مع انتشار ظاهرة مقاطع الفيديو القصيرة على منصة تيك توك وجذبها ملايين النّاس، تسارع نمو أعداد مستخدمي التطبيق حتى وصل إلى 1.8 مليار مستخدم نشط شهريًّا في الربع الأول من عام 2023، إلّا أنّ هذه المقاطع لم تعد مجرّد أداة للترفيه بل أصبحت مصدرًا للمعلومات أيضًا.
كشفت دراسة أجرتها هيئة مراقبة الاتصالات في المملكة المتحدة Ofcom، أنّ قرابة نصف مستخدمي تيك توك في بريطانيا أصبحوا يعتمدون على حسابات تيك توك بدلًا من منافذ الأخبار التقليدية للبقاء على اطلاع بآخر التحديثات في حياتهم اليومية.
مقاطع الفيديو الدوارة على تيك توك
من بين الأمور التي يتّبعها تيك توك لإظهار مقاطع الفيديو للمستخدمين أنّه يرشّحها وفقًا للموقع الجغرافي وما يجري فيه من أحداث، كما أنّه عند تفاعل المستخدم مع واحد من المواضيع والاهتمام بمشاهدة المحتوى المتعلق به، يُرشّح المزيد من المقاطع حول الموضوع نفسه.
ويمكن لمقاطع فيديو تيك توك الدوّارة، أن تنتشر من دون توقف، فعلى الرغم من أنّ الخوارزميّة ترشّح مقاطع الفيديو الجديدة أكثر من غيرها في بداية النشر، إلّا أنّها قد تستمرّ في ترشيح وعرض مقاطع الفيديو القديمة بعد مرور وقت على نشرها، إذا توافقت مع اهتمامات المستخدم، أو في حال اكتسبت شعبية مفاجئة بسبب حدث ما وحصلت على تفاعل مرتفع.
هل تضلّل خوارزمية تيك توك المستخدمين؟
لاحظ مسبار خلال تغطية أحداث زلزال تركيا وسوريا في فبراير/شباط 2023، أنّ خوارزمية تيك توك رشّحت في بعض الأحيان مقاطع تشمل موضوع "الزلزال"، ولكنها قديمة ولا صلة لها بزلزال فبراير مما زاد في التضليل. كما لاحظ أنّ موقع تيك توك في أحداث أخرى، أظهر مقاطع قديمة في أوقات حديثة لمجرد توافق بعض المعطيات مثل البلد الذي وقعت فيه الأحداث، ولغة الكلام في مقطع الفيديو، أو تشابه الأحداث في منطقة معيّنة، ممّا جعل المستخدمين يظنّون أنّ مقاطع الفيديو تلك ترتبط بالأحداث الجديدة.
فبينما تهدف الخوارزمية إلى ترشيح محتوى مخصص بناءً على تفضيلات المستخدم ومشاركته، لتحسين تجربته، وقعت في أخطاء إظهار مقاطع فيديو قديمة، وأربكت المستخدمين في وقت الأزمات أو الأحداث، ممّا يشير إلى أنّ الخوارزمية ما زالت تفتقر إلى القدرات اللازمة للتعامل مع انتشار مقاطع الفيديو وتصفيتها، وخاصّة في وقت الأزمات.
مقاطع فيديو قديمة عادت للظهور على تيك توك في سياق حديث
فيما يلي بعض الأمثلة، رشّح فيها تيك توك مقاطع فيديو قديمة، فظنّ النّاس أنّها من أحداث جديدة.
فيديو المذيعة التي تبقى هادئة خلال زلزال تركيا
من بين مقاطع الفيديو التي أعاد تيك توك ترشيحها للمستخدمين خلال زلزال فبراير الذي ضرب تركيا، مقطع فيديو أوضح مسبار حقيقته، بعد أن ادّعى متداولوه أنه يظهر مذيعة أخبار تركية، بقيت هادئة عند وقوع زلزال تركيا وسوريا، واستمرّت في تقديم نشرة الأخبار.
فبينما نشر حساب الشرق للأخبار في تيك توك، فيديو المذيعة التركية بتاريخ 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، ظهر المقطع للمستخدمين بتاريخ السادس من فبراير 2023، فمن الملاحظ وجود تعليقات على مقطع الفيديو في يوم وقوع زلزال تركيا، أي أنّ تيك توك رشّح الفيديو للمستخدمين لمجرّد تصنيفه تحت موضوع "زلزال"، من دون الأخذ بعين الاعتبار أنّه من زلزال حدث في وقت مختلف.
