` `

كيف تسهم التغطية الإعلامية المنحازة في تبرير الهجمات الإسرائيلية على المدنيين؟

فاطمة حماد فاطمة حماد
سياسة
11 أكتوبر 2024
كيف تسهم التغطية الإعلامية المنحازة في تبرير الهجمات الإسرائيلية على المدنيين؟
أسهمت بعض وسائل الإعلام العربية والغربية في نشر ادعاءات تفتقر إلى الأدلة

منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على لبنان في 23 سبتمبر/أيلول الفائت، وتزايد حدّة التصعيد مع محاولات الاجتياح البري للحدود اللبنانية مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وسط استمرار الاشتباكات بين حزب الله وإسرائيل منذ أكتوبر 2023، تواصل إسرائيل إطلاق مزاعم غير مدعومة بأدلة، لتبرير عملياتها العسكرية والمجازر المرتكبة بحق المدنيين في لبنان.

وفي السياق، أسهمت بعض وسائل الإعلام العربية والغربية في نشر ادعاءات تفتقر إلى الأدلة، مما يزيد من احتمالية تعريض المدنيين للخطر ويعزز تبرير المجازر الإسرائيلية، دون أيّ ضوابط مهنية.

إم تي في تتحدث عن وجود مسلحين في مراكز الإيواء 

بالتزامن مع الحرب الإسرائيلية على لبنان وتصاعد الغارات الجوية التي يشنها الجيش الإسرائيلي، نشرت قناة إم تي في اللبنانية، خبرًا يفيد بأن “كل مركز إيواء، خصوصًا في بيروت وضواحيها، يضم مسلحًا من حزب الله يتولى مهمة التنسيق في كل مركز”، دون أن تقدم أي أدلة تدعم هذا الادّعاء. أثار الخبر جدلًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي. وأعرب العديد من المستخدمين عن مخاوفهم من خطورة هذه المعلومات، معتبرين أنها تعرض حياة المدنيين النازحين للخطر، بالإضافة إلى احتمال استخدامها لتبرير عمليات عسكرية إسرائيلية ضدهم.

وخلال البحث عن الخبر على موقع قناة إم تي في اللبنانية، تبيّن أن الرابط الأصلي للخبر غير متاح، مما يشير إلى احتمالية حذفه أو إزالته من الموقع. ومع ذلك، يمكن العثور على نسخة من الخبر عبر رابط بتنسيق AMP، وهو نظام يهدف إلى تسريع تحميل الصفحات على الأجهزة المحمولة فقط، في شكل نسخة مؤرشفة تبقى محفوظة على الخوادم لفترة من الوقت حتى بعد حذف المحتوى من الموقع الأصلي، مما يسمح للمستخدمين بالوصول إلى المقالات المحذوفة لفترة محدودة عبر النسخة المخزنة.

صورة متعلقة توضيحية
النسخة المؤرشفة من المقال 

لنشر مثل هذه المعلومات غير الموثوقة، تداعيات خطيرة خلال الحرب الجارية، إذ يمكن أن تُستخدم كذريعة لتبرير جرائم حرب أو انتهاكات ضد المدنيين، فإطلاق ادعاءات دون أدلة قد يدفع الجيش الإسرائيلي إلى تبرير استهداف مناطق سكنية أو مراكز إيواء بحجة وجود “تهديد أمني” مزعوم.

نشر قناة أم تي في لادعاءات حول وجود مسلحين في مراكز الإيواء
نشر قناة إم تي في لادعاءات حول وجود مسلحين في مراكز الإيواء

إضافة إلى غياب أي أدلة على معلومات قناة إم تي في، أصدرت جهات رسمية لبنانية نفيًا للخبر، إذ صرّح عضو في مجلس النواب اللبناني غسان حاصباني، بأنه بعد التدقيق والمتابعة مع الجهات الأمنية والأهالي، تأكد عدم وجود أي مسلحين في منطقة الصيفي في بيروت، سواء من النازحين أو غيرهم. 

ومن جانبه، نشر وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال، زياد المكاري، بيانًا على حسابه في موقع إكس، أكد فيه ضرورة التزام وسائل الإعلام بالدقة وتجنب الانجرار نحو الفتن أو تعريض السلم الأهلي للخطر. وأشار إلى أن أي خبر يفتقر إلى الدقة خلال الحرب، قد يثير البلبلة ويهدد الاستقرار.

كما أوضح، أن الوزارة ستتخذ الإجراءات اللازمة ضد وسائل الإعلام التي لا تراعي دقة الأخبار أو تلتزم بالمسؤولية، استنادًا إلى المادتين 295 و296 من قانون العقوبات، اللتين تعاقبان على نقل الأخبار الكاذبة أو المبالغ فيها خلال زمن الحرب.

