الآراء والتحليلات الواردة في هذا المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر “مسبار”.
نشر منذ ساعات المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي، أفيخاي أدرعي، صورةً لعلم راية التوحيد الإسلامية السوداء مرفقًا إياه بعبارة "صورة لعلم تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي والذي تم كشفه من بين عتاد مخربي حماس الذين تسللوا الى كيبوتس صوفا في غلاف غزة".
بعدها بدقائق، أعاد حساب إسرائيل بالعربية على منصة إكس نشر الصورة ذاتها، رفقة صورة أخرى للراية نفسها، فيما بدا أنه مقرٌّ عسكري تبدو فيه على الأرض معدات عسكرية بالإضافة إلى سجادة صلاة ونسخة من المصحف.
وكتب الحساب فوق الصور "نحن نعيش في شرق أوسط عابر للحدود. هكذا انتقل الفكر الداعشي إلى حماس ووصل إلى إسرائيل. كلنا ملزمون بمحاربة هذا الفكر ومن يمثله، وإلا ستجد هذا الإرهاب أمام بيتك وفي حارتك. لا تقُل إن هذه ليست مسؤوليتي، هذه مسؤوليتنا جميعًا".
كُتب على الصندوق الخشبي الظاهر في منتصف الصورة على الأرض "قنابل يدوية"، فيما كُتب على الكيس القماشي في خلفية الصورة عبارة "بصمتٍ وثقة"، وسُجّل على المضاد الجوي الظاهر في أقصى يسار الصورة تاريخ تصنيعه 12 إبريل/نيسان، دون أن تظهر السنة.
ولا تعد هذه المرات الوحيدة التي يربط فيها إسرائيليون حركة حماس بتنظيم الدولة الإسلامية مؤخرًا، إذ نشرت صحيفة جيروزاليم بوست، اليوم 12 أكتوبر/تشرين الأول، مقالاً كتبه المحلل الأمني الإسرائيلي، رافاييل بن ليفي، بعنوان "هذه المرة، يجب على إسرائيل أن تطيح بحماس".
ويرى بن ليفي أن استراتيجية إسرائيل لمواجهة حركة حماس، منذ سيطرتها على قطاع غزة عام 2006 أصبحت غير ناجعة وانهارت بالكامل. ويضيف الكاتب أن "حركة حماس أثبتت أنها في الحقيقة لا تختلف عن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام"، لكن “الحركة تسيطر حاليًا على مساحة أرض كبيرة وتحكم أكثر من مليوني شخص”.
وفي مقال آخر نشرته الصحيفة بعنوان “حماس هي داعش الفلسطينية”، نقلت فيه تصريحات أدلى بها الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي قال “إن وحشية حماس، وهذا التعطش للدماء، يعيد إلى الأذهان أسوأ وأفظع أعمال العنف التي قام بها تنظيم داعش”.
ملامح علَم جديد لتنظيم الدولة
بالتدقيق في الصورتين المنشورتين، لاحظ مسبار أن عَلَم تنظيم الدولة الإسلامية الذي يدّعي جنود الجيش الإسرائيلي عثورهم عليه بين عتاد عناصر حماس الذين تسللوا إلى المستوطنة نظيفٌ تمامًا، وكأنه لم يُمس. ببياضه الناصع وسواده الداكن وحتى لمعان الأطراف الذهبية التي لم تبهت.
وبالبحث في سجل العمليات التي وثقتها كتائب القسام، وأبلغ عنها الإعلام الإسرائيلي، في كيبوتز صوفا، تبيّن أن الكتائب سيطرت، في الساعات الأولى من عملية طوفان الأقصى، على موقع كرم أبو سالم، ووثقت عملية السيطرة بمقطع فيديو مدته دقيقة و54 ثانية نشرته على قناتها على تطبيق تيليغرام.
