عقب زيارة وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، إلى واشنطن في التاسع من أغسطس/آب 2023، ولقائه وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، أُثير جدل بين وسائل إعلام مغربية وجزائرية حول حقيقة موقف الولايات المتحدة من قضية الصحراء الغربية. ففي الوقت الذي ادّعت فيه وسائل إعلام جزائريّة أن الموقف الأميركي من قضية الصحراء الغربية يدعم الموقف الجزائري، شكّكت صحف مغربية في صدقية ما ورد في بيان وزارة الخارجية الجزائرية، حول ما دار بين وزيري الخارجيتين الأميركي والجزائري.
ما الذي قاله أنتوني بلينكن عن الصحراء الغربية في اجتماعه مع نظيره الجزائري؟
جاء في بيان رسمي للمتحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية، مات ميلر، أنّ أنتوني بلينكين جدّد خلال لقائه مع وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، دعمه الكامل لستافان دي ميستورا، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، في مشاوراته المكثّفة مع جميع الأطراف المعنية للتوصل إلى حل سياسي لمسألة الصحراء الغربية".
ما مضمون بيان وزارة الخارجية الجزائرية عن اجتماع الوزير عطاف مع بلينكن؟
ذكر بيان وزارة الخارجية الجزائرية حول لقاء وزير الخارجية الجزائري بنظيره الأميركي أنّ الطرفين "جدّدا تعبيرهما عن دعم جهود المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، السيد ستافان دي ميستورا، الرامية لتمكين طرفي النزاع من الانخراط بجدية ودون شروط مسبقة في المسار السياسي الذي تقوده الأمم المتحدة".
كيف تحوّل البيانان إلى موضع خلاف في وسائل الإعلام؟
ادّعى موقع أوراس الإخباري الجزائري أن الولايات المتحدة باتت "تدعم موقف الجزائر" من الصحراء الغربية، وعنون إحدى مقاطع الفيديو التي نشرها بـ "واشنطن أدارت ظهرها لاعتراف ترامب المزعوم" (في إشارة إلى اعتراف إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، بمغربية الصحراء الغربية في ديسمبر/كانون الأول 2020). وأضاف الموقع قائلاً إنَّ واشنطن "تؤكّد دعمها الكامل لموقف الجزائر بخصوص الصحراء الغربية".
أما قناة "الشروق" الجزائرية فقد عنونت منشورًا تضمن مقطعًا من حصّة "كلام مباشر" بـ: "بلينكن قالها صراحةً.. وأمريكا صفعت المخزن حول الصحراء على المباشر !!".
في مقابل ذلك، عنون موقع هسبريس المغربي مقالًا بـ "واشنطن تُكذّب الخارجية الجزائرية بعد لقاء بلينكن وعطاف". وركّز الموقع على نفي ما جاء في بيان وزارة الخارجية الجزائرية من حديث عن "تمكين طرفي النزاع من الانخراط بجدية ودون شروط مسبقة في المسار السياسي، الذي تقوده الأمم المتحدة".
وقال موقع "كفى برس" المغربي إن بلينكن قد "أجهض محاولة الخارجية الجزائرية تحوير الاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء".
وتصدّر وسم #طرد_سكاي_نيوز قائمة الوسوم الأكثر تداولًا في الجزائر على موقع إكس (تويتر سابقًا)، وذلك بعد انتشار ادعاءات على لسان مراسل قناة سكاي نيوز عربية في واشنطن مفادها أنّ "واشنطن منزعجة بسبب عدم مسايرة الجزائر للموقف الأميركي من الصحراء المغربية والموقف من جبهة البوليساريو".
ما حقيقة الموقف الأميركي من قضية الصحراء الغربية؟
ظل الموقف الأميركي المعلن من قضية الصحراء الغربية محايدًا إلى حد كبير، وداعمًا لموقف الأمم المتحدة إلى حين اعتراف الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، بسيادة المغرب على إقليم الصحراء الغربية، قبل شهر من مغادرته السلطة في يناير/كانون الثاني 2021.
الاتفاق الثلاثي المشترك بين المغرب وإسرائيل والولايات المتحدة
جاء اعتراف ترامب بسيادة المغرب على الإقليم عقب توقيع الولايات المتحدة اتفاقًا ثلاثيًا مع المغرب وإسرائيل في ديسمبر/كانون الأول 2020. ونصّ الاتفاق، الذي تم برعاية الولايات المتحدة، على تطبيع المغرب علاقاته الديبلوماسية مع إسرائيل.
عقب ذلك اعترفت إدارة ترامب بسيادة المغرب على إقليم الصحراء الغربية. كما نصّ الإعلان الثلاثي المشترك، بين كلٍّ من المغرب والولايات المتحدة واسرائيل، على التزامات إضافية للولايات المتحدة تتمثل في تقديم دعم اقتصادي للمغرب، وفتح قنصلية أميركية في منطقة الداخلة الواقعة في إقليم الصحراء الغربية.
