المادة 15 من اتفقاية أوسلو 2 المتعلق بمنع الأعمال العدائية

قيود اتفاقيات أوسلو على السلطة الفلسطينية

الجدير بالذكر، أن اتفاقية أوسلو منحت إسرائيل سيطرة شبه مطلقة على معظم الأراضي الفلسطينية وسكانها، في حين كانت صلاحيات السلطة الفلسطينية محدودة للغاية بموجب هذه الاتفاقيات، إذ اقتصرت فقط على جزء من مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة.

فيما يخص الشؤون القانونية، كانت صلاحيات السلطة الفلسطينية مقيدة بشكل واضح؛ إذ تنص الاتفاقيات على أن السلطة الفلسطينية لا تمتلك أي سلطة قضائية على المواطنين الإسرائيليين، سواء كانوا في المستوطنات أو في المناطق الخاضعة للسيطرة الفلسطينية. وهذا يعني أن السلطة الفلسطينية لا تستطيع ملاحقة الإسرائيليين قانونيًا داخل أراضيها، وفقًا لما هو منصوص عليه في المادة السابعة عشرة من اتفاقية أوسلو الثانية، مما يترك المسائل القانونية المتعلقة بالإسرائيليين للمحاكم الإسرائيلية.

بالإضافة إلى ذلك، تضمنت اتفاقيات أوسلو ترتيبات خاصة بالتنسيق الأمني بين الجانبين. فعلى سبيل المثال، في حال وقوع حادث يتورط فيه مواطن إسرائيلي داخل المناطق الخاضعة للسلطة الفلسطينية، يتطلب الأمر التنسيق مع القوات الإسرائيلية للتعامل مع الموقف، وذلك بموجب هذه الملحقات.

المادة 17 من اتفاقية أوسلو 2
بنود المادة 17 من اتفاقية أوسلو الثانية

وعلى الرغم من عدم وجود بند صريح في الاتفاقيات يمنع السلطة الفلسطينية من مقاضاة إسرائيل أمام المحاكم الدولية، إلا أن بريطانيا اعترضت على رفع السلطة قضايا ضد إسرائيل، مستندة إلى القيود التي فرضتها اتفاقيات أوسلو. وأكدت بريطانيا أن السلطة الفلسطينية لا يمكن أن تكون لها سلطة قضائية على المواطنين الإسرائيليين بموجب هذه الاتفاقيات، وبالتالي لا يحق لها منح المحكمة الجنائية الدولية الصلاحية القضائية نيابة عنها.

وفي 27 يونيو/حزيران الفائت، قضت المحكمة الجنائية الدولية بأن بريطانيا يمكنها تقديم حجج قانونية للقضاة الذين يدرسون طلب الادعاء بإصدار مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت.

المحكمة الجنائية الدولية تقضي بإمكانية تقديم بريطانيا حجج قانونية للقضاة
تقرير عن حجج بريطانيا المقدمة للقضاة بشأن طلب إصدار مذكرات اعتقال لمسؤولين إسرائيليين

دور المحكمة الجنائية الدولية في متابعة الجرائم في فلسطين

تعدّ اتفاقيات أوسلو اتفاقيات ثنائية، ولا تلغي قانونية متابعة المحكمة الجنائية الدولية للقضايا في فلسطين، فقد تم قبول فلسطين كعضو في المحكمة عام 2015، بعد توقيعها على معاهدة روما التي أنشأت المحكمة. منذ ذلك الحين، أصبحت المحكمة الجنائية الدولية مخولة قانونيًا بمتابعة ومحاكمة الجرائم المرتكبة داخل الأراضي الفلسطينية أو التي تتعلق بالفلسطينيين، سواء كانوا ضحايا أو متهمين.

تعتمد المحكمة الجنائية الدولية على مبدأ الولاية القضائية الإقليمية، مما يمنح فلسطين، بصفتها دولة عضو، القدرة على تفويض المحكمة للنظر في الجرائم المرتكبة داخل حدودها، بغض النظر عن جنسية الجناة.

التحركات القضائية للسلطة الفلسطينية ضد إسرائيل

في 11 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2022، وافقت لجنة المسائل السياسية الخاصة وإنهاء الاستعمار التابعة للأمم المتحدة على مشروع قرار أعدته السلطة الفلسطينية، وتم تمريره بأغلبية 98 صوتًا مقابل 17، مع امتناع 52 دولة عن التصويت، وتم إحالة المشروع إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويدعو إلى محاسبة إسرائيل قانونيًا على جرائمها الاستيطانية في الضفة الغربية. 