من خلال الفيديو، لاحظ مسبار أن المكان يمتاز بطبيعة ترابية مترامية الأطراف، بينما أظهرت الثواني الأخيرة من المقطع حدوث تبادل كثيف لإطلاق النار وفي مختلف المواقع، إذ وُثّق سقوط قتلى من الجيش الإسرائيلي في أماكن مختلفة، ما يشي بحدوث تبادل كثيف لإطلاق النار قبل إحكام السيطرة على المقر، الذي قُتل فيه العقيد يوناتان شتاينبرغ، قائد لواء ناحل، أحد ألوية المشاة الخمسة بالجيش الإسرائيلي.
وعليه، فإن حفاظ العلم على نظافة ألوانه بشكلٍ مطلق، دون تعرضه لأي خرق أو تمزيق، وسط كل ذلك الغبار والدم والرصاص، يثير شكوكًا حول ادعاء الرواية الإسرائيلية بأنه عُثر عليه بين عتاد عناصر المقاومة.
بالإضافة إلى ذلك، وفي الصورة الأولى تحديدًا، التي نشرها أفيخاي أدرعي، وفيها يظهر جنديان إسرائيليان يرفعان علم الدولة الإسلامية قرب شبكٍ معدني، باتجاهاتٍ مقلوبة، تظهر عشرات الانثناءات عليه، ما يعني أنه كان مطويًا قُبيل التقاط الصورة. إذ وبحسب لمعانه وشفافيته، يبدو أنه مصنوعٌ إما من الحرير أو الستان، وهي أقمشة لا تتطلب سوى انسدالًا لمدة قصيرة لتعاود ملاستها.
تاريخ من التضاد بين حماس وتنظيم الدولة
وإذا كانت الدلائل تشير إلى شكوك بصحة الادعاء الإسرائيلي، فإن السياق التاريخي لكل من حماس وتنظيم الدولة الإسلامية يشير إلى أن هناك تضادًا تاريخيًّا بين المجموعتين، اللتين لم تكونا على وفاقٍ.
تعد حركة حماس امتدادًا للإخوان المسلمين، وانفصلت عنهم كليًا في عام 2007، بينما يعد تنظيم الدولة تنظيمًا جهاديًا سلفيًا. ورغم أن كلاهما تياران إسلاميان، إلا أنه يُعرف أن تيار الإخوان المسلمين والتيار السلفي في حالة تضاد منذ عقود.
الفرق بين الإخوان المسلمين والسلفية
الفرق الرئيسي بين الإخوان المسلمين والسلفية هو المذهب الفقهي الذي يعتمدان عليه، فالسلفية تدين بمذهب أحمد بن حنبل على طريق العالم محمد بن عبد الوهاب أي ما يعرف بالوهابية، أما الإخوان فهم ما بين الحنفية والشافعية. كما أن الإخوان المسلمين هي حركة سياسية، لها هيكلية واضحة من قادة ومسؤولين وأحزاب سياسية، بينما تعد السلفية حركة دينية بالأصل، ليس لها هيكلية واضحة، بل تنشأ عنها حركات تحمل فكرها.
ولم يتوقف التوتر بين حماس وأتباع التيار السلفي، الذي انبثق عنه تنظيم الدولة منذ سنوات، وشنّت حماس حملات عديدة للتضييق عليه. ووقعت المواجهة الأقوى في صيف 2009، عندما تحدّى عبد اللطيف موسى، زعيم جند أنصار الله وإمام مسجد ابن تيمية في رفح جنوبي قطاع غزة، حكومة حماس وأعلن إنشاء "الإمارة الإسلامية" في رفح، ما أدّى إلى اندلاع مواجهة عنيفة بين أنصاره السلفيين وحكومة حماس، أسفرت عن مقتل قادة التنظيم وانهياره.
منذ ذلك الوقت، لم تشهد العلاقة بين حماس والمجموعات السلفية تحسّنًا، على الرغم من أنه بعد الإطاحة بحكومة محمد مرسي صيف 2013 في مصر، سعت حماس بحسب التقارير إلى تجميد النزاع مع المعسكر السلفي الجهادي من خلال محاولتها تحقيق انفراجة في العلاقات وتبنّيها جزئيًا موقفًا أكثر تساهلًا. ويُرجع خبراء ذلك إلى تصاعد الضغوط الاقتصادية والسياسية جراء علاقة الحركة الهشّة مع مصر، الذي أدت دورًا في دفعها نحو العمل من أجل تعزيز الوحدة داخل القطاع.
