أثارت وكالة الأنباء الجزائرية جدلًا واسعًا منذ أيام بعدما نشرت تقريرًا انتقدت فيه قناة فرانس24 الفرنسية بعنوان "فرانس 24.. القناة الحثالة"، وفيه اتهمت الوكالة الجزائرية القناة الفرنسية باستهداف الجزائر وعدم احترام القواعد الأساسية لأخلاقيات المهنة، وانتهاك ضوابط وقواعد الإعلام.
وجاء في تقرير الوكالة "في الوقت الذي تحترق فيه معظم مناطق حوض المتوسط، التي تفترسها ألسنة النيران بشكل غير مسبوق مخلفة خسائر بشرية في كل من اليونان وإيطاليا وكورسيكا وإسبانيا والجزائر، لم تجد قناة فرانس24 المبتذلة والمشينة سوى استهداف الجزائر، كعادتها ودون أدنى احترام لأرواح الضحايا، وكأن الحرائق لم تطل سوى الجزائر دون غيرها مع أن عديد دول حوض المتوسط تحترق بسبب درجات حرارة قياسية تجاوزت 50 درجة مئوية".
كما وجهت الوكالة اتهامات مباشرة للقناة بتلقي "الأوامر بخصوص الجزائر" من أحد المقربين من قصر الإليزيه المعروف بصلته الأكيدة مع منظمة تحديد مصير مناطق القبائل (الماك) الانفصالية الأمازيغية التي وصفتها بـ "الإرهابية"، إضافة إلى التجاهل المتعمّد من قبل القناة للحرائق في مختلف المناطق والتركيز على "ولايتين فقط خدمة للّعبة الخبيثة التي تخطط لها وتصنعها الحركة الإرهابية التي تسعى جاهدة إلى أن تستحوذ على منطقة طردت منها من قبل سكانها".
من جانبها، أصدرت قناة فرانس24 بيانًا تستنكر فيه تلك اللهجة التي وصفتها بالعنيفة وتدين الاتهامات التي جاءت في تقرير وكالة الأنباء الجزائرية، موضحةً أن التجاوز الموجود في ذلك النص "يعيب من كتبوه"، وأن “فرانس24” ستواصل من جهتها تغطية الأخبار في العالم "بكل مهنية".
وبيّنت القناة أن الحرائق نشبت في كل حوض البحر الأبيض المتوسط، “وفرانس24 غطتها من دون أي معالجة حصرية، خاصة بفضل مراسليها في اليونان وصقلية في الأيام الماضية"، وأضافت القناة أنّ "الحرائق في الجزائر لم تكن لها أي تغطية خاصة، وإطلاق استنتاجات سياسية لا أساس لها ما هو إلا تحليلات غير عقلانية ومخالفة للمنطق السليم".
وبين الموقفين، أجرى "مسبار" تحليلًا معمقًا لتغطية “فرانس24” للحرائق التي نشبت في الجزائر وفي مختلف دول حوض المتوسط الأخرى خلال آخر 15 يوم -منذ بدء موجة الحرائق الأخيرة في معظم تلك الدول- ليرى ما إذا كانت هناك انتقائية متعمّدة وتركيز مكثف على حرائق الجزائر دونًا عن غيرها، وما إذا كان هناك تركيز محدد داخل الجزائر بين ولاية وأخرى، كما ادّعت وكالة الأنباء الجزائرية.
تغطية قناة فرانس24 لحرائق اليونان
بالنسبة لليونان، وجد "مسبار" أن قناة فرانس24 نشرت 17 خبرًا وتقريرًا عن الحرائق التي اندلعت هناك، إذ بدأت التغطية مع دعوة رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس يوم الخميس 20 يوليو الجاري إلى "أكبر قدر من الحذر" في مواجهة موجة حرّ شديد تضرب بلده، حيث تراوحت درجات الحرارة بين 44 و45 درجة مئوية نهاية ذلك الأسبوع، وخصصت “فرانس24” تقريرًا آخر لدرجات الحرارة تلك، نُشر في اليوم التالي لتصريحات رئيس الوزراء، واصفةً إياها بـ"الأعلى منذ 50 عامًا".
وشملت تغطية “فرانس24” عدّة مناطق للحرائق في اليونان منذ اندلاعها، مثل جزر كورفو إيفيا ورودوس، التي شهدت، بحسب تقريرٍ آخر لـ"فرانس24"، أكبر عملية إجلاء للسكان في تاريخ اليونان، بفعل الحرائق. كما سلطت القناة الضوء على الأضرار التي لحقت بالخيول والحمير التي تستخدم في جر عربات يمتطيها السياح للقيام بجولات استكشافية في جزيرة إيجينا على بعد 26 كم فقط جنوب العاصمة أثينا.
ومع تراجع حدة الحرائق وانتشارها، نشرت “فرانس24” أخبارًا عدّة نقلًا عن رجال الدفاع المدني أو متحدثين باسم الحكومة اليونانية عن كون النيران أصبحت "تحت السيطرة"، كما أوردت عدد الضحايا وحجم الأضرار الأولي الذي كشفت عنه الحكومة.
تغطية قناة فرانس24 للحرائق في دول حوض المتوسط
كانت إسبانيا الضحية الأكبر من بين دول حوض المتوسط في حرائق صيف العام الماضي، وعليه، بدأت الحكومة تحضيراتها مبكرًا هذا العام، ذلك من خلال إطلاق نظام مكافحة الحرائق بشهر ونصف قبل موعده الطبيعي. وفي جميع أنحاء البلاد، تستعد المناطق بدورها لمجابهة الحرائق عبر عمليات وقائية خاصة لحماية المناطق السكانية المحاذية للغابات، وثقتها “فرانس24” في تقرير خاص عُرض يوم 11 يوليو الجاري.
