` `

كيف أصبح نشر المعلومات المضللة تجارة؟

أسماء الغول أسماء الغول
أعمال
20 فبراير 2023
كيف أصبح نشر المعلومات المضللة تجارة؟
تسبب الأخبار الزائفة خسائر تكلف المليارات سنويًا (Getty)

ما زال تداول المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة عبر مواقع التواصل الاجتماعي سريع الانتشار في مواضيع علمية وسياسية وصحية وغيرها. لكن ما يتطور منذ فترة بشكلٍ كبير هو استخدام هذه المعلومات المضللة للتجارة وتحقيق المكاسب المالية، إذ يبحث مروجو المعلومات المضللة عن طرقٍ لاستغلال خوف الجمهور وعاطفته من خلال الادّعاء بأن لديهم تدابير فعّالة وحلول لمخاوفهم، وبهذا رؤوا فرصة للتربح من انتشار الأكاذيب، وبناء صناعة كاملة تركز على استغلال مخاوف الناس، والتنافر، والميول السياسية.

ويحدث ذلك الكسب المادي عن طريق استخدام مصطلحي "كليك بيت" و"الأخبار المزيفة" في بعض الأحيان، لوصف تداول المواد المضللة على شبكة الإنترنت، تحت قاعدة كلما جمعت أكبر عدد من المستخدمين والمتابعين كلما جنيت المال أكثر، بعضهم يعتمد على روابط الصيد (Clickbait)، أو الدفع مقابل النقر، التي في أحسن الأحوال من شأنها أن تهوّل الأخبار.

خسائر كبيرة بسبب الأخبار الزائفة

ولنا أنْ نذكر أنّ مشكلة المعلومات المضللة تُكلف الكثير وتؤدي لمشكلاتٍ دولية ضخمة في الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي لهذه الدول، حيث أظهرت نظريات المؤامرة التي تم نشرها عبر الإنترنت خلال جائحة كوفيد-19 ذلك. أو تلك التي ساهمت في أعمال الشغب واقتحام حشد من أنصار اليمين المتطرف مبنى الكابيتول الأميريكي، بعد مزاعم بأنّ الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2020 قد زُوّرت، معتقدين أنهم يمنعون سرقة الانتخابات.

إنّ مشكلة الأخبار الزائفة تُكلّف الاقتصاد العالمي أكثر من 78 مليار دولار سنويًا، يذهب جزء كبير من هذا المبلغ كإعلانات ومنشورات مدفوعة على مواقع التواصل الاجتماعي خصوصًا في فترات الحملات الانتخابية، أي أنّ المنصات الرقمية تجني أرباحًا مباشرة وطائلة من الأخبار المضللة على منصاتها.

وكانت شركة غوغل من إحدى الشركات القليلة التي أعلنت عن حجم الموارد المالية المرصودة للحد من الأخبار الزائفة، إذ قدّمت 6.5 مليون دولار لتمويل مدققي الحقائق والمنظمات غير الربحية التي تكافح المعلومات المضللة حول العالم، مع التركيز على المبادرات المعنية بفايروس كوفيد-19.

هناك صفحات على موقع فيسبوك تحظى بمئات الآلاف من الإعجابات تُباع بآلاف من الدولارات، وآخرون يبيعون إعجاباتٍ مزيفة أو حساباتٍ مزيفة أو يقدمون نصائح حول كيفية الالتفاف حول إجراءات “فيسبوك”.

فيسبوك يواصل التخلص من الصفحات الزائفة

ووصف مؤسس موقع فيسبوك، مارك زوكربيرغ، أنّ هذه الأخبار المزيفة تمثل "تحديًا شخصيًا" له، لذلك في عام 2018، ضاعف عدد فرق الأمن الإلكتروني لديه إلى 20 ألف شخص، وأغلق عددًا كبيرًا من الصفحات التي تنشر الأخبار المزيفة، ما أدّى إلى تقليل متابعتها إلى حدٍ كبير.