لكن منذ حرب صيف 2014 مع إسرائيل، احتدمت الخلافات من جديد. فقد دفع صعود الدولة الإسلامية في العراق والشام، فضلاً عن انفصالها العلني عن تنظيم القاعدة، بعددٍ من المجموعات الجهادية التي تتخذ من غزة مقرًا لها، إلى تبديل ولائها ونقله من أيمن الظواهري إلى أبو بكر البغدادي.
لقد اعتمدت حماس موقفًا أشد قسوة تجاه هذه المجموعات، أملًا منها في خنق هذه النزعة في مهدها، واعتقلت في مطلع إبريل/نيسان 2015 رجل دين يُشتبَه بانتمائه إلى تنظيم الدولة الإسلامية. وأعقبت ذلك موجة أشد عدوانية من الاعتقالات، كما أبدت سلطات حماس في غزة اهتمامًا متزايدًا بمراقبة الأشخاص الذين يعلنون تعاطفهم مع الدولة الإسلامية. وقد تسبّبت هذه التوقيفات، على نحو غير مفاجئ، في عدد من عمليات الثأر، منها تفجير عبوة ناسفة على مقربة من مقر الأونروا.
وتصاعدت حدّة التشنجات في مطلع شهر مايو/أيار من العام نفسه، بعد مهلة الـ72 ساعة التي منحها تنظيم أنصار الدولة الإسلامية لحركة حماس من أجل تحرير جميع السلفيين الموقوفين، وقيام حماس بتدمير مسجد المتحابين الصغير في خضم حملة التوقيفات المستمرة. فرد أنصار الدولة الإسلامية في غزة بشنّ هجمات ضد حماس، منها هجوم بقذائف الهاون على قاعدة تابعة لكتائب القسام جنوبي غزة، كما وجّهوا مزيدًا من التهديدات إلى حماس وكتائب القسام تحديدًا.
من جهتها، قلّلت حماس إلى حد كبير من شأن التأثير الذي تمارسه هذه الهجمات، ونفت مرارًا وتكرارًا وجود تنظيمات تابعة للدولة الإسلامية في غزة، مشيرة حسب تعبيرها أنها موجودة فقط على الإنترنت.
ومنذ ذلك الحين، تستمر أصابع الاتهام الإسرائيلية، والمصرية في بعض الأحيان، بالتوجه نحو حماس بارتباطها بتنظيم الدولة الإسلامية، بينما تستمر الحركة بالنفي، ولا توجد حتى الآن دلائل ملموسة تشير إلى ارتباط الجهتين.
تكمن خطورة المقاربة بين حركة حماس وتنظيم الدولة الإسلامية في إمكانية أن تكون أسبابها تبريرية لأيّ إجراء يُتخذ لمحاربتها. وبعد كل ذلك، وبعيدًا عن الخلاف الأيديولوجي أو السياسي بين حماس وتنظيم الدولة، فإن ثمة فارق آخر بين تنظيم الدولة وحماس، إذ لم تحارب الأخيرة يومًا خارج أراضيها، ولم تعتدِ على سيادة أي دولة على حدودها. كما أن عددًا من مقاتلي حماس هم من الأراضي المحتلة عام 1948، تأتي اعتباراتهم من انتمائهم إلى البلدات والمدن التي دخلوها صباح السبت الفائت، يعرفون أسماءها بالعربية، ولدى بعضهم صور أهاليهم فيها وهم صغار في منازلهم التي احتلتها إسرائيل. وهذه الاختلافات بين التنظيمين، تجعل المقاربة بينهما دون أدلة ملموسة محط تساؤل، وأشبه بادعاءات عشوائية.
اقرأ/ي أيضًا:
اتهامات لشبكة سي إن إن بإعداد تقارير مفبركة خلال عملية طوفان الأقصى
قناة i24 نيوز تضلل وسائل الإعلام وتزعم مقتل 40 رضيعًا إسرائيليًا خلال اقتحام المستوطنات