` `

كيف تخدعنا عقولنا في تصديق المعلومات المنشورة على الإنترنت؟

نور أبو سمرة نور أبو سمرة
تكنولوجيا
16 مارس 2021
كيف تخدعنا عقولنا في تصديق المعلومات المنشورة على الإنترنت؟

تخيّل نفسك في مسرح مزدحم، فجأةً، بدأ الناس حولك بالتحرك مذعورين يبحثون عن مخرج، حواسك حتمًا ستنقاد مع من حولك وستتحرك معهم دون التفكير بما تفعله ومدى عقلانيته، لأن التأويل الاجتماعي الذي فسّرت به تصرف الأشخاص حولك جعلك تحاول الهرب أيضًا. 

 تُعد قراءة وتحليل المعلومات الاجتماعية مهارةً أساسية في الحياة، ويكرّس معظمنا قدرًا هائلًا من الجهد لممارستها، ولعل السؤال عما يحدث داخل رأس الشخص المقابل ومحاولة التأثير فيه، من أكثر الأفكار المغرية للإنسان، ولكن مع سيطرة العصر الرقمي ومواجهة الإنسان لفيض المعلومات الهائل لحظةً بلحظة، اختلفت المعادلة النفسية ووُجد مستوى جديد من الاعتماد على المعلومات الاجتماعية إضافة إلى مجموعة جديدة من المخاطر والمخاوف المختلفة عما قبل هذا العصر.

هل نستطيع اتخاذ قراراتنا بعقلانية أمام فيض المعلومات الذي نواجهه يوميًّا؟ 

يناقش الكاتبان بيلي ج. هانسن وفنسنت ف. هيندركس هذا الموضوع في كتابهما (Infostorms). إذ سمّيا هذه المعلومات العشوائية وما ينتج عنها من قرارات مضطربة باسم "عواصف المعلومات" أو "عاصفة المعلوماتية"، لأن انتشار أية معلومة عبر الشبكات الاجتماعية للإنترنت يمكن أن يوجّه آراء مجموعة من الأشخاص، وبمجرد أن يشاركها عدد قليل وتصل إلى معارفهم الاجتماعية على الإنترنت، فإن نسبة كبيرة منهم سيواجهون السؤال التالي: هل ما يقرأونه أو يرونه صحيح أم لا؟ ولكنّهم يكتشفون ألا رغبة أو وقتًا كافيًا لديهم للتأكد من صحة هذه المعلومات، وبالتالي يكون الخيار المنطقي تقليد ما يفعله الآخرون، أيًّا كان طبيعة السلوك المتبع، لأننا بطبيعتنا، عندما نعرف القليل عن شيء ما أو عندما  تكون المعلومات عنه هائلة لا قدرة لنا على معالجتها جميعها، نلجأ لمعتقدات الآخرين وتصرفاتهم ونعدّها مؤشرًا مساعِدًا لاتخاذ القرار، ما يعني أننا نعتبر خياراتنا التي نتخذها تبعًا لمعلوماتنا عما يفعله الناس حولنا خيارات عقلانية، وقناعتنا بالاعتقاد أن الآخرين لديهم سبب وجيه لتصديق معلمومة ما، أو قدرة على الوصول إلى المعلومات الدقيقة، قناعة صحيحة. 

ولكن قد يتفاجأ البعض عندما يعلمون أن محرك البحث غوغل، يستغل هذه المعادلة النفسية في إظهار نتائج البحث عن موضوع معيّن، إذ إنّ النتائج تعتمد بشكل أساسي على تصرّفات المستخدمين وعدد زياراتهم للمواقع لا على جودة المعلومات فيها، فخوارزمية PageRank، المعنيّة بتقييم مواقع الويب، طُوّرت في "غوغل" لدراسة ارتباط صفحات الويب ببعضها البعض وتقييم تفاعلات المستخدمين معها. وبالتالي الاعتقاد بأن ما يترأس نتائج البحث على "غوغل" أكثر موثوقية من النتائج تظهر في أسفل الصفحة أو في الصفحات الأخرى هو اعتقاد خاطئ، لأن نتائج البحث تعتمد أساسًا على الكلمات المفتاحية التي يبحث عنها المستخدم لا على المعلومة.

هل يعني هذا أنه الممكن أن نُخدع بسهولة ونصدّق الأخبار الكاذبة؟

في دراسة أجرتها جامعة ستافورد الأميركية، اكتشف الفريق البحثي لعالم النفس سام وينبورغ، أن الأميركيين، بدءًا من المراهقين المحنّكين في الأمور الرقمية إلى الأكاديميين الأذكياء، قد يفشلون في طرح أسئلة مهمة حول المحتوى الرقمي وتقييمه. كما أظهرت دراسات أخرى أن الأشخاص يعيدون نشر تغريدات تحتوي على روابط دون النقر عليها ويعتمدون على العناوين الرئيسية. بالتالي، يُمكن خداع مستخدمي الإنترنت بطرق عديدة. وإذا نظرنا إلى بعض المواقع من ناحية الشكل لوجدنا أنها لا تختلف كثيرًا عن المواقع الموثوقة، فهي تستخدم 2لاحقة "org" مثلًا، أو توثّق محتواها ببعض المصادر ولا تعرض فيديوهات الإعلانات المزعجة، هنا، لن يخطر للمستخدمين أن المعلومات مغلوطة أو غير دقيقة، وقد يُخدعوا بسهولة.

وعلى الرغم أن شركات التكنولوجيا تتعرض لضغوط متزايدة للتوصل إلى حلول بشأن المحتوى الزائف أو المضلل، إلا أن الحل ليس بسيطًا كما نظنه، ففي حين خسرت شركة فيسبوك أكثر من 120 مليار دولار من قيمة أسهمها في يوم واحد، حين كانت تحاول التعامل مع مجموعة من القضايا التي تحدّ تطوّرها والتي من ضمنها انتشار نظريات المؤامرة على منصتها، رأى المهندسون أنهم لا يستطيعون تعليم الآلات ما هو صحيح أو ما هو خاطئ في عالم لا يتفق فيه الناس على معظم القضايا.

ونستطيع القول إننا لاحظنا بعض الجهود الأخيرة قبل وخلال جائحة فايروس كورونا المستجدّ، مثل خاصية التبليغ عن المحتوى وتدقيقه من قبل جهات تقصّي الحقائق، إلا أن ذلك للأسف، قد يؤدي إلى نتائج عكسية، فمن الممكن أن يعتقد المستخدمون أن أي محتوى لم يُبلَّغ عنه أو لم يتم فحصه، هو محتوى صحيح، بينما قد يكون زائفًا أو مضللًا.

إذاً، كيف نتعامل مع عاصفة المعلومات؟

 برأيي، يكون ذلك من خلال إدراك أهمية عدم تصديق كل المعلومات المتوفرة على الإنترنت أو اعتبارها موثوقة، والاجتهاد لتمييز المصادر الموثوقة عن غيرها، وتطوير المهارات النقدية لتنقيح المعلومات ومعالجتها.

 

المصادر

Why we believe fake news - BBC Future

How Your Brain Tricks You Into Believing Fake News | Time

 

اقرأ أيضاً

الأكثر قراءة