تهمة نشر الأخبار الكاذبة ليست تهمة جديدة في مصر، فقد اشتهرت قبل سنوات وتحديدًا في عام 2007، حين استدعت النيابة العامة الصحافي المصري إبراهيم عيسى، رئيس تحرير الدستور المستقلة ووجهت له اتهامين، أولهما نشر شائعات تتعلق بصحة الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، وثانيهما ترويج بسوء قصد لشائعات تكدِّر الرأي العام.
ودار نقاش كبير في مصر منذ ذلك الوقت، تحوّل إلى معركة بين الصحافيين أنفسهم حول حدود الحرية في تناول أخبار الرئيس، وما قد يمثل تهديدًا للأمن العام.
وارتفعت وتيرة استخدام هذه التهمة، فاعتقلت الأجهزة الأمنية مئات الناشطين والناشطات بعد الثورة المصرية تحت ذريعة التهمة ذاتها، وأحدث هؤلاء المتهمين الناشطة الحقوقية البارزة سناء سيف والتي حكمت عليها محكمة جنايات القاهرة في 17 مارس/آذار الجاري بالسجن لمدة 18 شهرًا.
وُجّهت لسيف تهمة "بث أخبار كاذبة وشائعات" حول الأوضاع الصحية في البلاد وانتشار فايروس كورونا في السجون، وبث أخبار كاذبة قد تتسبب في إشاعة الذعر وإطلاق مزاعم مزيفة، وإساءة استغلال مواقع التواصل الاجتماعي. وقال الادعاء إنَّ لـ سناء الحق في الاستئناف على الحكم خلال 60 يومًا.
وحول التهم أضاف محاميها هشام رمادا للإعلام أنها أدينت أيضًا بإهانة ضابط شرطة على موقع فيسبوك.
ويصنّف قانون العقوبات المصري نشر الأخبار الكاذبة، جريمة يُعاقب عليها، إذ حددت المادة 188 من قانون العقوبات، العقوبة وهى الحبس والغرامة التي قد تصل إلى 20 ألف جنيه، ونصّت المادة على "يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من نشر بسوء قصد بإحدى الطرق المتقدم ذكرها أخباراً أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو أوراقاً مصطنعة أو مزورة أو منسوبة كذباً إلى الغير، إذا كان من شأن ذلك تكدير السلم العام أو إثارة الفزع بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة".
كما نصت المادة رقم 80 (د) على أن "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن 100 جنيه ولا تجاوز 500 جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل مصري أذاع عمداً في الخارج أخبارًا أو بيانات أو إشاعات كاذبة حول الأوضاع الداخلية للبلاد، وكان من شأن ذلك إضعاف الثقة المالية بالدولة أو هيبتها واعتبارها أو باشر بأية طريقة كانت نشاطاً من شأنه الإضرار بالمصالح القومية للبلاد".
وسناء سيف، هي شقيقة علاء عبد الفتاح المسجون منذ أكثر من خمس سنوات، ومن أكثر العائلات الحقوقية شهرة في مصر في مجال الدفاع عن حرية الرأي وحقوق الإنسان، ووالدها أحمد سيف الإسلام المتوفى عام 2014، المحامي المشهور في مجال حقوق الإنسان. ووالدتها، ليلى سويف، عالمة رياضيات، ومدافعة بارزة عن الاستقلال الأكاديمي، كما أن خالتها هي الكاتبة أهداف سويف.
وفي السياق ذاته أكد محامي سيف أنهم سيستأنفون حكم محكمة جنايات القاهرة أمام محكمة أعلى، كما نفت سيف المحتجزة منذ اعتقالها هذه الاتهامات عدة مرات.
وأثار الحكم غضب جماعات حقوقية دولية تتهم السلطات المصرية بشن حملة قمع واسعة على المعارضين وسجنت الآلاف من النشطاء من ذوي خلفيات وتوجهات متعددة.
ودانت آمنة القلالي، نائبة المدير الإقليمي لمنظمة العفو الدولية، حكم المحكمة ووصفته بأنه "ضربة قاضية أخرى للحق في حرية التعبير في مصر".
وتقول أسرة سناء إن السلطات اعتقلتها خارج مكتب النائب العام لدى محاولتها تقديم شكوى بشأن ظروف اعتقال أخيها علاء عبد الفتاح، في يونيو/حزيران 2020، وشكوى بشأن الاعتداء عليهم خارج مجمع سجن طرة بالقاهرة، إذ كانت العائلة تتجه يوميًا إلى طرة على أمل تلقي رسالة من شقيق سيف، الناشط عبد الفتاح.
وكانت 31 دولة بمجلس حقوق الإنسان الدولي، بينها الولايات المتحدة، دعت مصر في بيان الأسبوع الفائت إلى وضع نهاية لملاحقة النشطاء والصحفيين ومن تعتبرهم معارضين سياسيين بموجب قوانين مكافحة الإرهاب، كما حثت القاهرة على الإفراج عنهم دون قيد أو شرط.
وفي البيان المشترك، الذي قرأته سفيرة فنلندا لدى الأمم المتحدة في جنيف كريستي كوبي، عبّرت تلك الدول عن "قلقها العميق من اللجوء إلى قوانين مكافحة الإرهاب ضد الحقوقيين والمثليين والصحافيين والسياسيين والمحامين".
كما استهجنت "عدم الاستعانة بما يتم توضيحه لهذه الدول من حقائق ومعلومات حول أوضاع حقوق الإنسان في مصر". وطالبت مصر الدول التي أصدرت البيان بـ "التوقف عن توجيه اتهامات تعبّر فقط عن توجُّه سياسي غير محمود يتضمن مغالطات دون أسانيد".
المصادر