موسم إشاعات الانتقالات الصيفية للاعبي كرة القدم على قدم وساق، إذ تُعرف فترة الانتقالات الصيفية دائمًا بأنها أكثر الأوقات التي تنتشر فيها إشاعات الانتقالات. ومع ذلك، حتى في حالة عدم وجود بطولات كبرى، فإن "من يذهب إلى أين ولماذا؟" يظل دائمًا حديث المشجعين وشاشات محرري الصحف وفي أذهان اللاعبين والوكلاء.
وهذا الصيف تحديدًا اختلف عن أي صيف آخر، بسبب انتهاء عقد لاعب كرة القدم الفرنسي كيليان مبابي مع فريق باريس سان جيرمان، ومحاولة تجديد النادي الفرنسي معه، ومفاوضات ريال مدريد الذي يرغب في ضمه.
حيث تتسارع وسائل الإعلام العالمية في نقل أخبار اللاعب، وقراره المستقبلي، ويشغل مبابي الرأي العام العالمي بسبب المفاوضات المستمرة والصراع المدريدي الباريسي من أجل التوقيع مع اللاعب.
وعلى الرغم من انتشار أنباء تحدثت عن ظهور مبابي يوم الأحد المُقبل 22 مايو/أيار، ليُعلن عن موقفه الرسمي بشأن مستقبله، وهل سيجدد تعاقده مع باريس سان جيرمان أم سيذهب إلى ريال مدريد، لا زالت العديد من التقارير والإشاعات التي تتحدث عن مستقبل اللاعب وتحديد وجهته المُقبلة.
مهما كانت الإشاعات، مهما كانت وحشية، فإن الكثير منا مهووس بها
يوجد تعريفات مختلفة للإشاعة، منها القول بـ"أنها جزء من المعلومات تنتقل من شخص إلى آخر، دون أنّ يعرف أي منهما في الواقع ما إذا كانت المعلومات صحيحة أم خاطئة". ويُقال إنّ الإشاعة “مجرد حقيقة سابقة لأوانها”، حددتها المزيد من التعريفات للإشاعات على أنها أجزاء من المعلومات غير المؤكدة، والاقتراحات الملونة بظلال الشك وكمعلومات تم إنشاؤها لملء الفجوات بسبب غياب البصيرة أو الفهم.
ويُعتقد أيضًا أنّ الإشاعات لها خصائص مشتركة: على سبيل المثال، تتعلق إما بقضايا حالية ويُنظر إليها على أنّها أخبار مرتجلة مرتبطة بمسائل ذات اهتمام جماعي، وتساعد في غرس الشعور بالإيمان عندما تكون المعلومات الموثوقة غير متوفرة بطريقة أخرى.
وفي إحدى الدراسات، تم تسليط الضوء على الإشاعات على أنّها "لقمات تؤكل جائعًا وسط مجاعة إعلامية".
ونعود هنا للأسباب التي تجعل الصيف، الوقت المناسب تمامًا لنشر إشاعات الانتقالات في كرة القدم وانتشارها. إذ يرجح أنّ الفترة تأتي مع قرب نهاية البطولات المحلية والدولية الموسمية، يجلس فيها مشجعو كرة القدم على طاولة فارغة، مع مساحة واسعة يمكن أن تنتشر فيها الإشاعات، ويبحثون فيها على غرار وسائل الإعلام، واللاعبين ووكلائهم عن اللقمة لملء محادثاتهم الخاصة، والمساحة الفارغة في حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي والمساعدة في شراء وبيع اللاعبين. ومع ذلك، أصبحت دائرة الإشاعات أكثر حدة مما كانت عليه سابقًا.
متى تتم صفقات انتقال اللاعبين؟
تجري هذه الصفقات في فترتين سنويًا. وبحسب لوائح الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، يمكن للأندية شراء وبيع اللاعبين خلال هاتين الفترتين، اللتين تُعرفان بـ"نافذتي الانتقالات" أو "موسمي الانتقالات"، لتحقيق الاستقرار في نظام بيع وشراء لاعبي كرة القدم.
