انتشر مؤخرًا مقطع فيديو حاز على ملايين المشاهدات حول العالم، ظهر فيه عناصر من الشرطة الألمانية إلى جانب موظفين من الخدمات الاجتماعية وهم يسحبون طفلًا من عائلته المسلمة، وادّعى مستخدمون أن الإجراء جاء عقب إبلاغ مدرسة الطفل أن عائلته يعلّمونه أن المثلية الجنسية محرّمة في الإسلام.
هل أخذت الشرطة الألمانية الطفل بسبب أفكار عائلته الدينية؟
أصدرت شرطة ولاية بريميرهافن بيانين حول الحادثة، أوضحت في الأول أنها تتابع الموضوع، ونفت جميع الادعاءات المرتبطة بالفيديو المتداول محذرة من انتشار الشائعات، وفي بيانها الثاني أكّدت أنها تجري تحقيقًا في الحادثة وأن قرار سحب الأطفال من عائلاتهم يعد الخيار الأخير، ولا يُتخذ إلا لأسباب خطيرة وأردفت أنها لا تستطيع تقديم معلومات إضافية.
لم تقدم بيانات الشرطة أي معلومات حول أسباب سحب الطفل من عائلته، الأمر الذي سمح للادعاء المتداول باستمرار الانتشار. واسترجع مستخدمو مواقع التواصل حوادث أخرى لمراكز الرعاية الاجتماعية في أوروبا، أخذت فيها أطفال عائلات عربية، خاصة في السويد وألمانيا.
فهل تستهدف الخدمات الاجتماعية في ألمانيا أطفال العرب؟
إن أغلب الدول الأوروبية الموقّعة اتفاقيات حقوق الطفل الأممية، لديها مؤسسات حكومية مختصّة بمتابعة حالات العنف ضد الأطفال والتأكد من حصوله على كامل حقوقه، ولعلّ أكثر هذه المؤسسات شهرة، نتيجة اللغط الذي دار حولها مؤخرًا: مؤسسة يوغندأمنت (Jugendamt) الألمانية ومركز السوسيال السويدي (Socialstyrelsen).
ما الذي يضبط قانون سحب الأطفال من عائلاتهم؟
وتعرّف مؤسسة يوغندأمت الألمانية نفسها بأنها تعمل لضمان "رفاهية الطفل داخل ألمانيا"، وتعود هذه المؤسسة إلى مكتب رعاية الشباب المعني بـ"دعم وحماية الأطفال والمراهقين والأسر المقيمين في ألمانيا" بغض النظر عن جنسيتهم أو وضع إقامتهم، ويعتبر أن مهامه لا تقتصر فقط على "رعاية الأطفال والمراهقين المهمشين أو الذين تعرضوا للإيذاء فحسب"، بل تتجاوز ذلك إلى تقديم المشورة والدعم للأسر. ويفتح المكتب الباب للأطفال للتواصل معه مباشرةً "إذا واجهوا أي مشاكل مع والديهم".
متى يسحب مكتب رعاية الشباب الطفل من عائلته؟
في الموقع الرسمي للمكتب، نجد الإجراءات المتبعة قبل عملية سحب الطفل من عائلته، فمن الموضّح أنه في حال علم المكتب بطفل مهمَل أو يُساء له يتحدث أحد موظفي المؤسسة مع "العائلة أو الجيران أو المدرسين أو القائمين على رعاية الطفل المعني"، وإذا اتضح خلال زيارات واتصالات الموظفين أن الطفل في خطر بالفعل، وفي حالة “عدم وجود حل آخر”، يتم نقل الطفل بعيدًا عن الأسرة.
وغالبًا ما يحتاج المكتب إلى قرار رسمي من محكمة الأسرة لاتخاذ إجراء سحب الطفل من عائلته، ولكن في بعض الحالات الاستثنائية، يمكن رفع القرار القضائي لاحقًا.
وبعد أخذ الطفل من عائلته يتم إرساله أولًا إلى أسرة حاضنة أو ملجأ للأطفال خاضع للإشراف ولكن "بمجرد تحسن الوضع في المنزل، يمكن للطفل العودة إلى أسرته".
اتهامات ضد مراكز الرعاية الاجتماعية باختطاف أطفال المهاجرين
في السنوات الأخيرة، برزت اتهامات من المهاجرين في الدول الأروبية ضد مراكز الرعاية الاجتماعية بتعمّد خطف أطفالهم. وخلال فبراير/شباط العام الفائت، نشطت حملات إلكترونية رافقتها مظاهرات على الأرض في السويد تنديدًا بسحب الأطفال من عائلاتهم. ورفع المحتجون لافتات تحمل عبارات "أوقفوا خطف أولادنا"، و"العدالة من أجل أطفالنا".
واشتكى المهاجرون -أغلبهم من العرب والمسلمين- من وجود تمييز ضدهم وعدم التزام بالقانون في إجراءات سحب الأطفال، وأن السحب يتم أحيانًا “دون التأكد من وجود أخطار حقيقية تحيق بالطفل".
من جهتها، نفت الحكومة السويدية الاتهامات الموجهة إليها من الأسر المحتجة، فيما وصفت وزارة الخارجية السويدية الادعاءات بالتمييز ضد المهاجرين بأنها "مضللة بشكل خطير وتهدف إلى خلق جو متوتر" مضيفة أن "جميع الأطفال في السويد يتمتعون بالحماية والرعاية دون أي تفرقة بموجب التشريعات السويدية، واتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل".
وفي عام 2017، احتج عدد من العائلات التركية إلى جانب رئيس منظمة تركية-ألمانية غير حكومية أمام مقرات الاتحاد الأوروبي في بروكسل، ضد إجراءات مكتب رعاية الشباب في ألمانيا التي تقضي بسحب أطفال من عائلاتهم التركية حال "وجود أبسط المشاكل" بحسب وصفهم، وإعطائهم لأسر حاضنة من أصل ألماني.
ونقلت وسائل إعلام تركية شهادة عائلة داهلوف التي كانت في صفوف المحتجين، وقالت إن مراكز الرعاية الاجتماعية سحبت أطفالها الثلاثة بسبب "فشل الأسرة في الإبلاغ عن حالة صحية لطفلهم البالغ من العمر أربع سنوات" وفقًا لما أفادت به السلطات الألمانية للعائلة.
وبحسب أقوال العائلة، فقد تم تسليم الأطفال إلى ثلاثة آباء حاضنين منفصلين. ولا يُسمح للأبوين بزيارة أولادهم إلا مرتين في الأسبوع، وألقوا باللوم على السلطات الألمانية لتعمد فصل الأشقاء عن بعضهم البعض، فيما أشاروا إلى أن الطفل الأصغر يبلغ من العمر سنة ونصف.
كما نقل موقع الجزيرة.نت، حديثه مع المهاجر السوري بشار. ع. ش، الذي قال إنه جاء إلى ألمانيا عام 2015، وقبلها بأشهر قليلة علّق أحد أقربائه طفله محمد وقد كان بعمر سنة ونصف، على باب البيت وصوّره من قبيل الدعابة، وفي عام 2017 حدث خلاف بينه وبين قريبه، فاتصل الأخير بالشرطة الألمانية وقدم لهم الصورة على أن الأب مهمل بالطفل.
تابع بشار أن موظفي مؤسسة يوغندأمت استمروا بزيارة منزله للاطمئنان على الطفل لمدة سنتين ثم سحبوه في 21 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2019، "بذريعة أن الطفل يحتاج عناية خاصة، أخذوه لأحد المراكز لمدة 11 شهرًا".
وأردف أن طفله خلال هذه الفترة "تعرض للضرب على رأسه من إحدى الموظفات"، وأنه صور طفله وهو يروي ما جرى له، ليتم نقله إلى مركز بمدينة قريبة كي يعيدوه لبيته وفقًا لقرار المحكمة، ولكنه نُقل بعدها إلى عدة أماكن تعرض فيها للتحرش الجنسي بحسب ادعائه، وأبرز تقريرًا طبيًا بذلك للجزيرة.
