عقب صدور المرسوم 30 في الجريدة الرسمية التونسية من قبل الرئيس قيس سعيّد، المؤرخ في 19 مايو/أيّار الفائت، والذي يقضي بإحداث الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة، التي تتولى إعداد اقتراح يتعلق بإعداد مشروع دستور. اعتمد بعض الخبراء التونسيين على الدستور الفرنسي لعام 1958، كمثال لعملية كتابة مشروع الدستور في تونس، والتحول من جمهورية سابقة إلى لاحقة في البلاد.
وقال الصادق بلعيد الرئيس المنسق للهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة، خلال حضوره في قناة التاسعة، في حديثه عن إعداد مشروع دستور لجمهورية جديدة إنّه "في التجربة الدستورية في العديد من الدول تجري الأمور بهذا الشكل، على سبيل المثال الدستور الفرنسي الذي يتحدث عنه الجميع لعام 1958، من قام به؟ تم تحت إمرة الجنرال ديغول. ومن كتبه؟ ميشال ديبري". وأوضح أنّ "ديبري كان مجرد خبير وجاء بأناس عُرفوا بخبرتهم القانونية والدستورية من الإدارة العليا للبلاد إلى جانب عدد من القضاة السامين، الذين عملوا مع بعضهم البعض تحت إشراف ديبري وتحت إمرة ديغول حتى الوصول إلى نوع من المسودة".
وأضاف "حينها تحدثوا حولها مع ديغول وقال لهم أمهلكم أسبوعًا لتحضير نسخة مسودة، وهذا ما حصل، ميشال ديبري اجتمع مع سبعة أو ثمانية خبراء الذين وصلوا إلى هذا المشروع".
وفي حوار له مع إذاعة ديوان إف أم، قال أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ، في تعليقه على صدور المرسوم 30 المتعلق بالهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة يوم 20 مايو/أيّار الجاري، إنّ "عمل اللجنة مهم وأهم أعمالها وأخطرها الصياغة، كم ستأخذ من الوقت؟ شهرًا"، (على اعتبار أنّ الاستفتاء على الدستور وفق رئيس الجمهورية سيكون يوم 25 يوليو/تموز المقبل).
وأضاف "منذ 20 مارس/آذار الفائت، بدأت أقلق، هيئة ديغول تم تحضيرها في ثلاثة أشهر". في إشارة إلى أنّ وقت صياغة مشروع الدستور التونسي الذي ستعمل عليه اللجنة ليس طويلًا.
في هذه المدونة يوضح "مسبار" ملامح إعداد لجنة إعداد مسودة الدستور الفرنسي لعام 1958 ومدة عملها، وهل كان أسبوعًا واحدًا كافٍ لإعداد المسودة؟
تعيين ديغول رئيسًا للحكومة الفرنسية
في الأول من يونيو/حزيران 1958، عينت الجمعية الوطنية الفرنسية الجنرال ديغول كرئيس للحكومة بأغلبية 329 صوتًا مقابل 224 صوتًا بعد أن قدمه رئيس الجمهورية الفرنسية، رينيه كوتي، إثر فشل حكومتين متعاقبتين في البلاد، ليجد حلًا للأزمة.
وصوّت مجلس الأمة على ثلاثة قوانين مهمة، لصالح الحكومة الجديدة: من بينها قانون الثالث من يونيو 1958، الذي يمنح الحكومة صلاحية صياغة مسودة أولية للدستور تعرض بعد ذلك على هيئة يتم إنشاؤها خصيصًا لهذا الغرض، وهي اللجنة الاستشارية الدستورية. على أن تلتزم الحكومة، بعد اعتماد مشروع الدستور النهائي، بتقديمه إلى الشعب عن طريق الاستفتاء.
تشكيل لجان يقودها ديغول وديبري
وبدأ العمل على إعداد مشروع الدستور الذي يجمع بين أفكار الجنرال ديغول، التي أعرب عنها بشكل خاص في خطابه في بايو في 16 يونيو 1946، والتي شاركها ميشيل ديبري، قائد المشروع، وأفكار برلمانيين.
وكلفت لجنتان للعمل عليه، الأولى لجنة فنية أو لجنة خبراء، مؤلفة من محامين أعضاء في مجلس الدولة ومتخصصين قانونيين، يمثلون وزراء الدولة، بقيادة حارس الأختام، ميشيل ديبري: تقوم بتحضير المشاريع التي ستناقش لاحقًا.