وقدمت نيكاراغوا مشروع القرار، نظرًا لأن فلسطين تتمتع بوضع عضو مراقب وليست عضوًا دائمًا في الأمم المتحدة.

وفي 30 ديسمبر/كانون الأول 2022، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار (A/RES/77/247) بأغلبية 87 صوتًا مقابل 26، مع امتناع 53 دولة عن التصويت. بعد ذلك، وفي 20 يناير/كانون الثاني 2023، أكدت محكمة العدل الدولية تلقي الطلب رسميًا، إذ أرسل الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، رسالة بتاريخ 17 يناير تحيل القضية إلى المحكمة لمتابعة النظر فيها.

بعد عدة أيام، أقرّت محكمة العدل الدولية بطلب الجمعية العامة للأمم المتحدة للحصول على رأي استشاري بشأن العواقب القانونية الناشئة عن سياسات وممارسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وبعد حملات ضغط طويلة شنّتها مجموعات ضغط إسرائيلية لإجهاض الدعوى وتهديد المدّعين، افتُتحت جلسات الاستماع العامة في 19 شباط/فبراير الفائت، في مقر محكمة العدل الدولية في لاهاي، بمشاركة 52 دولة وثلاث منظمات دولية قدمت حججًا قانونية، وهو ما يُعدّ أكبر عدد من الأطراف يشارك في قضية واحدة في تاريخ المحكمة.

وصدر الرأي الاستشاري للمحكمة في 19 يوليو/تموز الفائت، وقد قررت أن الأراضي الفلسطينية تشكل وحدة سياسية واحدة وأن احتلال إسرائيل منذ عام 1967، وما تلاه من إنشاء مستوطنات إسرائيلية واستغلال للموارد الطبيعية، يعدّ غير قانوني بموجب القانون الدولي. كما قضت المحكمة بأن إسرائيل يجب أن تدفع تعويضات كاملة للشعب الفلسطيني عن الأضرار التي تسبب فيها الاحتلال، وقررت أن سياساتها تنتهك الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري.

ورحبت السلطة الفلسطينية بالقرار، معتبرة إياه تاريخيًا، بينما رفضته الحكومة الإسرائيلية رسميًا، مشيرة إلى أنه لا يمكن التوصل إلى تسوية سياسية إلا من خلال المفاوضات. كما ندد القادة والسياسيون الإسرائيليون بالحكم، معتبرين إياه "مُعادي للسامية". وقد أيّد الاتحاد الأوروبي رأي المحكمة، بينما انتقدته الولايات المتحدة. وسيتم إعادة الأمر إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لتقرير الخطوات التالية.

أما فيما يتعلق بالدعوى التي رفعتها دولة جنوب أفريقيا لمحكمة الجنايات الدولية خلال هذه الحرب، والتي اتّهمت فيها إسرائيل بانتهاك بنود اتفاقية منع جريمة الإبادة الدولية، قالت محكمة العدل الدولية إن السلطة الفلسطينية تقدمت بطلب للانضمام إلى جنوب أفريقيا كطرف في قضيتها ضد إسرائيل بشأن الإبادة الجماعية في غزة.

إسرائيل لم تلتزم باتفاقية أوسلو

بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على توقيع اتفاقية أوسلو، يُلاحظ أن إسرائيل لم تلتزم بأي مراجعات أو تنفيذ لبنود الاتفاقية. بل تصاعدت الأصوات داخل إسرائيل، لاسيما بعد اغتيال إسحاق رابين ومع حكومات بنيامين نتنياهو المتعاقبة، المطالبة بإسقاط السلطة الفلسطينية وعدم الاعتراف بها، واستمرار السياسة الاستيطانية ورفض حق العودة، وعدم الانخراط في أي مفاوضات.

وسعت إلى تقليص اتفاقية أوسلو إلى مجرد إدارة أمنية للعلاقات مع السلطة، مع التركيز على استمرار التنسيق عبر لجان الارتباط الأمنية وملاحقة المقاومين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.

اقرأ/ي أيضًا

أوجه التضليل في المقارنة بين القوة العسكرية الإسرائيلية والفلسطينية

ماهي أبرز منظمات وجماعات الضغط الإسرائيلية الناشطة حول العالم؟

اقرأ أيضاً

الأكثر قراءة