يتعاظم تأثير "تويتر" يومًا بعد يوم، بصفته مصدرًا حيويًّا للأخبار والمعلومات يصل عدد مستخدميه لما يزيد عن 330 مليون مستخدم نشط شهريًا. انتُقدت خوارزمية “تويتر” في السنوات الأخيرة، كونها المسؤولة عن تحديد التّغريدات التي تُعرض للمستخدمين، فاتّهم البعض الخوارزمية بالترويج للمحتوى السّلبيّ وتضخيم وجهات النّظر المُتطرّفة، بينما رأى آخرون بأنّها تحاول تزويد المستخدمين بالمحتوى الذي من المرجّح أن يتفاعلوا معه.
اتهام خوارزمية تويتر بالتحيّز
في عام 2021، نشر موقع تويتر في مدونته نتائج دراسة أظهرت أنّه في ستة من أصل سبعة بلدان -باستثناء ألمانيا- تلقّت التغريدات التي تنشرها حسابات السياسيين من اليمين، تضخيمًا خوارزميًا أكبر مقارنة بحسابات من ينتمون إلى اليسار السياسي. بالإضافة إلى أنّ المحتوى اليمينيّ المنشور في وكالات الأنباء، كان له فرص أكبر في الظهور وحصد التفاعل بسبب ملاءمته خوارزمية موقع تويتر. وأشارت الشركة حينها إلى أنّه من الصعب الإجابة عن أسباب هذا الانحياز لأنه نتاج التفاعلات بين المستخدمين والمنصة.
وفي بحث نُشر في مجلة PNAS يشرح كيف من المرجّح أن ينتشر المحتوى المثير للانقسام حول الجماعات السياسية، لاحظ الباحثون تأثير اللغة العاطفية على انتشار المنشورات في موقعي فيسبوك وتويتر، ووجدوا أنّ المنشورات والتغريدات التي احتوت على لغة سلبية ولغة عاطفية كان لها فرص كبرى في الانتشار، بينما انعكس استخدام اللغة المؤثّرة الإيجابيّة سلبًا على رواج المحتوى، ممّا أثار تساؤلات حول ما إذا كانت خوارزمية تويتر وفيسبوك تتعمّد الترويج للمحتوى السلبي، وتضخيم وصول وجهات النّظر المتطرّفة.
استغلال خوارزمية تويتر للتأثير على الرأي العام
يمكن أن تستغل بعض الجهات خوارزمية تويتر، من أجل زيادة التفاعل ورفع احتمالات ظهور تغريدات وحسابات معينة في الصفحات الرئيسة للمستخدمين. وذلك بهدف الترويج لأفكار تخدم أجندات معينة، فتجنّد الذباب الإلكتروني لخلق تفاعل وهمي مع بعض الحسابات ممّا يجعل الخوارزمية تظنّ أنّ تلك الحسابات مهمة. ومع اعتماد طريقة نشر تتوافق مع معايير الخوارزمية، سوف يصبح بالإمكان خداعها ودفعها إلى تضخيم وصول بعض التغريدات إلى جمهور أكبر، وبذلك يتمّ التأثير على الرأي العام.
وبما أنّ وصول التغريدات يخضع لعوامل متعدّدة، فلا يمكن الجزم بأنّ الخوارزمية هي السبب وراء زيادة وصول بعض الحسابات المشكوك بأمرها، بل يمكن أن يكون استغلالها هو السبب.
كيف تُرشّح خوارزمية تويتر التغريدات للمستخدمين؟
تُعدّ خوارزمية تويتر الدماغ المركزي الذي يُدير ما يظهر للمستخدمين من تغريدات، فهي تتحكم بما يرونه وكيف يرونه. ويستند ظهور التغريدات إلى العديد من المعايير بما في ذلك الموقع الجغرافي، والانتشار، والاهتمامات الشخصية، وتناول المواضيع الرائجة، وما إذا كان المنشور يحتوي على وسائط أم لا.
إضافة إلى هذه المعايير، سمح "تويتر" منذ عام 2019 للمستخدمين بمتابعة مواضيع معيّنة إلى جانب الحسابات التي يتابعونها. وهذا يعني أنّ بإمكانهم الاشتراك لتلقّي تغريدات حول موضوعات معيّنة من دون الحاجة إلى العثور على حسابات محدّدة أو البحث يدويًا عمّا يريدونه. عندئذ يُرشّح لهم "تويتر" التغريدات بناءً على المواضيع التي حدّدوا أنّهم مهتمون بها.
ويستخدم "تويتر"، مثل باقي مواقع وسائل التواصل تقنية التعلّم الآلي لفرز المحتوى بناءً على الترتيبات المختلفة المذكورة سابقًا.
وبالتعلُّم الآلي يعثر "تويتر" على التغريدات المناسبة لترشيحها للمستخدم بعد تحليل التغريدات التي تفاعل معها، وكذلك تحليل التغريدات التي تفاعل معها الأشخاص الذين يتابعهم، خاصة إنْ كانوا يُغرّدون كثيرًا عن موضوع معيّن أو يتفاعلون بشدّة مع التغريدات حول ذلك الموضوع. فتحدّد الخوارزمية ما يظهر له بناءً على الكلمات الرئيسة وأمور إضافية.
وبحسب موقع هوتسويت المتخصص في دراسة وسائل التواصل، فعندما ينشر حساب تغريدات من مرة إلى مرتين يوميًّا على الأقل وكحد أقصى ثلاث إلى خمس مرات يوميًّا، فسوف تزيد فرص ظهور تغريداته في صفحات المستخدمين الرئيسة.
ومن التحديثات الجديدة في موقع تويتر عودة صفحة من أجلك for you، إذ أعلن إيلون ماسك أنه ابتداءً من 15 إبريل/نيسان الجاري سوف تظهر في صفحة "من أجلك"، فقط تغريدات الحسابات التي دفعت من أجل التّوثيق بالعلامة الزرقاء. مما يثير تساؤلات حول الحسابات التي تنشر التضليل والزيف في موقع تويتر، فهي يمكن أن تدفع مقابل التوثيق وتحصل على أفضليّة ظهور منشوراتها عند مستخدمي المنصة، مما سيساهم في انتشار التضليل بشكل أسرع وعلى نطاق أوسع.
تعدّ صفحة for you حاليًا مشابهة لصفحة "من أجلك" في منصة تيك توك، فهي تحتوي على تغريدات وحسابات وموضوعات مقترحة ومحتويات أخرى قدّرت خوارزمية تويتر أنّ المستخدم قد يكون مهتمًا بها.
ومع أنّها قد لا تكون مرتبطة تمامًا بالموضوعات التي اختارها المستخدم، إلّا أنّ صفحة "من أجلك" ستحدد الاختيارات والتوصيات بناءً على سجلّ تويتر الخاص بكل شخص. وكلما زاد استخدام الأشخاص لتويتر، زادت دقة ترشيحاته.
معايير ترشيح تغريدات تويتر للمستخدمين
الترند: الأولوية للموضوعات الشائعة الآن، بدلًا من الموضوعات التي كانت شائعة لفترة من الوقت.
الملاءمة: يُنشئ “تويتر” ملفًا شخصيًا خاصًّا بالمستخدم استنادًا إلى الإجراءات السابقة مثل تغريدات الحساب، فيتتبع عدد التغريدات التي نشرها الحساب والمرتبطة بموضوع ما. ويعطي الموقع الأولوية للحسابات التي غالبًا ما يتفاعل المستخدم معها والمواضيع التي يتابعها ويتفاعل معها أكثر من غيرها.
الموقع الجغرافي: يُعدّ الموقع الجغرافي معيارًا رئيسًا يرشّح تويتر التغريدات للمستخدمين بناءً عليه.
الارتباط: يُعطي "تويتر" الأولوية للتغريدة وفق مدى شعبيتها وكيفية تفاعل الأشخاص في شبكة المستخدم معها. فإذا تابع المستخدم موضوعًا معينًا، فسينظر "تويتر" إلى عدد الأشخاص الذين يقومون بالتغريد وإعادة التغريد والردّ والإعجاب بالتغريدات حول هذا الموضوع.
الوسائط المتعددة: ينظّم تويتر التغريدات بناءً على نوع الوسائط التي تتضمنها، مثل الصور أو مقاطع الفيديو أو ملفات GIF أو استطلاعات الرأي.
تغريدات سام يوسف وإيدي كوهين
لاحظ "مسبار" في الفترة الأخيرة كثرة ترشيح "تويتر" للمستخدمين تغريداتٍ نشرها حسابا إيدي كوهين وسام يوسف، على الرّغم من أنّ الحسابين ليسا في قائمة المتابعة.
يتناول "مسبار" في الآتي من هذا التقرير، مدى تطابق منهجية النشر في الحسابين مع معايير خوارزمية تويتر، وتأثير ذلك على ترشيح المحتوى الذي يروجانه لمستخدمي المنصة. دون استبعاد فرضية مفادها أنّه من الممكن أن تخلق بعض الجهات تفاعلًا وهميًا ممنهجًا مع حسابي كوهين ويوسف من أجل خداع خوارزمية توتير، وتضخيم وصول تغريداتهما إلى الفئة المستهدفة، بغرض التضليل والتأثير على الرأي العام.
بناءً على معايير ترشيح التغريدات في خوارزمية تويتر، حلّل "مسبار" بيانات 2308 تغريدات نشرها حساب سام يوسف، و728 تغريدة نشرها حساب إيدي كوهين، خلال 42 يومًا في الفترة الممتدة ما بين 1 مارس/آذار 2023 و11 إبريل/نيسان 2023.
هذا ويُعرف الحسابان بنشر محتوى مثير للجدل ومشكوك في صحته، ومرتبط في بعض الأحيان ببروباغندا إسرائيلية وبنظريات المؤامرة.
أمثلة عن تغريدات سام يوسف
تجدر الإشارة إلى أنّ حساب سام يوسف كان من بين المدافعين عن نظرية المؤامرة التي تؤكّد إمكانية تسبُّب سلاح هارب بالكوارث الطبيعية بعد وقوع زلزال تركيا وسوريا في فبراير/شباط الفائت، وقد نشر "مسبار" وقتئذ تقريرًا كشف فيه عدم إمكانية تسبّب مشروع هارب في الكوارث الطبيعية أو التأثير على البشر والتحكم بعقولهم.
أمثلة على تغريدات إيدي كوهين
وإلى جانب الترويج لبروباغندا وروايات الاحتلال الإسرائيلي، فإنّ حساب إيدي كوهين تورّط أكثر من مرة سابقًا في نشر الأخبار الكاذبة والمضللة، يمكن الاطلاع على بعضها في تقرير مسبار.
تحليل حسابَي يوسف وكوهين حسب معايير خوارزمية تويتر
الترند: يغرّد الحسابان حول آخر الأحداث، سواء بنشرهما أخبارًا، أو بالتعليق عليها وإبداء الرأي فيها.
الاستمرارية في النشر: يزيد النشر يوميًّا، على الأقل مرة في اليوم، من فرصة وصول التغريدات إلى الصفحة الرئيسة عند باقي المستخدمين. وعندما حلّل "مسبار" بيانات الحسابين وجد أنّهما استمرا بالتغريد طيلة فترة دراسة "مسبار" لحسابيهما، وذلك بمعدلات عالية من دون الامتناع عن التغريد في أي يوم.
بحسب الرسوم البيانيّة يغرّد سام يوسف أكثر من إيدي كوهين خلال اليوم الواحد. فعلى سبيل المثال في 10 مارس 2023، غرّد سام يوسف 148 مرة، بينما غرّد كوهين 15 مرة، مع احتساب الردود على التغريدات ضمن عددها الإجمالي كما هو موضّح في الشكل أدناه.
نشْرُ مواضيع تهمّ الرأي العام: من خلال الوسوم المستخدمة في الحسابين يمكن أخذ فكرة عن المواضيع التي يهتم الحسابان بالنشر عنها، وغالبًا ما ترتبط بقضايا تشغل الرأي العام العربي وينقسم حولها الناس أحيانًا وتحظى باستقطاب حاد.
يتميز كل من الحسابين باستخدام وسوم ترتبط بمواضيع مختلفة، فعلى سبيل المثال استخدم سام يوسف وسم عاجل 113 مرة خلال 42 يومًا. بينما كان أكثر وسم استخدمه إيدي كوهين هو المملكة العربية السعودية في 11 مرة في الفترة نفسها. في حين كان ثاني أكثر وسم استخدمه #فلسطين_ليست_قضيتي.
وعند مقارنة المواضيع التي يناقشها الحسابان، وجد “مسبار” أنّ تغريداتهما خلال الـ42 يومًا، ركزت على موضوعات تخص كلًا من إسرائيل وإيران والسعودية وسوريا.
استخدم سام يوسف وسم إسرائيل 49 مرة خلال 42 يومًا، بينما استخدمه إيدي كوهين 5 مرات.
واستخدم سام يوسف وسم إيران 20 مرة خلال 42 يومًا بينما استخدمه كوهين مرة واحدة.
استخدم سام يوسف وسم السعودية 31 مرة خلال 42 يومًا، بينما استخدمه إيدي كوهين 4 مرات.
استخدم سام يوسف وسم سوريا 26 مرة خلال 42 يومًا بينما استخدمه كوهين 4 مرات.
الوسائط المتعددة: ينوّع الحسابان في الوسائط المتعدّدة، فعلى سبيل المثال استخدم سام يوسف خلال 42 يومًا نحو 1912 تغريدة فيها صورة، و2300 رابطًا.
بينما استخدم إيدي كوهين 141 صورة، ومقطعي فيديو، و579 رابطًا.
ومن خلال لغة بايثون والاستعانة بأدوات NLTK التي تحلّل البيانات بناءً على معالجة اللغة الطبيعية، صُنّفت التغريدات المدروسة في هذا التحقيق من ناحية اللغة العاطفية إلى فئات: (إيجابية، سلبية، محايدة).
وبعد احتساب معدل الإعجابات وإعادة التغريد في كل فئة من هذه الفئات، وتحليل البيانات مرة أخرى في بايثون، تبيّن أنّ المحتوى الذي استخدم لغة عاطفية سلبية في الحسابين قد حصل على أعلى معدل من إعادة التغريد والإعجاب كما هو مبيّن في الرسوم البيانية.
حساب إيدي كوهين
حساب سام يوسف
وهكذا يظهر أنّ خوارزمية تويتر، مبنية بشكل يمكن أن تُستغل من خلاله، بطريقة تُصبح معها أداةً لترويج المحتوى المشبوه والتأثير على الرأي العام عبر استهدافه ببروباغندا معينة، كما هو الحال مع حسابي إيدي كوهين وسام يوسف.
المصادر
اقرأ/ي أيضًا
إيدي كوهين وادعاءات مضللة عن فلسطين والمونديال
ما حقيقة الادّعاء بأن الفلسطينيين افتعلوا الأحداث في الأقصى؟