وبالتالي، لا يمكن أن تتم الانتقالات إلا خلال الفترتين ويتم فرضهما مركزيًا، وتكون الانتقالات الصيفية قبل بداية الموسم الجديد وفترة انتقالات شتوية وتكون في منتصف الموسم، مما يعني أنه لا يجوز للاعبين الانتقال من نادٍ إلى آخر إلا مرتين في السنة. وحول هذه النوافذ، تنتشر التكهنات والإشاعات.
أسباب انتشار إشاعات الانتقالات
ولفهم إشاعات انتقالات كرة القدم، من يبدأها ومن ينشرها ولماذا تنتشر، يتطلب من المرء أن يفهم أسس هذه الإشاعات. إذ بحثت دراسات سابقة عن هذه الإشاعات من وجهات نظر مختلفة.
واعتقد البعض أنّه ينبغي النظر إلى إشاعات الانتقالات، على أنها معاملات اقتصادية ثنائية الاتجاه. أي أنّ هناك منفعة أو فائدة يمكن أنّ يستمدها أحد الطرفين من إيصال إشاعة وآخر يتلقاها. على سبيل المثال، في حالة المشجع، فإن أشهر الصيف هي فترة شحيحة، لا توجد كرة قدم ولا مباريات، ولا توجد نتائج، ولا توجد تقارير عن المباريات. ومن ثم، فإن فرصة التفكير في التعاقد مع لاعبين جدد لها عوامل جذب واضحة ومزايا محتملة.
وفي الوقت نفسه، تستطيع وسائل الإعلام الكروية توجيه حركة المرور إلى مواقعها الإلكترونية وصحفها ومجلاتها عندما لا يكون هناك الكثير من التقارير عنها. واتخذت بعض المواقع الآن هذا الأمر إلى أبعد من ذلك، حيث صممت خوارزميات معقدة لمعرفة ما يريد عشاق كرة القدم قراءته بالضبط (جمع البيانات حول عمليات البحث عن أخبار انتقال مبابي، على سبيل المثال)، ثم إنشاء إشاعات لتلبية هذا الطلب.
البعد الاقتصادي الآخر، هو أنّ الإشاعات تُستخدم في بعض الأحيان لأغراض إشارات السوق. وقد يقوم الوكيل الذي يسعى للعثور على نادٍ جديد للاعب يمثله بإيجاز الاتصالات الإعلامية بحكمة، ويخبرهم أنّ لاعبه "يبحث عن تحدٍ جديد" ، أو "يريد راتبًا أفضل" أو أنه "يريد تحقيق إمكاناته من خلال اللعب في نادٍ أكبر".
وسبق واستخدم العديد من وكلاء اللاعبين وسائل التواصل الاجتماعي، لزيادة إشاعات رحيل اللاعب. وإذا رأت وسائل الإعلام فائدة من إيصال الإشاعة، فعندئذ تُذاع. ويستجيب المعجبون من خلال مشاركتها، وهكذا يبدأ سوق الإشاعات في العمل.
وتُشير بعض التقارير إلى هذه العملية على أنها "آلية العدوى" للإشاعات، والطريقة التي تنتشر بها. وبالنسبة للوكيل واللاعب، فإن الفائدة النهائية هي أنّ تصبح الأندية على دراية بتوافر اللاعب وأنه متاح للبيع. وما إذا كان اللاعب سيبقى في نادٍ ما أو غادر إلى نادٍ آخر، غالبًا ما يمكن رفع مستويات الرواتب والمدفوعات نتيجة لذلك.
على سبيل المثال، نتذكر موسم الانتقالات الصيفية الفائت، كان نجم كرة القدم البرتغالي ولاعب مانشستر يونايتد الحالي، كريستيانو رونالدو، حديث وسائل الإعلام العالمية ومواقع التواصل الاجتماعي، بعد إعلان رحيله عن ناديه السابق يوفنتوس الإيطالي. إذ كشفت عدة تقارير صحافية أنّ خورخي مينديز، وكيل اللاعب، قام بفتح محادث مع مانشستر سيتي لانتقال رونالدو إلى الفريق.