مؤامرة على المهاجرين أم اختلاف ثقافات؟
في حوار مع موقع مهاجر نيوز، أفاد المحامي السابق والمستشار القانوني جلال محمد أمين المختص بقضايا الحضانة الأبوية في ألمانيا، أن السلطات الاجتماعية في ألمانيا ممكن أن تأخذ الأطفال من عائلاتهم في كل المواقف التي تؤثر على "رفاهية الطفل جسديًا ونفسيًا"، وهذا يشمل أيضًا الإهمال من "حيث تغذية الطفل أو صحته"، ويرجع تقييم القضية نهايةً، إلى إدارة الخدمات الاجتماعية والمحاكم.
ونفى من ناحيته أن يكون إجراء سحب الأطفال مرتبطًا بدين الأهل أو عرقهم وأكّد أن الكثير من العائلات الألمانية فقدت أولادها نتيجة الإهمال، خاصة مدمني المخدرات.
وأوضح أن الإجراء لا يتم تنفيذه بسرعة، فبداية يتم الاجتماع مع الأهل عدة مرات لتقديم النصائح حول تعديل سلوكهم تجاه أطفالهم، وأنه حال وجود ظروف تستوجب الإسراع في سحب الأطفال، تستعين دائرة الخدمات الاجتماعية بالشرطة لأخذ الأطفال إلى حين بت المحكمة في القضية.
وأشار أن على الأهل بدايةً، الرجوع إلى المحكمة والاعتراض على الحكم لكي يسترجعوا طفلهم.
وفقًا لدراسة صدرت عن هيئة المظالم في السويد في ديسمبر/كانون الأول عام 2021، حول "العوامل التي تؤثر على تقييمات الأخصائيين الاجتماعيين وقراراتهم في رعاية الأطفال والشباب الاجتماعية"، تبيّن وجود أوجه قصور في عمل دائرة الخدمات الاجتماعية.
أظهرت الدراسة أن موظفي الرعاية الاجتماعية في السويد (سوسيال) يواجهون صعوبات في التواصل مع العائلات من أصول أجنبية بسبب اختلاف اللغة، الأمر الذي قد يؤثر بدوره "في الحكم على ما هو في مصلحة الأطفال والأسرة".
كما أشارت الدراسة إلى أن الآباء في الأسر ذات الخلفية الأجنبية غالبًا ما يفتقرون إلى المعرفة بالمشكلة التي يواجهها الطفل أو نوع الدعم الذي يحتاجه، وتبين أن جميع الأسر الأجنبية ممن أجريت معهم المقابلات خلال الدراسة، لم يرَ الوالدان فيها أن الطفل يمكن أن يكون لديه مشكلة، وعندما أوضح لهم الأخصائيون الاجتماعيون أن الطفل يحتاج إلى الدعم، كان الوالدان في كثير من الأحيان مترددين في قبول الدعم لأنهم لم يدركوا خطورة المشكلة أو لأنهم يعتبرون احتياجات الطفل مسألة عائلية.
وفي سياق عرض آراء مغايرة للاجئين عرب حول دور مؤسسات الرعاية الاجتماعية، نقل موقع عربي بوست، تجربة طبيبة أسنان عربية خلال إقامتها في فرنسا وألمانيا، أفادت بها أن عامل اختلاف الثقافات له تأثير على فهم دور هذه المؤسسات، وأكّدت أن المؤسسات لم تنشأ من أجل خطف أطفال المسلمين أو الضغط على الأسر لتغيير ثقافتها، وأنه من المؤكد وجود بعض حالات تشدد من تلك الجهات، إلا أنها حالات فردية ولا تستهدف دولًا بحد ذاتها.
اقرأ/ي أيضًا
مفوضية اللاجئين تنفي لمسبار تقديم غسالات آلية للاجئين السوريين في لبنان
أبرز الأخبار المضلّلة حول اللاجئين والمهاجرين خلال الأشهر الفائتة
المصادر