في 15 أغسطس/آب الجاري، ظهر شخص يُدعى وائل الصديقي، في مقطع فيديو شكّك من خلاله بصحة الاتهامات العنصرية التي توجّه إلى الأتراك مؤخرًا، على خلفية الاعتداءات المتكرّرة على السيّاح العرب في تركيا.
يطرح الصديقي في المقطع أسئلة من قبيل “لماذا لا يوجد بين هذه المقاطع مقطع لأتراك يضربون مصريًّا؟ أو مقطع لأتراك يضربون فلسطينيًّا؟ أو مقطع لأتراك يضربون أميركيًّا؟”. ويتساءل عن معنى أن يكون جميع ضحايا الاعتداءات خليجيين.
ويدّعي الصديقي أنّ الجنسيات الوحيدة التي يشتكي مواطنوها من الاعتداءات العنصرية هي الجنسيات الخليجية والسورية والألمانية. فما صحة هذه الادّعاءات؟ وهل اعتداءات الأتراك لا تطاول سوى الخليجيين والسوريين والألمان؟
بحث "مسبار" عن حوادث اعتداء تعرّض لها بعض السيّاح والمقيمين في تركيا، خلال السنتين الفائتتين، واستثنى منهم حاملي الجنسيات الخليجية والسورية والألمانية، وغير المعروفة جنسياتهم، وتبيّن أنّ الادعاءات التي ذُكرت في المقطع زائفة، إذ لم تطاول الاعتداءات عامة، والعنصرية منها على وجه الخصوص، الخليجيين والسوريين والألمان وحدهم، إنّما طاولت تسع جنسيات أخرى على الأقلّ.
اعتداءات الأتراك ضد السياح والمقيمين في تركيا عام 2023
في يوم 18 أغسطس 2023، توفي مواطن مغربي مقيم في إسطنبول بعد تعرضه لاعتداء عنيف من سائق سيارة أجرة تركي. وصرّح أيّوب سالم، رئيس تمثيلية المغاربة المقيمين في تركيا، لقناة الحرّة قائلًا إنّ الشجار نشب بعدما رفض سائق سيارة الأجرة نقل الضحية إلى وجهته، قبل أن ينزل من السيارة وينهال عليه بالضرب "عندما علم أنه أجنبي". ونقلت الحرة عن وسائل إعلام قولها إن الخلاف سببه رفض سائق الأجرة نقل الضحية، لأنّ وجهته كانت قريبة ولا تدرُّ على السائق عائدًا معتبرًا.
وفي أواخر شهر مايو/أيّار 2023، تعرض مواطن لبناني مقيم في إسطنبول لاعتداء بالعصي على يد صاحب المنزل الذي يستأجره، ذلك على خلفية رفضه رفع إيجار المنزل بنحو أربعة أضعاف، من سبعة آلاف ليرة شهريًّا إلى 30 ألفًا. ونُقل المواطن اللبناني إلى المستشفى بعد إصابته بجروح ورضوض.
وفي الثامن من مايو 2023، اعتدى أحد مؤيّدي حزب "الجيد" على مراسلة الجزيرة مباشر، الإعلامية المصرية رُقيّة تشيليك، بعدما قاطعها خلال بث مباشر وطالبها بعدم التحدُّث باللغة العربية، ذلك أثناء قيامها بجولة في إسطنبول لرصد أجواء الحملة الانتخابية. وتعرّضت زميلتها المصوّرة ديمة منصور للاعتداء على يد شخص حاول منعها من توثيق الحادثة.
اعتداءات الأتراك ضد السياح والمقيمين في تركيا عام 2022
في شهر يوليو/تموز 2022، اعتدى أتراك بالضرب على سائح مصري، كان على متن حافلة نقل عمومي في إسطنبول، وقاموا بتفتيش هاتفه. وجاء الاعتداء بعد الادّعاء بأنّه كان يصوّر السيدات خلسة، غير أن الشرطة نفت تلك المزاعم بعد اعتقاله وفحص هاتفه، إذ تبيّن أنه كان يصور الأماكن السياحية.
وفي 23 من الشهر نفسه، تعرّض صحفي إسباني وزوجته، كانا يقضيان إجازتهما في إسطنبول، لاعتداء على يد ثلاثة فتية، قاموا بضربه وبإلقاء عقب سيجارة مشتعل على زوجته. وقال الصحفي في سلسلة منشورات على موقع إكس (تويتر سابقًا)، إن تدهور الوضع الاقتصادي والصدمة الثقافية من الهجرة السورية والأفغانية تُحفّز مشاعر معاداة الأجانب لدى العديد من الأتراك، واستغلت المعارضة تلك المشاعر لبناء خطاب سياسي فعّال يُدين الحكومة، ذلك ردًّا على مستخدمين رجّحوا فرضية تعرضه وزوجته للاعتداء لأن ملامحهما شبيهة بملامح السوريين والأفغان.