توضيح وزير الإعلام اللبناني عقب نشر الأم تي في لخبر يفيد بوجود مسلحين في مراكز الإيواء
تصريحات وزير الإعلام اللبناني عقب نشر إم تي في لخبر يفيد بوجود مسلحين في مراكز الإيواء

قناة إم تي في تنقل المزاعم الإسرائيلية خلال العدوان على لبنان

راجع مسبار تغطية قناة إم تي في، للعدوان الإسرائيلي الجاري على لبنان، وتبيّن أنها في عدة تقارير نقلت الرواية الإسرائيلية والمزاعم التي تروّج لها إسرائيل.

على سبيل المثال، نشرت القناة ادّعاء الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، الذي زعم أن بعض المنازل في القرى اللبنانية تُستخدم كمخازن للأسلحة من قبل عناصر حزب الله، ودعا السكان إلى الإخلاء الفوري.

جاء ادعاء أدرعي الذي نشرته القناة بالتزامن مع الضربات الجوية الإسرائيلية على لبنان، ونشر مسبار حينها تقريرًا أوضح فيه أن هذه الادعاءات تُفسر على أنها تبرير لاستهداف المدنيين، والمناطق السكنية، مؤكدًا أنّها مزاعم تتبع نفس الاستراتيجية التي اعتمدها الاحتلال الإسرائيلي خلال حربه على قطاع غزة، مما يتناقض بوضوح مع التقارير والأدلة التي وثّقت المجازر المرتكبة بحق المدنيين.

نشر الأم تي في لمزاعم الجيش الإسرائيلي حول استخدام حزب الله للمنازل لتخزين الأسلحة
نشر أم تي في لمزاعم الجيش الإسرائيلي حول استخدام حزب الله للمنازل لتخزين الأسلحة

كما نقلت القناة، في سياق مشابه، الرواية الإسرائيلية التي لا تستند على أي أدلة، حول قيام حزب الله بنشر منصات إطلاق الصواريخ في مواقع سكنية، وذلك في 25 سبتمبر الفائت.

نشر أم تي في لمزاعم إسرائيلية حول نشر حزب الله لمنصات الصواريخ في المناطق السكنية
نشر أم تي في لمزاعم إسرائيلية حول نشر حزب الله لمنصات الصواريخ في المناطق السكنية

وفي الثامن من أكتوبر الجاري، نقلت القناة ادعاء الجيش الإسرائيلي بدخول عناصر من حزب الله إلى مبنى مدرسة في قرية طير حرفا، زاعمة أن الحزب استخدمها لنشر منصة موجهة نحو إسرائيل، وأنه بعد وقت قصير من عملية الرصد، استهدفت طائرة تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي “المخربين” داخل المدرسة.

ومع ذلك، أظهرت مراجعة مسبار لمقطع الفيديو الذي نقلته القناة عن الجيش الإسرائيلي، عدم وجود أي مسلحين أو عناصر كما زُعم، إذ تظهر اللقطات فقط الاستهداف والانفجار الناتج عن الغارات الجوية الإسرائيلية.

نقل أم تي في لمزاعم إسرائيلية حول وجود عناصر من حزب الله في مدرسة دون أي مراجعة
نقل إم تي في لمزاعم إسرائيلية حول وجود عناصر من حزب الله في مدرسة دون أي مراجعة

إم تي في تروّج للمزاعم الإسرائيلية حول مستشفى الشفاء في غزة

عاد مسبار إلى تحليل تغطية قناة إم تي في اللبنانية، خلال الأشهر الأولى من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وتبيّن أن القناة نشرت العديد من الأخبار التي تتبنى ادعاءات الاحتلال الإسرائيلي دون الاستناد إلى أدلة أو التحقق منها.

وشملت هذه الادعاءات وجود مقرّات لحركة حماس تحت مبنى مستشفى الشفاء، واكتشاف أنفاق وأسلحة داخله، بالإضافة إلى مزاعم بعدم استهداف الاحتلال للمدنيين في المستشفى والسماح لهم بالمغادرة، بينما كانت الحقائق تشير إلى أنّ إسرائيل تستهدف من يحاول الخروج منه.

ورغم نشر القناة لعدد محدود من الأخبار التي تنفي هذه الادعاءات، إلا أنها كررت التصريحات الإسرائيلية كما هي، دون تقديم تحليل مستقل أو سياق أوسع يساعد الجمهور على تقييم مصداقية هذه المزاعم، وهو ما يمكن اعتباره ترويجًا غير مباشر للمزاعم، فعرضها المتكرر دون تفنيد كافٍ أو موازنة الرواية بمصادر موثوقة أخرى قد يؤثر سلبًا على قدرة الجمهور على التمييز بين الحقيقة والدعاية الإسرائيلية، خلال الحرب.