هذه الإجراءات التي قام بها “فيسبوك” كان لها بعض التأثير، إذ أغلقت صفحة تلو أخرى، وانخفض الربح اليومي من 600 يورو إلى نحو 100 يورو، للأشخاص الذين يستغلون المعلومات المضللة لمصالحهم المادية. ومع ذلك، على الرغم من قلة الأرباح، لا يزال ترويج التضليل يلقى انتشارًا واسعًا على الإنترنت، وتستفيد أعداد متزايدة من الشركات الخاصة من نشر المعلومات المضللة نيابة عن العملاء السياسيين والشركات. 

ولا تزال هناك شبكات من مجموعاتٍ مغلقة هربت من إجراءات “فيسبوك”، تضم ما يتراوح بين بضع مئات إلى عدة آلاف من الأعضاء، ولكي تصبح عضوًا في هذه المجموعة المغلقة يتعين عليك فقط أن تتلقى دعوة من الداخل وبهذا يسهل زيادة عدد الأعضاء.

صناعة الأخبار الزائفة

حتى أنه تم العثور على "صفحات إرشاديّة للأخبار المزيفة" للمبتدئين، مرفق بها مجموعة من الصفحات على موقع فيسبوك لجمع الجماهير.

إحدى الطرق لفهم انتشار التربح من المعلومات المضللة هي النظر إلى “صناعة” الأخبار المزيفة في مقدونيا. ففي دراسة اثنوجرافية رائدة حول بلدة فيليس المقدونية، خلصت إلى أنّ الضائقة الاقتصادية ومعرفة وجود سوق للمعلومات المضللة دفعا العديد من الشباب إلى الانخراط في اختلاق أخبارٍ مزيفة ونشرها، إذ إنّ إدراك وجود سوق خصبة وثرية وعدم وجود عقوبات جنائية، شجّع هؤلاء الشباب على تطوير محتوى من المعلومات الكاذبة والمضللة والترويج لها.

محركات البحث تتبع تاريخ البحث للمستخدمين، ما يساعد على استهداف الأشخاص بالإعلانات المبرمجة الجذابة وبهذا يزيد عدد المتابعين وعدد النقرات فيزداد الربح. على سبيل المثال، إذا كان شخص ما يتطلع لشراء سيارة، فإن محرك البحث يسجلها ويمكنه توجيه إعلانات حول السيارات إلى هذا الشخص. ونظرًا لأنّ النظام يعمل بشكل آلي ويعتمد على الخوارزميات، فإنّ الشركة التي تشتري المساحة الإعلانية، قد لا تعرف أين ينتهي إعلانها؟ ويمكن أن يُفسّر هذا ما حدث في عام 2019، عندما انتهى ما قيمته 235 مليون دولار من الإعلانات إلى الانتشار على مواقع تروّج للمعلومات المضللة.

إنّ احتراف صناعة المعلومات المضللة التجارية، التي تسعى إلى الاستفادة من الأكاذيب والتزييف، هو أحد التهديدات الواضحة والحاضرة في الوقت المعاصر. إذ يُتيح التقدم السريع في مجالات التكنولوجيا مجالًا جديدًا لطمس الخطوط الفاصلة بين الحقيقي والمزيف. 

محاربة تجارة الأخبار الزائفة

يجب أن تحاول أنظمة الرقابة العامة مواكبة ذلك ومحاسبة الذين يروّجون للتضليل لتحقيق مكاسب مالية، وضمان أن تصبح المنصات التقنية أكثر مسؤولية تجاه البيئات التي تنشئها عبر الإنترنت، ويجب إيلاء المزيد من الاهتمام لأنشطة المنظمات التي تخدم هذه التجارة، وتخصيص المزيد من الموارد لإخراجها من العمل.

 أيضًا تحتاج الشركات إلى العمل على تحسين سلوك المستخدم لوسائل التواصل الاجتماعي، وتعزيز النظرة النقدية للمعلومات للتميز بين الحقيقي والمزيف، مما يتطلب توفير وإتاحة مظلة واسعة جدًا من الأخبار والمعلومات الصحيحة والمؤكدة، كي لا تجد الأخبار الزائفة بيئة حاضنة تنمو فيها. 

 

المصادر:

The Guardian

ZD NET

BUSINESS INSIDER

EER

عربي NEWSBBC

معهد الجزيرة للإعلام

ResearchGate

الأكثر قراءة