وأوضحت وسائل الإعلام أنّ المفاوضات شهدت تقدّمًا كبيرًا وتم الاتفاق على جميع الشروط. فيما أعلنت مواقع رياضية أنّ رونالدو انتقل رسميًا إلى السيتي، وانتظر العالم تقديم رونالدو على ملعب الاتحاد، حتى تفاجأ عالم كرة القدم بانضمام رونالدو إلى مانشستر يونايتد، بعد مكالمة من طرف المدرب الأسطوري السابق لمانشستر يونايتد السير أليكس فيرغسون لرونالدو، أنهت الأمور تمامًا.
وذكرت تقارير رياضية أن رونالدو ووكيله وافقا على عقده الحالي مع مانشستر يونايتد بعد أنّ أمضى فترة في مغازلة منافسه مانشستر سيتي علنًا. وسواء أراد بصدق التنقل عبر المدينة الإنجليزية أم لا، كانت النتيجة مربحة بالنسبة لرونالدو ووكيله.
الحياة دون إشاعات الانتقالات في كرة القدم؟
هناك أيضًا أبعاد اجتماعية وثقافية ونفسية للإشاعات. كونك من مشجعي كرة القدم ينطوي عليك التحدث باستمرار خلال أشهر الصيف عن اللاعبين الذين قد يوقع معهم ناديك. وهذا جزء من بنية المعجبين، وهو طقس وروتين يتكثف خلال نوافذ النقل. سواء بشكل صريح أو ضمني، إذ تمكن الإشاعات الجماهير من التعامل مع كرة القدم وناديهم، كوسيلة للتعبير عن الانتماء أو الولاء.
ويتأثر عشاق كرة القدم أيضًا بشكل روتيني بما يشير إليه علماء النفس باسم BIRG (Bask-In-Reflected-Glory) و CORF (Cut-Off-Reflected-Failure)، وهو التشمس في المجد المنعكس، والذي يشير إلى ميل الأفراد لربط أنفسهم بالنجاح أو المشاهير أو المحتفل بهم. ويُستخدم في حالة انتصار الفريق الذي ينتمي إليه الفرد على سبيل المثال، كما يقول البعض "فزنا"، إذ يصبح نجاح الفائز إنجازًا شخصيًا للفرد، ولا يحتاج الفرد إلى المشاركة شخصيًا في العمل الناجح، ويجب عليه ببساطة ربط نفسه بحالة النجاح.
ومن ثم، عندما يُشاع أنّ نادٍ ما على وشك التعاقد مع هداف الدوري أو أفضل لاعب شاب في جيله، فغالبًا ما ينظر المشجعون إلى هذه الإشاعات على أنها تأكيد على صحة ناديهم وأنفسهم ويطلق العلماء هنا عليهم اسم "BIRG". وعلى عكس ذلك، عندما تبدأ الإشاعات بأن لاعبًا "تجاوز فترته في الفريق" أو "يأتي إلى هنا فقط من أجل المال"، غالبًا ما يسعى المشجعون بنشاط إلى فصل أو عزل أنفسهم عن مثل هذه الصفقات، ويطلق العلماء على هذه الحالة اسم "CORF".
لا يزال هناك جدل حول ما إذا كان ينبغي أنّ نقلق بشأن إشاعات انتقالات كرة القدم أم لا. فهي بالنسبة للبعض ليست أكثر من مجرد متعة غير ضارة، وبالنسبة لشركات مثل وكلاء اللاعبين، تساهم الإشاعات في إيراداتها وبالتالي تخلق فرص عمل بشكل غير مباشر.
لكن الإشاعات تشغل بالنا وتشتت الانتباه، وفي كل فترة انتقال، يقضي بعض الناس وقتًا طويلًا في تصفح مواقع الويب بحثًا عن أخبار التعاقدات المحتملة لفريقهم المفضل، ثم يقضون وقتًا إضافيًا في العمل على مناقشة ما إذا كان اللاعب سيوافق على صفقة مع النادي أم لا. ويمكن أنّ يؤثر ذلك على الإنتاجية والكفاءة والجودة. وقد يعترض الآخرون، مدعين أنّ الصداقة الحميمة التي تولدها النميمة والترقب في مكان العمل توفر فوائد ملموسة للعمل الجماعي وثقافة المنظمة.
ومهما كان رأيك في الإشاعات، فعندما تتناقش لاحقًا حول بعض الانتقالات المعينة، فقط، ضع في اعتبارك أنها أكثر من مجرد "حديث صحفي".
المصادر: