أثناء كل عدوان إسرائيلي على قطاع غزة، يعمل المتحدث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي على توظيف حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي لنشر ادعاءات مضللة حول العمليات العسكرية الإسرائيلية، والتي استمر آخرها 11 يومًا خلال شهر مايو/أيار الفائت، وراح ضحيتها أكثر من 253 فلسطينيًا من بينهم 66 طفلاً و39 سيدة و17 مسنًا، إضافة إلى 1948 إصابة بجراح مختلفة، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية.
خرج أدرعي مؤخرًا في مقطع فيديو للإجابة على سؤالين حول العدوان الأخير على قطاع غزّة، ارتكزت الأجوبة على ثلاثة ادعاءات مضللة قام "مسبار" بتفنيدها.
"من يتحمل مسؤولية قتل المدنيين في قطاع غزة؟"
قال أدرعي في إجابته عن السؤال الأول، إنّ حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تتحمل المسؤولية الكاملة عن سقوط الضحايا المدنيين في غزة، كونها استخدمت منصاتها الصاروخية بين الأحياء السكنية، ومقراتها العسكرية داخل المباني المدنية. كما قال إنّ الجيش الإسرائيلي اتّبع أخلاقيات الحرب، وأطلق الصواريخ "بدقّة ومهنية"، كما أضاف أنّ كلّ مكان يُستخدم لأعمال عسكرية ضد إسرائيل أصبح شرعيًّا للاستهداف.
هنا وضّح مدير التوثيق والمناصرة في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، حمدي شقورة لـ"مسبار"، أنّ ما ادّعاه أدرعي هو ترويج لمعلومات مضللة، لأنه في الأصل يجب حماية المدنيين وفق القانون الدولي الإنساني، وبحسب المادة 48 من البروتوكول الإضافي الأول لاتّفاقيات جنيف "تعمل أطراف النزاع على التمييز بين السكان المدنيين والمقاتلين وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية ومن ثم توجيه عملياتها ضد الأهداف العسكرية دون غيرها وذلك من أجل تأمين احترام وحماية السكان المدنيين والمنشآت المدنية". كما أقرّت المادة 51 من البروتوكول الأول أنّه "يتمتع السكان المدنيون والأشخاص المدنيون بحماية عامة ضد الأخطار الناجمة عن العمليات العسكرية، ولإضفاء فعالية على هذه الحماية يجب مراعاة القواعد التالية دومًا بالإضافة إلى القواعد الدولية الأخرى القابلة للتطبيق". ولفت شقورة إلى أنّه بحسب القانون الدولي الإنساني، فإنّ هناك مبدأ التناسب في استخدام القوة، بمعنى أنّه لا يجوز استخدام قنبلة تزن أطنان لتدمير الهدف العسكري، إن وُجد في مبنى مدني، وتدمير ما حوله من مساحات كبيرة ستؤدي حتمًا لقتل مدنيين.
وادّعى أدرعي، أنّ الجيش الإسرائيلي كان يحذّر المواطنين في قطاع غزة، ويُرسل إنذارًا مُسبقًا للمدنيين قبل الاستهداف، لكنّ تقرير منظمة العفو الدولية بتاريخ 17 مايو/ أيار الفائت، وثّق أربع هجمات مميتة شنتها "إسرائيل" على منازل سكنية دون سابق إنذار. وقالت المنظمة "إنَّ القوات الإسرائيلية أظهرت تجاهلًا مروعًا لأرواح المدنيين الفلسطينيين من خلال شن عدد من الغارات الجوية التي استهدفت في بعض الحالات مبانٍ سكنية، مما أسفر عن مقتل عائلات بأكملها- بمن فيهم أطفال- والتسبب في الدمار المتعمّد للممتلكات المدنية، في هجمات قد ترقى إلى حد جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية".
واستشهدت المنظمة بمجزرة مبنى أبو العوف في شارع الوحدة بمدينة غزة كمثال على عدم إنذار المدنيين قبل الاستهداف.
"لماذا استهدفتم برج الجلاء الّذي يحتوي على مكاتب لبعض وسائل الإعلام؟"
وحول سبب تدمير برج الجلاء، الذي يضم مكاتب صحفية لوكالة أسوشيتد برس الأميركية وقناة الجزيرة، قال أدرعي إنّ حماس وضعت مكاتب عسكرية واستخباراتية بداخله، إلّا أنّ الحقوقي شقورة، أكّد أنّ ما ينطبق على وجود هدف عسكري بين الأعيان المدنية ينطبق عليه في الأبراج السكنية من حيث موقف القانون الدولي الإنساني فيه، أيّ أنّ ادعاء أدرعي هنا أيضًا مضلل، مشددًا على أنّ هذا البرج لم يكن فيه أيّ هدف عسكري، واستهدافه جاء لأنّه يحتوي على أهم المكاتب الإعلامية، لطمس الصورة عما يجري في القطاع.
بدوره أكد وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، خلال مؤتمر صحفي عُقد في وقت سابق في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن، أنّه لم يرَ أيّ دليل إسرائيلي على أنّ حماس كانت تستخدم برج الجلاء في غزة.
ووفقًا للمرصد الأورومتوسطي، فإنّ استخدام إسرائيل لسياسية استهداف وهدم منازل المدنيين، يعد عقابًا جماعيًّا لسكان قطاع غزة، وهو ما ينتهك القانون الدولي الإنساني، لا سيما المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة، والتي تنص على حظر العقوبات الجماعية، وجميع تدابير التهديد وتدابير الاقتصاص من الأشخاص المحميين وممتلكاتهم.
الجدير ذكره، أنّ طيارًا إسرائيليًا أدلى بشهادة بعد انتهاء العدوان مباشرة لقناة 12 الإسرائيلية، قال فيها إنّ "استهداف الأبراج السكينة في غزة، كان تنفيسًا عن احباطهم من نجاح الفصائل الفلسطينية في غزة". مضيفًا: "لم ننجح في وقف إطلاق الصواريخ، لم ننجح في المساس بقيادة التنظيمات لذلك نسقط الأبراج".
وهذا التصريح يعزز أنّ السياسة التي انتهجها الاحتلال في عمليته العسكرية هي تنفيذ عقوبات جماعية على المدنيين في القطاع، غُلّفت بحملة دعائية مضللة لا تزال مستمرة يقودها الموقف الرسمي الإسرائيلي.
المصادر:
المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان
البروتوكول الأول لمعاهدة جنيف الرابعة