وفي حين لا يزال الموقف الأميركي الرسمي من قضية الصحراء الغربية على حاله، بعد قرابة ثلاث سنوات على مغادرة ترامب البيت الأبيض، تتسم تصريحات إدارة الرئيس الحالي، جو بايدن، حول ملف الصحراء الغربية بعدم الوضوح.
ما موقف إدارة بايدن من ملف الصحراء الغربية؟
يصف مختصّون موقف إدارة الرئيس جو بايدن من قضية الصحراء الغربية بـ "الغموض الدبلوماسي". فمن جهة، لم تُعلن الولايات المتحدة، رسميًا، سحب اعترافها بالسيادة المغربية على إقليم الصحراء الغربية المتنازع عليه. ومن جهة ثانية، يتمسّك وزير الخارجية الأميركي بالموقف الكلاسيكي للولايات المتّحدة، الداعم لحلّ سياسي للملف برعاية الأمم المتحدة، من خلال تجديد دعمه لجهود المبعوث الأممي إلى المنطقة سيتفان دي ميستورا.
وبدا غموض الموقف الأميركي في إجابات لناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، عن أسئلة وُجّهت له خلال مؤتمر صحافي عقد 17 يوليو/تموز الفائت.
وأجاب ميلر صحافيًا سأله عن موقف الإدارة الأميركية من قرار إسرائيل الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، بالقول إنّه لا يملك تعليقًا على قرار الحكومة الإسرائيلية بذلك الخصوص، ليسأله الصحافي ذاته مجددًا عما إذا كان لديه تعليق على موقف الولايات المتحدة. وردَّ ميلر "كما هو واضح، خطت الولايات المتحدة تلك الخطوة (أي الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية) في ديسمبر 2020 ولم يتم تغييرها."
الصحافي من جديد "لم يتم تغييرها. أيعني ذلك أن الصحراء الغربية لا تزال بالنسبة إليكم جزءًا من المغرب؟"
ميلر "دعني أقول إن الموقف أُعلن عنه في ديسمبر 2020 وأنه لم يتغيّر. وسأقول، في الوقت ذاته، إننا ندعم كُلّيًا المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ستافان دي ميستورا، الذي يكثّف الجهود للتوصُّل إلى حل سياسي مستدام وكريم للصحراء الغربية".
ومنذ وصول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض، مطلع سنة 2021، غرّد وزير الخارجية أنتوني بلينكن أربع مرّات حول ملف الصحراء الغربيّة.
نشر تغريدته الأولى في السادس أكتوبر/تشرين الأول 2021 ورحّب فيها بتعيين ستافان دي ميستورا مبعوثًا جديدًا للأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية، وجاء في نص التغريدة: "تؤيد الولايات المتحدة تأييدًا تامًا، العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة في الصحراء الغربية لتعزيز مستقبل سلمي ومزدهر لشعوب المنطقة."
أما تغريدته الثانية فقد جاءت عقب لقائه وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، وجاء فيها: "اجتماع قيّم اليوم مع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة لمناقشة شراكتنا الاستراتيجية، والدعم المشترك لعملية سياسية متجددة بقيادة الأمم المتحدة بشأن الصحراء الغربية ، ولتقديم دعم أميركي قوي لتعميق العلاقات المغربية الإسرائيلية".
أما التغريدة الثالثة لأنتوني بلينكن حول الملف ذاته، فقد نُشرت في الرابع من فبراير/شباط 2022، عقب لقائه المبعوث الأممي الجديد إلى الإقليم، ستافان دي ميستورا، وجاء فيها: "لقاء ثريّ مع المبعوث الشخصي للأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية، ستافان دي ميستورا، لمناقشة دعمنا للعملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة في الصحراء الغربية نحو حل دائم وكريم للصراع".
أما آخر تغريدة له حول الموضوع، فكانت إثر لقائه وزير الخارجية الجزائري أحمد عطّاف في التاسع أغسطس/آب 2023، وهي التي أثارت جدلًا بين بعض وسائل الإعلام الجزائرية والمغربية، ولم تخرج عن الموقف المألوف للولايات المتحدة. إذا جاء فيها: "التقيتُ وزير الخارجية الجزائري أحمد عطّاف لمناقشة الشراكة بين الولايات المتحدة والجزائر والتشاور بشأن الأولويات المشتركة، بما في ذلك الاستقرار في منطقة الساحل وسلام عادل ومستدام في أوكرانيا. كما أكدنا دعمنا الكامل للعملية السياسية للأمم المتحدة في الصحراء الغربية".