وفي إبريل/نيسان 2022، تعرّض شاب فلسطيني مقيم في تركيا لاعتداء بالضرب على يد مواطن تركي في أحد شوارع إسطنبول. وتبيّن أن المواطن التركي اعتدى على الشاب الفلسطيني لظنّه أنه سوري، بعدما سمعه يتحدث اللغة العربية. ورغم تقديم الشاب شكوى لدى الشرطة التركية وإرفاقها بتقرير طبي، اكتفت الشرطة بالتحدث إلى المواطن ومن ثمّ إخلاء سبيله. وقال الشاب الفلسطيني إنّ المواطن التركي اعتذر منه عندما علم أنه لم يكن سوريًّا.
وفي يناير/كانون الثاني 2022، اعتدى سائق سيارة أجرة تركي على سائحة فرنسية في إسطنبول، بعد أن احتجزها داخل السيارة ليجبرها على دفع مال أكثر له. وأظهر مقطع فيديو السائق وهو يسحب السائحة بالقوة ويسحلها محاولًا التخلص منها بينما كانت تصرخ طالبة النجدة. وكانت الفتاة قد شرعت في توثيق احتجاز السائق لها ورفضه التوقّف.
اعتداءات الأتراك ضد السياح والمقيمين في تركيا عام 2021
تزامنًا مع احتفالات عيد الميلاد عام 2021، تعرّض سائح أميركي للطعن المميت أثناء تجوله ليلًا رفقة صديقه، في إحدى شوارع إسطنبول. وسجّلت إحدى كاميرات المراقبة الواقعة، التي أظهرت شخصًا يصطدم عمدًا بالسائح الأميركي، قبل أن يشرع وأربعة من مرافقيه في ضربه، أخرج بعدها أحدهم سكينًا ووجه له عدّة طعنات على مستوى الساق تسببت في موته. وذكر موقع ديلي صباح التركية أن دوافع الاعتداء كانت رفض السائح تسليم المعتدين المخمورين ما كان بحوزته من أغراض شخصية.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2021، تعرّض طلبة أردنيين في تركيا لاعتداء بالضرب على يد أتراك لأسباب مجهولة. وذكر الطلبة أنهم حاولوا الاختباء داخل عمارة وطلب النجدة من سكانها، لكن هؤلاء انهالوا عليهم بالضرب قبل أن يتسنى لهم شرح أسباب اختبائهم في العمارة. وأعقب الاعتداء توقيف الشرطة التركية للطلبة على خلفية شكوى أودعها ضدهم أحد المعتدين بتهمة بالسرقة.
وفي مايو 2021، تعرّضت عائلة عراقية تنحدر من محافظة أربيل لاعتداء وُصف بـ"العنصري" خلال رحلة سياحية إلى تركيا. واعترض أتراك، لسيارة الأسرة العراقية على الطريق الواصل بين مدينتي مرسين أنطاليا، قبل أن يشرعوا في إلقاء الحجارة عليها والاعتداء على راكبيها بالضرب المبرح. وأسفر الاعتداء عن إصابة طفل صغير بجروح بليغة. فيما أكّد شهود عيان أنّ دوافع المعتدين عنصرية، إذ أطلقوا شتائم بحق العرب والأكراد أثناء اعتدائهم على العائلة.
ما سبب تصاعد وتيرة الاعتداءات ضد الأجانب في تركيا؟
يبرز الاقتصاد عاملًا أساسيًّا عند الحديث عن أسباب تصاعد وتيرة الاعتداءات ضد الأجانب المقيمين في تركيا. ففي الوقت الذي تعاني فيه البلاد من ضائقة اقتصادية وتراجع في سعر العملة، أنعش تدفق المهاجرين واللاجئين سوق العمالة غير الرسمية على نحو لم تشهده البلاد من قبل. وأدّى ذلك إلى تدني الأجور مما أزعج نقابات العمال والمواطنين. كما ارتفع سعر الإيجار مع زيادة الطلب على السكن من طرف اللاجئين والمهاجرين. ومن جهة أخرى، استغلت أحزاب المعارضة مسألة اللاجئين والمهاجرين للضغط على الحكومة وحشد التأييد الشعبي قبل الانتخابات الرئاسية التركية، التي فاز بها أردوغان في مايو 2023.
اقرأ/ي أيضًا