` `

معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى: إضفاء الشرعية الأكاديمية على الخطاب الإسرائيلي

فراس دالاتي فراس دالاتي
سياسة
24 يناير 2024
معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى: إضفاء الشرعية الأكاديمية على الخطاب الإسرائيلي
الدبلوماسي الأميركي دينيس روس أحد أعضاء مجلس إدارة معهد واشنطن (Getty)

في الواحد والعشرين من كانون الثاني/يناير الجاري، نشر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي للأبحاث، ورقة حول الهدوء النسبي الذي تشهده القدس في ظل الحرب الإسرائيلية الجارية على غزة والاحتقان الذي تشهده الضفة الغربية. وفيها شرح الباحث الإسرائيلي ديريك ليف أن هذا الهدوء ما هو إلا امتداد لحالة عامة واتجاهات تجريبية تعود إلى ما قبل السابع من أكتوبر، رغم وجود بعض "العنف والإرهاب والتحريض ضد الإسرائيليين"، بحسب وصفه.

تشير تلك الاتجاهات، بحسب الكاتب، إلى مواقف "أقل عدائية" من قبل فلسطينيي القدس الشرقية تجاه إسرائيل؛ مستشهدًا باستطلاع للرأي أجراه ديفيد بولوك من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى الأميركي بين 300 فلسطيني من القدس الشرقية خلص إلى أن 48 في المئة من سكان المدينة الفلسطينيين، قالوا إنهم إذا توجّب عليهم الاختيار، فإنهم يفضلون أن يصبحوا مواطنين في إسرائيل بدلًا من أن يكونوا مواطني دولة فلسطينية.

ورقة بحثية حول “هدوء القدس” صادرة عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي للأبحاث
ورقة بحثية حول “هدوء القدس” صادرة عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي للأبحاث 

ومنذ عدة سنوات، نشرت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية الناطقة بالإنجليزية، بمناسبة الذكرى الثلاثين لتأسيس معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، تقريرًا للاحتفاء بالإنجازات التي حققها، منها عقد "مؤتمر عمّان" الأول من نوعه الذي عقد في العاصمة الأردنية بُعيد توقيع اتفاقية وادي عربة لجمع الساسة الأردنيين والإسرائيليين في مكانٍ واحد، وكذلك استضافة المعهد اللقاء الأول بين قيادة حزب الليكود اليميني ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1998، من بين أمورٍ أخرى.

ما هي مهمة معهد واشنطن المعلنة؟

بحسب الصفحة التعريفية الخاصة بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى في موقعه الرسمي، فإن مهمة معهد واشنطن "تتمثل في تعزيز الفهم المتوازن والواقعي للمصالح الأميركية في الشرق الأوسط وتعزيز السياسات التي تضمن تلك المصالح".

تأسس معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، عام 1985 على يد رجل الأعمال الأميركي اليهودي لاري واينبيرغ، الرئيس الأسبق للجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك)؛ منظمة الضغط الإسرائيلية الأكبر في العالم، رفقة زوجته باربي واينبيرغ. ومن ثم عيّن مارتن إنديك، الباحث الأكاديمي الذي تدرب في أستراليا، والذي شغل منصب نائب مدير الأبحاث السابق، كأول مدير تنفيذي للمعهد. حينها، وصف إنديك مركز الأبحاث بأنه "صديق لإسرائيل ولكنه يقوم بأبحاث موثوقة حول الشرق الأوسط بطريقة واقعية ومتوازنة".

غالبًا ما يظهر متحدثون من المعهد أو يُستشهد بإحصاءاته وأبحاثه من قبل وسائل الإعلام، على أنه مصدر مستقل، بينما تشير صلات إدارته، بالإضافة لشهادات عدد من الباحثين أو العاملين السابقين في آيباك، إلى أنه عبارة عن "واجهة بحثية" لمنظمة الضغط. إذ يكتب الكاتب والباحث الأميركي إم جيه روزينبرغ، والذي كان موظفًا سابقًا في آيباك أن ستيف روزين (أحد كبار المنظمة، والذي اتُهم لاحقًا بموجب قانون التجسس، على الرغم من إسقاط التهم لاحقًا)، هو الذي جاء بذكاء بفكرة إنشاء مؤسسة فكرية تسيطر عليها آيباك، والتي من شأنها أن تنشر خط أيباك ولكن بطريقة من شأنها إخفاء علاقاتها.

وبحسب روزينبرغ، فإن الخطة جرت لتوظيف مختلف أنواع الأشخاص غير المرتبطين بإسرائيل مباشرةً كغطاء شرعي لأغراض المعهد، وتشجيعهم على كتابة ما يحلو لهم في مسائل لا تتعلق بإسرائيل. يقول أحد المؤسسين لروزنبيرغ "قل ما شئت عن المغرب يا فتى. أما بالنسبة لإسرائيل، فلا تنحرف أبدًا أكثر من درجة أو اثنتين".

دينيس روس: المنحاز الصارخ لإسرائيل من مدراء المعهد

وفي الصفحة الخاصة بمجلس إدارة المعهد على موقعه الرسمي، يظهر اسم دينس روس كأحد الأعضاء. وهو دبلوماسي أميركي ووسيط مفاوضات سابق منحازٌ لإسرائيل، يشغل منصب رئاسة مركز اتصالات السلام؛ مؤسسة مجتمعية أخرى تمولها لوبيات إسرائيلية كان قد كشف مسبار أنشطتها وصلاتها بالحكومة الإسرائيلية في تقرير سابق.

مجلس إدارة معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى
مجلس إدارة معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى

لعب روس دورًا رائدًا في سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط في مختلف المناسبات. إذ كان له دورٌ في اتفاقية أوسلو 2 المؤقتة عام 1995، وفي اتفاق الخليل عام 1997، وسهل معاهدة السلام بين إسرائيل والأردن عام 1994، وعمل بشكلٍ مكثف على محاولة الجمع بين إسرائيل وسوريا.

وفي ورقة بحثية نُشرت عام 2006، بعنوان "اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية"، قام جون ميرشايمر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو، وستيفن والت، عميد كلية كينيدي الأكاديمي في جامعة هارفارد بإعداد واحدةً من الأدبيات المؤسِّسة التي فكّكت جماعات الضغط الإسرائيلية، في الولايات المتحدة وتأثيرها على سياسات الأخيرة الخارجية.

وفي تلك الورقة المؤلفة من 83 صفحة، وصف الباحثان، روس، كعضو فاعل في "اللوبي الإسرائيلي" في الولايات المتحدة. بدوره، انتقد روس الأكاديميين الذين يقفون وراء تلك الورقة، وقال في تصريحات لصحيفة ذا نيويورك صَن، إن الورقة تعكس نقصًا محزنًا في معرفة مُعدّيها حول هذا الموضوع، واصفًا إياها بـ "المذهلة في افتقارها للجدية" وأنها محاولة "لتبني وجهة نظر وإضفاء الشرعية الأكاديمية عليها".

لكن في مذكرات صدرت عن المعهد الأميركي للسلام، تحتوي تعليقات صامويل (ساندي) بيرجر، مستشار الرئيس كلينتون للأمن القومي، على عمليات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينين، قال إنه في مرحلة ما خلال المفاوضات في كامب ديفيد في يوليو/حزيران 2000، أدلى دينيس روس بتعليق قال فيه، "إذا قدم إيهود باراك أي شيء أكثر مما نصّته بنود المعاهدة، سأكون ضد هذا الاتفاق كليًا".

صورة متعلقة توضيحية

وفي عام 2008، ذكرت مجلة تايم الأميركية أن زميل روس السابق، السفير السابق دانييل كيرتزر، نشر دراسة تحتوي على شكاوٍ من عدد من المفاوضين الدبلوماسيين العرب والأميركيين، تقول إن روس كان يُنظر إليه على أنه متحيز تجاه إسرائيل وليس "وسيطًا نزيهًا".

بالإضافة إلى ذلك، كتب روس جزءًا من خطاب باراك أوباما أمام لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية خلال الحملة الرئاسية لعام 2008، وذكر الخطاب أن "القدس عاصمة إسرائيل"، وأنه لا ينبغي تقسيمها مرة أخرى. وفي نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه، ذكرت صحيفة جيروزاليم بوست أن هذه "حقائق"، وفقًا لروس. 

سلسلة من التبريرات وكتاب يحتفي بقادة إسرائيل

يتيح معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، المجال أمام ممثلي جماعات الضغط لنشر الدعاية الإسرائيلية ومنحها الموثوقية من خلال المركز البحثي في واشنطن. على سبيل المثال، في عام 2001، وسط الانتفاضة الثانية، تضمنت إحدى إصدارات تقرير الشرق الأدنى، وهي نشرة إخبارية دورية تصدر عن آيباك، مقالًا ادعى فيه خبراء من المعهد أن "العنف الفلسطيني وعدم قدرة الرئيس ياسر عرفات على تقديم تنازلات هي التي أدت إلى المأزق الحالي” وليس قضايا المستوطنات، أو رحلة آرييل شارون إلى الأقصى.

وفي التاسع من سبتمبر/أيلول 2019، أطلق دينيس روس وديفيد ماكوفسكي -أحد أعضاء مجلس إدارة معهد واشنطن الآخرين- كتابًا بعنوان "كن قويًا وشجاعًا، كيف شكل أهم قادة إسرائيل مصيرها" يشيد بـ "أخلاقيات" أربعة من قادة إسرائيل، دافيد بن غوريون ومناحيم بيغن وإسحق رابين وآرييل شارون، الذين جعلوا إسرائيل "دولة قوية وواثقة من نفسها". 

مراجعة روس وماكوفسكي لكتاب “كن قوياً وشجاعاً: كيف شكل أهم قادة إسرائيل مصيرها” على موقع معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى
مراجعة روس وماكوفسكي لكتاب “كن قوياً وشجاعاً: كيف شكل أهم قادة إسرائيل مصيرها” على موقع معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى

عظمة بن غوريون، بحسب الكتاب، كانت تفانيه "الثابت" للصهيونية، وخاصة الهجرة اليهودية الجماعية وخفة حركته التكتيكية. أما عظمة بيغن، فكانت تكمن في أنه "يؤمن حقًا بأن الصهيونية يجب أن تكون متسقة مع الحريات المدنية"، ومفاوضاته الناجحة بشأن معاهدة السلام الدائمة مع مصر، و"أفكاره حول الحكم الذاتي"، والتي رغم أنها "لم تذهب إلى حد كافٍ" نجحت في "وضع القالب" لأوسلو. 

وفي ختام تحليل ماكوفسكي وروس لإنجازات بن غوريون وبيغن، يخلص الباحثام إلى أن كلاهما كان لديه "الشجاعة السياسية وفعل ما هو صحيح" لصالح إسرائيل والمنطقة.

باحثين غير محايدين

وفي الورقة البحثية المُشار إليها أعلاه، يصف الباحثان معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، بأنه "جزء من جوهر" اللوبي المؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة. إذ جاء في الورقة "على الرغم من أن معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى يقلل من أهمية ارتباطاته بإسرائيل ويدعي أنه يوفر منظورًا "متوازنًا وواقعيًا لقضايا الشرق الأوسط، إلا أن الأمر ليس كذلك. في الواقع، يتم تمويل وإدارة معهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط من قبل أفراد ملتزمين التزامًا عميقًا بتعزيز الأجندة الإسرائيلية... والعديد من موظفيه هم باحثون حقيقيون أو مسؤولون سابقون من ذوي الخبرة، لكنهم ليسوا مراقبين محايدين في معظم قضايا الشرق الأوسط، ولا يوجد سوى القليل من التنوع في وجهات النظر حول هذا الموضوع".

 ورقة بحثية نُشرت عام 2006 بعنوان "اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية"
 ورقة بحثية نُشرت عام 2006 بعنوان "اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية"

وفي عام 2011، وصفت صحيفة ذا نيويورك تايمز الأميركية المعهد بأنه "مركز أبحاث مؤيد لإسرائيل"، فانتقد المدير التنفيذي لمعهد واشنطن، روبرت ساتلوف، تعريف الصحيفة قائلًا إن اللقب "يسقط انطباعين خاطئين، أولًا، بأن المعهد لا يقدّر المصالح الأمريكية ويضعها فوق المرافعة الخاصة لقوة أجنبية وثانيًا، بأن المعهد معادٍ لسكان المنطقة من الفلسطينيين والعرب".

يذكر أن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى -وكذلك آيباك- يعارض الدعوات لوقف إطلاق النار في الحرب المستمرة بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة رغم أن الرغبة في تسريع وتيرة المساعدات الإنسانية للفلسطينيين "أمرٌ مفهوم" بحسب المعهد، إلا أن وقف إطلاق النار من شأنه "أن يبقي سيطرة حماس على غزة، ومن المؤكد أنها ستتمكن من إعادة البناء وإعادة التسلح، وإعداد نفسها لشن هجمات في المستقبل". في تجاهل شبه تام لكافة الدعوات لإسقاط الاعتبارات السياسية أمام الأزمة الإنسانية التي يشهدها القطاع وتتفاقم كل يوم.

اقرأ/ي أيضًا:

كيف رسمت منظمة ضغط إسرائيلية السياسة التحريرية لعشرات وسائل الإعلام الغربية؟

مهمة كناري: قوائم سوداء تستهدف الأكاديميين المنتقدين لإسرائيل

الأكثر قراءة