في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، ،أصدر قضاة المحكمة الجنائية الدولية، حكمًا يقضي بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، مسؤولان جنائيًا عن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في قطاع غزة. هذا القرار يأتي بعد أكثر من ستة أشهر من طلب المدعي العام للمحكمة، كريم خان، إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت.
موجة من التصريحات الإسرائيلية المضللة ضد المحكمة
اجتمع الساسة الإسرائيليون من مختلف الأطياف السياسية على رفض قرار المحكمة الجنائية الدولية، إذ وصف مكتب رئيس الوزراء أوامر الاعتقال بأنها "محاكمة دريفوس الحديثة"، مشيرًا إلى محاكمة قائد مدفعية فرنسي يهودي عام 1894، والتي أصبحت رمزًا لمعاداة السامية.
أدان نتنياهو القرار بشدة، واصفًا المحكمة بأنها "هيئة سياسية متحيزة ومعادية للسامية"، وأضاف أن إسرائيل "ترفض باشمئزاز" الاتهامات الموجهة إليها، معتبرًا أن الحرب التي تخوضها في غزة "هي الأكثر عدالة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023".
وفي سلسلة من التصريحات الغاضبة، وصف الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ القرار بأنه "يوم مظلم للعدالة والإنسانية"، بينما أشار وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير إلى أن الرد الأمثل على القرار هو "فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية".
بدوره، قال وزير الخارجية جدعون ساعر إنّ المحكمة "فقدت شرعيتها تمامًا"، مؤكدًا أن القرار "هجوم على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها". كما وصف زعيم المعارضة يائير لابيد مذكرة الاعتقال بأنها "مكافأة للإرهاب".
حتى زعماء المعارضة، مثل أفيغدور ليبرمان، الذي شغل سابقًا منصب وزير الدفاع في حكومة نتنياهو، شاركوا في الهجوم، معتبرين أن القرار يعكس "النفاق والمعايير المزدوجة" للمجتمع الدولي. اقترح السيناتور الجمهوري توم كوتون استخدام قانون "حماية أفراد الخدمة العسكرية الأميركية"، المعروف باسم "قانون غزو لاهاي"، كأداة للضغط على المحكمة الجنائية الدولية. يمنح هذا القانون الولايات المتحدة صلاحية اتخاذ إجراءات عسكرية لحماية أي من مسؤوليها أو حلفائها من المحاكمة أمام المحكمة.
الموقف الدولي من قرار المحكمة
لقي القرار دعمًا من جنوب أفريقيا وبعض الدول الأوروبية مثل هولندا وإيطاليا وأيرلندا وبلجيكا وفرنسا، التي أكدت ضرورة احترام قرارات المحكمة. من جانبه، قال وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إن "قرار المحكمة ملزم على جميع الأطراف في نظام روما والاتحاد الأروبي".
وأضاف جوزيب بوريل في تصريحاته على منصة إكس أن "غزة تحولت إلى جحيم على الأرض، ولكن العالم لا يرى الصور الحقيقية، حيث تستمر إسرائيل في منع وسائل الإعلام الدولية من دخول القطاع". وأشار إلى أن هذا الحظر يعزز تغييب الوعي العالمي عن الوضع الكارثي في غزة. كما حذّر من مخاطر التضليل الإعلامي والتلاعب بالمعلومات، مؤكدًا أن المنصات الرقمية الموالية لإسرائيل تسعى لإحباط العدالة ومنع محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات. وأكد بوريل أن "خوارزمية الكراهية أصبحت أكثر ربحية من خوارزمية السلام"، في إشارة إلى استغلال المشاعر العدائية لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية.
في المقابل، عارضت دول أخرى مثل المجر والتشيك القرار. إذ رحب رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان بنتنياهو، مؤكدًا أن بلاده لن تنفذ حكم المحكمة. أما رئيس وزراء التشيك، بيتر فيالا، فقد وصف القرار بأنه "مساواة غير عادلة بين دولة ديمقراطية ومنظمة إسلامية إرهابية"، وهو تصريح يعزز خطاب الكراهية ضد المسلمين من خلال تصوير المسلمين والجماعات الإسلامية ككيانات إرهابية.
و كتب وزير الخارجية النمساوي ألكسندر شالنبرغ على موقع إكس "إن قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرات اعتقال بحق بنيامين نتنياهو ويواف جالانت أمر غير مفهوم على الإطلاق. إن القانون الدولي غير قابل للتفاوض وينطبق في كل مكان وفي جميع الأوقات. لكن هذا القرار يضر بصدقية المحكمة".
حماية الحلفاء على حساب العدالة: استراتيجية واشنطن ضد المحكمة الجنائية الدولية
أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) رفضها لمذكرات الاعتقال، إذ قالت نائبة السكرتير الصحفي للوزارة، سابرينا سينغ، إن الولايات المتحدة "ترفض بشكل أساسي" قرار المحكمة الجنائية الدولية. وأضافت أن هناك قلقًا كبيرًا بشأن "اندفاع" المدعي العام كريم خان في إصدار هذه المذكرات، مشيرة إلى أن المحكمة "ليس لديها سلطة قضائية" على هذه القضية.
من جانبه، أكد الرئيس الأميركي جو بايدن رفضه لأي مساواة بين إسرائيل وحركة حماس. وقال "سوف نقف دائمًا إلى جانب إسرائيل ضد أي تهديدات تمس أمنها". على الصعيد التشريعي، هدد 12 سيناتورًا جمهوريًا المحكمة بفرض عقوبات. وأعلن زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، جون ثون، عن نية الولايات المتحدة صياغة تشريعات تهدف إلى فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية.
ويرجع النزاع بين الولايات المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية إلى لحظة تأسيس الأخيرة. إذ رفضت واشنطن الانضمام إلى نظام روما الأساسي، معتبرة المحكمة تهديدًا محتملاً لسيادتها ولحلفائها، وعلى رأسهم إسرائيل.
التضليل الإعلامي في تغطية نيويورك بوست وفوكس نيوز لقرار المحكمة الجنائية الدولية
تبنت وسائل الإعلام المؤيدة لإسرائيل، مثل نيويورك بوست وفوكس نيوز، استراتيجيات تضليلية تركز على الدفاع عن إسرائيل وتشويه سمعة المحكمة الجنائية الدولية. ادعت نيويورك بوست أن قرار المحكمة يعكس "كراهية اليهود"، وأنه جزء من جهود دولية منظمة لنزع الشرعية عن إسرائيل. وصوّرت الصحيفة القرار باعتباره هجومًا على الديمقراطية الإسرائيلية، معتبرةً أن المحكمة الجنائية وضعت "الحكومة المنتخبة في إسرائيل" في مرتبة واحدة مع قادة حماس الذين وصفتهم بالإرهابيين. وفي محاولة لتبرير الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة، نشرت الصحيفة مزاعم تفيد بأن سكان غزة "لا يعانون"، ووصفت التقارير الدولية التي تتحدث عن مجاعة أو أزمة إنسانية بأنها "خاطئة تمامًا".
كما ركزت تغطيتها على أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، مشيرة إلى هجوم حماس الذي وصفته بأنه "عملية قتل واغتصاب وخطف للمدنيين الإسرائيليين"، لتبرير رد الفعل الإسرائيلي العنيف. كما اتهمت نيويورك بوست المحكمة الجنائية الدولية والأمم المتحدة بمعاداة السامية، معتبرة أن هذا التوجه "مكتوب في الحمض النووي لهاتين المؤسستين". كما زعمت أن هذا الخطاب المناهض لإسرائيل أصبح أكثر بروزًا بسبب "استسلام إدارة بايدن لليسار داخل الحزب الديمقراطي"، متهمة المؤسسات الدولية بالكذب والتحريض ضد إسرائيل لمجرد دفاعها عن نفسها.
من جانبها، قامت فوكس نيوز بتصوير المحكمة الجنائية الدولية كأداة مسيسة تستخدم القانون الدولي "لتجريم الدفاع عن النفس". استضافت القناة شخصيات بارزة مثل السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، الذي وصف المحكمة بأنها "مزحة خطيرة"، ودعا إلى فرض عقوبات قاسية على الدول المتعاونة معها، وصولًا إلى "سحق اقتصاداتها".
كما روجت القناة لتصريحات أستاذ القانون آفي بيل، الذي ادعى أن المحكمة تسعى لتعزيز أجندة سياسية على حساب إسرائيل، واعتبر مذكرات الاعتقال ضد القادة الإسرائيليين محاولة لتشجيع "الإرهابيين" بدلًا من ملاحقتهم. أيضًا استغلت صحيفة نيويورك بوست وفوكس نيوز اتهامات التحرش الموجهة لكريم خان، المدعي العام للمحكمة، للتشكيك في نزاهة المؤسسة ككل. وركزت التغطية على تضخيم الأزمة الداخلية، رغم أن التحقيقات جارية ولم تثبت الإدانة بعد.
نفى كريم خان بشكل قاطع هذه المزاعم، وطالب بإجراء تحقيق فوري من قبل آلية الرقابة المستقلة التابعة للمحكمة الجنائية الدولية. وأشار خان في بيان إلى أن المحكمة إلى جانبه شخصيًا، تعرضا لحملة هجمات وتهديدات ممنهجة تهدف إلى تقويض جهودهم. وأكد خان أن لا أساس لهذه الادعاءات، مشيرًا إلى سجل عمله الممتد لثلاثة عقود دون أي شكاوى سابقة. كما وصف هذه الاتهامات بأنها جزء من حملة تشويه.
اقرأ/ي أيضًا
هل ترتبط مذكرات اعتقال نتنياهو وغالانت بدعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل؟
منظمة "كاميرا" تواصل الضغط على وسائل الإعلام لتوجيه خطها التحريري لصالح إسرائيل