الآراء الورادة في هذا المقال لا تُعبّر بالضرورة عن رأي “مسبار”.
نشر حساب Israel Files مقطع فيديو يتّهم الفلسطينيين بتنظيم جنازة وهمية في سياق ما ادّعى أنّه دعاية مناهضة لإسرائيل. تُصوّر مجموعة من الأشخاص يحملون جثة، لكن عند سماع صوت صفارات الإنذار يهربون تاركين “الممثل” في منتصف الطريق، والذي سيركض لاحقًا للاختباء مع الآخرين.
وخلال العدوان الأخير على غزة، قامت مئات الحسابات الإسرائيلية بالترويج لادعاءات مضللة مشابهة، تنشرها ضمن وسم باليوود Palywood في منصات فيسبوك وانستغرام وتويتر.
واسم باليوود عبارة عن كلمة نصفها مأخوذ من بالستاين Palestine والجزء الثاني من هوليوود، أي أنّ الفلسطينيين يمثلون آلامهم ويدّعونها ويكذبون بشأن الشهداء والمصابين والضحايا.
ومن السهل ملاحظة مئات من الصور ومقاطع الفيديو التي يشاركها مستخدمون إسرائيليون أو داعمون لهم، هي بالفعل صور لا تنتمي إلى العدوان الأخير على غزة، بل تكون من سورية أو من حرب غزة عام 2014 أو الحروب السابقة..، ومن هنا فإنَّ جزءًا من المسؤولية يقع على الفلسطينيين أو المتعاطفين معهم الذين يشاركون صورًا ومقاطع فيديو وأحداث لم تقع في العدوان الأخير على القطاع.
ومع أنّ الحرب الأخيرة على القطاع فيها من المآسي ما يكفي إلا أنّ هناك من يريد أن تكون المأساة أكبر وأكثر درامية، فيشارك صور أطفال هم عبارة عن عارضي أزياء من العالم ليقول إنهم استشهدوا، أو صور أطفال فقدوا عائلاتهم في القصف بسورية والقول إنهم من غزة دون التأكد من مصدر الصور وصحتها.
وهناك من يفعل ذلك عن حسن نية لكن الأمر في النهاية مُسيء للقضية ككل، من يروّج هذا الوسم يريد القول إنّ بقية الضحايا والصور ومقاطع الفيديو أيضًا مفبركة ولا يجب تصديقها.
ومن هؤلاء الذين اعتبروا أنّ الفلسطينيين يُمثّلون المأساة والموت السفير الإسرائيلي في رومانيا، ديفيد سارانجا حين علّق على تغريدة للمستخدم نداف أبو قسيس "لا تثق في كل ما يعرضه الإعلام الفلسطيني، بعضهم يمشي وهو ميت" في إشارة إلى مقطع الجنازة الوهمية.
والحقيقة أنّ فيديو الجنازة ليس من فلسطين بل تم تصويره في الأردن كما بيّن "مسبار" في خبر سابق، والذي حدث في مارس/آذار 2020، حين نشرت المقطع قنوات إعلامية تتحدث عن حيلة ابتكرها شبان أردنيون لمغادرة المنزل، متظاهرين بجنازة أحد أصدقائهم خلال فترة الحظر بسبب تفشي جائحة كورونا. لذلك من يقول إنّ المقطع تم إنتاجه عام 2021 للدعاية المؤيدة لفلسطين أثناء الصراع بين إسرائيل وحماس، هو مجرد مزيِّف آخر يتهم الآخرين بالتزييف، خاصة في قضية حيوية مثل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
كما أنّ هذا الوسم نشرت عليه الحسابات المؤيدة لإسرائيل بأكثر من خمس لغاتٍ عالمية. مقطع فيديو آخر لجثث بالكفن مصفوفة بجانب بعضها البعض لكنها تتحرك، للقول إنه مقطعٌ تمثيلي خرج من غزة، إلا أنّ "مسبار" أثبت أنه قديم، ومنشورٌ على موقع يوتيوب منذ أكتوبر/تشرين الأول عام 2013 ولا علاقة له بأحداث غزة الأخيرة، بل يعود في حقيقته إلى عرض تمثيليّ لمشهد فض اعتصام رابعة في مصر، عمل على تأديته مجموعة من شباب جامعة الأزهر ضمن فعالية تُدين الحادثة.
ما يحدث منذ بدء العدوان على القطاع حتى اللحظة، قد يدل أنّ ما يجري على وسائل التواصل الاجتماعي هو معركة صورة بشكلٍ أساسي، وما يشاركه الفلسطيني ومن يسانده على وسائل التواصل من المهم أن يكون مستقى مما يحدث على الواقع الذي يكفي لسرد الرواية والحدث.
