في عام 1938، تسببت الدراما الإذاعية التي أخرجها الأميركي أورسون ويلز، عن رواية الغزو الفضائي لهربرت جورج ويلز، "حرب العوالم"، في حالة من الذعر والفزع للمستمعين في الولايات المتحدة الذين اعتقدوا أن الحكاية تُبثّ علنًا من قبل الحكومة.
في اليوم التالي، تصدرت عناوين الصحف عبارات مثل "مستمعو الراديو في حالة ذعر، بعد ظنهم أن عملًا دراميًّا عن الحرب كان حقيقة". ومع ذلك، أشارت الأبحاث التاريخية إلى أن الذعر الفعلي الذي تسبب فيه العمل كان مبالغًا فيه من قِبل وسائل الإعلام، إذ حظي البثّ بعدد قليل من المستمعين.
إذا انتقلنا سريعًا إلى عام 2021، حيث تتجلى أذرع وسائل التواصل الاجتماعي الطويلة إضافة إلى الإنترنت، ماذا سيحدث إن ظهر مقطع فيديو يُصور الرئيس الأميركي جو بايدن جالسًا في مكتبه ويعلن أنه سيضرب إيران بعد قليل؟ أو إذا نُشر مقطع فيديو للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وهو يهين المسلمين بفظاظة؟
تسمح تقنية الذكاء الاصطناعي التي تسمى التعلم العميق، والتي تُولّد صورًا لأحداث وهمية، والمعروفة أيضًا باسم الزيف العميف (deepfakes)، بإنشاء صورة متحركة تبدو تمامًا مثل بايدن أو ماكرون، ولكنها ليست كذلك، وبإمكانه التحدث والتحرك وفق ما يريده المنشئ، إذ لا يستطيع معظم المراقبين معرفة ما إذا كان مزيفًا.
قال محمد نجم، المدير التنفيذي لـSMEX، وهي منظمة حقوق رقمية تركز على اللغة العربية "حتى قبل التزييف العميق، تمتلك مواقع التواصل الاجتماعي منصات، وأدت الخدمات المختلفة إلى بعض التهديدات على المستخدمين في منطقتنا، وخاصة النساء والمجتمعات الضعيفة الأخرى" وذلك في لقاء أجرته معه عرب نيوز.
وأضاف "التزييف العميق يجلب تهديدات أكثر خطورة للمجموعات المذكورة أعلاه، خاصة إذا أراد (المجرمون) تدمير سمعة شخص ما. النساء، على وجه الخصوص، معرضات للخطر، إذ اكتسبن مزيدًا من الحرية داخل مجتمعات محافظة مختلفة، الأمر الذي قد يؤدي إلى تعرضهن لضرر حقيقي".
من بين أخطر المخاوف التي يطرحها المحتوى الوهمي مثل التزييف العميق، أنه، نظرًا لصعوبة تمييزها، يمكن استخدامها لجميع أنواع الأغراض المشبوهة، بدءًا من تشويه سمعة سياسي أو شخصية عامة ووصولًا إلى الابتزاز.
"على عكس العديد من الجرائم التقليدية، يمكن مشاركة الجرائم في العالم الرقمي بسهولة وتكرارها، وحتى بيعها، ما يسمح بتسويق التقنيات الإجرامية وتقديم الجريمة كخدمة. وهذا يعني أن المجرمين قد يكونون قادرين على الاستعانة بمصادر خارجية في الجوانب الأكثر تحديًا لجريمتهم، القائمة على الذكاء الاصطناعي"، كما ذكر المؤلف المشارك الدكتور ماثيو كالدويل في أحد التقارير.
ومما زاد الطين بلة، أن الإقناع بالتزييف العميق يمكن أن يلعب دورًا رئيسيًا في تشويه سمعة المؤسسات الإخبارية الكبرى.
في الآونة الأخيرة، ظهرت سلسلة من مقاطع الفيديو المقنعة للغاية على موقع تيك-توك، التي تظهر الممثل توم كروز وهو يؤدي أنشطة متعددة، في حيرة الملايين حول ما إذا كان الممثل الشهير أم لا.
كما ذكر التقرير أنه "حتى لو ثبت أن جزءًا صغيرًا من الأدلة المرئية المزيفة مقنع، يصبح من الأسهل بكثير تشويه مصداقية الأدلة الحقيقية، وتقويض التحقيق الجنائي ومصداقية المؤسسات السياسية والاجتماعية التي تعتمد على اتصالات جديرة بالثقة".
يتابع تقرير UCL ليشير إلى أن الوعي والتغييرات في سلوكيات الناس تجاه نشر وإنشاء مقاطع الفيديو هذه قد يكون خط الدفاع الفعال الوحيد.
تحتاج منصات وسائل التواصل الاجتماعي إلى فهم التهديدات والتصرف وفقًا لها. للأسف لا توجد ثقة في الحكومات في منطقتنا لفعل الشيء الصحيح. قال نجم "أفترض أنهم سيستخدمون هذا لتقييد المزيد من الكلام وتجريمه، الأمر الذي سيؤدي إلى مزيد من إغلاق المساحات المدنية".
في حين أن العديد من مقاطع الفيديو التي ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي حتى الآن ممتعة -للسياسيين يغنون ويرقصون، على سبيل المثال، أو وجه نيكولاس كيج على جسد Wonder Woman- إلا أن الأمور قد تأخذ منعطفًا أكثر حدة وأكثر قتامة قريبًا.
المراجع
اقرأ/ي أيضًا:
بعد أشهر من حظره على مواقع التواصل.. ترامب يُطلق منصة جديدة
ما حقيقة منح تركيا 3455 ليرة للعائلات السورية خلال جائحة كورونا؟