ولم تنسحب إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن من الاعتراف السابق بسيادة المغرب على الصحراء الغربيّة رغم مطالبات 27 نائبًا ديمقراطيًا في مجلس الشيوخ الأميركي ومسؤولين سابقين في إدارة ترامب، مثل السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة جون بولتون. وبقيت في الوقت نفسه متمسّكة بحل سياسي تقوده الأمم المتحدة، وبدعم مبعوث الأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية ستافان دي ميستورا.
إلاّ أن المنتقدين للاتفاق الثلاثي أشاروا إلى أنّ الولايات المتحدة، منذ وصول الرئيس جو بايدن، لم تلتزم بباقي التعهّدات التي نص عليها الاتفاق. ولم تفتح الولايات المتحدة قنصلية في منطقة الداخلة، كما لم يحصل المغرب على الدعم الاقتصادي الأميركي الموعود.
ما موقف الجزائر من قضية الصحراء الغربية؟
يعدّ الموقف من الملف الصحراوي نقطة خلاف شديد بين الجارتين الجزائر والمغرب، إذ تعدّ الجزائر قضيّة الصحراء الغربية "قضية تصفية استعمار" وتدعم "جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب" (البوليساريو) في مطلبها إجراء استفتاء شعبي حول تقرير مصير إقليم الصحراء الغربية، بإشراف أممي متمثل في "بعثة الأمم المتحدة لتنظيم استفتاء في الصحراء الغربية" (MINURSO). كما تستضيف الجزائر على أراضيها مخيّمات اللاجئين الصحراويين الذي نزحوا منذ سبعينيات القرن العشرين، جراء الحرب بين القوات المغربية والبوليساريو. وتقدّم الجزائر اليوم دعمًا سياسيًا ودبلوماسيًا للبوليساريو في صراعها مع المغرب.
ما موقف المغرب من قضية الصحراء الغربية؟
يُسيطر المغرب على 80 في المئة من مساحة إقليم الصحراء الغربية، ويرفض إجراء استفتاء تقرير المصير بعد أن قبل به بموجب اتفاقية وقف إطلاق النار، التي وقّعها مع جبهة البوليساريو سنة 1991. ويرى المغرب أنّ من المستحيل إجراء الاستفتاء بسبب عوامل تقنية، مثل خلافات حول من له الأحقية في المشاركة في الاستفتاء، لاختلاف قوائم السكّان الصحراويين بين المغرب والبوليساريو. وفشلت المحاولات الأممية في تنظيم الاستفتاء، وكان أهمّها خطّة المبعوث الأميركي الخاص إلى الإقليم، جيمس بيكر سنة 2003.
وفي إبريل/نيسان عام 2007، طرح المغرب حلًّا بديلًا لخطة الأمم المتحدة، وهو "مقترح الحكم الذاتي" للإقليم تحت سلطة المملكة المغربية. ورفضت جبهة البوليساريو المقترح، واعتبرته تراجعًا للمغرب عن التزامه باستفتاء تقرير المصير.
ما هي جذور النزاع على إقليم الصحراء الغربية؟
عام 1884، احتلت إسبانيا إقليم الصحراء الغربية وحولته إلى مقاطعة إسبانية. وفي عام 1973 تأسست الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليساريو)، التي أعلنت الحرب ضد الاحتلال الإسباني. بعد ذلك بسنتين، قررت إسبانيا الإنسحاب من الإقليم، فوقّعت، في إبريل/نيسان 1975، اتفاقية في مدريد، منحت بموجبها صلاحية إدارة الإقليم للمغرب وموريتانيا مناصفةً.
غير أن جبهة البوليساريو، رفضت القرار واعتبرت الاتفاقية تجاهلًا للسكان الصحراويين، ودعت لتنظيم استفتاء لتقرير مصير الإقليم. واندلعت، خلال السنة ذاتها، حرب بين جبهة البوليساريو من جهة، والمغرب وموريتانيا من جهة ثانية. كما أعلنت البوليساريو، في السنة الموالية، عن قيام الجمهورية العربية الصحراوية.
وفي حين انسحبت موريتانيا من الإقليم عام 1979، استمرت الحرب بين جبهة البوليساريو والمغرب إلى غاية توقيع اتفاقية إطلاق النار في عام 1991، وهي الاتفاقية التي أعلنت جبهة البوليساريو سنة 2021 توقيف العمل بها، بعد اشتباكات بين الجبهة والجيش المغربي في محيط معبر الكركرات على الحدود مع موريتانيا.
اقرأ/ي أيضًا
الصورة مُفبركة وليست لمغاربة يطالبون الفلسطينيين بالاعتراف بمغربية الصحراء
الفيديو لمذيع ينفي هروب جنود مغاربة من الصحراء الغربية وليس العكس