جزء من تغطية أم تي في للمزاعم الإسرائيلية حول مستشفى الشفاء في غزة
جزء من تغطية إم تي في للمزاعم الإسرائيلية حول مستشفى الشفاء في غزة

وسائل إعلام غربية وعربية تروّج للمزاعم الإسرائيلية حول مستشفى الشفاء

في سياق متصل، روّجت العديد من وسائل الإعلام الغربية والعربية للمزاعم الإسرائيلية المتعلقة بمستشفى الشفاء، إلى جانب ادّعاءات أخرى تكررت خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. فعلى سبيل المثال، نشرت قناة سكاي نيوز عربية تقريرًا على حساباتها في مواقع التواصل الاجتماعي، بعنوان "كيف استخدمت حماس أنفاق مجمع الشفاء؟"، ما يعكس تبني القناة للادعاءات الإسرائيلية.

واستند التقرير إلى المزاعم التي قدمها الاحتلال الإسرائيلي كأدلة على استخدام حماس لأنفاق داخل مستشفى الشفاء، كما اعتمد على تقارير صادرة عن وسائل إعلام أخرى، منها ذا نيويورك تايمز. وأشار التقرير إلى ادعاءات استخدام حماس للمستشفى لاحتجاز أسرى إسرائيليين، مؤكدًا أن إسرائيل دعمت هذه المزاعم بنشر مقطع فيديو يظهر أسيرين تم إحضارهما إلى المجمع.

تقرير سكاي نيوز يتنبى الرواية الإسرائيلية بشأن استخدام حماس لمجمع الشفاء
تقرير سكاي نيوز يتنبى الرواية الإسرائيلية بشأن استخدام حماس لمجمع الشفاء

ومن الجدير بالذكر، أن العديد من وسائل الإعلام ساهمت في الترويج لهذه الادعاءات، التي تم تفنيدها فيما بعد عقب اقتحام الجيش الإسرائيلي للمجمع الطبي، وسيطرته عليه في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2023. 

خلال العملية، حاول جيش الاحتلال تبرير الهجوم على المستشفى عبر التلاعب بوضع الأسلحة داخله لتعزيز روايته، لكنه فشل في تقديم أدلة تثبت صحة تلك الادعاءات.

إذ نُشرت لاحقًا عدة تحقيقات أكدت أن المزاعم الإسرائيلية حول مستشفى الشفاء كانت مضللة. فعلى سبيل المثال، أصدرت صحيفة ذا واشنطن بوست في 21 ديسمبر/كانون الأول 2023، تحقيقًا بعنوان “حالة الشفاء: تحقيق بشأن العدوان على أكبر مستشفيات غزة”. وخلص إلى ثلاث نقاط رئيسية: أولًا، أن الغرف المرتبطة بشبكة الأنفاق التي اكتشفها الجيش الإسرائيلي لم تُظهر أي دليل مباشر على استخدامها لأغراض عسكرية من قبل حماس، ثانيًا، لم يتبين أن أيًا من المستشفيات الخمسة التي حددها دانييل هاغاري مرتبطة بشبكة الأنفاق، وأخيرًا، لم يُعثر على دليل يشير إلى إمكانية الوصول إلى الأنفاق من داخل أجنحة المستشفى.

وسبق لمسبار أن فند الرواية الإسرائيلية حول مجمع الشفاء في عدة مقالات موسعة، كما عمل على تحليل تغطية وسائل الإعلام الغربية التي ساهمت في الترويج لهذه الادعاءات، دون الاستناد إلى أي أدلة.

وسائل إعلام عربية تردد الادعاءات الإسرائيلية خلال الحرب على غزة

لم يقتصر الأمر على قناة إم تي في أو سكاي نيوز عربية فقط، بل شاركت العديد من وسائل الإعلام العربية في نشر الدعاية الإسرائيلية دون الاستناد إلى أدلة أو التحقق من صحتها. على سبيل المثال، نشرت قناتا العربية والحدث في 27 يناير/كانون الثاني الفائت، مقطع فيديو زعمتا أنه يظهر حشودًا من سكان مدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة يهتفون بشعار "الشعب يريد إسقاط حماس" أثناء مغادرتهم المنطقة. وقد استغلّت حسابات إسرائيلية هذا المقطع للترويج لرواية مفادها أن حركة حماس هي المسؤولة عن معاناة سكان غزة في الحرب الإسرائيلية الجارية.

