يوازي الحرب في اليمن التي أودت بحياة آلاف الأشخاص وأجبرت الملايين على ترك منازلهم، صراعٌ آخر في فضاء المعلومات المضللة عبر الإنترنت، وفقًا لتقرير نشرته مجلة فورين بوليسي الأميركية.
وقال التقرير إنّ التأثير السلبي للمعلومات المضللة وخطاب الكراهية والتطرف، لا يقتصر على إبطاء الجهود المبذولة للتخفيف من انتشار كوفيد-19 فحسب، إنّما من شأنه تعميق العداوات بين اليمنيين،كذلك تؤدي إلى تآكل آفاق التوصل إلى تسوية سلميّة دائمة.
وجاء في التقرير الذي نشرته فورين بوليسي في السادس من يناير/كانون الثاني الجاري "اندلعت الحرب الأهلية في اليمن عام 2014 وسرعان ما تحولت إلى صراع إقليمي بالوكالة بعد أن سيطر الحوثيون المدعومون من إيران على العاصمة صنعاء، مما أجبر الرئيس اليمني آنذاك عبد ربه منصور هادي وإدارته على الاستقالة في عام 2015، وتدخل تحالف دول الخليج بقيادة السعودية والإمارات نيابة عنه، وشنّ حملة عسكرية. فيما فشلت اتفاقيات السلام المتتالية والترتيبات السياسية في أن تترسخ، مع استمرار عزم كلٍّ من الجانب الحوثي الإيراني والجانب السعودي على تحقيق نصر عسكري".
وفي هذه الأثناء، أوضح التقرير أنّ هناك نوع آخر من الحرب يدور حول اليمن ولكن هذه المرة في الفضاء الإلكتروني. إذ في وقت مبكر من الصراع، سيطر الحوثيون على نطاق الاتصالات “ye”، والذي يمكن للمواقع اليمنية استخدامه بدلاً من “.com”. كما سيطروا على مزوّد خدمة الإنترنت المحلي، يمن نت، من أجل تصفية المحتوى وإدارة المواقع الوطنية. وبمرور الوقت، قيّدوا استخدام الإنترنت وأحكموا الرقابة على المواقع وعطّلوا وسائل التواصل الاجتماعية، بما في ذلك لمنصات الشعبية مثل فيسبوك وتويتر ويوتيوب. كما أشرف الحوثيون على حملات التأثير المصمّمة لحشد الدعم الدولي ضد الهجمات السعودية والضربات الجوية الأميركية.
ويصف السكان المحليون المنصات الموالية للحوثيين بأنها تمارس "حرب ناعمة" عبر نشر أفلام وثائقية وقصص إعلامية ورسوم كاريكاتورية ساخرة ومنشورات على الإنترنت لجذب الجمهور.
ويقول التقرير إنّ "هذه الجهود للسيطرة على الفضاء المعلوماتي اليمني، عزّزت قضية الحوثيين في الخارج كما عزّزت شرعيتهم في الداخل. واليوم من المرجح أن يثق اليمنيون الذين يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في وسائل إعلام الحوثيين أو ينظرون إلى تصريحات سلطات الحوثيين على أنّها موثوقة، حتى لو كانت زائفة بشكل واضح".
ووجدت دراسة استقصائية أجرتها منظمة DT Global العام الفائت، أنّ المستجيبين في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون يعتبرون قناة المسيرة، الناطقة بلسان الحوثيين المحظورة في العديد من البلدان خارج اليمن، من بين أكثر وسائل الإعلام موثوقية. كما حدّد استطلاع سابق في عام 2020 أنّ ما يقرب من 80 في المائة من أولئك الذين يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون يثقون بمسؤوليهم المحليّين، مقارنة بنحو الربع في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة. وبالنسبة للحوثيين، يبدو أنّ السيطرة على وسائل الإعلام تؤتي ثمارها.
وتصدّت حكومة هادي لتحركات الحوثيين عام 2018 من خلال إطلاق مزود الإنترنت الخاص بها، AdenNet، لانتزاع السيطرة من يمن نت. ويقع مقر AdenNet في المملكة العربية السعودية ويتم تشغيله عبر أجهزة توجيه Huawei، ومستقلًا عن الكابلات البحرية اليمنية. ووعد AdenNet بالوصول إلى الإنترنت عالي السرعة عبر الألياف الضوئية بأسعار أقل من منافسه. ووجدت الشركة عملاء راغبين، خاصةً بعد ارتفاع أسعار يمن نت، لكن التغطية لا تزال محدودة نسبيًا، وفقًا للتقرير.
وتؤدي المنافسة للسيطرة على قطاع الاتصالات والمعلومات، إلى تسميم مشهد وسائل الإعلام التقليدية والاجتماعية في البلاد. وتشهد شبكات الأخبار اليمنية استقطابًا شديدًا، ويفقد معظم المواطنين خارج المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون ثقتهم في موضوعية وصدق وسائل الإعلام المحلية.
وتشير الأبحاث التي أجرتها DT Global and Ark، وهي منظمة لحقوق الإنسان، إلى أنّ غالبية اليمنيين يعتقدون أنّ معظم قنوات التلفزيون والراديو ووسائل الإعلام المطبوعة، تُحرّف القصص حول الوضع الأمني في المقاطعة وأخبار مفاوضات السلام والاقتصاد. ولا يثق الكثير أيضًا في التغطية المحلية لفايروس كوفيد-19. في المقابل يعتقد غالبية السكان القاطنين في مناطق سيطرة الحوثيين أنّ المعلومات التي تنشرها السلطات عن الوباء صحيحة.
تُفاقم الأخبار الزائفة الأزمات وتُقوض مساعي الاستقرار، وفي مناطق النزاعات يُعدّ توفر المعلومات الموثوقة أمرًا ضروريًا لتجنّب العنف والحصول على المساعدات وبناء السلام.
المصدر: