واصلت حسابات إسرائيلية نشر ادعاءات جديدة مضلّلة، تُشكّك من خلالها في صدقية مشاهد موت الفلسطينيين وجثث الضحايا. فبعد التحقيق الذي نشره "مسبار" حول استخدام حسابات إسرائيلية لفيديو تمثيلي قديم، لاتهام الفلسطينيين بتزييف مشاهد القتلى، عرضت صفحات إسرائيلية مشاهد جديدة مضلّلة، أصرّت فيها على بث الادعاءات نفسها، فيما يبدو أنّها حملة تضليل واسعة تقودها جهات إسرائيلية.
وحديثًا، نشر حساب "إسرائيل"، التابع لوزارة الخارجية الإسرائيلية، مقطع فيديو لجثة فلسطينية في كفن، وزعم فيه أن الجثة تتحرك. وعلّقت الصفحة على الفيديو بالإنجليزية "وزارة الصحة في غزة = حماس، الجثث لا تستطيع تحريك رؤوسها". واحتوى مقطع الفيديو الذي بثّته القناة 12 الإسرائيلية مشهد جثة بجوارها شاب وامرأة فلسطينيان، وزعم في المقطع أن رأس الجثة يتحرك.
الجثة تتحرك بسبب العُقد التي تربط الكفن
حلل "مسبار" مقطع الفيديو الذي يظهر تحرك رأس الجثة وتبيّن أنّه مضلّل، فالجثة نفسها لم تتحرك، إلا أنّ تحريك الشاب الذي كان بجوارها لجزء من الكفن أدّى إلى ارتفاع الرأس قليلًا فبدا وكأنّه يتحرك.
أجرينا تحليلًا تقنيًا للمقطع، عبر إبطاء سرعة المقطع للحد الأقصى ومراجعته إطارًا تلو الآخر، وتبيّن بأنه تزامنت لقطات ارتفاع الرأس تمامًا مع لقطات سحب الشاب للجثة من منتصفها، ولم يتحرك الرأس نهائيًا بمعزل عن تحرّك اليد ولا حتى بفارق بسيط جدًا من أجزاء الثانية، ويمكن مشاهدة الفيديو بعد أن قمنا بإبطائه عبر الرابط.
ويعود سبب تحرُّك الرأس إلى العُقد التي تُستخدم لربط الكفن، والتي تعدُّ جزءًا من العادات الجنائزية، إذ يُربط الميت بعقد تكون عادةً على خمسة مواضع هي: الرأس والقدمان، والبطن، والفخذان، والصدر. تُسمى هذه الطريقة "عصب الكفن"، وهدفها تثبيت عضلات الميت لتجنب تحرك جسده أثناء حمله داخل الكفن، ولضمان بقاء الكفن محكمًا ومغلقًا إلى حين موعد الدفن. لذلك، عندما يتم تحريك جزء من الكفن، قد تتحرك أجزاءٌ مثل الرأس بسبب عُقده المترابطة، وهو ما حصل في الفيديو.
حسابات أعادت بث مزاعم مضللة مماثلة
وفي السياق نفسه، روّجت حسابات عدة مشاهد مضلّلة مماثلة. فقد نشر حساب "إيدي كوهين" صورة شخص يستخدم الهاتف المحمول مرتديًا الكفن وعلق عليها "جثة في غزة ترسل رسالة من التلفون".
الصورة ليست من غزة
بالبحث، تبيّن أن مزاعم كوهين كاذبة وأن الصورة قديمة، إذ نُشرت عام 2022، والتُقطت خلال احتفالات لأطفال في تايلاند بمناسبة الهالوين. وعثر مسبار على الصورة التي استخدمها كوهين في منشور قديم يعود إلى شهر أكتوبر من العام 2022.
وسبق لمسبار أن كشف ادّعاءات مضلّلة مشابهة، منها استخدام حسابات إسرائيلية لمشاهد تمثيلية قديمة لجثث متحركة، وذلك بهدف الترويج لدعاية مضلّلة مفادها أنّ الفلسطينيين يزوّرون مشاهد الموت في غزة.