أما الثانية، فهي تضم وزراء الدولة الأربعة ومحاميان يمثلان رئيس الحكومة (رينيه كاسان وريموند جانوت). ولها دور مهم في اقتراح وتعديل مقترحات لجنة الخبراء. العمل، الذي بدأ في منتصف يونيو، أسفر بعد شهر عن مسودة أولية تسمى "الكتاب الأحمر".
وفق المصادر الفرنسية، كان الجنرال ديغول قائمًا بنفسه على صياغة الدستور ووضع اللمسات الأخيرة عليه. كما لعب ميشيل ديبري وبقية الأعضاء دورًا مركزيًا في العمل اليومي خاصة في شهري يونيو ويوليو.
المراحل الأساسية لإعداد المشروع
وفق كتاب "ديغول وكتابة الدستور" لديديي موس، فإنّه في المدة من 10 إلى 15 يوليو 1958، أعدّ ميشيل ديبري، وريموند جانو، وجيروم سولال، وجان ماميرت، أوّل مسودة أولية كاملة للدستور.
وفي 29 يوليو 1958، تم تشكيل اللجنة الدستورية الاستشارية، هذه الهيئة، المنصوص عليها في قانون الثالث من يونيو 1958، تضم 39 عضوًا ويترأسها بول رينو. وفي الثامن من أغسطس، أجاب الجنرال على أسئلة أعضاء اللجنة .ثم انتهى عملها في 14 أغسطس 1958.
تبنت الحكومة المشروع الأولي وأحالته إلى مجلس الدولة. وفي نهاية أغسطس ألقى ميشال ديبري كلمة أمام مجلس الدولة لعرض المشروع والدفاع عنه.
وفي الثالث من سبتمبر/أيلول 1958 اعتُمد مشروع الدستور من قبل مجلس الوزراء، بعد عملية دامت نحو ثلاثة أشهر، وأصبحت مسودة الدستور مخولة للعرض على الشعب.
تقديم المشروع ثم الاستفتاء
قُدّم نص الدستور إلى الفرنسيين من قبل الجنرال ديغول في الرابع من سبتمبر من العام ذاته، في ذكرى إعلان الجمهورية الثالثة عام 1870، في ساحة الجمهورية، خلال احتفالية "تهدف إلى تحديد الاستمرارية بين الجمهورية الخامسة المستقبلية وتلك التي سبقتها". وذكر ديغول بمبادئ سيادة الشعب والحرية والعدالة.
وفي 28 سبتمبر 1958 تمت الموافقة على هذا المشروع عن طريق الاستفتاء بأغلبية كبيرة. وفي الرابع من أكتوبر/تشرين الأول 1958، أصدر رئيس الجمهورية القانون الدستوري، باعتباره شهادة ميلاد الجمهورية الخامسة.
مشروع دستور تونس الجديد: شهر واحد أمام الهيئة لتقديم تقرير نهائي
وفق السياق التونسي، فإنّ عملية كتابة الدستور لن تتجاوز شهرًا على مستوى صياغة المسودة الأولية وتقديم تقرير نهائي لرئيس الجمهورية. إذ صدر المرسوم عدد 30 الذي ينص على تشكيل الهيئة واللجان المكلفة بإعداده في 20 مايو الفائت، وهم: لجنة استشارية مسؤولة عن الشؤون الاقتصادية والاجتماعية، تضم ممثلين المنظمات الوطنية أبرزها الاتحاد العام التونسي للشغل، منظمة الأعراف، اتحاد الفلاحة.
أما اللجنة الثانية فهي قانونية تتكون من عمداء كليات الحقوق والعلوم القانونية والسياسية وهي مكلفة بوضع مشروع دستور جديد. واللجنة الثالثة هي لجنة الحوار الوطني التي تتولى توليف المقترحات التي تقدمها اللجنتان السابقتان.
و لم تبدأ إلى الآن اللقاءات الرسمية الأولى للجان مع مختلف الأطراف المذكورة في المرسوم، والتي يرفض بعضها المشاركة فيها على غرار الاتحاد العام التونسي للشغل وعمداء الكليات.
كما ينص المرسوم على "رفع الرئيس المنسق إلى رئيس الجمهورية تقارير دورية عن تقدم أعمال لجنة الحوار"، وأن "يقدم له تقريرها النهائي طبقًا للفصل الثاني من هذا المرسوم في أجل أقصاه يوم 20 يونيو".
أي ما بين نشر المرسوم وإعداد التقرير النهائي شهر فقط، على أن يتم الاستفتاء في 25 يوليو. في حين بدأ العمل على الدستور في فرنسا في يونيو 1958 وتم الاستفتاء في سبتمبر من العام ذاته، وهي فترة أطول من الفترة التي اعتمدها المرسوم 30 في تونس.
المصادر: