هذا التقرير ترجمة لمقابلة جيفري هينتون مع صحيفة ذا نيويورك تايمز بتصرّف.
يعدّ جيفري هينتون الملقّب بـ"عرّاب الذكاء الاصطناعي"، رائدًا في هذا المجال، ففي عام 2012 ابتكر واثنين من طلابه في جامعة تورنتو، تقنية باتت أساس أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تعتمد عليها كبرى شركات التكنولوجيا حول العالم، وهي تقنية تُعرف باسم "الشبكات العصبية".
رغم ذلك، فاجأ هينتون الجميع بانضمامه في مطلع مايو/أيار الجاري، إلى صفوف مجموعة من النقاد الذين يقولون إن شركات التكنولوجيا تتسابق نحو خطر كبير باستمرارها في إنشاء منتجات تعتمد على الذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل برامج روبوتات الدردشة الشهيرة.
قال دكتور هينتون إنه استقال من وظيفته في شركة غوغل، حيث عمل لأكثر من عقد وأصبح أحد أكثر الأصوات المسموعة في هذا المجال، لذلك يمكنه التحدث بحرية عن مخاطر الذكاء الاصطناعي. وأردف أنه الآن يشعر بالندم على عمله طوال حياته، وأضاف "أعزي نفسي بالعذر الكلاسيكي، وهو إن لم أكن أنا من فعل ذلك، لكان شخص آخر فعلها".
خبراء يحذرون من الذكاء الاصطناعي التوليدي
يعتقد الخبراء وقادة الصناعة في المجال، أن الذكاء الاصطناعي الجديد يمثّل الآن أهمية متصفح الويب في أوائل التسعينيات، وسيُحدث تغييرات جذرية في مجالات عدة كالأدوية والتعليم، من جهة أخرى تصاعدت مخاوف العديد من الخبراء المطّلعين، لما تشكّله تقنية الذكاء الاصطناعي التوليدي من خطر يتمثّل في زيادة انتشار المعلومات المضللة، وتهديد عدد كبير من الوظائف.
وفي هذا السياق، قال دكتور هينتون "من الصعب أن نجد طريقة لمنع استغلال هذه التقنيات في أفعال سيئة".
مؤخرًا، بعد أن أصدرت شركة أوبن إي آي تحديثًا جديدًا لتقنية شات جي بي تي في مارس/آذار الفائت، وقّع أكثر من 1000 شخص من الباحثين والخبراء في مجال التكنولوجيا، خطابًا مفتوحًا يدعو إلى وقف تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدية لمدة ستة أشهر، لإيمانهم أن لهذه التقنية "مخاطر جسيمة على المجتمع والإنسانية".
بعد عدة أيام، أصدر 19 من القادة الحاليين والسابقين لجمعية النهوض بالذكاء الاصطناعي، وهي جمعية أكاديمية يصل عمرها إلى أربعين سنة، خطابًا خاصًا بهم يحذرون فيه من مخاطر الذكاء الاصطناعي، وكان من أبرز الخبراء الذين أصدروا الخطاب إريك هورفيتز، وهو كبير المسؤولين العلميين في شركة مايكروسوفت التي تبنّت تقنية “أوبن إي آي” في مجموعة واسعة من منتجاتها، بما في ذلك محرك البحث بينغ.
لم يوقع دكتور هينتون أيًا من هذين الخطابين وقال إنه لا يريد أن ينتقد علنًا شركة غوغل أو الشركات الأخرى إلى حين أن يترك وظيفته، إلا أنه أخطر الشركة في شهر إبريل الفائت أنه سيستقيل. ويوم الخميس 27 إبريل الفائت، تحدث عبر الهاتف مع سوندار بيتشاي الرئيس التنفيذي لشركة غوغل الأم، ولكنه رفض الكشف عن تفاصيل محادثته.
من جهته قال جيف دين، كبير العلماء في شركة غوغل "نحن ما نزال ملتزمين بنهج مسؤول تجاه الذكاء الاصطناعي ونتعلم باستمرار لفهم المخاطر الناشئة، مع الابتكار بجرأة في نفس الوقت".
ممّا يحذّر جيفري هينتون؟
برزت مخاوف دكتور هينتون في العام الفائت، عندما بدأت شركتا غوغل وأوبن إي آي ببناء أنظمة تستخدم كميات أكبر من البيانات، ففي حين كان ما يزال يعتقد أن هذه الأنظمة أدنى من الدماغ البشري، اكتشف أنها تتفوق على الذكاء البشري في جوانب أخرى عدة. وقال في هذا الصدد "ربما ما يحدث في هذه الأنظمة هو في الواقع أفضل بكثير مما يحدث في الدماغ".
وأردف "انظر إلى الفرق بين التقنية الآن وقبل خمسة أعوام، خذ هذا الفرق وضاعفه، إنه أمر مرعب".
وأتبع دكتور هينتون معبّرًا عن قلقه، أنه حتى العام الفائت، كانت شركة غوغل بمثابة خير ممثّل للتطور التكنولوجي، إذ حرصت على عدم إطلاق منتجات قد تسبب ضررًا للناس، ولكن الآن وبعد أن عززت شركة مايكروسوفت محرك بحثها بتقنية روبوت المحادثة، أصبحت شركة غوغل تتسابق لنشر نفس النوع من التكنولوجيا، وقال "عمالقة التكنولوجيا يخوضون منافسة قد يكون من المستحيل إيقافها".
يعدّ انتشار المعلومات المضللة، القلق الأبرز لهينتون، إذ ستُغمر شبكة الإنترنت بالصور ومقاطع الفيديو والنصوص المفبركة والمولّدة بالذكاء الاصطناعي، و "لن يكون الشخص العادي قادرًا على معرفة ما هو صحيح بعد الآن".
كما عبّر عن قلقه إزاء التغيّرات التي ستحدثها هذه التكنولوجيا في سوق العمل، موضحًا أن روبوتات المحادثة قد تحلّ محل المساعدين القانونيين والمساعدين الشخصيين والمترجمين وغيرهم ممن يتعاملون مع هذا النوع من المهام، قائلًا "إن هذه التقنية تقضي على العمل الشاق".
وأشار إلى أن تطوّر التكنولوجيا مستقبلًا يشكل تهديدًا للبشرية إذ قال "قليل من آمن بفكرة أن هذه التقنية يمكن أن تصبح في الواقع أكثر ذكاءً من الناس، معظم الناس اعتقدوا أن الأمر بعيد المنال وأنا كنت أعتقد ذلك أيضًا، اعتقدت أنها ستحتاج من 30 إلى 50 سنة أو حتى أكثر، ولكن، لم أعد أعتقد ذلك".
يقول العديد من الخبراء الآخرين، بمن فيهم طلاب هينتون وزملائه، إن هذا التهديد افتراضي. لكن هينتون يرى أن السباق بين غوغل ومايكروسوفت وغيرها سوف يتصاعد إلى سباق عالمي.
وتابع أنه على عكس الأسلحة النووية لا توجد طريقة لمعرفة ما إذا كانت الشركات أو الدول تعمل على التكنولوجيا في الخفاء. وأن أفضل أمل هو أن يتعاون كبار العلماء في العالم على طرق التحكم في التكنولوجيا، مضيفًا "لا أعتقد أنه ينبغي عليهم التطور أكثر في هذه التقنية حتى يفهموا ما إذا كان بإمكانهم السيطرة عليها".
وذكر أنه عندما كان الناس يسألونه كيف يمكنه العمل على التكنولوجيا التي من المحتمل أن تكون خطرة، كان يكرر مقولة روبرت أوبنهايمر الذي قاد جهود الولايات المتحدة في بناء القنبلة الذرية، "عندما ترى شيئًا رائعًا من الناحية الفنية، استمر في عملك". أما الآن فهو لم يعد يقول ذلك!
اقرأ/ي أيضًا
دراسة: يمكن للذكاء الاصطناعي خلق الكذب والدعاية المضللة
حول أنظمة المحادثة الاصطناعية وعلاقتها بانتشار المعلومات المضللة