تقول المطربة كارول سماحة" أنا مش ببغان فقط بغني، أنا موجودة على شبكة التواصل الاجتماعيّ لأتفاعل"، رداً على أحد مستخدمي تويتر حين اعترض على تغريدتها التي تُحذّر فيها الجماهير من التطعيمات ضد فايروس كورونا واعتبرت فيها الأمر صفقة بين الدول الكبرى.
وكارول معها حق، فلا ننتظر من الفنانين الغناء أو التمثيل فقط، بل يجب أن يكون لهم رأي فيما يحدث، ولكن ماذا إذا كان هذا الرأي هو عبارة عن آراءٍ تصُّب في خانة تشجيع الأخبار الزائفة والإشاعات وتفسير ما يحدث على أنه مؤامرة؟.
وهذا لم تفعله كارول وحدها بل قبلها المطربة اللبنانية إليسا وابن بلدها راغب علامة وغيرهم من الفنانين والفنانات الذين جعلوا منصّاتهم التي يتابعها الملايين منبراً لبثّ أسهل ما يمكن أن يعتقد به الناس فيكفوا عن حماية أنفسهم والوقاية، كموضوع المؤامرة، وكأن الفايروس ليس حقيقة طبيّة، والنتيجة تتساهل معه الجماهير.
وكان جاي بيرغر هو مدير السياسات والاستراتيجيات المتعلّقة بالاتصال والمعلومات في اليونسكو، قال في مقابلة معه "بالكاد تُوجد منطقة لم تتأثر بالتضليل فيما يتعلق بأزمة COVID-19، بدءاً من أصل الفايروس التاجيّ، وصولاً إلى طرق الوقاية والعلاج غير المُثبتة، وتشمل ردود الحكومات والشركات والمشاهير وغيرهم. "
وأضاف أنّه "في زمن المخاوف والشكوك والمجهول، هناك أرضٌ خصبةٌ لتزدهر الأخبار الزائفة. بل الخطر الكبير هو أنّ أّي كذبة من الممكن أن تكتسب قوةً تبطل الحقائق"
وهنا تكن خطورة عبارة غرّدها المطرب علامة حين أشار إلى أنّ ما يحدث غضبٌ إلهيّ في واحدة من مقابلاته، إنّ تكرار مثل هذه المعلومات وتضخيمها على لسان المؤثرين يجعل الحقائق العلميّة شيئاً هامشياً.
وكذلك الأمر حين غرّدت الفنانة إليسا بالقول تعليقاً على فيديو أعادت تغريده، إنّ الألمان اكتشفوا أنّ الفايروس ليس سوى خدعة، كأنها لا تعرف ببساطة تأثير صوتها وما قد يفعله بثّ الأفكار المفبركة بالمتلقيين.
إن وسائل التواصل الاجتماعيّ إضافةً لفريق منظمة الصحة العالميّة، ومواقع فحص الحقائق كموقع "مسبار" يصلون الليل بالنهار لدحض مجموعةً هائلةً من الأساطير المتعلّقة بالفايروس المستجد، ليأتي فنان أو مؤثر له متابعين كثر، وبتغريدة واحدة يهدم جهود كل هؤلاء.
وعلى ما يبدو لم يستطع الفنانون في فترة الحجر الصحيّ أن يجلسوا مكتّفي الأيدي بل أرادوا مزيداً من الصيت والإعجاب فحوّلوا منصاتهم لمنابر طبيّة، ولا بأس إذا كان ما يفعلونه يقتصر على مقابلة طبيب "أون لاين" أو متخصص كما فعلت الفنانة مايا دياب وغيرها، إلا أنّ المشكلة كانت ولا تزال في إعادة تدويل الأساطير، فماذا كان سيخسر راغب علامة بأن يقوم بمزيدٍ من البحث على صفحات الانترنت قبل أن يكتب أنّ كورونا من صنيعة الحكام الأشرار.
وهنا يقول بيرغر شيئاً مهماً عن ناشرو الأخبار الكاذبة "ليس كل من مسؤول عن نشر الأكاذيب يفعل ذلك بشكلٍ متعمدٍ بغرض الضرر؛ فالأشخاص ذوي النوايا الحسنة يقومون أيضاً بنشر المحتوى المريب بشكلٍ غير ناقد. إلا أنّ النتيجة هي نفسها مهما كانت الأسباب أي تقاسم الأكاذيب وتضليل الجماهير".
المشاهير ليسوا ملايين بل هم أقليّة، لكّنهم يصلون إلى الملايين ومحتواهم يصل إلى دائرة أوسع بكثير من التي تصل إليها مقالة في مجلة علميّة، أو تقرير حول المرض في صحيفة كلاسيكيّة؛ إنّ التطور الرقميّ والتكنولوجيّ لا يُغير فقط شكل تلقي المعلومة، بل المعلومة ذاتها.
من كان يتخيل أن ممثلاً كوودي هارلسون أو المغنية MIA سيكونان أحد هؤلاء؛ فقبل شهر واجهّا انتقاداتٍ واسعة بعد أن قاما بمشاركة مزاعم لا أساس لها من الصحة، حول العلاقة لـ 5G مع الوباء، بل قام العديد من المستخدمين بعدها بالتخلص من هواتفهم.
قد يستيقظ الفنان صباحاً وينشر أول ما يخطر على باله، فهو لا يتخيل تأثير ما يكتبه على الجماهير، التي تعتبره أيقونة، وما يقوله مقدساً، لذلك ربما غضبت الفنانة سماحة من متابعها غير الوفي حين رفض ما تروج له.
في واحدة من الأبحاث التي أجراها معهد "رويترز" لدراسة الصحافة قال إنّ السياسيين والمشاهير وغيرهم من الشخصيّات العامّة البارزة مسؤولون عن إنتاج أو نشر 20 ٪ من الادّعاءات الكاذبة حول فايروس كورونا.
يزداد القلق من التضليل على الإنترنت، وآثاره على الصحة العالميّة. فقد وجد بحث أجراه د. دانييل ألنجتون المحاضر الأول في الذكاء الاصطناعيّ الاجتماعيّ والثقافيّ في King'S College London، وجود صلة ملحوظة إحصائياً بين الأشخاص الذين اعتقدوا بصدق الادّعاءات الكاذبة حول الفايروس التاجيّ والأشخاص الذين كانوا على استعداد لتجاهل إرشادات الحكومة للمسافة الاجتماعيّة.
وخلصت النتائج التي توصّل إليها، بناءً على دراسة تجريبيّة أُجريت بالتنسيق مع مركز مكافحة الكراهية الرقميّة إلى أنّ الأشخاص الذين قالوا إنّهم يعتقدون بأنّ الفايروس التاجيّ متصل بأعمدة الهاتف المحمول من الجيل الخامس هم أقل بقاء في منازلهم أو غسل أيديهم واحترام المسافات الاجتماعيّة.
يجب على الجماهير هذه المرة أن تقوّم المشاهير، ويردوا عليهم بالأحداث الصحيحة والحقائق، فربما إذا عرف راغب علامة أنّ الفايروس منشأه حيوانيّ لن يعود إلى تغريد الهراء، وإذا عرفت كارول أنّه لا يوجد تطعيم للفايروس بعد، لن تغضب من متابعها المثقف، الذي وعدها في رده على ردها أنّه سيستمتع بعد اليوم إلى المطرب حمو بيكا!.