كشف تحقيق سري عن شخصية وهمية (روبوت) لصحافية أنشأتها شركة استخبارات إسرائيلية خاصة غامضة، بغرض تشويه سمعة سياسيين وتقويض عمليات انتخابية في أفريقيا.
وقال التحقيق الذي نشرته صحيفة دايلي مافريك الأميركية، يوم أمس الأربعاء الثامن مارس/آذار، إنّ الصحافية الوهمية تُدعى أنيتا بيتيت، ولديها موقع إلكتروني اسمه Pour La Verité (من أجل الحقيقة)، نشرت عليه تقاريرها الاستقصائية المُتعلقة بكشف الفساد في ثمانية بلدان أفريقية.
كما نُشرت تقريرها أيضًا في بعض وسائل الإعلام الأفريقية، بما في ذلك La Revue de l'Afrique و Net Afrique ومنافذ محلية مماثلة، ووصلت إلى جمهور يزيد عن 10.2 مليون شخص، إذ حاولت تسليط الضوء على السياسيين المحتالين المفترضين وعلاقاتهم بالإرهاب والفساد المشتبه به في أفريقيا.
شركة استخبارات إسرائيلية وراء إنشاء الصحافية “الوهمية”
وأكد التحقيق الذي استغرق مدته ستة أشهر، وأجراه مشروع Story killers (كونسورتيوم) التعاوني الدولي، الذي يضم أكثر من 100 صحفي من 30 وسيلة إعلامية، واستخدم تحليلًا شاملًا للأدلة الرقمية للتحقيق في صناعة المعلومات المضللة العالمية السرية، أنّ أنيتا بيتيت شخصية وهمية تمامًا، أو "صورة رمزية عميقة"، تم إنشاؤها بواسطة شركة الاستخبارات الإسرائيلية الخاصة والغامضة Percepto International (بيرسبتو).
وذكر التحقيق أنّ شركة بيرسبتو الإسرائيلية استخدمت العديد من الروبوتات المماثلة، بالإضافة إلى "المنصات العميقة"، مثل المنافذ الإعلامية الزائفة أو مجموعات المجتمع المدني الزائفة، لتزوير الانتخابات سرًا، أو تشويه سمعة المنظمات الكبرى مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر في بوركينا فاسو.
صحفيين سريين في الكونسورتيوم يحصلون على معلومات من الشركة الإسرائيلية
قدّمت شركة بيرسبتو بعض المعلومات لصحفيين سريين يعملون في فريق الكونسورتيوم، تظاهروا بأنهم وسطاء يمثلون عميلًا محتملًا في أفريقيا، والتي توضح كيف استخدمت مزيجًا من الصور الرمزية، ووسائل الإعلام الرئيسية غير المقصودة، والتلاعب بوسائل التواصل الاجتماعي لتقويض عمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر في بوركينا فاسو، من خلال زرع الاقتراحات التي كانت تدعم جماعات مسلحة.
ومن خلال سلسلة من الاجتماعات المسجلة سرًا مع المراسلين السريين للكونسورتيوم، نقل التحقيق عن روي بورستين، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة بيرسبتو الإسرائيلية، قوله "نعمل حاليًا على تشغيل عشرات الأصول عبر الإنترنت في أفريقيا، وفي أفريقيا الفرنكوفونية.. إنّ ميزتنا السرية هي استخدام الصور الرمزية لجمع المعلومات الاستخباراتية.. أصولنا على الإنترنت قادرة على التواصل والتفاعل مع الأهداف".
وأوضح أنّ "الصورة الرمزية العميقة هي عبارة عن شخص ما على الإنترنت، يبدو حقيقيًا لكن هذا ليس صحيحًا حقًا. وإذا كانت إحدى الشخصيات العميقة تتفاعل معك، فتأكد أنه شخص حقيقي. نحن نشغّل هذه الصحفية الاستقصائية منذ 2019 وهي فرنسية تعيش في باريس، لكنها صورة رمزية بالطبع".
وأضاف "لقد عملت بالفعل في ثلاث بلدان مختلفة، في ثلاثة مشاريع. مشروع واحد في فرنسا ومشروعان في بلدين مختلفين في أفريقيا".
حسابات وهمية باسم أنيتا بيتيت
أنشات شركة بيرسبتو حسابات لشخصية أنيتا بيتيت الوهمية على مواقع التواصل الاجتماعي، وكتبت عنها خلفية متقنة، وبدأت بالتدوين حول إعادة الاتصال بجذورها الأفريقية في حساباتها الشخصية.
وتكتب بيتيت عن العمل في المطاعم لتوفير المال للعودة إلى غانا، قائلة "لأنني ولدت في فرنسا ولدي أم من غانا وأب فرنسي. لسوء الحظ، لم أكن أعرف أمي حقًا، التي اختفت عندما كنت صغيرة جدًا. من الصعب أن أكبر بدون أم بجانبي". كما ادعت أنها سافرت من قبل إلى أفريقيا، في رحلة لزيارة صديقتها سونيا في الكاميرون.
وذكرت أنّ خلال سفرها إلى غانا، كانت متوترة بعض الشيء لأن اللغة الإنجليزية ليست لغتها الأولى، وكان لديها بعض المخاوف بشأن الفقر والأمان، ولكن بعد رحلة طويلة بدأت تسرد قصة وصولها إلى العاصمة الغانية أكرا، وعن كرم الضيافة هناك.
ويكشف التحقيق أن أنيتا بيتيتا، ذكرت العديد من القصص التي حصلت معها في غانا، لكن في الواقع، لا شيء من هذا حقيقي وكلها قصص مُختلقة.
كما أنّ الغالبية العظمى من المحتوى المنشور على موقعها الاستقصائي مسروق من أماكن أخرى، بما في ذلك وسائل الإعلام الفرنسية مثل Le Monde و Le Croix. إضافة إلى أنّ الصور الموجودة على حسابها الشخصي من رحلاتها، هي أيضًا نسخ مُعدلة من الصور المخزنة على الإنترنت لشخصيات أخرى.
حتى صور الملف الشخصي لحساباتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بها مثل فيسبوك وتويتر وانستغرام، ليست حقيقية.
وبنت شركة بيرسبتو شخصية أنيتا بيتيت من خلال تجميع الصور المسروقة من ثلاثة أشخاص مختلفين على الأقل. إذ أظهر البحث العكسي عن صورة ملفها الشخصي على "فيسبوك"، أنّها تتشابه مع صورة منشورة على "انستغرام" بواسطة عارضة أزياء تُقيم في لوس أنجليس، تُدعى سيدني جراهام.
وتبيّن الصورة أنّ وضع بيتيت وملابسها وموقعها متطابقان، ولكن هناك اختلاف كبير في الوجه. وتم تغيير ملامح وجه الصورة والتلاعب بها، في محاولة لتفادي اكتشافها أو التعرف عليها من قبل المستخدم الأصلي.
وعلى حسابها على تويتر، نشرت بيتيت صورة وتتمنى لنفسها عيد ميلاد سعيد، مستخدمة "جسم مزدوج" آخر، مستنسخ من عارضة أزياء أخرى تُدعى شارون أليكسي وتقيم في باريس. وتم تعديل الصورة باستخدام وجه مختلف، إلى جانب تعديلات أخرى جعلت لون الجسم أغمق قليلًا.
وأظهر البحث العكسي للوجه المستخدم في الملف الشخصي لأنيتا أنّ الصورة أُنشئت من خلال استخدام صورة أخرى لمهندسة مولودة في جامايكا، وتُدعى شيري آن ويلينغتون، وتعمل حاليًا في روسيا. في الواقع، فإنّ معظم صور الوجه التي تستخدمها بيتيت نشأت من ملف ويلينغتون.
وقالت عارضة الأزياء جراهام في تصريحات خاصة بالتحقيق، إنها لم تمنح شركة بيرسبتو أو أي شخص آخر الإذن لاستخدام صورتها، ولم تكن تعلم بوجود شبيه على الإنترنت. وأضافت "لقد كانت غريبة ومضللة".
إزالة ملفات أنيتا بيتيت من منصات التواصل الاجتماعي
ووفقًا للتحقيق فقد أُزيلت ملفات أنيتا بيتيت الشخصية بشكل ممنهج، من على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، بعد أن نبههم فريق الكونسورتيوم إلى أنشطة شركة بيرسبتو.
وتضمنت عمليات الإزالة شبكة من 23 شخصية أخرى مماثلة، بما في ذلك حساب لصحفية استقصائية أخرى يُفترض اسمها كلوي بوير، زعمت في ملفها الشخصي أنها مقيمة في باريس. ويبدو أن صورة بوير قد سُرقت من حساب على منصة وسائل التواصل الاجتماعي الروسية VK.
لماذا تعمل الشركة الإسرائيلية على إنشاء هذه الحسابات والصور الوهمية؟
وفقًا للتحقيق فإنّ "بيرسبتو" لا تنشر الصور الرمزية للدعاية أو تشويه سمعة المعارضين فحسب، بل إنّ الصور الرمزية الأكثر تقدمًا تُستخدم أيضًا لتجنيد أشخاص عاديين أو صحفيين أو نشطاء، وفقًا لتصريحات روي بورستين، الرئيس التنفيذي لشركة بيرسبتو.
وكان بورستين، عميل استخبارات إسرائيلي سابق، شغل منصب الرئيس التنفيذي لمجموعة Psy، التي عملت مع إسرائيل، وكذلك مع العملاء في بعض مناطق الخليج إلى أن أُغلقت في أعقاب تحقيقات روبرت مولر الخاصة بالتدخل الروسي في انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2016.
تلاعب فريق إسرائيلي بأكثر من 30 حملة انتخابية حول العالم
ويأتي هذا التحقيق بعد أيام من صدور تحقيق آخر لمشروع Story killers التعاوني الذي يضم أكثر من 100 صحفي من 30 وسيلة إعلامية، نُشر في فبراير/شباط الفائت، يفضح الانتشار المتعمد للمعلومات المضللة والزائفة حول العالم.
ويهدف المشروع إلى "فضح العالم السري لمرتزقة المعلومات المضللة"، وللكشف عن "صناعة تستخدم جميع الأسلحة الموجودة تحت تصرفها، للتلاعب بالإعلام والرأي العام، على حساب الديمقراطية"، وفق القائمين عليه.
وكشف التحقيق تلاعب وكالة إسرائيلية تعرف باسم فريق خورخي "Team Jorg"، بالحملات الانتخابية حول العالم. وتحدث أعضاء في الفريق عن نشاطاتهم السرية، التي شملت عملهم كوسطاء لعميل محتمل مهتم بتعطيل الانتخابات في تشاد.
وقالوا إنّهم تلاعبوا بأكثر من 30 انتخابات، باستخدام القرصنة ونشر المعلومات المضللة الآلية على وسائل التواصل الاجتماعي. وأنّهم يقدمون لعملائهم حملات تشهير وتأثير، تنقلها عشرات الآلاف من الحسابات المزيفة على الشبكات الاجتماعية.
كما يترأس الوكالة شخص يُدعى تال حنان، وهو ناشط سابق في القوات الخاصة الإسرائيلية، يعمل مستخدمًا الاسم المستعار "خورخي".
المصادر:
اقرأ/ي أيضًا
هل اكتشفت إسرائيل رُقمًا فخاريًا عمره 2500 سنة ونُقش عليه بالآرامية؟