إنَّ تصفحًا بسيطًا لوسم باليوود palywood يظهر تزييفًا واضحًا في الحدث اليومي وضحاياه، ويُصغّر الضرر الذي يتركه العدوان الإسرائيلي على القطاع، في الوقت الذي يقول لك المستخدم الفلسطيني العادي "ما المشكلة أن أستخدم صورًا قديمة للعدوان على القطاع إذا كانت تؤكد المأساة؟".
إنّ المعركة وأصلها فيما يحدث في فلسطين هذه الأيام يعود إلى قول الحقيقة بالأساس، وإظهار البراهين والبيانات الصادقة. ربما يكون الطفل السوري المكلوم بفقدان عائلته محزنًا أيضًا ويستحق اهتمامًا ولكن ليس في سياق غير سياق قضيته، كي لا يتم ظلمه وظلم القضية الأخرى التي نُسبت إليها الصورة. كذلك الأمر في ضحايا الحروب السابقة على قطاع غزة بالتأكيد جميعهم مهمين ولكن ليس على حساب الحدث الآني وما يحدث اليوم في قطاع غزة من وحشيةٍ فاقت جميع الحروب، كي لا يقال "لا ..هذا الحدث قديم، ولم يحدث الآن" أو "ما دامت هذه القصة أو الصورة كاذبة يعني كل مأساتك مشكوك بها".
وغطّى "مسبار" عشرات الصور ومقاطع الفيديو التي نُسبت إلى فلسطين والعدوان الأخير في قطاع غزة، وكانت مضللة، وبعضها مفبرك، وعلى الرغم من اعتراض كثيرين على تصحيح هذه المعلومات باعتبارها جميعها تصب في خانة تجريم دولة الاحتلال إلا أنه قد يسهو المرء عن حجم الدعاية التي يبنيها الإعلام الإسرائيلي على استخدام الفلسطيني أو المتعاطف معه لمعلوماتٍ ليست صحيحة، فهي فرصة لديه وثغرة للانقضاض على كلّ الحقيقة، ومن المهم لمنصات فحص الحقائق تصحيحها قبل أن تؤخذ ويُشوّه بها يوميات العدوان ومظلمة الضحايا والناجين.
ولابد من الإشارة أنّ بعض الأخبار أيضًا عن التضامن الدولي المفبركة، خطرة جدًا على معنويات أصحاب القضية، فحين يستخدم الجمهور صورة ممثلة شهيرة كما حدث مع الممثلة كريستين ستيوارت على أنها تُناصر القضية بإرتدائها الكوفية، ثم فجأة يتبين أن الحساب مفبرك بشكلٍ كلي يجعل من هُم تحت ظلم الاحتلال أو المهتمين بقضيتهم يشعرون بإحباط كبير فتتراجع حماسة المطالبة بالحق، كما يقلل من زخم التضامن الدولي مع فلسطين ويصبح النظر إلى الانتهاكات كأنها خدعة وليست حقيقة، فصورة واحدة مفبركة لستيوارت ترتدي الكوفية قد تجعل عشرات من مشاهير العالم يفكرون مرتين قبل أن يدعموا قضية “مجموعة من المفبركين”.
وانتشر مزيد من أخبار التضامن المضللة، كمقطع فيديو قالت المنشورات إنه لتضامن اللاعب كريستيانو رونالدو مع فلسطين، لكنه في الحقيقة تضامن قديم مع أطفال سورية. ثم نُشرت صورة قديمة لملك وملكة السويد يرتديان فيها الوشاح الفلسطيني باعتبار أنهما يناصران القضية خلال عدوان غزة الأخير، لكن في الحقيقة الصورة تعود إلى عام 2013 حين أهدى لاجئ فلسطيني في السويد الوشاح إلى الملك والملكة.
ربما وسم باليوود يشعرك بالعجز والفاجعة حين تتخيل ما قد يحدث من غسيل للأدمغة، التي تريد أن تتعرف على حقيقة الصراع، ما يُحمّل الفلسطيني مسؤوليةً مضاعفة لمشاركة الحقيقة والحقيقة فقط والدفاع عنها وحدها عارية دون محسنات أو ديكورات قديمة، فمقطع فيديو واحد أو صورة لغزة خلال العدوان الأخير، كفيديو الطفل الذي يحمل سمكته بعد أن أنقذها من القصف، أو مقطع البرج الذي يضم مؤسسات صحافية وانهار مثل "بسكويتة" بعد قصفه بصواريخ الجيش الإسرائيلي.. تفعل في وسائل التواصل الاجتماعي ما لم تفعله هوليوود طوال تاريخها.
المصادر:
palywood - Twitter Search / Twitter
(1) #palywood - Explorer | Facebook