مغالطات إسرائيلية حول طريقة إنعاش القلب
نشر حساب إسرائيل بالعربية على منصة إكس، مقطع فيديو لمسعف فلسطيني في غزة، يحاول إنعاش قلب، وقالت "معجزات أم مسرحيات.. مسرحيات حماس لاستدرار المشاعر إنعاش قلب المريض يتم في الجهة اليسرى لكن في الصورة؟؟".
يحاول حساب إسرائيل بالعربية تضليل الرأي العام، بالقول إنّه لا يوجد عمليات لإنعاش القلب إلّا من الجهة اليسرى. فبالعودة إلى المصادر الطبية، تبين أن الإجراء الذي اتخذه الطبيب الظاهر في المقطع، هو أحد طرق الإسعافات الطبية الطارئة لإنعاش القلب، بعمل ضغطات على الصدر باستمرار في محاولة للحفاظ على وظائف المخ سليمة يدويًا وحتى يتم اتخاذ المزيد من التدابير لاستعادة الدورة الدموية التلقائية والتنفس لدى الشخص الموجود في حالة الطوارئ. وتوصي المصادر الطبية بالقيام به لحالات محددة.
أساليب الدعاية الإسرائيلية في تزوير مشاهد الموت الحقيقية
مع ارتفاع عدد القتلى الفلسطينيين نتيجة القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، انتشرت مشاهد واسعة لجثث ضحايا هذا القصف. وبالتزامن مع ذلك، قادت حسابات إسرائيلية حملة تضليل واسعة في محاولة للتشكيك في صحة هذه المشاهد، ومن خلال أساليب متعددة بهدف تضليل الرأي العام.
من بين هذه الأساليب، ادعاءات بأنّ تلك المشاهد تمثيلية، أو أنّها كاذبة من خلال التلاعب الساخر بمشاهد الموت من قبل مؤثرين اسرائيليين للتقليل من جديتها ومن التعاطف معها. وقادت حسابات إسرائيلية هذه الحملة الدعائية بلغات مختلفة، أهمها اللغة الإنجليزية، فيما يبدو أنّه تركيزٌ على الترويح لهذه المنشورات المضلّلة في أوساط شرائح متنوعة من الجمهور، أهمّه الجمهور الغربي.
ومن الملاحظ أيضًا أنّ حسابات إسرائيلية قادت هذه الحملة من التضليل باستخدام أسلوب يقوم على ربط مشاهد الضحايا الفلسطينيين بحركة حماس، كالتركيز أنّ وزارة الصحة الفلسطينية في غزة هي حماس، واستغلال ذلك للطعن في صدقية أرقام الضحايا التي تعلن عنها.
يشبه ذلك الأسلوب الذي استخدمته صحف غربية وإسرائيلية بنسب المشاهد التي تظهر صورًا للضحايا الفلسطينيين إلى حركة حماس. ويهدف لتقويض صدقية الخبر عن طريق إسناده إلى مصدر سبق أن تعرض لحملة تشويه واسعة، إذ روّجت إسرائيل ووسائل إعلام غربية في وقت سابق أنّ حماس فصيل إجراميّ يشبه تنظيم داعش. كما حشدت إسرائيل تعاطفًا دوليًا لتعزيز هذه الرواية.
الادعاءات تزامنت مع تزايد ضحايا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة
زاد تداول هذه الادعاءات المضلّلة في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ووفقًا لآخر تحديثات وزارة الصحة الفلسطينية، فإن عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي ارتفع إلى 8485 في غزة و125 في الضفة الغربية، يضاف إليهم أكثر من 23050 جريحًا.
وحذرت منظمة الصحة العالمية من كارثة وشيكة في الصحة العامة في قطاع غزة. وجاء ذلك بعد استمرار الاحتلال الإسرائيلي باستهداف المستشفيات، والنقص الحاد في الوقود والأضرار التي لحقت بالبنية التحتية للمياه والصرف الصحي، جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل، وقطع إسرائيل للمياه والكهرباء والاتصالات عن القطاع.
اقرأ/ي أيضًا
الجيش الإسرائيلي متورط في قتل مستوطنين خلال طوفان الأقصى: شهادات ووقائع تثبت ذلك
مدنيون على الشاطئ في زمن الحرب: إسرائيل تستخدم الصور كدليل براءة