شهدت مدينة القدس في الأيام الأخيرة مواجهاتٍ بين المقدسيين، والشرطة الإسرائيلية ومستوطنين مدعومين منها، بعدما فرضت السلطات الإسرائيلية تقييدات على منطقة باب العامود بهدف تغيير ملامحه منذ بداية شهر رمضان الجاري، عن طريق نصب الحواجز الحديدية، كما فرضت القيود على المصلّين في المسجد الأقصى، واعتقلت قرابة مئة شخص.
أسفرت المواجهات عن إصابة أكثر من مئة مقدسي في باب العامود وأحياء البلدة القديمة، وامتدّت إلى أحياء وبلداتٍ فلسطينية أخرى.
ما يميّز هذه الأحداث هو رواج أخبارها على منصّات التواصل الاجتماعي، إذ انتشرت الصور والمقاطع من قلب المواجهات الّتي توثّق عنف الشرطة الإسرائيلية تجاه الشباب المقدسيين، وتصدّر وسم #القدس_تنتفض قائمة تريند في "تويتر"، حاصلًا على أكثر من 30 ألف تغريدة، كما لاقى انتشارًا واسعًا في العديد من الدول العربية. عبّر مستخدمو هذه المنصّات عن تضامنهم ودعمهم لقضيّة القدس والمسجد الأقصى، كما استخدم الفلسطينيون تطبيق تيك توك لنشر أخبار المدينة والمواجهات مع سلطات الاحتلال.
في المُقابل، لم تتجاوز هذه الأحداث المنصّات الإعلامية الإسرائيلية الرسمية والموجّهة، وفي ظلّ التضامن الواسع الذي حظيت به احتجاجات المقدسيين، نشرت صفحة وزارة الخارجية الإسرائيلية باللغة العربية بتاريخ 25 أبريل/نسيان الجاري، صورةً لجنديٍّ إسرائيليٍّ وامرأة فلسطينية في مدينة الخليل، الّتي امتّدت إليها احتجاجات الفلسطينيين الرافضة للسياسات الإسرائيلية في مدينة القدس، وأرفقتها بالتعقيب التالي:
"وجه إسرائيل الذي يخفيه الإعلام العربي ويتغاضى عنه العديد من المحافل الدولية. هذا هو حامي الحما الجندي الإسرائيلي الذي يحمي امرأة فلسطينية في الخليل من وابل الحجارة الفلسطينية لتأمين طريقها. هذا المشهد يدركه غالبية الفلسطينيين لكونهم مرّوا بهذه التجربة او سمعوا عنها."
يظهر من نبرة المنشور، أنّ القائمين على الصفحة يعون تمامًا قوّة منصّات التواصل الاجتماعي الفلسطينية، والعربية، في نقل حقيقة ما يحدث، إذ في منشورها هذا، حاولت "إسرائيل بالعربيّة" التأثير على الرواية الفلسطينية، وتغيير مسار الرأي العام العربي، الّذي تُوجّه إليه هذه الصفحة منشوراتها.
تناول “مسبار” سابقًا دور صفحات وزارة الخارجية الإسرائيلية باللغة العربية على منصّات التواصل الاجتماعي، في بثّ الدعاية الإسرائيلية والترويج لها، فهي لا تكتفي فقط بنشر أجنداتها، إنّما تعمل جاهدةً لتحريف الحقائق عن طريق الترويج للمعلومات المضلّلة، والمجتزأة من سياقها الحقيقي، محاولةً كسب تعاطف متابعيها، الّذين يصل عددهم إلى قرابة 500 ألف مستخدم على "تويتر"، وأكثر من مليونين على "فيسبوك"، لذا لا يُعدّ نشر هذه الصورة استثناءً ضمن سياسة وزارة الخارجية الإسرائيلية، ضمن دأبها للسيطرة على انتشار المعلومة، ودحض الرواية الفلسطينية، في ظلّ زخم المعلومات الفلسطينية التي انتشرت حول حقيقة ما يحدث فعلًا في القدس.
واستمرّ الترويج للدعاية الإسرائيلية، بمنشورٍ لـ"إسرائيل بالعربية" بتاريخ 25 أبريل/نيسان الجاري، عن تسهيل عبور المصلّين الفلسطينيين إلى الحرم الشريف والمسجد الأقصى.
بينما في الحقيقة، عزّزت السلطات الأمنية الإسرائيلية وجودها في محيط المسجد، ومنعت العديد من الفلسطينيين من عبور الحواجز العسكرية للصلاة هناك. أو الترويج لما سمّته حملة التطعيمات للعمّال الفلسطينيين في الأراضي المحتلّة عام 1948، إلّا أنّ من تتحمل مسؤولية تزويد الضفّة الغربية وقطاع غزّة بلقاحات فايروس كورونا بموجب القانون الدولي، هي السلطات الإسرائيلية.
بالعودة إلى الصورة المتداولة من مدينة الخليل، فوفقًا لتقارير إخبارية، أُصيب في اليوم الذي نُشرت فيه الصورة، العشرات من المواطنين اختناقًا خلال مواجهات اندلعت بين شبّان فلسطينيين وجنود جيش الاحتلال الإسرائيلي للّيلة الثانية على التوالي، بعد اقتحام الجنود لمركز المدينة وعرقلة حركة المواطنين هناك. لكن ما لم تنشره "إسرائيل بالعربية"، هي حقيقة ما يحدث خلف هذه الصورة الّتي تهدف أوّلًا وأخيرًا للدعاية، ولخلق حقيقة وهميّة حول إنسانية الجنود الإسرائيليين، فالجندي الإسرائيلي الظاهر في الصورة، نجده يوجّه سلاحه صوب الشبّان الفلسطينيين، والجنود الظاهرون في خلفية الصورة، مسؤولون عن قمع واعتقال الشبّان الفلسطينيين، في القدس والخليل.
بعد أكثر من عشرة أيّام من التضييق الإسرائيلي على القدس والمسجد الأقصى، أُزيلت الحواجز الإسرائيلية، واستُبدل وسم #القدس_تنتفض، بـ #القدس_تنتصر، وانتشرت مقاطع الشبّان الفلسطينيين المُحتفلين في محيط باب العامود، ولربّما يدلّ تداول الهبّة الأخيرة في وسائل التواصل الاجتماعي، على نمطٍ جديدٍ لنقل المُحتوى الفلسطيني، الذي تصدّى في زخمه وتغطيته المباشرة للأحداث، للدعاية الإسرائيلية وتضليلها.
المصادر: