صدر، مؤخرًا، تحقيق يفضح الانتشار المتعمد للمعلومات المضللة والزائفة حول العالم. وهو جزء من مشروع Story killers، التعاوني الدولي الذي يضم أكثر من 100 صحفي من 30 وسيلة إعلامية.
يهدف المشروع إلى "فضح العالم السري لمرتزقة المعلومات المضللة". وللكشف عن "صناعة تستخدم جميع الأسلحة الموجودة تحت تصرفها للتلاعب بالإعلام والرأي العام، على حساب الديمقراطية"، وفق القائمين عليه.
تم تنسيق المشروع من قبل Forbidden Stories، وهي منظمة فرنسية غير ربحية عملت سابقًا على عدة مشاريع أبرزها مشروع Pegasus، ومهمتها متابعة أعمال الصحفيين الذين تعرضوا للاغتيال أو التهديد أو السجن.
التحقيق الذي دام ثمانية أشهر، مستوحى من عمل جوري لانكيش، الصحفية الهندية البالغة من العمر 55 عامًا والتي قُتلت بالرصاص خارج منزلها في بنغالورو في عام 2017.
قبل ساعات من مقتلها كانت لانكيش تضع اللمسات الأخيرة على مقال بعنوان "في عصر الأخبار الكاذبة"، والذي فحص كيف أن ما يسمى بمصانع الكذب على الإنترنت، تنشر معلومات مضللة في الهند.
قامت الصحفية بتحليل مسار شائعة انتشرت على نطاق واسع حول الرقابة على تمثال إله هندوسي، من قبل حزب المعارضة، تبين أنّ من أطلقها هو موقع إلكتروني لرائد أعمال محلي. ووجدت أن ناشطين مقربين من حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم، وهو حزب قومي هندوسي يميني "استخدموا هذه المعلومات الكاذبة كسلاح لهم" وفقها.
كان مقتل لانكيش، وفق القائمين على المشروع، حلقة لسلسلة طويلة من الأحداث، التي لعب فيها انتشار المعلومات الكاذبة وتطرف النشطاء السياسيين دورًا رئيسيًا. ولذلك كانت مهمة التحالف الإعلامي هي “الغوص في قلب عالم سري حيث يبيع المرتزقة خدماتهم لمن يدفع أعلى سعر للتلاعب بالنقاش العام ومهاجمة الأصوات المعارضة وتشويه سمعة وسائل الإعلام والصحفيين، عبر التجسس الإلكتروني وجيوش المتصيدين أو التلاعب بالانتخابات”.
وسلطت الضوء على الآلية المخفية وراء حملات التضليل الصناعي، التي تديرها كيانات ترعاها الدولة أو مرتزقة من القطاع الخاص ينشرون معلومات مزيفة عبر الإنترنت من أجل الربح. كما يكشف كيف يمكن محو الحقائق "المزعجة" من الإنترنت من قبل من هم قادرون على الدفع.
ملف “فريق خورخي” الإسرائيلي
كشف التحقيق تلاعب وكالة إسرائيلية تعرف باسم فريق خورخي “Team Jorge”، بالحملات الانتخابية حول العالم، وكيف تستخدم فريقها السري للتأثير فيها وتخريب الديمقراطية.
وتحدث خبراء المعلومات المضللة الإسرائيليين، الذين يعملون في الفريق، عن إستراتيجياتهم السرية، لصحفيين من ضمن مشروع التحقيق، تظاهروا بأنهم وسطاء لعميل محتمل مهتم بتعطيل الانتخابات في تشاد.
وزعم الخبراء أنّهم تلاعبوا بأكثر من 30 انتخابات، باستخدام القرصنة ونشر المعلومات المضللة الآلية على وسائل التواصل الاجتماعي، وأنّهم يقدمون لعملائهم حملات تشهير وتأثير، تنقلها عشرات الآلاف من الحسابات المزيفة على الشبكات الاجتماعية.
يترأس الوكالة شخص يُدعى تال حنان، الذي بين التحقيق أنّه ناشط سابق في القوات الخاصة الإسرائيلية والذي ينشط باستخدام الاسم المستعار "خورخي".
وأوضح حنان وفريقه خلال الاجتماع كيف يمكنهم جمع المعلومات الاستخبارية عن المنافسين، بما في ذلك استخدام أساليب القرصنة للوصول إلى حسابات Gmail و Telegram.
وتشمل أساليبهم القرصنة، وتزوير مواد ابتزاز، ونشر معلومات مضللة، وزرع معلومات استخبارية كاذبة، ونشر حملات مستهدفة على وسائل التواصل الاجتماعي.
وأبرز البرامج المستخدمة في عملياتهم هو (Advanced Impact Media Solutions) الذي يعرف اختصارًا بـ"Aims"، ويتحكم في أكثر من 30 ألف ملف شخصي مزيف على مواقع التواصل الاجتماعي.
تمكن الصحفيون من التحقق من استخدام بعض هذه الأساليب. وتشير الأدلة التي توصلوا إليها إلى أن الفريق تدخل في انتخابات رئاسية مرتين على الأقل.
وأخبر "خورخي" المراسلين السريين، الذين تظاهروا بأنهم وسطاء لعميل أفريقي محتمل أن السعر الجاري لحملة رئاسية 15 مليون يورو. وقدر لهم تدخل فريقه في الانتخابات الأفريقية المزعومة بحوالي 6 ملايين يورو.
كما قال حنان للصحفيين إنه كان يعمل على "انتخابات أفريقية" وأظهر لهم أدلة على أنها كانت في كينيا، دون أن يتضح من وظفه.
وأكد فريق خورخي أن ثلثي الحملات الرئاسية التي تدخلوا فيها كانت في أفريقيا، لكن موادهم الترويجية تشمل أيضًا دولًا في أوروبا وأميركا اللاتينية وجنوب شرق آسيا ومنطقة البحر الكاريبي.
قال زوهار شقيق حنان، في اجتماع حضوري جمع الفريق بالصحفيين في ديسمبر/كانون الأول الفائت، إن هناك ثلاثة أعمال لا يقبلها فريق خورخي: لا يقدمون خدمات في إسرائيل؛ ليس لهم سياسات على المستوى الحزبي الأميركي (يزعمون أنهم رفضوا دعوة للمساعدة في انتخاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب)، و"لا شيء ضد السيد بوتين".
وفق التحالف الإعلامي والمنظمة الفرنسية، على الرغم من أن صناعة المعلومات المضللة تمثل تهديدًا عالميًا غير مرئي في كثير من الأحيان، فهي مربحة ومتنامية للغاية. إذ وفقًا لتقرير صادر عن معهد أكسفورد للإنترنت، عام 2020، استخدمت 81 دولة على الأقل حملات تلاعب منظمة على وسائل التواصل الاجتماعي.
وغالبًا ما يكون الصحفيون من بين الضحايا الأوائل لهذه الخدمات، وفق التحالف، والتي تسعى إليها الأنظمة الأكثر استبدادًا أو فسادًا بشكل متزايد.
وذكر المصدر ذاته، أنّ واحدًا من كل أربعة مراسلين قُتلوا خارج مناطق النزاع بين عامي 2017 و 2022 استُهدف بحملات تضليل أو تلقى تهديدات مباشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل وفاته، وفق تحليل لبيانات لجنة حماية الصحفيين أجرته Forbidden Stories، من بين هؤلاء على وجه الخصوص: دافني كاروانا غاليزيا، التي قتلت بتفجير سيارتها في مالطا عام 2017، جمال خاشقجي، الذي اغتيل في القنصلية السعودية في اسطنبول عام 2018، رافائيل إميرو مورينو، قتل بالرصاص في مطعمه في مونتيليبانو في كولومبيا في 2022، والهندية جوري لانكيش في 2017.
المصادر
Organized Crime and Corruption Reporting Project
اقرأ/ي أيضًا
يصفها المغرب بالادعاءات الزائفة ونفتها السعودية والإمارات، ما قصة مشروع بيغاسوس للتجسس؟
إلى جانب القصف والقتل.. التضليل والشائعات أدوات حرب إسرائيلية