فيديو آثار زلزال تركيا وسوريا في طرابلس لبنان
انتشر مقطع في وسائل التواصل بتاريخ السادس من فبراير الفائت، مُرفقًا بعبارة طرابلس الآن، ويظهر فيه أهالي طرابلس شمالي لبنان وهم يهتفون بصوت عال بعد نزولهم إلى الشوارع إثر شعورهم بزلزال تركيا الذي وقع فجر ذلك اليوم، لكي يُنبّهوا النائمين الذين لم يشعروا بالهزّة فينزلوا من بيوتهم إلى الشارع.
وعلى الرغم من أنّ الحساب الذي رصده مسبار في تيك توك، قد نشر الفيديو في السادس من فبراير، إلّا أنّه لاحظ أنّ هناك تعليقات على الفيديو تسأل إن كان هناك زلزال في الأيام 19 و20 و21 و22 من شهر فبراير.
وتعليقات أخرى تطالب صاحب المنشور بكتابة تاريخ حصوله، لالتباس الأمر عليهم إن كان قد حدث زلزال في اليوم الذي وصلهم فيه الفيديو أم أنّ المقطع قديم.
والجدير بالذكر أنّ تاريخ نشر مقاطع فيديو لا يظهر لمستخدمي تيك توك عند وصول مقاطع فيديو إليهم في صفحة For you، ويجب على كل من يريد معرفة تاريخ نشر الفيديو الدخول إلى الحساب والرجوع إلى الفيديو المذكور.
فيديو من انفجار في مدينة إيشفايلر في ألمانيا
نشر حساب Eneskaan في موقع تيك توك فيديو بتاريخ 30 مارس/آذار 2023، يقول مصوّر المقطع في بدايته "انظروا ماذا يحدث في إيشفايلر"، وهي مدينة في ألمانيا، وقد أرفق هاشتاغ #eschweiler#explosion. وبالعودة إلى أخبار الانفجارات التي حصلت في تلك المدينة في تاريخ نشر الفيديو، وجد مسبار أن انفجار غاز وقع مساء الخميس 30 مارس/آذار 2023، في مبنى سكني وتجاري في إيشفايلر، أدّى إلى إصابة 15 شخصًا، كما تضررت المباني المحيطة.
ولكن يحتوي مقطع الفيديو على تعليقات في شهر سبتمبر الحالي، وقد ربطت التعليقات الفيديو بالإشكال الذي حصل بين عائلتين لبنانية وسورية في ألمانيا خلال شهر يونيو/حزيران، ما قد يشير إلى أنّ مقطع الفيديو ظهر للمستخدمين مع مقاطع فيديو الشجار بين العائلتين.
مقاطع فيديو من حريق منطقة زقاق البلاط في بيروت
نشر حساب توفيق الكردي في موقع تيك توك، بتاريخ 27 يونيو/حزيران الجاري، فيديو كتب عليه حريق اليوم زقاق البلاط.
لكن تعليقات ظهرت عليه في شهر أغسطس/آب الجاري، بعضها أشار إلى أنّ الحريق الظاهر في الفيديو مفتعل، وأنّه تحريض على الفتنة.
كما نشر حساب يحمل اسم "متطوعين الدفاع المدني" في موقع تيك توك، بتاريخ 27 يونيو الفائت، مقطع فيديو كُتب عليه "انفجار خزان المازوت لمُولّد الاشتراك (مولّد الكهرباء) في بيروت (زقاق البلاط) والحريق يمتدّ إلى السيارات".
إلّا أنّ تعليقات حديثة في شهر أغسطس الجاري، ظهرت على الفيديو، بعضها يسأل عن تاريخ وقوع الحريق، والبعض الآخر يقول إنّه حريق مفتعل.
وأرشد البحث عن حريق وقع بتاريخ 27 يونيو الفائت، في منطقة زقاق البلاط في بيروت، إلى منشور المديرية العامة للدفاع المدني في موقع فيسبوك، تبلغ فيه عن تمكّن عناصر من الدفاع المدني بمؤازرة من فوج إطفاء بيروت، عند الساعة الثامنة والنصف صباحًا، في التاريخ نفسه، من إخماد حريق شبّ في المنطقة جراء انفجار مُولّد كهرباء، امتد ليطال خزانَي مازوت، وستّ سيارات وثلاث شقق سكنية ومتجر.
وعند مقارنة لقطات من مقطع الفيديو الأول والثاني في موقع تيك توك مع صورة سيارتين بارزتين في صور منشور المديرية العامة للدفاع المدني اللبناني، يتبيّن أنّ مقطعي الفيديو المنشورين في موقع تيك توك يعودان إلى الحادثة نفسها التي نشرت عنها المديرية في صفحتها.
والجدير بالذكر أنّ عودة التفاعل مع مقاطع فيديو تيك توك في شهر أغسطس الجاري، أتت بالتزامن مع اندلاع حريق داخل مستودع أقمشة على طريق المطار في بيروت. إذ تلقّت المديرية العامة للدفاع المدني بلاغًا بهذا الحريق، بتاريخ 31 يوليو/تموز الفائت، واستمرّت محاولات إطفاء الحريق أسبوعين كاملين.
فيديو المدير العام لهيئة أوجيرو للاتصالات والإنترنت
نشر حساب InMedia في موقع تيك توك، بتاريخ 31 مايو الفائت، مقطع فيديو من مقابلة موقع لبنان الكبير مع عماد كريدية، المدير العام لهيئة أوجيرو للاتصالات والإنترنت السريع في لبنان، يحذّر فيها من اقتراب خروج مراكز الاتصالات والإنترنت عن الخدمة في لبنان، لأسباب خارجة عن إرادة الشركة، من بينها أنّه لا يوجد وقود كافٍ لتشغيل المحطات.
لاحظ مسبار عودة التفاعل على الفيديو بتاريخ حديث، في تاريخ 17 أغسطس الجاري.
أتى هذا التفاعل بالتزامن مع انقطاع خدمة الإنترنت لفترة في عدد من المناطق اللبنانيّة، وقد صرّحت هيئة أوجيرو عبر حسابها في موقع إكس، أنّ سبب الانقطاع هو عطل تقني طرأ على الشبكة المحليّة، وأنّها تعمل على إصلاحه. أي أنّ عودة ظهور فيديو تصريح مدير هيئة أوجيرو أمام المستخدمين بالتزامن مع انقطاع الإنترنت، أدّى إلى تضليل الناس حول سبب الانقطاع.
كيف يُرشّح تيك توك مقاطع فيديو للظهور للمستخدمين؟
ترشح خوارزمية تيك توك مقاطع الفيديو للمستخدمين في صفحة For You بناءً على عوامل عدّة، أبرزها:
نشاط صاحب الحساب: يستند إلى الطريقة التي يتفاعل فيها صاحب الحساب مع باقي المستخدمين، مثل: المحتوى الذي ينشره، والحسابات التي يتابعها، ومقاطع الفيديو التي يُعجب بها ويعلّق عليها أو يعيد مشاركتها، وقائمة مقاطع الفيديو التي يضيفها إلى المفضّلة، إضافة إلى عدد المرات التي شاهد فيها المقطع، ومعدل إكمال المشاهدة، أي الوقت المستغرق في مشاهدة المقطع حتى آخره، فكلّما قضى المستخدم وقتًا أطول في مشاهدة الفيديو أو كرّر مشاهدته فإن هذا يعني أنّه مهتمّ بهذا الموضوع، ممّا يجعل تيك توك يرشّح له المزيد من المقاطع المماثلة في موضوعها.
موضوع مقطع الفيديو: يُعدّ موضوع الفيديو من العلامات المهمّة التي تساعد خوارزمية تيك توك في ترشيح المقاطع، ومن المعلومات التي تساعده في التعرّف إلى المواضيع التي يهتمّ بها المستخدم، المحتوى الذي يبحث عنه من خلال Discover أو Search، ومن الأمور التي تحدّد المواضيع المهمة للمستخدم بعض التفاصيل مثل: محتوى مقاطع الفيديو، والكلمات المفتاحية في النصوص الوصفية تحت الفيديو، والهاشتاغات، والأصوات المستخدمة مثل الأغاني الرائجة، والتأثيرات أو التصفيات، ومدى رواج المواضيع.
إعدادات جهاز المستخدم: تلعب إعدادات جهاز المستخدم دورًا في ترشيح مقاطع الفيديو أيضًا، فالخوارزمية تأخذ بعين الاعتبار موقعه الجغرافي واللغات التي يتعامل بها ونوع جهازه المحمول.
وهكذا يشير رصد مسبار إلى ظاهرة مقاطع الفيديو الدوارة على تيك توك، أن خوارزميته تعيد ترشيح مقاطع فيديو قديمة لتظهر للمستخدمين في سياق متابعتهم لأحداث راهنة، الأمر الذي يخلق حالة من الارتباك قد تصل حدّ التضليل.
اقرأ/ي أيضًا