عقب إعلان مكتب رئاسة الجمهورية اللبنانية ظهر أمس الثلاثاء الخامس من أبريل/نيسان، عن خبر زيارة البابا فرنسيس إلى لبنان في يونيو/حزيران المقبل، انشغل الإعلام المحلي والعربي والدولي بتسليط الضوء على هذه الزيارة المرتقبة، لما تحمل من أهمية دينية ومعنوية وسياسية لبلد مثل لبنان، في ظلّ معاناة شعبه من أزمة اقتصادية وسياسية غير مسبوقة.
وجاء في البيان الذي شاركه الإعلام الرئاسي من خلال منشور في حساب الرئاسة الرسمي على موقع تويتر، أنّ "الرئيس عون تبلغ من السفير البابوي أن البابا فرنسيس سيزور لبنان في حزيران المقبل على أن يحدَّد موعد الزيارة وبرنامجها بالتنسيق بين لبنان والكرسي الرسولي."
إذ سبق الإعلان عن هذه الزيارة أمس، لقاء جمع كلًّا من رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون والسفير البابوي في لبنان، المونسنيور جوزف سبيتري، في القصر الرئاسي في بعبدا.
ولكن المفارقة جاءت في حديث نقله موقع أخبار الفاتيكان أمس، عن مدير دار الصحافة التابعة للكرسي الرسولي، ماتيو بروني، الذي أكّد للصحفيين، أنّ زيارة رسولية للبابا فرنسيس إلى لبنان هي احتمال قيد الدراسة وليست مؤكّدة بعد. كما أعاد المراسل من الفاتيكان، كريستوفر وايت، مشاركة تغريدة الرئاسة اللبنانية، معلّقًا “رئيس جمهورية لبنان يقول إنّ البابا فرنسيس سيزور لبنان في شهر يونيو. الفاتيكان لم يؤكِّد حتى هذه اللحظة، أنّ هذه الزيارة ستتم”.
لم تمرّ هذه التصريحات مرور الكرام، فأصبحت محطّ نقاش وجدل في الفضاء العام وفي الصحافة اللبنانية والمواقع الإخبارية المختلفة، لا بل وأصبحت نقطة انطلاق للتشكيك في الرواية الرسمية اللبنانية، طالما أنّ الطرف الثاني أو المدعو لم يجزم بإمكانية حصولها، انطلاقًا ممّا نشره.
ونشرت العديد من المواقع أنّ زيارة البابا غير مؤكدة وفقًا للتصريحات الصادرة عن إعلام الفاتيكان، ومنها مَن اتهم الرئاسة اللبنانية بإفساد حصول هذه الزيارة وحمّلها مسؤولية تبعات عدم التزامها بالبروتوكولات والأصول التي تقضي بإعلان الفاتيكان أوّلًا عن هذه الزيارة، وهو ما لم تلتزم به الرئاسة اللبنانية، وفق ما تم تداوله. ومنها من ذهب إلى أبعد من ذلك ليلبس المسألة ثوبًا سياسيًا، ويُقحم فريقي 8 و14 آذار، في قضية زيارة البابا. فريق 8 آذار، أي الفريق المؤيد لمحور الممانعة التابع لحزب الله ورئيس الجمهورية، يعتبر هذه الزيارة انتصارًا له في حال تمّت، كون البابا لبّى دعوة رئيس الجمهورية بعد أقلّ من شهر على لقاء جمعهما في الفاتيكان بتاريخ 21 مارس/آذار الفائت. وفريق 14 آذار المعارض، رأى أنّ الفاتيكان غضب من تحوير المواقف البابوية وتظهيرها ضمن إطار داعم لتوجهات محور الممانعة في المنطقة ومسيحيي 8 آذار في لبنان، كما ورد في مقال نشره موقع القوات اللبنانية حول هذا الموضوع.
في ظلّ اختلاط المعلومات وتضاربها في الساعات الأخيرة، تواصل "مسبار" مع مدير المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية رفيق شلالا، لاستيضاح حقيقة ما حصل في أروقة القصر وحول ما إذا كانت هذه الزيارة قائمة فعلًا. وطلب “مسبار” من شلالا تزويده بالرسالة الخطية التي استلمها القصر الرئاسي من السفير البابوي، إلّا أنّه أوضح أنّ الأصول والتقاليد لا تسمح بنشر رسالة رسمية إلا إذا وافق الطرف المرسل على ذلك أيضًا. كما قال شلالا لـ"مسبار" إنّ محاولات التشويش على هذه الزيارة باءت بالفشل لأنّ مجلس المطارنة الموارنة أعلن من بكركي اليوم برئاسة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، أنّ هذه الزيارة ستحصل في يونيو كما قال المكتب الرئاسي أمس. كذلك أصدر مجلس المطارنة الروم الكاثوليك بيانًا ترحيبيًا بهذه الزيارة. كما صرح المطران بولس الصياح، في إذاعة صوت لبنان أنّ البابا قادم في شهر يونيو.
إذًا، القصر الرئاسي متمسك من جهته بما أورده، بأنّ هذه الزيارة ستتمّ فعليًا ضمن الإطار الذي أُعلن عنها فيه، ليعزو شلالا ما ورد على لسان مدير الإعلام بالكرسي الرسولي، ماتيو بروني، إلى أنّ الأخير "قال إنّ هذه الزيارة هي قيد البحث ولا يوجد شيء رسمي بعد لأنّه رسميًا يُعلن عن الزيارة قبل شهر فقط من حصولها وبالتوافق بين الدولتين. ويخرج بيان مشترك لبناني فاتيكاني يعرض موعد الزيارة، تاريخها وبرنامجها، عندما تنتهي التحضيرات اللوجيستية والبرنامج والتوقيت وكل هذه التفاصيل. ولكن هذا لا يلغي إمكانية الإعلان عن الموعد العام للزيارة وهو شهر يونيو دون ذكر التفاصيل وهذا ما حصل."
كما أكّد شلالا أنّ المكتب الإعلامي في القصر الرئاسي لم يفعل أي شيء بالسرّ ولم يطوّق الحدث ولم يستبق أي شيء، إنّما قام بما يجب فعله، مشدِّدًا على أنّ المكتب الإعلامي قام بتصويب الأمر عندما انتشر ونشره بشكله الصحيح. وأنّه بالتفاهم مع السفير البابوي، صُوِّر وهو يسلّم الرسالة الخطية، وأنجز خبر زيارة البابا إلى لبنان دون ذكر الموعد النهائي.
ويذكر أنّ دلالات هذه الزيارة في حال تمّت بعد إجراء الانتخابات النيابية اللبنانية القادمة في 15 مايو/أيار المقبل، تأتي وفق المراقبين في سياق تجديد مباركة لبنان ودعمه مع دخوله في مرحلة جديدة تفضي إلى مجلس نيابي جديد وبالتالي انتخاب رئيس جمهورية جديد أيضًا يختاره هذا المجلس.
كما أنّه في حال تأكّد الموعد النهائي لزيارة البابا فرنسيس إلى لبنان في وقت لاحق، ستكون الزيارة البابوية الثالثة إلى لبنان، بعد زيارة كلّ من البابا يوحنا بولس الثاني الذي زار لبنان عام 1997 في عهد الرئيس الراحل إلياس الهراوي، وزيارة البابا بنديكتوس السادس عشر، الذي زار لبنان عام 2016، في عهد الرئيس السابق ميشال سليمان.
اقرأ/ي أيضًا:
بوتين لم يطرد عائلة روتشيلد من روسيا
الصورة ليست لتعميد بوتين وأخذه بركة الكنيسة الأرثوذكسية قبل إعلانه الحرب