ونشر مسبار حينها مقالًا أوضح فيه، بعد التواصل مع أحد النازحين الذين كانوا ضمن التجمّع خلال نزوحهم من مدينة خانيونس، أن الناس اضطروا إلى الهتاف ضد حماس في محاولة لإقناع جنود الاحتلال بعدم قتلهم، خاصة وأن الجنود وآلياتهم كانوا متمركزين عند نقطة العبور.

إذ وثّقت وسائل الإعلام مشاهد عديدة لإعدام الاحتلال الإسرائيلي مدنيين نازحين عزّل، بعضهم كان يحمل الراية البيضاء خلال محاولتهم النزوح إلى مناطق يصفها الاحتلال بأنّها "آمنة". ففي التاسع من يناير الفائت، أظهرت وسائل الإعلام مشهدًا لقناصة الاحتلال وهم يعدمون امرأة فلسطينية نازحة من شمال غزة كانت تحمل طفلها في إحدى يديها وترفع الراية البيضاء بالأخرى.

كما عرضت قنوات إخبارية مقطع فيديو يُظهر استهداف قوات الاحتلال للنازحين في مستشفى النصر بعد محاصرته، رغم رفعهم الرايات البيضاء. وإلى جانب ذلك، وثّق صحفي فلسطيني مشهد إعدام جنود الاحتلال لفلسطيني مدني أعزل في منطقة المواصي بخانيونس، وغيرها من المشاهد التي تؤكد استهداف المدنيين خلال نزوحهم.

مقال سابق لمسبار يفند مقطع فيديو نشرته قناتا العربية والحدث
مقال سابق لمسبار يفند مقطع فيديو نشرته قناتا العربية والحدث

التوجهات السياسية لوسائل الإعلام وتأثيرها خلال الحروب

تلعب التوجهات السياسية لوسائل الإعلام دورًا حاسمًا في تشكيل تغطيتها للأحداث خلال الحروب، إذ تؤثر بشكل كبير على كيفية عرض الحقائق، واختيار القصص، وتحديد زاوية المعالجة، ويمكن لهذا الانحياز أن يسهم في تضليل الجمهور من خلال التلاعب بالسياق لخدمة أجندات سياسية معينة، مما يقوض دور الصحافة في نقل الحقائق بموضوعية، وقد يؤدي ذلك إلى تشكيل مواقف معادية ضد جهة معينة والتحريض عليها، مع امتداد تأثيره ليطال جميع المتضررين من الحرب.

ومع استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة والعدوان الجاري على لبنان، تتزايد أهمية الالتزام بمعايير الصحافة المهنية والأخلاقية لمواجهة الأخبار المضللة، إذ يجب على المؤسسات الإعلامية التأكد من صحة المعلومات قبل النشر، والاعتماد على مصادر موثوقة، مع توضيح الأخطاء وتحديث المعلومات عند اكتشاف أي تضليل، بدلاً من الاكتفاء بحذفها دون تفسير، فمثل هذه الإجراءات قد تؤثر على مصداقية الوسيلة الإعلامية، خاصة في أوقات الحروب التي تتطلب أعلى مستويات الدقة والحيادية.

ويُعد حذف الأخبار دون تفسير، خطوة تثير الشكوك حول مدى التزام المؤسسة الإعلامية بالشفافية والمساءلة، وعلى الإعلاميين التحقّق من مصداقية الأخبار قبل النشر، والاعتماد على مصادر متعددة لتقديم تغطية متوازنة، وتوضيح أي أخطاء عند وقوعها، مع الحذر من نشر معلومات قد تعرض حياة المدنيين للخطر، أو تقدم مبررات للهجمات على مناطق النزوح ومواقع تجمع المدنيين.

وفي إطار القانون الدولي، يمكن أن يُستخدم تبني وسائل الإعلام لرواية معينة، في تبرير أفعال وانتهاكات مخالفة للقوانين الدولية. على سبيل المثال، ترويج مزاعم تتعلق بوجود "تهديد أمني" في منطقة معينة قد يُستغل لتبرير عمليات عسكرية إسرائيلية ضد المدنيين أو استهداف البنية التحتية بحجة “الدفاع عن النفس”، وهو ما يسهم في إعطاء شرعية للجرائم أمام الرأي العام الدولي والمحلي.

اقرأ/ي أيضًا

من مظاهر انحياز وسائل الإعلام الغربية لإسرائيل في تغطية الحرب على غزة

أوجه التحيز في تقرير بي بي سي عن الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل لمنع التحريض على الإبادة

اقرأ أيضاً

الأكثر قراءة