لكن في يوم 16 يوليو، نشب واحد من أكبر حرائق هذا العام في إحدى جزر الكناري الإسبانية، جزيرة لا بالما، إذ نال تغطية خاصة من قبل قناة فرانس24 التي بثّت مباشرة من الجزيرة وأعدّت تقريرًا مخصصًا أيضًا لتسليط الضوء على المصاعب التي واجهت وحدات الإطفاء الجوية والأرضية في الحريق الذي تسبب بإجلاء الآلاف من سكان الجزيرة، وأتى على نحو 115 ألف فدانًا من الأراضي، ودمّر ما لا يقل عن 13 منزلًا، قبل السيطرة عليه.
ونشرت “فرانس24” خلال المدة التي فحصها "مسبار" -آخر أسبوعين- ثلاثة تقارير "بانوراما" عن حالة الحرائق في مختلف دول حوض المتوسط التي تشهد موجات حرّ غير مسبوقة. وفي تلك التقارير، سلطت القناة الضوء على حجم الحرائق ومناطق انتشارها وحالة إخمادها في كلّ من فرنسا واليونان وإيطاليا والبرتغال وتونس والجزائر.
إضافة إلى ذلك، نشرت القناة تقريرًا يوم 25 يوليو الجاري عن حجم الحرائق التي تضرب جزيرة صقلية في جنوب إيطاليا، وما أسفر عن ذلك من ضحايا، إضافة إلى اضطرار السلطات لإغلاق مطار باليرمو، المطار الرئيسي للجزيرة وخامس أكبر مطار في إيطاليا، نتيجة وصول الحرائق إلى مبنى للركاب.
تغطية قناة فرانس24 لحرائق الجزائر عام 2023
خلال المدة التي فحص فيها "مسبار" تغطية قناة فرانس24 للحرائق في الجزائر، وجد أن القناة نشرت عنها 14 خبرًا وتقريرًا وريبورتاج، أي أقل مما نشرت عن حرائق اليونان بواقع 3 مواد، ونقلت أنباء احتواء الحرائق عن التلفزيون الجزائري الرسمي، فيما أوردت حجم الخسائر الناتجة عن الحرائق في الجزائر من المصادر الحكومية الرسمية، التي أقرّت بوفاة 34 شخصًا على الأقل، بينهم عشرة جنود، وإخلاء نحو 1500 شخصًا من منازلهم.
وفي يوم الخميس 25 يوليو، نقلت القناة بيان وزارة الداخلية الجزائرية الذي جاء فيه "نجحت مصالح الحماية المدنية في إخماد غالبية الحرائق بنسبة 80 بالمئة، بعد التجند بدون انقطاع طوال ليلة أمس، وتعزيز العمليات الميدانية برا بالمورد البشري والعتاد وتعاضد الإمكانيات بين الولايات". كما أضاف نقلًا عن الحماية المدنية أن 11 حريقًا ما يزال مستمرًا في سبع ولايات شماليّ البلاد وشرقها.
وفي تقرير آخر بعنوان "مقتل العشرات بينهم عسكريون في حرائق غابات عنيفة بشمال شرق الجزائر"، نقلت قناة فرانس24 الأنباء التي أوردتها وزارة الداخلية الجزائرية التي قالت إن البلاد سجلت بين الأحد والإثنين الماضيين ما مجموعه 97 حريقًا في 16 ولاية، لكن أعنفها اندلعت في بجاية والبويرة وجيجل.
وفي تقرير لإحصاء الأضرار الناجمة عن الحرائق التي اندلعت في الجزائر، سلّطت “فرانس24” الضوء على الجهود التي بذلتها الداخلية الجزائرية للسيطرة على الحرائق، إذ ذكرت أنه "تمت تعبئة نحو ثمانية آلاف من رجال الحماية المدنية و525 شاحنة مختلفة الأحجام مدعومين بوسائل إطفاء جوي". وأضافت أن "رجال الإطفاء ما زالوا يعملون على إخماد الحرائق في 11 ولاية حيث تستعر النيران في الغابات والأحراج والحقول".
وأتت في تقريرها على بيانٍ آخر للداخلية الجزائرية كشف أن عمليات الإطفاء كانت مستمرة في ست ولايات هي بومرداس والبويرة وتيزي وزو وبجاية وجيجل وسكيكدة، وذلك بمشاركة "13 رتلًا متنقلة و3050 عون، تم تعزيزها صباح بـ12 رتلًا متنقلة و1200 عون إضافي". كما قالت إنّ هناك 12 طائرة منتشرة في هذه الولايات الست، بما في ذلك مروحيات مكافحة حرائق تابعة لسلاح الجو و"طائرة الإطفاء ذات السعة الكبيرة"، بحسب البيان الذي نقلته قناة فرانس24.
ومع إخماد الحرائق بشكلٍ كلي، نقلت “فرانس24” أنباء عن مباشرة السلطات الجزائرية عمليات مسح وتقييم الأضرار وشروعها في تنظيم الإمدادات والمساعدات للمتضررين، إضافة إلى إنشاء خلايا دعم نفسي، وذلك في تقرير نُشر يوم 27 يوليو الجاري سلط الضوء على جهود ما بعد الواقعة.
المصادر
اقرأ/ي أيضًا:
فرانس24 لم تنشر عن اتفاق بين الجزائر وفرنسا لاسترجاع أملاك مصادرة ليهود فرنسيين