بعد وقوع كل كارثة طبيعية، يعود الحديث في الفضاء الرقمي عن مشروع الشعاع الأزرق، هذا المشروع الذي أصبح اسمه مؤخّرًا يقترن كثيرًا بالمشاهد التي تروّج لنظريّات المؤامرة، وتنتشر في كلّ مرة يحدث فيها زلزال أو تندلع حرائق، وغيرها من الكوارث الطبيعية، أو في المقاطع التي تعرض أجسامًا غريبة وكائنات فضائية.
يرى المؤمنون بنظرية مشروع الشعاع الأزرق أنّه مجموعة من الخطوات التي تمهّد لإنشاء نظام عالمي جديد، فيزعمون أنّ وكالة ناسا والأمم المتحدة تستخدمان تكنولوجيا وتقنيات متقدمة للغاية لتطبيق هذا المشروع.
كيف نشأت نظرية مشروع الشعاع الأزرق؟
أول من ذكر نظرية الشعاع الأزرق كان سيرج موناست، وهو “صحفي استقصائي” كندي، أسس الوكالة الدولية للصحافة الحرة في أوائل التسعينيات، وبدأ بنشر نظريات حول “الماسونيين والنظام العالمي الجديد”. ثمّ في عام 1994 نشر كتابًا أسماه: مشروع الشعاع الأزرق (ناسا). وصف فيه مراحل تأسيس دين عالمي جديد بالتفصيل. وفي عام 1996، توفي المؤلّف بنوبة قلبية، ممّا أثار الشكوك بين أتباعه، وجعلهم يعتقدون أنه قد سُمّم باستخدام سلاح المؤثرات العقلية، حسب وصفهم.
ويرى البعض أن نظرية الشعاع الأزرق، التي نشرها موناست، تتطابق مع سيناريو جين رودنبري، كاتب سيناريو ستار تريك. في سيناريو رودنبيري، يحاول الفضائيّون غزو الأرض وإرسال قادة دينيين إليها، يُصنعون عبر المحاكاة التكنولوجية، لتحطيم إيمان الناس ثم نشر دين جديد. وعندما رُفضت فكرة رودنبيري الأولية لسيناريو ستار تريك، صاغ فكرة أخرى، ولم يتجاهل النسخة الأولية المرفوضة ونشرها في رواية، وذلك قبل سنوات عدة من أن ينشر صاحب نظرية مشروع الشعاع الأزرق كتابه.
مراحل مشروع الشعاع الأزرق
وفقًا لما كتبه موناست في كتابه مشروع الشعاع الأزرق (ناسا)، سوف يُنفّذ هذا المشروع عبر سلسلة من المراحل، وصفها في الكتاب بالتفصيل:
المرحلة الأولى: اصطناع الكثير من الزلازل بتقنيات متطورة في مواقع محددة على الكوكب لتدمير المعارف الأثرية. ثم سيُزوّر منفّذو مشروع الشعاع الأزرق معلومات أثريّة وعلميّة ويدفعون العلماء إلى اكتشاف المعلومات المزوّرة الجديدة، ممّا سيُرشدهم إلى أنّ جميع المذاهب الدينية قد أُسيء فهمها على مدى قرون. وتهدف هذه الخطوة إلى إضعاف إيمان البشرية بدياناتها الحالية، وبخاصة المسيحية والإسلام.
المرحلة الثانية: عرض ضوئي ضخم في السماء في مناطق مختلفة من العالم في وقت واحد، باستخدام الليزر والصور المجسمة ثلاثية الأبعاد المعروفة بالهولوغرام مع أصوات ثلاثية الأبعاد، ستظهر لسكان كل منطقة صورة مختلفة على ارتفاع 60 ميلًا فوق سطح الأرض، تحاكي شخصيةً يؤمنون بها من الآلهة والأنبياء وغيرهم، كلٌّ بحسب دينه ومعتقداته، وتتحدّث هذه الشخصيات إلى كل قوم بلغتهم ولهجتهم.
المرحلة الثالثة: الاتصال التخاطري الإلكتروني للتّحكم بالأفكار. خلاله يستخدم المخطط تقنيات تكنولوجية تبثّ إلى عقول الناس ترددات منخفضة مثل ELF وVLF وLF عن طريق جهاز إرسال يبث موجات لها نفس تردد الجهاز العصبي البشري تصل إلى عقل كل شخص، وتتلاعب فيه، لإقناع كل واحد بأنّ إلهه يتحدث إليه من أعماق روحه، كما تستخدم لتعذيب الناس جسديًا وعقليًا عن بعد.
المرحلة الرابعة والأخيرة: افتعال مظاهر خارقة للطبيعة حول العالم باستخدام تكنولوجيا سريّة، وذلك عن طريق أمور عدة، من بينها إيهام البشرية بغزو الكائنات الفاضائية المدن الرئيسة على الأرض. مما سيُبقي الناس في حالة من الخوف والهلع، ويجعلهم يعتقدون أن النظام العالمي الجديد هو الجهة الوحيدة التي يمكنها حمايتهم ضد الغزاة.
كما ستجمع هذه المرحلة مزيجًا من القوى الإلكترونية والقوى الخارقة للطبيعة. سوف تُطلق تردّدات عبر الألياف الضوئية وكابلات التلفزيون والخطوط الكهربائية والهاتفية لاختراق النّاس في وقت واحد من خلال الأجهزة، والتحكّم بهم عن طريق رقائق مزروعة سابقًا.
الرّد على أبرز ادعاءات نظرية مشروع الشعاع الأزرق
اصطناع الزلازل والكوارث الطبيعية
لا يملك الإنسان قدرة تكنولوجيّة تمكّنه من اصطناع الزلازل أو التحكّم بالطقس تحكّمًا تامًّا، فضلًا عن السيطرة عليه في الكرة الأرضية كلها في وقت واحد.
قدرة الإنسان على التحكم بالطقس مقتصرة حاليًّا على الاستمطار الصناعي، وهي عمليّة تهدف إلى تحسين قدرة السحب على إنتاج المطر أو الثلج في مساحات محدودة، بتعديل نسب الهطول المطري فوق المناطق والأراضي التي تحتاج إلى الماء، أو عبر منع تساقط الأمطار الغزيرة أو تشكّل البرد أو الضباب فوق المناطق الزراعية لكي لا تتلف المحاصيل فيها، أو فوق المطارات المزدحمة لتسهيل الإقلاع والهبوط.
وهناك اختلاف كبير بين الاستمطار الصناعي في موقع واحد من العالم، حيث تعطى الغيوم دفعة ميكروفيزيائية دقيقة في الاتجاه الصحيح لكي تهطل الأمطار، والقدرة على التسبب بالعواصف أو الأعاصير أو العواصف الثلجية أو الفيضانات أو الجفاف أو منعها في أي منطقة من العالم وفي أي وقت. كما أنّ فعالية الاستمطار السحابي ما زالت غير مؤكدة مع العديد من العواقب المحتملة غير المقصودة، ولا يوجد ضمان لهطول الأمطار في كل مرة، لكنّها على الأقل نظرية مشروعة لتعديل الطقس مبنيّة على أساس علمي معقول للتجريب والتقييم. من ناحية أخرى، فإن التحكم بالطقس على المستوى العالمي يتجاوز بكثير القدرات العلمية والتكنولوجية وقدرات المعدّات البشرية.
تحدث الزلازل بسبب حركات الصفائح التكتونية والعمليات الجيولوجية الطبيعية. أما أن يستطيع الإنسان التسبّب بكوارث طبيعية واسعة النطاق مثل الزلازل، فهي مجرّد ادعاءات تدعمها بعض نظريات المؤامرة، إذ لا توجد أدلّة على وجود أجهزة يمكنها التسبّب بذلك، وقد أجرى مسبار تحقيقًا معمّقًا ردّ فيه على نظريات المؤامرة حول برنامج هارب، الذي تُثار حوله من حين لآخر بعض الشكوك في وسائل التواصل، وأثبت أنّه وفقًا للأبحاث والمصادر العلمية لا يمكن لهذا البرنامج التحكم بالطقس اليوميّ أو التسبب بالكوارث الطبيعية كالفيضانات أو الزلازل، كما لا يمكنه التحكم بالعقول.
الجدير بالذكر أنّه على الرغم من عدم وجود أسلحة تتحكم بالطقس وتفتعل الكوارث في الوقت الحالي، إلّا أنّه تفاديًا لحدوث ذلك إذا تطوّرت مثل تلك التقنيات في المستقبل، وقّعت غالبية الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة، اتفاقية دولية في عام 1976، تحظر الاستخدام العسكري أو أي استخدام عدائي آخر لتقنيات التعديل البيئي، وتشمل أي تقنية تتلاعب عمدًا بالعمليات الطبيعية لتغيير ديناميكيات الأرض أو تكوينها أو هيكلها، بما في ذلك الكائنات الحية والغلاف الصخري والغلاف المائي والغلاف الجوي، أو الفضاء الخارجي.
بث الهولوغرام في جميع أنحاء العالم
يعدّ بثّ صور ثلاثية الأبعاد على ارتفاع 60 ميلًا فوق سطح الأرض، لتكون مرئية في جميع أنحاء العالم في وقت واحد، عبر تقنية الهولوغرام، فكرة خياليّة. وسيتطلب تطبيقها على ذلك الارتفاع وعلى رقعة واسعة تشمل كل أنحاء العالم تحديات فنيّة هائلة تتعلق بالطاقة والدّقة والأحوال الجوية، فضلًا عن تحدّيات التكاليف المالية الضخمة، لأنّها ستحتاج كمية هائلة من الطاقة والمعدات الدّقيقة، مثل أجهزة الليزر والعدسات أو المستشعرات الرقمية وغيرها من المعدات والأجهزة.
على سبيل المثال تطلّب إنشاء هذه الصور ثلاثية الأبعاد بتقنية الهولوغرام 300 جهاز ليزر في لندن عام 2017 في حفل موسيقي، ومن الملاحظ أنّ الصورة قريبة من الجمهور، فكيف بها إن كانت على ارتفاع 60 ميلاً فوق سطح الأرض وكبيرة بما يكفي ليراها الناس في كل أنحاء الكرة الأرضية؟
وعلى الرغم من أنّ تقنية الهولوغرام حقيقيّة، إلا أنّه مع اختلاف ظروف كل منطقة في العالم، وعند الأخذ بعين الاعتبار توزّع الليل والنهار في البلدان، واختلاف شدّة الضوء وتنوّع الظروف البيئيّة، سيكون ضبط كل الصور لتكون مُقنعة بما يكفي وواضحة للجميع وبالجودة نفسها تحدّيًا كبيرًا، كما أنّ الصورة نفسها تختلف باختلاف زاوية نظر الناس إليها.
التحكم بـ"العقل" عبر الترددات المنخفضة
الادعاء بأنّ الترددات مثل التردد المنخفض للغاية (ELF)، والتردد المنخفض جدًا (VLF)، والتردد المنخفض (LF) يمكنها التحكم بعقول الناس ليس عليه إثبات علميّ قاطع حتى الآن.
الكائنات الفضائية
يزعم منظّرو مؤامرة الشعاع الأزرق أنّ الكائنات الفضائية ظهرت بالفعل، وتدلّ عليها المقاطع المنتشرة في الإنترنت. إلّا أنّه لا توجد حتى الآن أدلّة علميّة قاطعة على ظهور الكائنات الفضائية.
وفي التاسع من يونيو/حزيران 2022، أعلنت وكالة ناسا أنّها تجري دراسة مستقلة للحصول على بيانات دقيقة عن الكائنات الفضائية والظواهر غير المعروفة في الكون.
وقالت ناسا إنها تدرس الأحداث التي رصدها شهود عيان موثوقون، مثل الطيارين العسكريين فوق المجال الجوي للولايات المتحدة، وأضافت أنّه من غير الممكن علميًا تحديد إن كان ما رؤوه مجرد طائرة أم ظاهرة طبيعية معروفة.
وختمت التقرير بأنّه لا يوجد سبب يدفع للاستنتاج أنّ مصادر من خارج الأرض كانت سببًا في ظهور مشاهد الأحداث الشاذّة التي حقّقت فيها.
الرقائق المزروعة للتحكم بـ"العقل"
يختلف مدى اتصال الشرائح المتوفرة حاليًا للزراعة في جسم الإنسان باختلاف وظيفتها، وأطول نطاق اتصال بينها لا يتجاوز 100 مترًا. على سبيل المثال فإنّ شرائح NFC تتميز بنطاق اتصال قريب المدى، ولا تستطيع التفاعل مع الأجهزة الأخرى إن كانت تبعد عنها أكثر من 10 سنتيمترات.
وشرائح RFID تعمل بترددات راديوية ولها نطاقات اتصال مختلفة بناءً على ترددها. عادةً ما يتراوح نطاق الشرائح ذات التردد المنخفض منها (LF) من بضعة سنتيمترات إلى متر، في حين يمكن أن يكون للشرائح ذات التردد العالي (HF) والتردد العالي للغاية (UHF) نطاقات أطول، تمتد إلى 100 متر فقط. ولا دليل علمي على أنّه يمكن التحكم بعقول البشر من خلال هذه الشرائح.
أمّا الشرائح الطبية اللاسلكية، مثل تلك المستخدمة في أجهزة تنظيم ضربات القلب، أو الشرائح المستخدمة لمراقبة العلامات الحيوية في جسم الإنسان، فلا يوجد دليل علميّ على أنّه يمكن توجيهها للتحكم بعقول الناس.
وعلى الرغم من أنّ إيلون ماسك قد أعلن عن شريحة Neuralink، التي تزرع في الدماغ، إلّا أنّ ما زال أمامها شوط طويل لكي تُعتمد في الاستخدام الطبي وتوافق هيئة الغذاء والدواء الأميركية على استخدامها في العلاج وتصبح صالحة للاستخدام التجاري. كما أنّ الشركة المصنّعة لهذه الشريحة تواجه تحقيقات فيدرالية، بسبب اتهامها بأنّها كانت تتعجل وتفشل في إجراء عمليات جراحية على القرود والخنازير والأغنام، مما أدى إلى وفيات أكثر من اللازم بين الحيوانات. ومن الاتهامات الموجهة لماسك أنّه ضغط على الموظفين، للاستعجال بالبيانات ليحصل على موافقة إدارة الغذاء والدواء. بالإضافة إلى أنّ الهدف الأبرز لهذه الشريحة هو مساعدة الأشخاص الذين عجزوا عن الحركة بسبب الشلل على استعادة مهارات الاتصال المفقودة. وفي المستقبل، تعتزم مواصلة استعادة الوظائف الحركية والحسية والبصرية بالإضافة إلى علاج الاضطرابات العصبية، ما يعني أنّها لن تكون مزروعة في أدمغة كل البشر لتنطبق عليها نظرية المؤامرة، بل سوف يزرعها إن ثبتت فعاليتها الأشخاص الذين هم بحاجة إليها طبيًّا، والذين يقدرون على تحمّل تكلفتها.
الرد على مشاهد نُشرت لدعم نظرية مشروع الشعاع الأزرق
يستخدم مروّجو فكرة الشعاع الأزرق مقاطع فيديو كثيرة للتضليل، بيّن مسبار حقيقة بعضها في هذا التقرير:
مقطع غزو فضائي وهمي
من بين المقاطع المتداولة مشهد يدّعي متداولوه أنّه يصوّر غزوًا وهميًّا من الفضاء، يروّج لهذا المقطع في مناسبات متنوعة بادعاءات مختلفة، وقد بيّن مسبار حقيقة هذا المقطع سابقًا بأنّه مركّب، وهو منشور في حساب "jayhideaway" على منصة تيك توك، وبالاطلاع على محتوى الحساب يتبيّن أنّ صاحبه ينشر مقاطع فيديو من تصميمه.
مقطع فيديو “سلاح الدجال”
يستخدم المروجون لنظرية مشروع الشعاع الأزرق، مشاهد يدّعون أنّها لظهور المسيح الدجال في السماء، أو لظهور شخصيات غريبة، ولكن تكون هذه المقاطع مصممة لغايات فنّيّة أو تجاريّة إعلانيّة أو لغيرها من الأسباب، أي أنّهم يتقصّدون التضليل وتحريف حقائق المقاطع من أجل الترويج لنظريتهم.
تحقق مسبار سابقًا من مقطع انتشر على أنّه للمسيح الدجال وهو يطير في السماء، ووجد أنه منشور للمرة الأولى على "يوتيوب" منذ يناير/كانون الثاني 2018، في حسابٍ يعود لفنان يُدعى جيسين كارلوس، صممه بواسطة الكومبيوتر، وقد نشر هذا الفنان العديد من المقاطع المركبة المشابهة على قناته في موقع يوتيوب.
وعلى الرغم من أنّ موقع يوتيوب حذف قناة الفنان البرازيلي جيسين كارلوس التي نشر عليها المقطع، إلّا أنّ مسبار وجد الفيديو منشورًا في حسابه في موقع إنستغرام، مع الإشارة في وصف المنشور إلى أنّه عمل فنيّ من تصميمه.
أما مقطع الرجل الأعور، فهو مشهد ثلاثيّ الأبعاد، معروض على شاشة LED رقميّة ثلاثيّة الأبعاد، على جدران مجمع تجاري يدعى ESKY، في مدينة كاوهسيونغ في تايوان.
وأما مقطع الرجل المقنّع فهو أيضًا مشهد ثلاثيّ الأبعاد، معروض على شاشة LEDرقميّة ثلاثيّة الأبعاد، على جدران مجمع تايكولي التجاري، في مدينة تشنغدو في الصين.
ختامًا، يفتقر مشروع الشعاع الأزرق، الذي يُستشهد به غالبًا في نظريات المؤامرة، إلى أصول وأدلة موثوقة تدعم وجوده، كما أنّه ينافي المنطق والواقع في الكثير من تفاصيله، إنّه أشبه بتخيّلات وتفسيرات غير واقعيّة، ومن الضروري التعامل مع مثل هذه النظريات بعين ناقدة، والاحتكام إلى الأدلّة العلميّة والعقل والمنطق لتفنيدها والرّد عليها.
اقرأ/ي أيضًا
صور الوميض الأزرق من المكسيك وليست من سوريا خلال الزلزال الأخير
نظرية المؤامرة حول دور برنامج هارب في حدوث زلزال تركيا وسورية